كتابات
أ.د. محمد بن هاوي باوزير
المكلا: عاصمة حضرموت وأكبر المدن الحضرمية، وتسمى قديمًا بالخيصة، ولم تعرف باسمها الحالي إلا عند إنشاء الإمارة الكسادية التي أسست بدورها المكلا، وزادت شهرتها ومكانتها عندما أصبحت حاضرة السلطنة القعيطية ومقرًا لإقامة السلطان[1].
تقع المكلا على ساحل البحر العربي إلى الشرق من عدن، وهي الميناء الرئيس لحضرموت، بل يأتي ميناء المكلا في المرتبة الثانية في الأهمية بعد ميناء عدن في جنوب الجزيرة العربية، وعن طريق هذا الميناء كان التبادل يتم بين حضرموت وعدن والخليج العربي والهند ومواني البحر الأحمر والصومال وشرق أفريقيا وغيرها من مناطق العالم.
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 14 .. ص 108
رابط العدد 14 : اضغط هنا
وفي عهد سلاطين الدولة القعيطية ونظرًا لتوسع النشاط التجاري في حضرموت زاد الاهتمام بميناء المكلا القديم (الفرضة)، ومن ثم صار الميناء الرئيس لحضرموت، أي بوصول السلطان عمر بن عوض القعيطي لسدة الحكم عام 1921م أدخلت بعض الإصلاحات للدولة القعيطية، وبخاصة في مدينة المكلا، فقد أسس جمرك المكلا، وأخضع الميناء لإشرافه بعد أن كان مؤخرًا الأسرة (جمعة لا لا) الهندية بمبلغ (170 ألف ريال سنويًا)[2] … وإلى أوائل الستينيات من القرن العشرين كانت عملية إنزال البضائع من السفن في ميناء المكلا (الجمرك) تتم بوساطة (ونش صغير) حمولته طنان ونصف، وعندما ازداد حجم التجارة في حضرموت ومينائها المكلا كان لا بدَّ على الدولة القعيطية أن تستبدل ذلك الونش، بونش آخر كبير، وقد تم بالفعل استيراده من لندن ليحل محل الونش القديم؛ لأنه لا يستطيع أن يواكب العملية التجارية المتطورة، والونش الجديد المسمى (كول) ينقل حمولة (15 طنًا)، وقد سار العمل في جمرك المكلا بوساطته.
وبعد مدة وصلت إلى الميناء صفائح خزانات تابعة لشركة (شل)، وهي خزانات البترول الموجودة حاليًا في (خلف)، وكان إنزالها إلى الميناء بوساطة الونش أو الرَافع الكبير (كول)، وشاءت الأقدار أن اختل توازنه وانقلبت يده الطويلة إلى البحر، وربما كان ذلك بسبب عدم تثبيت قواعد الونش عند تركيبه في أرضية الميناء بشكل محكم، وهو ما أكده المهندس البريطاني (مورس) في تقريره، المهم أن هذا الحادث أثار استغراب عمال جمرك المكلا وموظفيه، ومنهم الموظف بالجمارك الشاعر محمد سعيد بكير؛ حيث كان شاهدًا عيان للواقعة، الأمر الذي أثار قريحته الشعرية بقصيدة أراد فيها أن ينصف الونش القديم لخدماته الطويلة في الجمرك دون تعرضه لأي حادث يذكر رغم صغره من حيث الوزن ليؤكد بأنه الأفضل، بل نجد الشاعر بكير يسخر ويتهكم بالونش الكبير الجديد الذي فشل في حمولة صفائح البترول.
وهكذا يروي الشاعر هذه الواقعة بشيء من الطرافة في شكل مساجلة بين الونشين، علمًا بأن هذه الواقعة قد أثارت اهتمام كبار رجال الدولة القعيطية والمستشار البريطاني مستر (سنيل) وغيرهم، وها نحن أمام أبيات شعرية وحوار طريف بين الونش الصغير والونش الكبير الجديد القادم من لندن([3]):
الحوار بين الونشين: الونش الصغير: | ||
ذا فصل والثاني من الونشات دعوة مقدمة | المدّعي والمشتكي في الجمرك الونش الصغير | |
يقول أنا اقدم في الجمرك ويدّي مكرمه | ولي ملف وأوراق بيضاء فوقها شهادة مدير | |
إلا ونا بالزوبعة والنوبعة والدمدمة | وصرك([4]) قليل الخير لنته جيت من لندن تسير | |
نُصَّك سود والطالعي أصفر ويد مشدبه | من شاف كبرك قال يا مكبره ذا الونش الكبير | |
الونش الكبير: | ||
نا جيت من لندن من ورشة كبيرة معظمة | فيها قواسم صُفر لا قد شفتها عقلك يطير | |
فيها اثنا عشر ألف عامل واسعة منظمة | عشرين عامل يسكنوا غرفة وغرفة للخبير | |
أنا لقوا لي دبل دفريشن وأربع دينمة | وطوّلوا يدّي وحبلي لي لقوه ما هو قصير | |
ألفين من طرقي([5]) وسط لندن وشي في بورمه | لا قد دخلنا في الجمارك نعكر الدنيا عكير | |
انت غبر ودويل وحبالك دويلة ملكّمة | تفطن على صنقور والشبيه فرج عبدالنصير([6]) | |
الونش الصغير: | ||
جوّب صغير السن على صاحبه مول الهنجمه | وقال له دلحين بانفك الدفاتر والنظير | |
وصفك وخرطانك وباسك والهوى والجهدمه | تهدر ولا أنت مستحي بس فيش يكفي من هدير | |
قد جبتها وحده كما القارة كبيرة معممّه | نقلت خمسة طن وتفلقحت في هجر الهجير([7]) | |
مورسن([8]) وصّوا له طلع ضبحان نفسه ملقمة | وقال للهجري عمر([9]) هات حبل وحوّيه عطير | |
من شرقت البيضاء وهم في مداحشة ومزاحمة | تعبت عبدالله حسن وسنيل وتعبت الوزير([10]) | |
والتالية الدّكه تقع لي يا عليك محرمة | والله تجي لجنة وتعقد قبل يحصل شيء خطير |
[1] السقاف، عبدالرحمن بن عبيدالله، إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، ط1، دار المنهاج، بيروت، 2005م، ص109-124.
[2] الجعيدي، عبدالله سعيد، الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية في حضرموت 1918- 1948م، ط1، دار الوفاق، عدن، 2010م، ص 125- 127، عكاشة، محمد عبدالكريم، قيام السلطنة القعيطية والتغلغل الاستعماري في حضرموت 1939- 1918م، ط1، دار ابن رشد عمان – الأردن، 1985م، ص14- 15.
([3]) هذه المعلومات وكذا القصيدة مأخوذة عن محفوظات عبدالله سعيد بن دحمان، وهو موظف في جمرك المكلا منذ عام 1957م، وشاهد عيان للواقعة الظريفة التي حدثت بين الونشين، وذلك في أوائل ستينيات القرن العشرين، والقصيدة أيضًا لموظف بالجمارك وهو من أبناء مدينة المكلا (الشاعر محمد سعيد بكير).
([6]) صنقور وعد النصير: من أسماء المعمرين ( كبار السن) في البلدة.
([7]) تفلقحت: سقطت في عز النهار.
([8]) مورسين: إنجليزي مدير ورشة المكلا الهندسية.
([9]) عمر الهجري: مسئول العمال بميناء المكلا.
([10]) عبدالله حسن : نائب مدير الورشة، وسنيل: المستشار البريطاني، والوزير حينها (جان خان).