ملف العدد
أحمد زين باحميد
إدارة الإعلام والثقافة بالمركز:
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 15 .. ص 16
رابط العدد 15 : اضغط هنا
في تقليد سنوي صارم، وتحديدًًا في التاسع عشر من ديسمبر من كل عام يقيم (مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر) مؤتمره العلمي السنوي، الذي بدأه في العام 2016م. وفي التأكيد على هذا الموعد المنضبط إشارة مقصودة من إدارة المركز للمجتمع المثقف، والمجتمع عمومًا، إلى مدى ما يتمتع به من علمية ومنهجية وصرامة إدارية، حتى صار المؤتمر أمرًا واقعًا لا يمكن للمركز أن يحيد عنه ما دامت ارتبطت به كوكبة من أساتذة الجامعات، والباحثين، والطلاب، والمثقفين المهتمين.
وكالعادة بدأت أعمال المؤتمر الرابع (التاريخ والمؤرخون الحضارمة في القرن الثالث عشر الهجري- التاسع عشر الميلادي) بالمكلا لهذا العام 2019م بجلسة افتتاحية بُدئت بآي من القرآن الكريم تلاها الأستاذ عبدالله سعيد بن علي جابر، ثم بكلمة لمدير المركز أ. د. عبدالله سعيد الجعيدي، قال فيها: (إن القرن التاسع عشر قرن استثنائي فهو قرن الاختراعات وحركة التطور)، وأضاف: (وحضرموت في ذلك القرن لم تكن معزولة عن العالم، فقد تغيرت فيها اللعبة الدولية، وفتحت أبواب الهجرة بعد ظهور البواخر) في إشارة منه إلى أن الموقف السياسي في حضرموت يتغير مثله مثل أي بلد وفقًا للمتغيرات العالمية، وأن روح العصر تقترب حتى من البلدان الأكثر انغلاقًا مما لا يمكن لها أن تحيد عنه.
بينما قال الأستاذ محمد سالم بن علي جابر رئيس مجلس إدارة المركز في كلمة افتتاحية له: (إن أمة لا تملك تاريخها أمة عمياء)، مما يعني مزيدًا من الاستقصاء في قراءة التاريخ؛ بوصفه أطوارًا أساسية مهمة في فهم الحاضر، متلازمة تلازم السبب والمسبب.
هذا وقد ناقش المؤتمر في جلساته عددًا من الأوراق، منها: الصراع الكسادي – البريكي، والتدخلات العثمانية في الشأن السياسي الحضرمي، والصراع على الحكم وأثره على الحياة العامة، وأبرز ما طرأ من متغيرات سياسية في القرن التاسع عشر الميلادي، وأخبار حضرموت في وثائق المراسلات اليافعية، وشخصية ابن قملا ودوره في حضرموت عبر وثائق تنشر لأول مرّة، وملامح التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحضرمي في ذلك القرن، وأثر الربابنة والنواخذة الحضارم في الملاحة والتجارة البحرية، والأوضاع السياسية والتدخلات الخارجية في حضرموت، والاهتمام بالعمارة الحربية في ذلك القرن، ونظام الري في عهد الإمارة الكسادية، وغيرها من أوراق متعددة العنوانات بلغت سبع عشرة ورقة بحثية، تم إجازتها من قبل لجنة علمية خُصصت لهذا الغرض.
ويمكن القول إن المؤتمر اشتمل على مجموعة من المحاور التي ركزت في اتجاهها الأساسي على محاولة قراءة الحاضر من خلال الماضي بتأكيد الإيجابيات وتجاوز السلبيات في المناحي السياسية والاجتماعية والعلمية في ثلاث جلسات، حظيت بنقاش جيد معزز بنظام المعرفة الذي لا يسعى إلى التوفيق بين الأفكار بقدر ما يهدف إلى غربلتها وفحصها بوصفها جزءًا مهمًا في طريق التجربة الحياتية والعلمية الممتدة في تاريخ الحضارمة، فضلًا عن التجربة التأليفية لدى مجموعة المؤلفين المسهمين في كتابة تاريخ القرن التاسع عشر.
وإن التركيز على وثائق تنشر لأول مرة في ثلاثة من أبحاث المؤتمر يشير إلى الجهد الذي بذله الباحثون في التنقيب والبحث، وإلى محاولة الوصول بالأبحاث إلى ما يفتح الجديد، وينبه إلى أن هذا الخط مرتكز أساسي للمركز بعيدًا عن الحكم الأيديولوجي والانفعالي، ووصولًا إلى الحكم المبني على الوثيقة حتى تتضح الأبعاد بصورة وافية عبر مزيد من الدراسات والتحليلات المستقبلية.
وقد كان لحضور اللواء الركن فرج سالمين البحسني محافظ محافظة حضرموت قائد المنطقة العسكرية الثانية الجلسة الختامية للمؤتمر أثره الرمزي في تقدير دور المركز والقائمين عليه؛ حيث أعرب عن سعادته بتنظيم هذا المؤتمر العلمي الرابع الهادف كسابقه من المؤتمرات والندوات إلى الاهتمام بالتراث والتاريخ الحضرمي المتجذر في الأعماق، مشيدًا بجهود (مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر) وكل العاملين فيه والداعمين له. وقال المحافظ البحسني: (إننا نسعى لتقديم حضرموت للعالم بشكل أفضل في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات والمحافل الإقليمية والعربية والدولية)، مشيرًا إلى أن التراث والثقافة والتاريخ في حضرموت بحاجة إلى المزيد من البحوث والدراسات المكثفة، ودعا إلى الاستمرارية في تنظيم مثل هذه المؤتمرات العلمية والثقافية وإقامتها، مؤكدًا في سياق حديثه وقوفه ودعمه الكامل لـ(مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر) لتحقيق الطموحات التي تسعى قيادة المركز إلى تحقيقها.
وفي إشارة رئيس مجلس إدارة المركز الأستاذ محمد سالم بن علي جابر في كلمته الختامية (بأننا ونحن نطوي العام الرابع من حياة المركز حققنا الكثير من الإنجازات رغم أنها كانت مرحلة تأسيس) ما يدفع إلى مزيد من التحولات التطورية القادمة التي من أبرزها إصدار (الموسوعة الحضرمية)، التي ستقدم مرتكزات وثائقية لخمسة اتجاهات كبيرة في حضرموت هي الأعلام، والقبائل والأسر، والبلدان، والتاريخ القديم، والمهاجرون. فهذا الخط العقلاني المدروس الذي يعرف كيف يتطور، وكيف يدرس، بحاجة إلى مزيد من الدعم المادي والمعنوي من المعنيين الحضارمة قبل غيرهم من رجال الفكر والمال لا سيما أنه يقوم عليه أساتذة اختصاصيون مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، فهي فرصة ذهبية تاريخية يجب ألا تفوت على أحد من المعنيين، وألا يتركوها للفشل، ففي ما مضى من عمر المركز القصير منذ إنشائه، وكما قال الأستاذ بن علي جابر: (أقام مركز حضرموت أكثر من 40 فعالية، شملت عددًا من المؤتمرات، أحدها كان في جاكرتا بإندونيسيا، إلى جانب الندوات، وحلقات النقاش، والمحاضرات التي أقيمت في المكلا وغيرها من مدن ساحل ووادي حضرموت، شارك فيها أكثر من مائتي باحث، وأرشفة ما يقرب من ربع مليون وثيقة حضرمية، بحيث يضاهي مشروع الموسوعة الحضرمية الموسوعات العالمية ويتم اعتمادها من أكبر الجامعات العالمية، وتترجم إلى اللغات العالمية، الأمر الذي سيحدث نقلة نوعية في ثقافتنا، وإبرازها للعالم الخارجي؛ ليعرف العالم ما هي حضرموت وما هو الإرث التاريخي العظيم الذي لديها)، وفي هذا ما يشير إلى أن ما يتعلق بحضرموت بعد إصدار الموسوعة بمشيئة الله لن يكون وحدة غائبة، بقدر ما تقترب من اليقين الذي سيحتل موقعًا فاعلًا في معرفة الإنسان الحضرمي لذاته، وتشخيصها من قبل الدارسين في حركتها التاريخية النشطة، الأمر الذي سيكشف عن مدى حضور أثر الماضين في الحاضر، ومدى حضور الحضرمي في ذاته بما هو كائن امتزج فيه المكان والتاريخ والمعرفة والهجرة، وتأثير الوجاهات الروحية والاجتماعية.
من جانبه قال أ. د. عبدالله سعيد الجعيدي رئيس (مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر) بأن المؤتمر العلمي الرابع يأتي ضمن فكرة المركز بتحويل الذكرى السنوية لتأسيسه من فعاليات مهرجانية إلى ذكرى علمية رصينة وراقية، مشيرًا إلى أن من أبرز أهداف (مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر) هو خدمة تاريخ حضرموت وتراثها وتوثيقه والحفاظ عليه، والاهتمام بالتاريخ بشكل عام، وبدرجة أساسية الاهتمام بتاريخ حضرموت؛ كونه تعرض للإهمال خلال الفترات الماضية، مؤكدًا بأن المؤتمر العلمي الرابع يأتي ضمن مجموعة من المؤتمرات التي أقامها (مركز حضرموت)؛ حيث شهدت الأربع السنوات الماضية تحريكًا للمشهد الثقافي في حضرموت نتيجة الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل المركز، والتي أسهمت بشكل كبير في شد انتباه الباحثين والمؤرخين إليه. وفي هذا الذي يقوله أ. د. الجعيدي ما يعني تحول التاريخ إلى حدث ملموس من خلال إعادة قراءته وتحليله، بحيث يعاد ترسيخه في الوعي الاجتماعي بالصورة المثلى التي تعنى بتحديد دوافعه واتجاهاته، بحيث يحتل جزءًا من الصدارة في حرية اختيار الإنسان لتاريخه المبني على أسس سليمة، وطي ما كان سيئًا ليدخل في إطار الإضافات الزائدة.
هذا وقد شهد المؤتمر العلمي الرابع في ختامه حفلًا أنيقًا لتكريم مخرجي أفضل فيلمين تسجيليين عن (السقاية في حضرموت)؛ حيث فاز حسن بن عقيل بالجائزة الثانية، وأ.خالد مدرك بالجائزة الثالثة، فيما حجبت الجائزة الأولى. وفاز أ. طه ناصر المشطي بالجائزة الثانية لأفضل بحث تاريخي عن (الكيانات الحاكمة في المدن الحضرمية في العصر الوسيط)، كما تم تكريم الباحثين والمساهمين في إنجاح المؤتمر.
ومن أبرز الشخصيات التي حضرت المؤتمر محافظ محافظة حضرموت، قائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء الركن فرج سالمين البحسني، واللواء الركن عويضان الجوهي رئيس هيئة أركان المنطقة العسكرية الثانية، وأ. د سالم مبارك العوبثاني نائب رئيس جامعة حضرموت للشؤون الطلابية، ود. عبدالله محمد بن شهاب نائب رئيس جامعة سيئون للشؤون الأكاديمية، ود. صادق عمر مكنون نائب رئيس جامعة الأحقاف، وأ. أحمد بن دويس مدير مكتب وزارة الثقافة بوادي حضرموت، ود. محمود السالمي مدير مركز عدن للأبحاث والدراسات، وعدد من أساتذة جامعات عدن وحضرموت وسيئون.