أضواء
صالح سعيد باحيدرة
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 15 .. ص 57
رابط العدد 15 : اضغط هنا
عرف وادي حضرموت الهجرة بنوعيها الداخلية والخارجية منذ أن استوطنه الإنسان، ولذلك فإن هجرة الحضارم موغلة في القدم، تعود بدايتها إلى الهجرات التي حدثت قبل الميلاد.
والهجرة الحضرمية في طبيعتها لم تكن حركة مجموعة بشرية في مرحلة معينة ثم توقفت بل هي حركة أفراد وجماعات حدثت خلال حقب زمنية من التاريخ الحضرمي؛ فقد كونت لديهم خبرة كافية بمعرفة البحار والمحيطات، ومعرفة تلك المناطق التي ذهبوا إليها.
وهكذا استمرت هجرة الحضارم على مر العصور التاريخية مرورًا بعصر الحضارة الإسلامية إلى وقتنا الحاضر.
دوعن أرض المهاجرين:
هكذا يحلو تسمية البعض لوادي دوعن، وهذا يدل على كثرة المهاجرين منه، فهنا موطن الإنسان الذي أمسى عاشقًا للأسفار تاركًا بصماته في مختلف الديار، هنا موطن الإنسان الذي صال وجال شرقًا وغربًا وما زال هاويًا للارتحال. فالإنسان الدوعني حليف للأسفار فلا غرابة عندما قال الرحالة البريطاني الشهير ريتشار باريتن: »إن الشمس لا يمكن أن تشرق إلا وتشرق على رأس حضرمي«، فسكان دوعن هواة للأسفار والترحال، فهناك نجد منغصات كانت سببًا لتلك الهجرة من ذلك الوادي الجميل، ومن المعروف أن وادي دوعن قامت على أرضه حضارة تليدة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وكشاهد على ذلك مستوطنة ريبون التاريخية التي كانت مقصدًا دينيًا بمعابدها، ومقصدًا تجاريًا بأسواقها.
دوعن الوادي الخصيب:
نعم إنه وادي دوعن أحد روافد وادي حضرموت، وهو وادٍ خصيب صالح بتربته ووفرة مياهه الموسمية والتي استصلحها الإنسان وهيَّأه لصالحه مستفيدًا من تلك المقومات الأساسية لقيام الزراعة عليه، فمنذ القدم عرفت أرضه الزراعة وطاب العيش للإنسان الدوعني، وما وجود بعض قنوات الري والسدود والحواجز في ريبون إلا خير دليل على ذلك؛ فوفرة محاصيله وتربته الزجة ذات المسامات الدقيقة جدًّا والتي توجد بها رطوبة جعلت من أشجار النخيل وغيرها من الأشجار تحتفظ بحيويتها وإنتاجها حتى في ظل الظروف الصعبة.
فبعض الأسر في مدة زمنية شكل وادي دوعن بخيراته منطقة جذب لها، فقد احتضن كثيرًا من الأسر والقبائل وخصوصًا عند حدوث الجدب وعدم سقوط الأمطار، ففي عام ١٩٤٣م شهدت حضرموت مجاعة مروعة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي ظهرت بوادر تلك المجاعة في عام ١٩٤١م في عدد من قرى حضرموت ووديانها حتى عام ١٩٤٣م، حتى اشتدت الوطأة وعم الجفاف أرجاء حضرموت وخصوصًا أسفل وادي حضرموت من القطن إلى قبر نبي الله هود، كما ذكر ذلك د. محمد باحمدان في كتابه (عهد السلطان صالح بن غالب القعيطي). والتي راح ضحيتها كثير، فجذب وادي دوعن كثير من الأسر، التي سكنته بعضها هاجر، والبعض طاب له العيش فيه إلى يومنا هذا.
– مسميات انقرض أهلها عن الوادي:
أحببت أن أبحث في هذا الاستطلاع عن تلك الأسر، التي كانت موجودة واليوم لم يبقَ سوى أطلالهم شاهدة عليهم، ويحدثني كبار السن أن هذا الوادي تعاقبت عليها أسر وقبائل سكنته وهاجرت منه كثير. وبغض النظر عن ذلك فهم يعدون من سكان الوادي في حقبة زمنية، ولهم شواهد دالة على سكناهم، فنجد البعض سكن شعب وادٍ صغير وسُمي في ما بعد باسمه، والبعض الآخر امتلك أرضًا زراعية وهي خالدة باسمه إلى اليوم، والبعض له بيت تركه وهاجر ولم يبقَ اليوم سوى أطلاله المتهالكة، والبعض حكم تلك المنطقة وبنى له مصنعة حربية، وكما حدثني كبار السن أنه سكن وادي دوعن أسر وقبائل لا يعرفون عنهم شيئًا سوى موقع سُمي باسمهم أو أرض أو بقايا بيت، والبعض عاصروهم إلى عهد قريب.
إن البحث عن هذه الأسر في وادي دوعن بتسميتها وأماكن إقامتها يحتاج إلى وقت طويل، ولكن هنا اختصرت استطلاعي عن بعض مناطق وادي دوعن ليمن، والتي وجدت بها ما شاء الله من المعلومات من كبار السن فحدثوني عن أسر ورجال كان لهم تاريخ عريق ومشرف يشار لهم بالبنان إلى يومنا هذا، وحُقَّ لهم أن نكتب ونبحث عن مآثرهم وكتبهم التي دلت عليهم، فالبعض منهم كان بيت علم وهم حمَّال العلم النافع والعمل به والمسامحة القائمة على البر والتقوى ومن أمثالهم كثر جدًّا، ونوجز البعض منهم فمن رباط باعشن السادة الباعلوي، وهم بيت علم وصلاح، والبيتي العيدروس الحبشي آل المهدي ولهم بيوت فيها، كذلك المنصب الحامد حاكم وفقيه علم في وقته، والجفري، هذا إلى جانب كثير من علماء الباعشن وصلحائهم من عاصروهم في ذلك الوقت، وهناك أسر استقرت لمدة ثم ارتحلت، ومنها الباضاوي، والباقارش، والابن لادن، والباغوزة، والبافرحان، والبامرعي، والباتيسير، وبن ناجي، وآل بن ناشر يزيدي يافعي، والعراقي، وبارميم يقال إنهم من حجر، والباخشب، وبن الحاج، والباسويدان وهم تجار. وهناك ضريح لأحد الصلحاء الذين سكنوا الرباط يقال إنه من زبيد في جور باحمد، وإلى منطقة الخريبة، ونوجز منها علماءها وصلحاءها الباجنيد وهم بيت علم وفقهاء منطقتهم، وأشهر علمائها الفقيه عمر بن أبي بكر باجنيد، كان قاضيًا، وهم كثير لا يسعنا هنا ذكرهم، ومنهم أيضًا باجنيد اشتغلوا بالتجارة، ومنهم السادة الباهارون، وكذا البار إلى عهد قريب ولهم بيوت، والبامنيع ومنهم الشيخ سليمان بن عبدالله بامنيع، وكثير منهم اشتغل بالقضاء لوجود محكمة في المنطقة، وهناك أسر أخرى، ومنها الباجبران، وآل الروبة، وآل بن قريع، والبحول، والباصفر، والباصقر، والبادعيج، ولهم سلطة، والباعوم، والباسبوط، ونجد حتى أراضي زراعية، مثل (بدع) بستان نخيل باسم الشريف، ونجد قبور باسامي أو ناسًا مثل قبر المخفي، وقبر قرة العين، وقبر المستريح، وقبر الشيخ سعد.
وأما منطقة الرشيد فهناك يذكر الباناجة، ولهم مسجد باسم جدهم الشيخ بحر النور باناجة، وهم بيت علم وتجار أيضًا، وكذا آل ابن عجلان، وهم بيت علم، ولهم مخطوطات ومؤلفات علمية، ويوجد بها إلى الجانب الشرقي قبر لأحد الصلحاء المغاربة، واسمه الشيخ ابن يوسف. ومن أسرها البالحمان، ولهم مقبرة شرق الرشيد وكذا أشجار نخيل، وقد ذكرهم ابن عبيدالله السقاف في (إدام القوت)، ومن حكامها البن دغار الذين سكنوا بها وحكموها.
وأما منطقة عورة المقابلة لمنطقة الرشيد فقد سكنها أسر عدة، ومنهم الباشيخ، ويقال إنهم من منطقة هدون، ولجدهم مسجد وهو جامع المنطقة، والباكدم؛ حيث قال الشاعر عن أسرة الباكدم:
عورة عورة البابدر هي والباكدم
والبن حيد، ولهم بيوت مهدمة، والباغشير، ولهم بيوت مهدمة وبستان نخيل، والباعيسى، ولهم أشجار نخيل، وكذا باجعيفر عمودي ولهم أشجار النخيل، والباغفار، والباكحيل، والبارباح، البارحبه، البن صران، البابعير، وكما سكن هذه المنطقة ثلاثة مغاربة، ولهم مساجد بأسمائهم، ومنها (مولى الذلق)، وهو عبدالله عمر المغربي، وكذلك مسجد يقال له (مسجد درويش)، ولا أحد يعرف عن اسمه سوى ذلك الاسم، ومسجد عبدالرحمن المغربي.
وأما منطقة القرين فهناك أسر كثيرة بها ومشايخ علم، ومنهم بازياد من علماء المنطقة، والشيخ عمر بايحيى، وباداود يقال إنه من مناطق ليسر، والشيخ حمد بلخير، والشيخ بامشموس، وهناك باعرص، وبادحمان، وباقضمة وله مسجد، وهناك باحمدون وهو حاكم المنطقة وله مصنعة حكم، وباحيدر وفتح في بيته المعلم عمر باحيدر كتاتيب، هكذا هي قرى وادي دوعن وادي الأسرار والعجائب والمهاجرين.