أسرار القدماء في الطب القديم.. وأعشاب حضرموت في الصدارة
أضواء
سالم محمد بجود باراس

المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 15 .. ص 37
رابط العدد 15 : اضغط هنا
ما أجمل أن نعود لأحضان الطبيعة، بمائها الصافي الزلال، وهوائها النقي، وطعامها الشافي، ونفرُ فِرار الصحيح من المجذوم، من كل ما أخرجته أمعاء المصانع، فهو السم والموت البطيء، فهل من عودة إلى ذاك الزمان الأول؛ عصر الأجداد، يأخذ أحدهم منجله ويغدو إلى مزرعته، ويحرث فيحصد ما زرع، لا يعرف مواد كيميائية سامة، مهلكة للجسد ممرضة للأبدان، كانت أجسادهم قوية متينة، رغم قلة طعامهم؛ ولكنه خالٍ من كل ما نجده اليوم من سموم وحميم، فكثرت الأمراض وعمَّ البلاء، وزاد المرضى، والله المستعان.
في هذا المقال سوف نستعرض شيئًا من عبق ذلك الزمان الأصيل، في علاج الأمراض بكل بساطة وسهولة، فعند التشخيص يكون العقل حاضرًا والحكمة والفراسة تسبق العمل والوصف للعلاج، عندما يكون هَمُّ الطبيب الكسب والمال، يكون الضمير الإنساني في إجازة مفتوحة، وتكون أرواح البشر مستباحة، كثر الأطباء فزاد المرضى.
حكمة القدماء في العلاج:
كان أحد الأطباء القدماء، وأظنه ابن سيناء، عندما جاءهُ مريض يشكو وجعًا شديدًا في بطنه، عجز الأطباء عن علاجه، سأله عن مهنته، وماذا يأكل ويشرب؟ فقال الرجل: كنت صاحب إبل، فعرف ابن سيناء سبب وجعه الشديد، وأنّ هناك دويبة تلتصق بالإبل تسمى بحضرموت (قراد)، فربط بخيط قطعة من أمعاء الإبل، وجعل المريض يبلعها، وبعد لحظات، ولمعرفة الطبيب الحاذق الخبير، بأنّ (القراد) يشم ويلتصق بجلد الإبل، خفّ وجع المريض، وشعر بالخيط يتحرك، سحبه ابن سيناء وتخلَّص الرجل من ألمه ووجعه.

كنت أُدوِّن الكثير من هذه الوصفات من أفواه الحكماء، ودونت تجارب مهمة في كتابنا المسمى (السراج الوهاج في معرفة العلاج) طبع عام 2018م، فالذي شدني الذكاء والفراسة ودقة التشخيص قبل وصف العلاج، كان هناك شخص بلغ من العمر عتيًّا، مُدمن على المُداع (شيشة) ثم تركها، وبعد سنة مرض هذا الشخص بمرض جلدي خطير، وحساسية مفرطة، ذهب به أبناؤه إلى معظم الأطباء، ووصفوا له العلاج تلو العلاج، ولكن دون جدوى، فوالدهم يبيت ليله ونهاره، يحك جلده بأظافره، ويصيح من هذا المرض الغريب.. فجاء أعرابي إليهم بعد أن عرف مرضه وقال: أنا أعرف علاجه.. وكان العلاج الغريب والمستغرب، أن نصحه للعودة (للشيشة)، كما كان يفعل في السابق، وبعد أسبوع شُفي تمامًا من جميع مرضه، أعرف أبناء هذا الرجل حق المعرفة، فطريقة العلاج تثير الدهشة والاستغراب، ولله في خلقه شؤون.
فلما قصصتُ على أحد العقلاء تلك القصة الغريبة، قال لا تستغرب، لقد كنت بالمملكة العربية السعودية، وكان هناك رجل يشكو من صداع رهيب، فلم يترك طبيبًا إلا وذهب إليه، ولكن دون جدوى، فجاء رجل أعرابي إلى أولاده؛ بعد أن سمع بمرضه، وقال: أنا إن شاء الله أُعالجه.. فدخل وسلم عليه، وأمر الجميع أن يتركوهما وحدهما.. فقال له: أصدقني القول عن مهنتك قبل أن تصبح غنيًا وذا مال وعيال؟ فاستحيا الرجل، ثم قال: كنت أعزك الله أحمل العذرة، لسنوات طِوال لكي أعيش أولادي، ثم كما ترى أصبحت غنيًا، ولا أحد يعرف سر مهنتي إلا أنت وأنا.. فحينها قال له الأعرابي: علاجك بيدك، عليك أن تدخل الخلاء وتضع رأسك حيث تعرف، ثم تستنشق الرائحة بعمق.. افعل ذلك لمدة أسبوع وستشفى سريعًا، وفعلًا شفي الرجل من صداعه الشديد الذي عجز عنه الأطباء، والقصة واقعية، ليست من نسج الخيال ولا من قيل وقال.
كان قديمًا عندما يُلدغ أحدهم من أفعى سامة، يحضرون له ديك، ويتم وضع مؤخرته موقع اللدغ، فيسحب السم من المريض، ويموت الديك، ويشفى المريض، أحيانًا يتم استخدام أكثر من ديك، فإن بقي الديك حيًّا، عرف الحكماء بأن السم تم إخراجه كله، وهي طريقة مجربة، تستخدم عند الضرورة لإنقاذ إنسان مُشرِف على الموت.
وهذا ليس بالغريب فقد تم استخدام الحمام في بعض الدول العربية لعلاج مرض (الصفار) وهو ما يسمى قديمًا (باليرقان)، حيث يتم إحضار حمامة، وتوضع مؤخرتها على صُر المريض، فتقوم بسحب العلة المسببة للمرض، فيشفى صاحب العلّة وتموت الحمامة.
كان أحد أصدقائي واقفًا عند عتبة الباب ويخاطبني، وفجأة صاح قائلًا: لقد لدغني عقرب.. أسرعت إليه، وإذا بعقرب كبير انسلَّ تحت قدميه، ففصلت رأسه وذيله، وأخذت ما بقي من جسده، ومسحت به على موضع اللدغة، فشفي سريعًا كأنه نشط من عقال..
هناك علاجات بسيطة، تركها لنا القدماء، لم نستفد منها في حياتنا اليومية، وتُعد إسعافات أولية لمساعدة من حولك، عندما تكون بعيدًا عن المستشفيات كالريف مثلًا أو في رحلة مع أصدقائك.. أصاب أحد الطلاب عندي بالمدرسة بالرعاف من أنفه ولم ينقطع الدم، فأمرته ببساطة أن يمضغ لبان أو أن يُحرّك فكيه وكأنه يمضغ لبان، يفعل ذلك لمدة ثلاث دقائق تقريبًا، وبعد لحظات انقطع الرعاف وشفي.. أحد الأشخاص عندنا بقرية مجاورة، قام عطشان في المساء، فوجد إناء واسع به ماء فشرب منه، فصار يتقيأ ويصيح، شيءٌ ما دخل بطني، فسقوه العسل الصافي (البغية) مرارًا، حتى تقيأ (الوزغة)، وهي حيوان صغير يسمى في بعض مناطق حضرموت بـ(الضفَّة).
ومن أعجب ما سمعت من حكيم قال: عندما يشرب أحدهم ماء غير صالح للشرب وتكثر به (العَلقة)، وهي حيوان صغير معروف يعيش في الماء، فهنا تحدث ما لا يحمد عقباه، فلقد حصلت عندنا أن غلامًا صغيرًا التصقت (العلقة) بحلقه وبدأ يصيح، ثم حصل له ورم كالغدة الدرقية، حاولنا أن نسحب العلقة، ولكنها التصقت التصاقًا قويًا، يستحيل اقتلاعها إلا بعملية جراحية، فقلت لهم: لا تسقوا الغلام أي ماء من الصباح حتى صلاة المغرب، ثم أحضروا له من البركة الآسنة طين وماء، ما يسمى ببعض مناطق حضرموت (الحَمة) أي ماء عكِر ووسخ، ويوضع في صحن وينكب عليه المريض فاتحًا فاه، وهنا تشم العلقة الماء وتقفز إليه من شدة العطش، لرغبتها للماء، وفعلًا ما أن وجدت رائحة الطين مع الماء حتى قفزت إليه، وبهذه الطريقة شفي الغلام.
القصص في الطب القديم:
للقصص نصيب الأسد في الطب القديم، بغض النظر عن صحتها، ولكنها تطعيم بطيء لِما يُراد غرسه في عقول مستمعيه، فالبعض منها يعالج جانبًا نفسيًا ويحررها من عقالها لتنطلق، وتشفى من مرضها، والجانب الآخر تعالج أمراضًا مستعصية بطرق أكثر غرابة وذكاء، وفي الأخير تنجح في ما عجز عنه الأطباء، ويقف الطب الحديث حائرًا في تفسير ما حدث، سنذكر أهمها؛ والعبرة في النتيجة في آخر المطاف، فمثلًا: الطفل الصغير؛ الذي يمر عليه سنوات ولم يستطع المشي، يُسمى هذا المرض ببعض مناطق حضرموت (الرويبضة) فيكوى آخر فقرة في عموده الفقري (العصعص) فيشفى، أو يتم حمله على ظهر كلب، فينطلق بعدها ويمشي؛ وربما الأخير، هو إعطاؤه هزة نفسية تُنشِّط ما ألمّ به من ضعف ومرض، وسنتطرق لذلك في بعض القصص؛ والتي تؤدي الهدف نفسه؛ وهو تحرير المريض عبر اختراق العقل الباطني، وبهذه الطريقة يتم العلاج.
القصة الأولى: يُقال إن هناك رجلًا لديه ابنة مقعدة؛ بسبب خوف شديد حصل لها، فلم تستطع بعدها الكلام ولا الحركة، كان أبوها رجلًا غنيًا، لم يترك طبيبًا ولا بلدًا إلا وذهب إليه، ولكن دون جدوى، فسمع برجل حكيم يعالج أمراضًا مستعصية، فلما كلمه في شأن ابنته، قال له الحكيم: سأفعل إن شاء الله، ولكن طريقة علاجي ستكون بدون أدوية، فوافق الأب على كل شروطه، قال له: سأدخل على ابنتك في آخر الليل متسللًا إلى غرفتها، ولا أحد يكون معي؛ حتى أناديكم أنا بنفسي، واتركوا ضوءًا خافتًا في غرفتها، وفي ظلمة الليل تسلل الحكيم إلى حيث ترقد، وقد غطى وجوهه، وبدأ يسرق من دولابها كل ما يجده، وهي تنظر إليه بخوف ورعب، وزاد خوفها أكثر؛ عندما حاول أن يعتدي عليها، موهمًا إياها؛ بأنه يخلع ملابسه ليقع عليها، وهنا بدأت تنطلق لسانها وصرخت: ساعدوني.. سارق.. لص.. وتحركت رجلاها وخرجت خائفة مرعوبة، وهنا هرع الجميع إليها، وكشف الحكيم عن وجهه، وقال: الحمد لله تم علاج ابنتك، ولم يأخذ فلسًا واحدًا عن علاجه، رغم إصرار الأب على مكافأته على صنيعه هذا.
القصة الثانية: تحمل بصمات الأولى نفسها، رجل لا يستطيع السير نتيجة مرض ألمّ به فجأة، الأطباء يقولون: لم نعرف لمرضه سببًا، وكل الفحوصات سليمة.. وهنا قال لهم رجل حكيم: لِمَ لا نجرّب علاج النفس ونحررها من قيودها، فمعظم الأمراض نفسية بامتياز، فوضع خطة لا يعرفها المريض، تقرر إخراج المريض من المستشفى بعد غروب الشمس، يمشي به أحدهم، وهو مستندًا على ظهره خطوات، حتى يصل به إلى السيارة، التي تم إيقافها بعيدًا عن المستشفى حسب ما خطط له، وهنا شاهد صديقه كلبًا عقورًا ينبح بصوتٍ مخيف ومتجهًا إليهما، فمن شدة الرعب، ترك الرجل المريض وفر هاربًا بجلده، وهنا حصلت المعجزة، لقد انطلق الرجل وتحرر من مرضه، وكان الحافز؛ هو الخوف الشديد من هذا الكلب العقور، وهنا ظهر الجميع، وتم الإمساك بالكلب، ونجحت خطة الرجل الحكيم في علاج هذا الرجل.
القصة الثالثة: تحث على نوع الطعام الصحي، تقول الحكاية إن رجلًا لديه ولدان، ربّى الأول منذ صغره على السمن البلدي، وربّى الآخر على (المنَقَّس) وهو دهن السمسم يطبخ بطريقة معينة، سيتم شرحه لاحقًا؛ مع بيان خصائصه وفوائده، وهو من طعام أجدادنا القدماء، المهم ترعرعا الولدان، ولما أصبحا شابين قويَّيْنِ، أدخلهما والدهما في زريبة مقفلة بشبك؛ وأطلق عليهما ثورًا قويًا ليرى ما يفعلان، أما صاحب (المنقّس) عندما رأى الثور مقبلًا إليه، قفز بخفة ورشاقة على ظهره، ومن ثم قفز خارج الشبك؛ الذي يبلغ طوله قرابة المترين، والأب يشاهد ما يحصل، ولما جاء دور الآخر لم يستطع الهروب؛ لأنه لا يتمتع بالخف والسرعة مثل أخيه، فصمد مكانه ولما أقبل عليه الثور، أمسك بقرنيه واقتلعهما، وهنا تدخل الأب لينقذ الثور قبل أن يجهز عليه ولده.
ما يفهم من القصة أن السمن البلدي يهبك القوة والتحمُل، والمنقّس يهبك الخف والسرعة، والأخير أنا جربته، يجعل منك شخصًا رشيقًا وخفيف الحركة، وهذه الوصفة العجيبة؛ تصلح لأصحاب القفز العالي، والمتسلقين وغيرهم.
يتضح لنا من هذه القصص التي تتبعت خيوطها، ولم أقف على مصدر أو مرجع لها، ما عدا قصة (الشيشة) و(العلقة) و(الوزغة)، أنها قصص حقيقية ومن مصدر موثوق، ما عداها هي من باب الموروث الشعبي في العلاج القديم، ولكن النتيجة صحيحة لا ريب فيها، فقد تتبعت دراسات أجنبية، تتبع هذا الأسلوب نفسه في علاج أمراض مستعصية ونفسية، فمثلًا صاحب (اللوق)؛ شلل نصفي في الوجه، يتم بطرق عدة لعلاجه، منها: يُؤْتَى إليه وهو غافل وبدون علمه، وبخاصة في بداية المرض ويصفع بقوة على خده السليم، فيعود كما كان ويشفى المريض، وهذه طريقة لا أُحبذها، فاللطم في الوجه خطير وله عواقب وخيمة؛ في ضعف البصر وغير ذلك.. وهناك طريقة أخرى يؤتى إليه من الخلف في ساعة غفلة منه، ويتم حرقه في ظهره، بطرف عود به جمرة، فيعود شقهُ الذي مال كما كان، هذه طرق لتنبيه الأعصاب من سباتها وعودتها لطبيعتها.. كذلك يستخدم (للفهقة) طويلة الأمد، بأن يأتي إليه شخص ويخبره بأن فلان صديقه مات، هنا تحدث له صدمة مؤقتة؛ ويشفى من هذه (الفهقة) سريعًا، بعدها يخبره بالحقيقة.

العطّارون وخلطات التسمين:
كانت معظم الأمراض قديمًا، تعالج بالأعشاب والنباتات، بطرق بدائية وبسيطة، حتى تطور العلم واستخلص علاجات وأدوية عن طريق الفحص والمختبرات بطرق علمية وحديثة، ثم بدأ هذا العلم يضمحل ويختفي عن الأنظار، وتحل بدلًا عنه الأدوية الحديثة؛ والتي أسهمت في علاج الكثير من الأمراض، وإن كان لها جوانب سلبية ليس هذا موضوع بحثنا.. استغل العطارون جهل الكثير من البسطاء، وبدأت المحلات تنتشر بدون رقيب ولا حسيب، أو تخصصات علمية معترف بها، والناس بطبيعتهم، يهرعون للعلاج بأقل الأسعار؛ نتيجة ظروف معيشية صعبة؛ فظهرت خلطات التسمين، التي راح ضحيتها مئات البشر، فالخلطات مبهمة ومكممة، لا يعرف المواطن المغلوب على أمره مما تتكوّن، وإن كان ظاهرها العسل، فباطنها السم الزعاف، حيث يتم إضافة مادة كيميائية، تعمل على نفخ الجسم، وتعطل وظائف الكبد والبنكرياس، فيظن المسكين بأنه أصبح سمينًا بين عشية وضحاها، نحن لسنا من دعاة محاربة الطب الشعبي، ولكن كثر المتاجرون به؛ لأجل الكسب السريع على حساب ضعاف النفوس، نريد طبًا شعبيًا قائمًا على أسس علمية واضحة، ومتخصصين وبضوابط، ولا ننكر بأن هناك وصفات شعبية بسيطة وفي متناول الجميع لا ضرر منها ولا ضِرار، ساعدت في علاج الكثير من الأمراض، أنا ضد كل خلطات سواء مسمنة أو غيره، أنا مع الوصفات الطبية المنزلية، ولا بد أن تكون هناك رقابة ومتخصصون في هذا الجانب، فالطب الشعبي بحضرموت استفاد منه خلق كثير، تجدهم أناسًا بسطاء لا يطلبون منك مالًا كثيرًا، ويصف لك علاجًا أنت تشتريه من أي عطّار شئت، وهناك الحجّام ولكن لا بد من وسائل السلامة والرقابة، وهناك من يُجبِّر الكسور، وهؤلاء جميعهم يعمل لمساعدة الناس وخدمتهم، شبه مجان يقنع بما تعطيه، هذا تمهيد قبل الولوج إلى العلاجات الشعبية.
الطب الشعبي.. في الصدارة:
علاج السَفَر في حضرموت:
السَفر: هو انسداد الأمعاء (التربيب) وهو تداخل إحدى الأمعاء فوق الأخرى، مُشكلًا عقبة خطيرة في الأمعاء، من جراء حمل ثقيل، تم حمله على جوع، أو حركة غير إرادية قام بها الشخص، من أبرز علامته عدم الرغبة في الطعام، غثيان مع القيء، انحناء في الجسم، لا يستطيع الشخص المشي مستقيمًا، ويشعر بألم داخلي في البطن، للتأكد تأمر المريض بالنوم على ظهره، فتجد خطًا مستقيمًا واضحًا، من أعلى الحجاب الحاجز إلى أسفل البطن.
وعند الأطباء يتم إقرار عملية جراحية فورًا، ولكن في الطب الشعبي، يعالج سريعًا في دقائق معدودة، وذلك أن تجعل المريض يستلقي على ظهره، وبطنه مكشوفة تمامًا، ثم قم بشد البطن وتدليكه بزيت من جوانب البطن إلى سُرَّة (صُر) المريض، ثم احضر عود ثقاب وفي رأسه قطنة بها قليل من زيت مشتعل، ومُثبته بتمرة لكي يثبت على سُرَّة (صُر) المريض، ثم اشعل النار في رأس عود الثقاب، ثم ضع كأسًا عليه، وهي ما تسمى (بالحجامة الجافة)، لتتركها عشر دقائق ثم انزعها واربط البطن بقطعة قماش لمدة ربع ساعة فقط، بهذا اكتمل العلاج ويشفى المريض، وكأنه نشط من عقال؛ لأن هذه الطريقة تعمل على فك هذا الالتواء في الأمعاء، وقد عالجت الكثير بهذه الطريقة.

كي اللوز:
وهو علاج شعبي مجرب، حيث يعمد الطبيب العربي، أو من لديه الخبرة، إلى كي القدمين، وتحديدًا كية فوق الإصبع الصغير، فوق المفصل الذي يلي مشط القدم، تجد عظمة بارزة يكوى عليها، وبالمثل القدم الأخرى، بهذا يتم الشفاء من أوجاع والتهابات اللوز، ولقد كويت اثنين من أولادي الصغار، وتم الشفاء تمامًا من التهاب اللوز.
المَنقَّس:
المنقس: هو شراب الطاقة والقوة والصحة قديمًا، ليس بمنتج صيني أو أمريكي في علبة مزخرفة، وعليها عضلات مفتولة ودعاية جذابة، وفي الأخير هي قوة في الدعاية والأسلوب، بينما ما تشربه هو ماء وغازات، ربما ضره أكثر من نفعه، حيلة لجذب دراهمك ونقودك من محفظتك.. ما هو المنقس الحقيقي للقوة والخفة؟
هو دهن السمسم الصافي وغير المغشوش، تأخذ مثلًا فنجانًا من دهن السمسم وفنجانين من الماء وتخلطهما، وضعهما على نار هادئة لساعات حتى تجده امتصَّ كل الرغوة، وبقي الدهن صافيًا لا رغوة فيه، وسكنت القعقعة، وجمد الدهن لوحده، هنا أخرجه، فقد تحصلت على الشراب الروحي والقوة السحرية، الآن وعلى الريق اشرب فنجانك من المنقّس، ولا تأكل ولا تشرب عليه، وحاول تمشي عليه حتى تتعب، وبعد الظهر كل ما شئت من طعام، والأفضل خبز الخمير، وفنجان من القهوة، وفائدة الخمير يقوم بامتصاص ما بقي في جوفك من المنَقَّس، وبعد العصر كل ما شئت، هنا انتهت الوصفة السحرية، ولا تعاد إلا بعد سنة أو سنتين، فبعد شربك لها ستشعر بنشاط غريب وخفة عجيبة، هكذا كان أجدادنا، ونادرًا ما تجد جيل هذا العصر من الشباب استخدم هذه الوصفة، لضعف أجسامهم، فقد كان أجدادنا يستخدمونها في الشهر مرتين أو ثلاث مرات، حتى إنهم استخدموا كمية منها، وتستخدم كإدام للطعام، فتفتح الشهية، وتقوي الجسد والبدن، للمزيد انظر كتابنا (زبدة الخلاصة في عادات وتقاليد حضرموت).
علاج الريح الكافت:
أحيانًا قد يصيب شخصًا مرض مؤلم وأوجاع مبرحة، مثلًا أسفل الظهر، وعند الفحص عند الطبيب يخبرهُ، بأن نتائج الفحص سليمة ولا شيء عنده، هنا نقول له: احتمال كبير جدًّا أن يكون عندك ريح كافت، إذا كان الوجع جاء فجأة، بدون أسباب واضحة، وقد يستمر معه الألم أشهرًا، وقد يقعده طريح الفراش، وإليك العلاج:
تحضر 2 كيلو لحم ضأن، ثم ضعه بقدر (إناء) واجعل النار عليه لمدة عشر ساعات، كلما نفد ماؤه أضف له ماءً جديدًا، وهكذا حتى تُنهي العشر ساعات، ثم أضف للقدر سمنًا وحُلبة وثومًا وحبة سوداء بمقدار أوقية تقريبًا من كل صنف، ثم اتركه خمس دقائق يغلي بهذه المقادير، ثم أخرج القدر، واسكب لك كأسًا كبيرًا من المرق، ثم أتبعه بالكأس الثاني، ثم نم واجعل عليك أكثر من بطانية (غطاء) قرابة الأربع أو الخمس من الأغطية، حتى تعرق عرقًا شديدًا، اصبر قرابة الخمس ساعات وأنت متدثر بالأغطية، وإذا نمت نومًا عميقًا، لا بأس وهو الأفضل، تذكر لا ترفع الفُرش عنك أبدًا واصبر، المهم سوف تستيقظ من نومك، وقد زالت كل آلامك وأوجاعك، وكأنك نشطت من عقال بإذن الله(1).
العشبة المعجزة بهضبة دوعن:
هذه العشبة لم يتطرق إليها أي باحث ولا يعرفها أحد، من غير أهلها بمرتفعات الهضبة الجنوبية بحضرموت التابعة لمديرية دوعن، حتى كتبتُ عنها أول مقال بصحيفة (أخبار دوعن) سنة 2015م بعنوان (عشبة ترياق السموم بدوعن) فانتشر خبرها كانتشار النار في الهشيم، ولا أعلم حسب علمي، أي وجود لها بغير هذه المنطقة المشار إليها.. ولأهمية هذه العشبة حاولت كشف القناع عنها ونشرها في الصحف الإلكترونية، كصحيفة دوعن، وموقع اليمن العربي، لتلتفت إليها الأنظار، وتوليها الجهات ذات الاختصاص اهتمامًا كبيرًا، وحتى الصحف الورقية؛ حاولت أن تأخذ نصيبها في التدوين والتوثيق، فكتبت بصحيفة (30 نوفمبر) مقالًا عنها بعنوان (عشبة ترياق السموم بدوعن أعجوبة تستحق الدراسة)(2).
وسنسلط الضوء هنا أكثر وضوحًا في مجلة (حضرموت الثقافية)، لتخرج من الحيز الضيق؛ إلى الفضاء الواسع، هذه العشبة تعد معجزة في حد ذاتها؛ في علاج كافة السموم من: (أفاعٍ شديدة السُمية، وعقارب، وعناكب سامة، وتسمم غذائي، وغيرها).
ونحن لن نجزم بأنها علاج قاطع لكل أنواع السموم، من الحشرات الأخرى السامة، كلسع النحل، وسام أبرص، فهذا يحتاج إلى دراسات علمية ومختبرات، فهناك أعشاب ذات وسط حمضي وأخرى قلوية، يعرفه المتخصصون وذوو الشأن.
ومن القصص التي أنا شاهد عليها، بل وممن وصفتها لحالات خطيرة وحرجة.. لدغت بنت من منطقة روكب بالمكلا بحية سامة، وأخذت لمستشفى (ابن سيناء)، كانت الحية من نوع (الكوبرا السامة)، كانت في حالة يرثى لها ولصديق عزيز عليَّ.. فحملت له هذه العشبة للمستشفى، وأصررْتُ عليه، وعلى مسؤوليتي الخاصة، أن يسقيها العشبة، ولكنه استشار الطبيب المعالج لها، وشيء طبيعي أن يمنعه، وبأن هذه خرافات وخزعبلات، والسم خطير وما إلى ذلك من كلام؛ بديهي يقول هذا الكلام أي طبيب؛ لا يعرف سر هذه العشبة ولم يسمع عنها، فزادت حالتها خطورة في المساء، فأصررْتُ عليه وبقوة يعطيها العشبة فورًا، وبفضل الله بعد ساعات تعافت البنت، استغرب الطبيب هذا التحسن المفاجئ، ولم نخبره بالعلاج لمعارضته له في بداية الأمر.

القصة الثانية: تم إسعاف اثنين من الشباب إلى مستشفى (ابن سيناء)، وكانا من منطقة فوة، وصل الخبر إلى والدي فهما ابنا صديقه، وعلى الفور أخذ هذه العشبة التي نحتفظ بها سنويًا لمثل هذه الحالات؛ سواء لنا أو لمساعدة الناس، وبفضل الله عندما شربا منها تعافا سريعًا.. وهناك امرأة تحتطب ولدغتها حية، تم أخذها إلى مستشفى (بضة بدوعن) ولكن قد تم سقيها كأسًا من هذه العشبة؛ لأن أهل هذه المناطق بالهضبة يعرفون سر هذه العشبة، وتم أخذ (الحية داخل قنينة زجاج) رآها الطبيب فقال: إنها سامة وخطيرة، أجرى الفحص وقال: عجيب لا يوجد أي تسمم بالجسم!! فأخبروه بقصة العشبة.. فقال أرسلوا لي منها؛ فإنها معجزة في سرعة القضاء على السم.
لم أكن يومًا أصدق بأن هناك عشبة سوف تجتاح قلوب كل محبيها، ويتهافت عليها الجميع، وتنسج حولها القصص والأساطير، وتصبح ديدنهم وحديثهم، بين الفينة والأخرى، والعجب العجاب تم اكتشافها قبل سنوات قليلة جدًّا، من الذي اكتشفها وكيف ولماذا، ومتى، وتحديدًا في أرياف دوعن؟!!
بحثت كثيرًا، قبل كتابتي عنها، فلم أجد جوابًا علميًا يشفي غليلي، فاكتفيت بخصائصها السحرية في الشفاء من كافة السموم، وبأسرع مما تتصور بالبرهان والتجربة.
تتبعت كل الحكايات والقصص العجيبة عنها، فوجدت الكل أصاب كبد الحقيقة، هذه العشبة هي ترياق السموم كافة، وسريعة الأثر والشفاء في غمضة عين بقدرة الله.
ذهب إلى مزرعته وإذا بثعبان أسود يلدغه، فيصرخ لقد لدغت من حية سامة، فيهرع الجميع لهذه العشبة السحرية، ويشرب منها، وكأنه نشط من عقال، يذهبون به إلى المستشفى سريعًا، ولكن المفاجأة وبعد الفحص يقول الطبيب: لا أثر أبدًا للسم.. وتوالت القصص، وأصبحت حديث الناس في مجالسهم وأسمارهم، حتى من شدة تعلقهم بها أضافوا لها قدرات شفائية، للكثير من الأمراض، كالمسالك البولية، ومرض البواسير، وهلم جرًا، وجعلوها عشبة مقدسة، فخلطوا بين العلم والخرافات، ولكن حقيقتها، حسب الدليل والبرهان والتجربة، أنها البلسم الشافي والترياق العجيب لكل السموم.
لن أطيل عليك، فالشوق والمعرفة، تستهويك لمعرفة هذه العشبة، إنها عشبة تنمو بأرياف مديرية دوعن، تسمى (الحَقْطَة) بفتح الحاء وسكون القاف وفتح حرف الطاء، ذات شوك لا يتجاوز طولها الذراع، وعند نزول الأمطار تصبح خضراء ومزهرة، ولها ثمر كحبة البن حمراء اللون، ليس لها وقت محدد لنموها، بل هي على طوال السنة، الجزء الطبي فيها جميع أجزائها، تنقع ويشرب كأس عند لدغات الحيات أو العقارب أو العناكب، ولكل حشرة ذات سم.
هذه العشبة ترياق السموم كافة، لذا تجد أهالي أرياف دوعن عند هطول الأمطار ينتظرون بلهفة عجيبة، حتى تخضَّر أوراقها، فيقومون بالبحث عنها وقطفها ورضخها بالحجارة، ثم تجفيفها، والاحتفاظ بها لوقت الحاجة ويرسلونها كهدية غالية لمحبيهم وأقاربهم، فكم أنقذت هذه العشبة من إنسان قد شارف على الموت، فالقصص التي تتبعتها عن هذه العشبة كثيرة جدًّا ومعظمها صحيحة، ولكن نصيحتي، وبحكم خبرتي ومتابعتي للأعشاب وفوائدها وأضرارها، عدم الانجراف والتهور في استخدام هذه العشبة وغيرها، فيجب استخدامها عند الضرورة، وبمقدار كأس واحد فقط حال التسمم من أفعى سامة، وعند لدغة عقرب، تقل الكمية بمقدار السم كنصف كأس مثلًا، وهكذا فكثرة استخدامها داء وليس دواء، فالشيء إن زاد عن حده انقلب ضده.
ونأمل أن يكون هناك متخصصون بشهادات وخبرات معتمدة، في الطب البديل، والأعشاب الشعبية، لتبصير الناس، بالمقادير الطبية الموصى بها، فهذه العشبة (الحَقْطَة) فعلًا أثرها عجيب في الشفاء السريع من كافة أنواع السموم، ودعونا نطلق عليها (عشبة ترياق السموم بدوعن)(3).
وأخيرًا نقول: حضرموت غنية بأعشابها ونباتاتها ذات المفعول السحري، ولكن نحتاج لمن يزيح القناع عنها، وتتكاتف الجهود لكشف خفاياها، لذلك كمحاولة مني، وضعت كتابًا هو تحت الطبع، في مطبعة دار الوفاق بالسعودية، فهم أصحاب التوزيع والنشر، وسينشر قريبًا، حسب الخطط المرسومة عندهم، وهذا الكتاب باسم (الأعشاب والنباتات بمرتفعات الهضبة الجنوبية… بالصور)، نأمل أن يسهم هذا الكتاب في كشف خفايا هذه النباتات والأعشاب في حضرموت، فهذه لبنة نضعها في طريق الباحثين والمهتمين بكنوز حضرموت وخفاياها وأسرارها التي لا تُقَدَّر بثمن.
الهامش:
- انظر: السراج الوهاج في معرفة العلاج، ط1، 2018م.
- انظر: صحيفة (30 نوفمبر)، العدد (178)، لعام 2018م.
- انظر: زبدة الخلاصة في عادات وتقاليد حضرموت، ط1، دار الوفاق، 2020م.
- صحيفة أخبار دوعن الإلكترونية.
- صحيفة موقع اليمن العربي.
الصور تقول إن باراس أرسل صور دور لهن معك أو مع باعيسى