ملف العدد
أحمد زين باحميد
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 15 .. ص 22
رابط العدد 15 : اضغط هنا
بين صورته المنشورة على الورق وبين نبرة صوته الأجش تشعر بضخامة الشخصية، ورجاحة الفكر، ورصانة العبارة، ورؤى عميقة، ولأن شعره قد ابيض فمن خلف نظارة سميكة، يتحدث بهدوء ويسترسل ليمتعك دقائق معدودات.
الشيخ والأستاذ ورئيس مجلس إدارة (مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر) محمد سالم بن علي جابر، على هامش جلسة المساء التقيته في واحدة من قاعات المبنى.
حاوره: أحمد زين باحميد
• كيف كانت الفكرة وبداية التأسيس للمركز؟
– أعتقد بأن فكرة إنشاء مركز يُعنى بتاريخ حضرموت أو بالوثائق الحضرمية أو بالتوثيـق لحضرمـوت وتراثهـا وأعلامها وتاريخها وبلدانها ليست وليدة اليوم وليست صادرة من عندي شخصيًا، بل يحملها كثير من الناس تناقشناها كثيرًا في أكثر من مجلس مع كثير من المثقفين بضرورة إنشاء مركز منذ سنوات، لكن أي فكرة تظل حبيسة، إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى أن تظهر وتبرز للناس.
فالفكرة كنا نتداولها مع الإخوة في السعودية أو في اليمن عندما نزور البلاد، ونلتقي ببعض المثقفين ونشعر ونستشعر الحاجة الملحة لمثل هذه المراكز لخدمة الثقافة الحضرمية والتاريخ الحضرمي. حتى قررنا أن نجعل هذه الفكرة واقعًا ملموسًا، وبدأنا بإشهار (مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر)، كان ذلك في 20 ديسمبر 2015م ونحن الآن نطوي العام الرابع من عمر المركز المديد بإذن الله تعالى حقق فيها المركز الكثير من أهدافه، ونتطلع إلى أن تكون هناك مراكز متعددة وأن يكون بينها تعاون وتنسيق، فحضرموت أكبر من أن يحتويها مركز أو اثنان، حضرموت بحاجة إلى كثير من المراكز لتغطي كافة الجوانب الفكرية والثقافية وبقية الجوانب الأخرى.
• اهتمامكم بالتاريخ هل هو نابع من خلفية تاريخية معينة؟
– الاهتمام بالتاريخ هو من باب التخصص، نريد أن ننجح في جانب معين لأننا نعيش في عصر التخصصات والتشعب وتعدد المجالات قد يجهض المشروع ويفشله، ولكن عندما نركز على جانب محدد ونحدد وجهة خاصة فنحن أقرب إلى النجاح كثيرًا.
ليس عندي خلفية تاريخية، ولست مؤرخًا ولكني محب للتاريخ منذ نعومة أظافري، فأنا أقرأ في تاريخ حضرموت منذ أن كنت في العاشرة والحادية عشرة من عمري، وكنت ألمس الفجوات التاريخية في التاريخ الحضرمي، وكنت ألمح التقصير الكبير في جانب التوثيق لتاريخ حضرموت، فلما تقدم بنا العمر لاحظنا المشكلة بشكل أكبر وأن التاريخ الحضرمي لم يكتب بصورة مثلى، وأن ما كتب منه فإنه إنما كتب بوجهات نظر معينة فردية يعتورها الكثير من القصور، ونحن نسعى في المركز لأن يكون مركزًا أكاديميًا متخصصًا يعالج القضايا الفكرية والتاريخية معالجة أكاديمية، وأن يحيط بالقضية من جوانبها كافة، وبذلك نحصل على مادة تاريخية هي أقرب إلى ما تكون عليه الحقيقة، وإن كانت الحقيقة عزيزة في هذا المجال.
• اليوم وقد قطعت هذا الشوط من عمرك المديد كيف تنظر إلى ما حققته وتقييم ذلك؟
– بفضل الله عز وجل في (مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر) شهدنا ولمسنا التعاون الكبير في إنجاح فعاليات المركز، وفي إنجاح أهداف المركز، والوصول بالمركز إلى أهدافه التي رسمت له وبشكل كبير ومتسارع وفق الظروف التي نعيشها، فالمركز أسس في 1435هـ/ 2015م، والمكلا حينها كانت في وضع سياسي صعب، كانت تحت سيطرة القاعدة في ذلك الوقت، ولكن من فضل الله عز وجل برغم الظروف السياسية التي تحيط بالبلاد والتي انعكست على الجانب الاقتصادي أيضًا استطاع المركز أن يمضي بخطى ثابتة، وأن يحقق الكثير من الأهداف.
وفي هذا المجال يطيب لي أن أشكر كل من أسهم سواء شارك بأبحاثه أو بحضوره أو بتشجيعه أو بجاهه وأخص من شارك بماله في إنجاح المركز وتحقيق أهدافه ونشاطاته وهم كثر، وسيأتي اليوم الذي نرد لهم فيه الجميل، ونعبر لهم فيه عن شكرنا وتقديرنا لهم لما قاموا به نحونا.
• رؤيتكم للمؤتمرات العلمية التي أقمتموها ولهذا المؤتمر؟
– نحن نخوض لأول مرة تجربة إقامة المؤتمرات العلمية، ونخوضها بفكر أكاديمي علمي بحت، ولكن لا شك أن أي تجربة بحاجة إلى بحث وتطوير، وأن ينظر إليها من جوانبها كلها، وأن تقوَّم بصورة شاملة، ونحن الآن نطوي هذه السلسلة التاريخية التي تبناها المركز منذ إنشائه، وهي التاريخ والمؤرخون الحضارمة عبر القرون ابتداء من القرن السادس الهجري، لنبدأ مستقبلًا في عنوانات جديدة، وهذا ما يتعلق بالمؤتمرات المحلية.
وهناك خطة أخرى تتعلق بعقد مؤتمرات دولية لتسليط الضوء على فعالية دور الحضارمة في المهاجر التي هاجروا إليها، وابتدأنا بمؤتمر في إندونيسيا عن فاعلية دور الحضارمة في إندونيسيا، وكان المؤتمر في أكثر من سبعة محاور، وشارك فيه أكثر من خمسة وعشرين باحثًا من مناطق مختلفة من السويد والنمسا، ومن أمريكا واستراليا وكوريا واليابان، ومن الوطن العربي، إضافة إلى باحثين إندونيسيين وماليزيين.
• هناك من يقول إن أدب المهجر المشرقي هو أدب الحضارمة هناك فكيف تعلقون على ذلك؟
– إذا نجح اللبنانيون في نقل الثقافة العربية إلى أمريكا الجنوبية، فقد سبقهم الحضارمة إلى شرق آسيا والهند وأسسوا هناك عددًا من المؤسسات الثقافية التي تعنى بالثقافة والأدب بشكل عام، وقد أنشئت أكثر من أربعين صحيفة ومجلة في سنغافورة وإندونيسيا إذ صدرت أول صحيفة عام 1323هـ/ 1905م في سنغافورة تسمى (الوطن) رأس تحريرها حسين علوي بن شهاب الدين، وكان الحضارمة هم ناشروا صحف كثيرة هدفها نشر العلوم الدينية والفكرية والثقافية، وكذا صدرت صحفٌ أخرى مثل صحيفة (الإمام)، و(الإقبال)، و(البشير)، و(الميزان)، و(السلام)، و(الإرشاد)، و(القسطاس)، و(الوفاق)، و(حضرموت)، و(الشفاء)، و(الأحقاف)، و(الإصلاح)، و(الذكرى)، و(الترجمان)، و(المرشد)، و(البلاد)، و(برهوت)، و(الرابطة)، و(المصباح) وغيرها، كلها صدرت على يد حضارمة كانوا يتنافسون في ثقافتهم، حتى إن بعض تلك الصحف نشر باللهجة الحضرمية كما كانت عليه صحيفة (الشعب الحضرمي)، التي رأس تحريرها فرج طالب الحضرمي عام 1933م، وتضمنت عددًا من الأزجال الشعبية.
• على مشارف 2020م كيف تنظرون للمستقبل وما هي خططكم القادمة؟
– نحن الآن بهذا المؤتمر قد طوينا مرحلة من مراحل التأسيس، والعام الجديد 2020م سيبدأ بخطة جديدة لمدة ثلاثة أعوام قادمة، الخطة مكتملة الأركان ستكون وتشمل نقلة نوعية لطرح المركز للقضايا ونقلة نوعية لمعالجة تلك القضايا، ونحن نسعى من خلال خطتنا القادمة أن ندشن مشروعنا العالمي مشروع الموسوعة الحضرمية، وهي موسوعة ضخمة جدًّا، وقد تصدر فيما لا يقل عن أربعين مجلدًا إذا ما قدر لها الاكتمال، فهذه موسوعة سعينا من خلال الاحتكاك بالموسوعات العالمية لنجعلها بإذن الله تعالى وفق المعايير التي وضعناها والخطة التي رسمناها لهذه الموسوعة، لست أنا ولكن فريق متكامل يعمل في هذا المجال، ووصلنا بخطة محكمة وبإذن الله تعالى ستكون ذات معايير وجودة عالمية تجعل المؤسسة بعد صدورها مرجعًا علميًا موثوقًا في الجامعات الأخرى.
نحن لا نكتب تاريخنا لأنفسنا فقط وإنما نريد الآخرين أن يتعرفوا على هذا التاريخ أن يتعرفوا على هذه الثقافة وعلى حضرموت وما تحتويه حضرموت من موروث ثقافي وتاريخي عميق.
نريد العالم الغربي والعالم الشرقي نريد العالم الأدنى والعالم الأقصى أن يتعرف على هذا التراث، ولن يكون ذلك إلا إذا كتبنا تاريخنا بمعايير علمية وفق الجودة العالمية المطلوبة.
• الطير المهاجر محمد سالم بن علي جابر وأنت تسافر ذهابًا وجيئة كيف تجدك؟
– كنت سعيدًا وأنا بينكم وبين الإخوان في هذا المؤتمر، وهذه الفعالية (المؤتمر الرابع) هي الفعالية الوحيدة التي أحضرها بالمكلا من إنشاء المركز، وأعتقد أنها فرصة طيبة أن تمكنت من الحضور لنعلن إنهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة في (مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر)، فهذا المركز هو مركز حضرموت لكل الحضارمة بكل أطيافهم وتوجهاتهم الثقافية والفكرية والاقتصادية، نسعى أن يكون محايدًا وعلى مسافة واحدة من كافة الشرائح الحضرمية.