شخصيات
د. خالد حسن الجوهي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 15 .. ص 60
رابط العدد 15 : اضغط هنا
تمهيد
موطن آل باناجة هي بلدة الرشيد، إحدى قرى وادي دوعن بحضرموت، وهم أهل فضل وعلم وتجارة، اشتهر منهم جدهم الشيخ الصالح المشهور يوسف بن أحمد باناجة (ت 783هـ/ 1381م)(1).
لا توجد إشارات إلى الحقبة التي هاجر فيها بعض من آل باناجة إلى الحجاز واستقرارهم بها، ولكن أهم شخصية كان لها دور في الحياة السياسية والتجارية في الحجاز هو الشيخ (يوسف باناجة)، الذي كان من بين المشاركين فيما يسمى بـ(مذبحة جدة) عام 1274هـ/ 1857م، وكان من بين المنفيين من جدة إلى قبرص عقب التحقيق في هذه الحادثة؛ حيث كان الحضارم بجدة أحد الأطراف المؤثرة فيما عرف في تاريخ الحجاز الحديث بحادثة جدة أو مذبحة القناصل الأوربيين عام (1274هـ/ 1858م)(1).
يُعد الشيخ يوسف واضع اللبنات الأولى لتجارة هذه الأسرة في الحجاز، وبعد وفاته في منفاه واصل أبناؤه مسيرة والدهم التجارية؛ حيث أصبحوا من الأسر الأشهر والأكثر غنى ووجاهة اجتماعية في الحجاز؛ حيث أقاموا علاقات تجارية مع الهند وسواحل البحر الأحمر ومصر، ووصل نشاطهم التجاري حتى لندن، وامتلكوا عددًا من السفن الشراعية(1).
الشيخ عبدالله باشا باناجة:
»ولد الشيخ عبدالله بن يوسف باناجة في جدة، ثم انتقل مع والده إلى منفاه في قبرص، وهناك سنحت له الفرصة بأن ينال حظًا من التعليم. وبعد وفاة والده انتقل مع والدته وأخيه الأكبر محمد الذي أصبح رئيسًا للأسرة في جدة.
نشب الخلاف بين صاحب الترجمة وأخيه الأكبر محمد مما حدا به إلى السفر إلى استانبول، وهناك بدأت تتشكل شخصيته التجارية بعد اشتغاله بتجارة المجوهرات ذات التصاميم الفاخرة والمميزة، وقد ساعدته هذه المهنة على التقرب من بلاط السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، الذي عينه عضوًا في مجلس المبعوثان، وأنعم عليه بلقب الباشوية«(2).
عاد الشيخ عبدالله باشا إلى جدة بعد وفاة أخيه محمد ليتولى رئاسة العائلة، وحينها انطلقت الأسرة إلى مرحلة مهمة من الشهرة وذيوع الصيت، فبعد أن كان مسكن العائلة في بيت صغير في منطقة سوق الندى محاطًا ببيوت أخرى متناثرة، قام الشيخ عبدالله باشا بشراء هذه البيوت الصغيرة وهدمها ليبني مكانها بيت العائلة الكبير، وكانت المقصورة التي بناها وتسمى (مقصورة آل باناجة) بجدة الملاصقة لمسجد الحنفي وقاعة كبرى لاستقبال الملوك والوزراء والعامة من الناس؛ حيث كان الملك عبدالعزيز يستقبل فيها الوجهاء وبقية المواطنين لمناقشة قضاياهم المختلفة، وبنى حول بيته الكبير المخازن الخاصة بالبضائع، وفي أسفله مكاتب للعمل التجاري(1). كما كان قصره في مكة المكرمة الذي يقع في مواجهة الحرم المكي نزلًا للعديد من الزعماء والبشوات، أما قصره في الطائف فقد كان الأهالي يطلقون عليه (الباخرة)، لكونه صمم على شكل باخرة، إضافة إلى قصره بعباسية مصر وعقاراته فيها.
»وفي عام 1334هـ/ 1916م هاجر الشيخ عبدالله إلى مصر، واشترى منزلًا فخمًا بالعباسية، حيث كان مفتوحًا لاستقبال أصدقائه القادمين من الحجاز للعلاج أو للترويح عن النفس، ومن ثم انتقلت العائلة بكاملها إلى مصر أثناء الحرب بين آل سعود والهاشميين«(2).
لقد كان عبدالله باشا رجلًا ثاقب النظر، يجيد قراءة مستقبل الاستثمار، فنجده يحسن اختيار المواقع التي لها جدوى اقتصادية فيعمل على إنشاء عقاراته بها، ولهذا نجد »أن معظم مشاريعه العقارية في المناطق المطلة على البحر من جهة الغرب والشمال والتي أصبحت مؤجرة فيما بعد على السفارات الأجنبية، وهي أفضل الأماكن العقارية«(3).
»توفي الشيخ عبدالله في مدينة القاهرة[1](4) عام 1344هـ/ 1925م بعد معاناة مع المرض، وآلت إدارة تجارة آل باناجة الى أخيه الشيخ عبدالرحمن نظرًا لعدم إنجابه، ولا زال بيت آل باناجة في عهده يحتفظ بمجده وثرائه، وهو من أعظم بيوتات جدة(1) التجارية، توفي الشيخ عبدالرحمن بن يوسف باناجة عام 1357هـ/ 1938م«(2).
ومن أشهر أبنائه (أحمد) وكان من أغنى سكان جدة آنذاك، عمل أمين صندوق البلدية، كما عهد إليه الشريف حسين بن علي بمنصب وزير المالية في أول وزارة له(3).
(1) عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، تحقيق: إبراهيم أحمد المقحفي وعبدالرحمن حسن السقاف، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط1، 2002م، ص145.
(1) قُتل في هذه الحادثة 22 شخصًا في جدة، من بينهم 21 مسيحيًا أجنبيًا، وكان من بين القتلى القنصل البريطاني، والقنصل الفرنسي وزوجته. وقد تحدثنا عن هذه الحادثة في مقال سابق بمجلة (حضرموت الثقافية) بإمكان القارئ الكريم الرجوع إليها.
(1) سالنامة 1301هـ. انظر أيضًا: سهيل صابان، مكة المكرمة والمدينة المنورة، مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، الرياض، 1426هـ، ص292.
(2) محمد علي مغربي، أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة، دار تهامة، ط1، 1981م، ص244.
(1) المرجع نفسه، ج2، ص245.
(2) المرجع نفسه، ج2، ص250- 251.
(3) مغربي، أعلام الحجاز، ج2، ص253.
(4) توجد جالية حضرمية ليست بالكبيرة في مصر، وتقع نقطة تجمعهم بدرجة كبيرة في القاهرة، وبخاصة بالقرب من مسجد الحسين، ومعظمهم من طبقة الأثرياء، مثل (آل الكاف، بازرعة، باغفار، باناجة). إنجرامس، حضرموت، ص27. كما وجدت في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي عدد من الأسر التجارية الحضرمية في مصر، التي امتلكت العقارات بمختلف أنواعها من منازل وحوانيت ووكالات، كنوع من الاستثمار لرؤوس أموالهم، أمثال: عمر بن محمد الحضرمي التاجر بوكالة عيدة بخط قصر السوق، وجميل بن علي الحضرمي ووكالته بخط الجمالية المتخصص بتجارة الرقيق، والتاجر عمر بن سالم الحضرمي، والتاجر عبدالوهاب بن محمد بارحيم ومتخصص في تجارة الزيوت بالجمالية، والتاجر أحمد باراس الحضرمي بوكالة عباس، والتاجر عمر بازرعة وغيرهم (زوات عرفان المغربي، العلاقات المصرية اليمنية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2010م، ص183- 187).
(1) البيوت التجارية في جدة كانت عبارة عن مدارس صغيرة يتعلم فيها الطلبة أعمال الحسابات التجارية حيث يعملون كتاب حسابات للتجار (يمسكون دفاترهم وبعد سنوات طويلة يتحول قدامى الكتبة إلى تجار بعد أن حذقوا عملهم الطويل في البيوت التجارية). مغربي، أعلام الحجاز، ج1، ص103.
(2) مغربي، أعلام الحجاز، ج2، ص254.
(3) نجدة فتحي صفوة، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية (نجد والحجاز)، دار الساقي، بيروت، ط1، 1996م، ج3، (1917- 1918م)، ص96.