ملف
محمد علوي عبدالرحمن باهارون
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 14 .. ص 75
رابط العدد 14 : اضغط هنا
مقدمة:
البحر هو ذلك المخلوق العظيم الذي روّضه الإنسان لمصالحه منذ آلاف السنين، فتنقل عليه من بلاد إلى بلاد، ووصل على ثبج أمواجه إلى الأغوار والأنجاد، واستخرج منه السمك الطري والأصداف والجواهر والحلي، قال تعالى: [وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا] [النحل: ١٤]. وهكذا صار البحر مصدرًا رئيسًا لحياة الإنسان القاطن على شواطئه وسواحله الخلابة، وقد شبه الشاعر العربي الكريم بالبحر حين قال:
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله
وشُبه به العلامة الكبير، فقيل في وصفه: العالم المتبحر، وقال الشاعر واصفًا أحد علماء حضرموت في القرن الماضي:
إن شئت نزرًا من صفات علومه فالخلق نهر وهو بحر دافق
والبحر قصة عشق لا تنتهي، ووسيلة حياة لا تنقضي، عجائبه كثيرة كيف لا وفيه من المخلوقات أضعاف ما هو موجود على ظهر اليابسة، ولهذا يقول فيه عمرو بن العاص عندما كتب إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: »إن البحر خلق عظيم، يركبه خلق ضعيف، دود على عود«.
وقد اهتم الحضارمة سكان سواحل حضرموت بالبحر وأُوْلِعُوا به فروَّضوا أمواجه، وخاضوا أثباجه، وتعرضوا للمخاطر حتى امتلكوا السيادة في التجارة والملاحة العربية، ونازعهم عليها البرتغاليون والهولنديون والبريطانيون، فقد نبغوا في فنونه المعرفية والعملية، ووصلوا بسفنهم الشراعية إلى موزمبيق، وإلى الفلبين وأستراليا، وإلى جزائر الواق واق في بحار أمريكا، وقد حفظ لهم التاريخ تلك المكانة السامية.
وكان البحر عاداته وأعرافه وأحواله المختلفة موجودًا في مدوناتهم وسجلاتهم اليومية، وفي أمثالهم الشعبية، وحياتهم الاجتماعية، ونقصد بالمدونات هي تلك الرحمانيات والمرشدات البحرية النثرية والنظمية، والروزنامات اليومية لتدوين رحلاتهم بين الموانئ التجارية ومذكراتهم التاريخية والشخصية، وهو ما سنتحدث عنه في هذه الورقة البحثية.
أولًا: العادات والتقاليد البحرية:
التصق بالعمل في البحر عدد من العادات والتقاليد التي كان البحارة يمارسونها في عرض البحار، أو عند رسوهم في الموانئ، وفي هذا المبحث نشير إلى بعض تلك العادات والأعراف البحرية التي دونها الملاحون في مرشداتهم وروزناماتهم البحرية:
هذه من أبرز عادات الملاحين الحضارمة، فقد كانوا يصطحبون معهم أبناءهم في رحلاتهم البحرية بعد أن يتخرجوا من العلمة لتدريبهم وتعليمهم فنون الملاحة البحرية، وقد أشار لذلك الشيخ أحمد بن محمد باعباد من أواخر ربابنة حضرموت (ت 1424هـ/ 2003م) فيما دونه من ذكرياته »سافرت مع والدي في السفن الشراعية بعد أن درست في المدرسة الابتدائية بالحامي إلى الصف الثالث الابتدائي وكان سني 12 سنة، تعلمت من والدي طريقة القياس واستخراج الطول والعرض حسب الكتب الموجودة عند والدي، وبعد ذلك حمّلني والدي المسئولية في اتجاهات السفر من بلد إلى بلد، وقد عرفت الكثير منه..«([1]).
وقد فاق التلميذ معلمه وبرز في فنون الملاحة البحرية والفلكية ومعرفة القياس حتى ذكر في مذكراته في إحدى سفراتهم إلى الهند أن والده غفل عن المجرى الصحيح فنبهه إلى ذلك فلم يلتفت إليه ولم يسمع كلامه حتى تيقن له ذلك عندما بدأ ينفد عليهم الزاد والماء فعندها سلم ابنه أحمد المذكور قيادة السفينة ونجا بها إلى بر الأمان.
ويحدثنا الربان عوض بن سعد بامعيبد (ت 1309هـ/ 1891م) في روزنامته من اصطحاب ابنه عبدالرحمن عوض في رحلته إلى الهند سنة 1301هـ والاعتماد عليه في القياس لميلان الشمس، وكان يقوم بكتابة يومياته الخاصة وتدوين ملاحظاته وقياساته، وربما تبادل مع أبيه لليوميات، وكان يختلف مع أبيه في القياسات([2]).
وبهذا تفرد ربابنة حضرموت عن غيرهم من الربابنة العرب، فمعارفهم نابعة عن خبرة وتجربة وليست نقلًا بالنص عمن سبقهم، فنجد الاختلاف بين الربان بامعيبد وابنه الربان عبدالرحمن، وكذلك عند الربان باعباد وابنه الربان أحمد فكل واحد منهم يعتد باجتهاده ومعرفته، وربما يرضخ الوالد لخبرة ابنه، كما حصل للربان باعباد عندما كان مسافرًا إلى الهند وأخطأ في قياساته، ولما تبين له ذلك سلم قيادة السفينة لابنه، كما حصل ذلك أيضًا مع الربان باعباد والربان سالم أحمد باصالح([3]).
وهي عادة بحرية قديمة تترافق فيها السفن في الطرق البحرية الطويلة، مثل رحلة الهند والبصرة، وهي تبدأ بأن يطلب نوخذة السفينة كتابيًا أو شفهيًا الترافق مع نوخذة سفينة أخرى، ويلتزم الجميع بقوانين تلك العادة، وأحيانًا يفترقون عندما يصلون إلى الموانئ العربية التي يعرفونها حق المعرفة، وفي هذا يقول الملاح باطايع في رحلته من مسقط إلى المخا عندما وصل إلى ميناء مرباط العماني الذي غالبًا ما تفترق فيه السفن:
إن كنت في شوق عدلت مجراك من فوق الكل مطلوق تبقى الخواطر رضية([4])
ويذكر الربان بامعيبد في روزناماته ترافق عدد من السفن معه في رحلته إلى الهند، وهي سفينة (الهاشمي) ملك السلطان القعيطي، وسفينة (محطة الرحمن) ملك ناصر أحمد بوبك، وقد استأذنه ناخوذتها لما وصلوا إلى قصيعر بالتوجه إلى الحامي، وهذا الاستئذان شرط من شروط السنجرة وتقاليدها([5]).
ويقول الربان محمد عبدالله باعباد في مذكراته: سافرنا من الحامي إلى البصرة في سنة 1345هـ الموافق 1925م في صنبوق (الزاهر) ملك محمد عمر بازرعة، وسنجارنا عوض سالم حوري، والسيد محمد صاحب من اللحية في صنبوق (الشاذلي) ملك بن الهاج ساكن في الزهرة، سنجارنا على بركة الله لحتى وصلنا إلى البصرة، ورحنا إلى عند وكيلنا سليمان الدكير وكيل بازرعة وطلبنا شحنة في الصنابيق الاثنين، وبقي أيام يتخبر على الأسعار التمر لحتى حول نحنا إلى المحمرة عند السيد محمد بركات اشترى تمر من جزيرة صلبوح، وحول نحنا على الشركة في جزيرة صلبوح، ورحنا وزادت معانا (الغنية) حق أهل مرباط، وفيها النوخذة عبدالله الحبشي([6]).
هناك عدد من الهدايا يقدمها مالك السفينة أو ناخوذتها كتحفيز وتشجيع، وهي تنقسم على قسمين: قسم يقدم للبحارة، وهم قائد الدفة، ومساعدوه (السكونية) عند اجتياز الرؤوس البحرية الخطيرة، ولبعض الشخصيات البارزة مثل مقدم ميناء سيحوت، يقول باطايع:
لك في وصالك سيحوت تصبح قبالك قل ذا جبالك قطعة عمامة هدية
أي يعتاد نواخيذ السفن عند مرورهم بسيحوت أن يقدموا لمقدم بندر سيحوت هدية تقليدية، وهي عبارة عن عمامة أو إزار أو نقد يعادل قيمة العمامة؛ لأن بندر سيحوت ذو أهمية ملاحية للسفن الحضرمية، ومنه تنطلق إلى موانئ شرقي إفريقيا.
وقسم يقال له (فولة) يقدم للأطفال عند الوصول بالسلامة إلى البلاد، ويقدم كقرابين للجن في أعالي البحار، وفي الرؤوس البحرية، وكلاهما يسمى بالفولة أي ضريبة النجاة، وهي من العادات القديمة منذ ما قبل الإسلام، يقول فيها الملاح باطايع عند وصوله رأس فرتك:
فولة على الرأس ذلك مسوس على ساس من هو فتى رأس يقسم لنا في الهدية([7])
يعتاد البحارة عند الوصول إلى الموانئ الشهيرة سواء في عُمان أو في حضرموت أو في عدن بتحيتها، فهناك تحية مشفوعة بالفاتحة تقرأ على روح صاحب الميناء، الذي اشتهر بها، مثل صاحب مرباط الشيخ محمد بن علي باعلوي، وصاحب شرمة الشيخ عمر المحضار، وصاحب المكلا الشيخ يعقوب بن يوسف، وصاحب بروم الشيخ مزاحم بن أحمد، وصاحب عدن الشيخ أبوبكر العيدروس، وصاحب المخا الشيخ علي الشاذلي، ولهذا يقال لها بندر بن علي، وبندر يعقوب، وبندر مزاحم، وبندر العيدروس، وبندر علي.
وهناك تحية للميناء بلعبة الكاسر البحرية، تقام لبعض الموانئ، مثل ميناء شرمة، وميناء الشحر، وميناء المخا، ولهذا يقول الملاح باطايع عند وصوله إلى شرمة:
ذا رأسها ارفع اضرب بطاسه ومرفع عشرين مدفع والفاتحة والتحية
للشيخ محضار يظهر كرامات اجهار بليل ونهار ما في العقيدة خفية
يقول المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف عند شرحه تلك الأبيات: »علينا أن نرتفع من الصخور الكبيرة التي أمام مرسى القرن ونحيي المحضار بطريقتنا البحرية الخاصة، وهي ضرب الدفوف والطبول والمدافع إجلالًا وتبركًا به؛ لأنه لا يحسن بنا كملاحين نعيش في فم الأخطار، ومحتاجين لكل دعاء صالح أن نخفي عقيدتنا في نفحات أولياء الله الصالحين«([8]). ويصف الأستاذ بامطرف ذلك المشهد قائلًا: »عند دخولنا بندر الشحر علينا أن نرفع أعلام الزينة والفرح على سفينتنا، وندخل الميناء في سير بطيء، وسفينتنا تتهادى في سيرها، وهي تطلق مدافعها الباروتية تحية لهذا الميناء التاريخي العريق، وبحارتنا يترنمون بأنشودة الكاسر على دقات الطبول والدفوف والتصفيق العنيف بالأيدي والتوقيع الأعنف بالأقدام على سطح السفينة. كل ذلك والشاطئ مليء بالناس المستقبلين للسفن، وفيها أبناؤهم وآباؤهم وإخوانهم وأقاربهم وأصدقاؤهم«([9]).
ويقول الملاح باطايع عند وصوله إلى ميناء المخا:
إن كنت دافع يا صاح ارمي مدافع هات المرافع وادخل بحزبة قوية
أي: علينا أن ندخل بندر المخا (بحزبة قوية)، أي: بمظهر رائع مؤثر بالأسلوب الذي دخلنا به بندر الشحر، تحية لهذا الميناء اليمني المشهور([10]).
ثانيًا: المخاطر البحرية والتحذير منها:
هناك جملة من المخاطر والأخطار البحرية التي دائمًا ما ينبه الربابنة عليها الملاحين، الذين يأتون من بعدهم ويسترشدون بمدوناتهم، وفي منظومتي الملاح باطايع عدد من تلك التنبيهات، منها: الانتباه لقائد السفينة، فخطؤه يؤدي إلى إهلاك الجميع، ويقول باطايع عندما وصل إلى رأس حافون:
حافون يأتيك عالي مرتفع من بعد ما قد تؤخر له دفع
سهيل لخضر مغيبه واستمع مولى الدرك وانتبه له لا ينام
ويقول عندما جاء إلى رأس مدركة:
قل هات لي هات ذا مدركة يا فتى جات القبض شلات والرطل يصلح أوقية
أي: إن في جزيرة مدركة يتلاقى عمقان للبحر: أحدهما أقل من مائتي باع، والآخر غزير أكثر من خمسمائة باع، فهذا يتوجب على السكونية أن يتناوبوا في قبض دفة السفينة في شلات، أي: نوبات ذات ساعة أو ساعتين؛ لأن أمواج البحر العالية تنهك قوة السكوني فيصبح رطله أوقية على حد المثل الحضرمي.
ويقول محذرًا من أماكن القرصنة:
لا بأس لا بأس ذا صوقرة بعدها رأس قرواو دساس حد القرى الجاهلية
أي: يأتي بعد صوقرة رأس شربثات، ثم بعده يأتي جبل قرواو الدساس لوجود الشعاب المرجانية المنتشرة حواليه في البحر، والتي ترتطم بها السفينة، وكذلك يوجد به مغارات القراصنة الذين يختبئون فيها ويتربصون بالسفن المارة التي تنشب في شعاب جبل قرواو ويغيرون عليها([11]).
ويذكر الربان عيديد بعضًا من تلك المخاطر والتحذيرات في مدونته منها: »إذا سافرت مثلًا من المكلا والميل محقق في واحد من البروج، والحطب والماء معك إذا وصلت فرتك ودخلت في الغبة وجاتك الشتا قبل وصولك البر ورجعتك إلى البحر رجولك قوية عندك الميل والحطب والماء شل طول من عدال المحل الذي رفعتك منه الشتا، اكتب الذي تحصله طرحه فوق طول المحل المذكور أعلاه واحسب. والحذر تسافر من الحامي بلا ماء كامل وحطب كامل الذي يؤدي بر الهند، تستأمن على الذي قدامك ولا تحصل ذلك والسلام«.
أي يرشد الربان إذا وصل إلى رأس فرتك وهبت عليه رياح الشتاء، التي تهب في فصل الشتاء بشدة من البر، أي من الجهة الشمالية إلى الجهة الجنوبية، وغالبًا ما يحذِّر منها الملاحون ويتوقفون عن السفر أيامًا عندما تهب، والذين تصادفهم تلك الريح وهم سائرون في عرض البحار ينالهم منها ضرر كبير عليهم أحيانًا، منهم من يرمي بعض حمولته لتفادي خطرها، وبعض السفن تغرق من شدتها، وبعضها تحتمي بخليج أو ميناء أو رأس بحري قريب([12]). ويأمر الربان عيديد ربان السفينة أن يقوم ببعض العمليات الحسابية، وهو أن يأخذ طول المكان الذي كانت سفينته تجري عليه ويطرحه من طول المحل الذي دفعته إليه تلك الرياح، والناتج هو طول المسافة بينهما، ثم يحذر في السفر من الحامي بلا ماء وحطب كافٍ للرحلة إلى موانئ الهند، ولا يعتمد (يستأمن) على الذي أمامه من الموانئ؛ لأنه ربما لا يجد شيئًا فيها فينبغي عليه أخذ الحيطة والحذر.
ومن إرشاداته للمبحرين حول رأس فرتك المعلَم البحري الشهير »هناك قطعة عدال رأس فرتك ابعد من البر 90 ميل في عرض 30ق 14ج، وفي طول 53ج 10ق، المجرى من فرتك إلى القطعة عقرب مطلع، ومن القطعة إلى فرتك عيوق مغيب«.
ينبه رحمه الله الملاحين على تلك القطعة (القشار) والشعب المرجانية المطمورة بالماء الواقعة مقابل رأس فرتك، فينبغي الابتعاد بالسفينة من البر مسافة 90 ميل بحري لئلا ترتطم السفينة بتلك القطعة المرجانية، فيحصل ما لا يحمد عقباه([13]).
ثالثًا: الحوادث البحرية والتعامل معها:
يتعرض البحارة وهم سائرون في عرض البحر لبعض الحوادث البحرية الطبيعية بسبب الرياح والعواصف، والبشرية التي يتسبب فيها البحارة أنفسهم، منها:
رابعًا: الأدب البحري عند الملاحين:
هناك أدب شعبي خاص بالملاحين من أهازيج ومواويل وترنيمات، ويذكر الربابنة في مدوناتهم بعضًا من قصائدهم أو قصائد غيرهم، التي كانوا يتسلون بها أو يحدون بها في وقت فراغهم، وتختلف مواضيعها، فبعضها في مقاسات البعد عن الأهل والأحباب، وبعضها في وصف معاناتهم اليومية بين عباب الأمواج، وبعضها في وصف السفينة وبحارتها الأشداء، وكان يوجد في كل سفينة مُغَنٍّ وراوٍ يعرف بصدر السمر، وهناك من يعزف على آلة السمسمية أو العود، ولهذا نجد في رحمانيات ربابنة حضرموت إضافة إلى معارفهم الملاحية والفلكية هناك صفحات تخصص لكتابة القصائد الدينية والغزلية، وغالبًا ما يسجلها كراني السفينة، كما نلاحظه في رحماني النوخذة سالم سالمين كعيتي (ت 1981م)، وأحيانًا تكون بعض تلك القصائد من نظم ناخوذة السفينة، فهذا النوخذة حسين بن سالم عيديد (ت 1941م) يصف لنا إحدى رحلاته الملاحية مع الربان محمد عبدالله باعباد عام 1922م، عندما هجمت عليهم عاصفة بحرية محملة بالأتربة حال عودتهم من عدن، بقوله:
قال الفتى بو محمد سار في البحر عازم من بعد هب النسيم
من بندر العيدروس المشتهر بو الكرايم من وقت سابق قديم
ثم قال مخاطبًا البحر:
يا بحر بيني وبينك خط شايم ولايم والصلح بيته يديم
ولا تكثر مواجك عا حسين بن سالم له قلب زاكي سليم([15])
ويقول الكراني الشاعر أحمد علوي مكنون في وصف إحدى سفن التاجر بازرعة مع النوخذة سالم سالمين كعيتي:
وبديت بك يا فرد يا معبود يا مولى الموالي اغفر ذنوبي يا معين
وذا السنة زانت وربك با يفرجها دوامي نا باطلع في فلك بازرعة ربين
منظوم في الوشرة وفي الوطية عياني اللوح من سوته عجبنا يا فطين
ما ذا السنة با سافر البصرة وبا جيب العماني وباعطي أهل المودة والضنين
وبا ملك من ولد بامطرف حسينات الثماني لي ثمنهن نحو خمسة وأربعين([16])
ومن الشعراء الذين سافروا مع السفن الشراعية الشاعر عبدالله سعيد باعمرو من شعراء الديس الشرقية (ت 1953م)، ومن قصائده التي تغنى به في إحدى رحلاته البحرية بسنجاره الربان العبقري عوض بن أحمد بن عروة (ت 1915م)، قائلًا:
يا من بتقديرك خلقت الكون وخلقت البشر وخلقت كل الكائنات والأمر في كاف ونون
والفي صلاة الله على أحمد عد ما شاع القمر شفيعنا يوم القيامة عند تعديل الوزون
من بعد ما غربت على الشمس قلت الله اكبر قمته مع رأس الجبل وطرحت بو خمسه قرون
ورميت بالسنجار خليته وسط بحر الخضر وعبرت عاشروين حي ذاك الجبل حول القرون
ما قدرت فارق بو حمد دار السياسة والفكر بن عروة المصيوت له فنين من فوق الفنون
رباننا والنوخذة له عرف في بحر وبر يعجبك في ضبط المجاري في وسيعات الخنون
خاض البحور العالية ما بدا جحب وإلا انكسر يقسم الديرة دقاري لا قد الحاجة دهون([17])
وهناك أدب ملاحي خاص بالنساء يعرف بالتجلوب؛ وهو عبارة عن الدعاء إلى الله والابتهال في جلب المسافرين إليهم بعد تأخر موعد عودتهم المقرر؛ حيث يجتمع النساء مساءً في إحدى بيوت الحافة، وهناك شاعرات خاصات بذلك، ذكر طرفًا من شعرهن المرحوم بدر أحمد الكسادي في كتابه (القاموس البحري)، منهن الشاعرة فاطمة كسادية من شعرها:
ذا السنة موسم الحامي عزم إلى كراشي يجاوش هناك
ومركب الميل من مسقط مصدر اليكم با يلبكم بالدراك
ومنهن الشاعرة فطامة كلالية من شعرها:
موسمنا بطى ريح البضايع تفتح باقي الموسم مصبح
خاف حص سنجار في القرب طرح باقي الموسم مصبح
لا تقولوا بطى دلى في النجم نصح باقي الموسم مصبح([18])
محمد علوي عبد الرحمن باهارون
مدير دار الحامي للدراسات والنشر وخدمة التراث الحضرمي
([1]) الرحلات البحرية لملاحي حضرموت إلى الخليج والهند وشرق إفريقيا، ص9، دار الحامي 2012م.
([2]) عبدالرحمن الملاحي، روزنامات الربان بامعيبد، ص85، 109، مركز حضرموت، المكلا، 2016م.
([3]) انظر: محمد باهارون، صفحات من حياة الربانين محمد عبدالله باعباد وأحمد سعيد باهيال، ص37، 38، دار الحامي، 2012م.
([4]) محمد بامطرف، الرفيق النافع على دروب منظومتي الملاح باطايع، ص62، مطبعة السلام، عدن، 1972م.
([5]) روزنامات بامعيبد، مرجع سابق، ص95، 109.
([6]) صفحات من حياة الربانين باعباد وباهيال، مرجع سابق، ص55.
([7]) الرفيق النافع، مرجع سابق، ص64، 65.
([8]) الرفيق النافع، مرجع سابق، ص68، 69.
([11]) الرفيق النافع، مرجع سابق، ص55، 57.
([12]) بدر الكسادي، القاموس البحري، ص247، 248، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2004م.
([13]) محمد باهارون، الربان الفلكي محمد عوض عيديد ومدونته البحرية، ص60- 62، دار الحامي، 2017م.
([14]) صفحات من حياة باعباد وباهيال، مرجع سابق، ص9.
([15]) مذكرات الربان أحمد محمد باعباد، مخطوط.
([16]) رحماني النوخذة سالم سالمين كعيتي، مخطوط.
([17]) باهارون، الربان بن عروة والعلوم الملاحية عند العرب، ص34- 36، دار الحامي، 2015م.