أضواء
أ. محمد بن سالم بن علي جابر
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 16 .. ص 8
رابط العدد 16 : اضغط هنا
ما هي الإدارة:
العمل الإداري نشاط يهدف إلى تحقيق الأهداف في ضوء الإمكانات والظروف المتاحة، فلقد عرّف فريدريك تايلر (F.Taylor) الإدارة بأنها: ” المعرفة الصحيحة لما يراد أن يقوم به العاملون ثم التأكد من أنهم يفعلون ذلك بأحسن طريقة وأرخص التكاليف”([1])، كما عرف هنري فايول (H.Fayol) الإدارة من خلال تحديد عمل المدير فيقول: ” إن مـعنى مـديـر هـو أن تتنبأ وتخطط وتنظم وتصدر أوامر وتنسق وتراقب”([2]). وينظر كونتز وأدونيل (Koontz&Odonnel)([3]) “للإدارة أنها سلسلة من الأنشطة المتتابعة والمتكاملة، والتي تبدأ بتحديد الأهداف، ثم رسم طريقة الوصول إليها من خلال إعداد أنشطة التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وهو ما يطلق عليه العملية الإدارية(The Management Process) “([4]). أما علي عبدالوهاب فيعرفها بأنها: “عملية اجتماعية مستمرة تعمل على استغلال الموارد المتاحة استغلالًا أمثل، عن طريق التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة، للوصول إلى هدف محدد”([5]).
وتتكون العملية الإدارية من عدد من المبادئ، “فهناك شبه إجماع بين علماء الإدارة على أن أهـم وظائـف ومبـادئ الإدارة هـي: التخطيــط، التنظيم، التوجيه، الرقابة، اتخاذ القرارات”([6])، وما من وظيفة من هذه الوظائف إلا وفي الأمثال الحضرمية ما يشير إليها، ذلك أن الحضرمي إداري بطبعه، فهو التاجر الصدوق والإداري الناجح، وهذا ما يشهد به التاريخ ويؤكده الواقع، فبنظرة سريعة إلى واقع الحضارمة في الوطن والمهجر نلمس مدى صدق ما ذهبنا إليه، إذ نجد الكثير منهم يتربع على عروش كبريات الشركات والمؤسسات الناجحة، فالخلفية الثقافية الحضرمية تساعد كثيرًا على صنع الرجل القيادي، وهذا ما سنلمسه من استعراض الأمثال التي تعبر عن الثقافة الشعبية للمجتمع الحضرمي.
وإذا كانت الأمثال تتشابه في كثير من المجتمعات فإنه يبقى لكل مجتمع خصوصيته في بعضها، وأنا لا أدعي هنا أن الأمثال في المجتمعات الأخرى تخلو من جوانب الإدارة وإنما قصدت أن أتلمس هذه الجوانب الإدارية وأبعادها في الأمثال الحضرمية، ولا يمنع ذلك من وجود شبيه بها في أمثال الشعوب الأخرى. ولعلنا هنا نستعرض أهم المبادئ الإدارية، متلمسين صلتها بالأمثال الحضرمية ومدى تأثيرها في تشكيل شخصية الفرد الحضرمي.
إدارة الذات:
يركز الإداريون اهتمامهم على قضية إدارة الذات، مؤكدين أن من لا يستطيع إدارة ذاته فإنه لا يستطيع أن يدير الآخرين، ويُعد المثل الحضرمي: (إذا صلح هاجس الدار صلحت جميع الهواجس) تعبيرًا بليغًا عن إدارة الذات، إذ يقرر أنه متى ما صلحت أمور الإنسان في بيته فإنه مؤشر على صلاح بقية أموره، ويمكننا بذلك القول بأن المثل يفيدنا بأن من يستطيع إدارة بيته وأهله ويتخطى مشاكله العائلية بمعالجتها أو القفز من فوقها دون أن تكون عامل إحباط له، فإنه بالتالي قادر بإذن الله على معالجة كافة العقبات الأخرى وتخطيها، التي من الممكن أن تعترض سبيله في حياته العملية، وبالتالي فإن من لا يستطيع أن يدير نفسه وبيته فإنه لا يستطيع أن يدير الآخرين ولا أن يحقق أهدافه من خلالهم، فيا لها من كلمات يسيرة تحمل في طيَّاتها معاني كبيرة.
جانب التخطيط:
من أبرز عناصر التخطيط تحديد الأهداف وترتيب الأولويات، فالمدير الناجح هو الذي يخطط لأعماله الحالية والمستقبلية فيحدد أهدافه ويرتبها حسب أهميتها وذلك بإعطاء الأهداف ذات الأهمية الكبرى الأولوية في التنفيذ، ومن أمثالنا الشعبية في ذلك قولهم: (ما حد يلقي سقاية وأهل بيته ظما)، والمعنى أنه لا يصح عقلًا أن يقوم شخص ما ببناء سقاية ليشرب منها عابرو السبيل ويدع أهل بيته الذين تلزمه نفقتهم والعناية بهم دون ماء يشربون منه، فالأولى به أن يسد حاجة أهله أولًا ومن ثمّ يعمل لسد حاجة الآخرين، فدلالة المثل على ترتيب الأولويات دلالة صريحة فالأهم أولًا ثم يأتي بعده المهم، وذلك بالطبع في حدود الإمكانات المتاحة، وهذا ما يشير إليه قولهم (على قدر فرشك مد رجيلك)، فلا يكلف الإنسان نفسه فوق ما يطيق بل يسعى لتوظيف الإمكانات المتاحة لديه بما يكفل له تحقيق أهدافه دون تقاعس، فليس المراد بمد الرجل على قدر الفراش أن يخضع الإنسان للظروف المحيطة به، بل إذا كان الفراش لا يتسع لرجله إذا مدها فإنه ينبغي عليه أن يسعى لإطالة هذا الفرش ليسع رجليه، ومن ثمّ يشمر عن ساعد الجد ويتذرع بالصبر والمثابرة في تحقيق تلك الأهداف فـ(الصابر ظافر والمستعجل عاثر)، أو كما قيل (الصبر مفتاح الفرج)، و(من سار على الدرب وصل).
جانب التنظيم:
يعد التنظيم من أهم مقومات نجاح العمل الإداري وهو “وظيفة إدارية رئيسة، تسعى إلى تحديد كل النشاطات المتاحة في المؤسسة، وتحديد أوجهها، ثم تقسيمها إلى مجموعات من الأعمال، يمكن إسناد كل منها إلى الشخص الذي تتوافر فيه صفات وشروط معينة، مع توضيح كل الحقوق والالتزامات، وكذلك العلاقات الداخلية بين الموظفين، رؤساء ومرؤوسين في المؤسسة، والمتعاملين معها من الخارج أفرادًا ومؤسسات، في ضوء أحكام وتعليمات مصدرها الشريعة الإسلامية، وذلك من أجل تحقيق أهداف مشروعة”([7]). والحضرمي يعرف أهمية ذلك لمعرفته بالمثل المشهور الذي يقول: (إما حراثة بقوة ولا تجارة بقانون) والقانون هو النظام الذي تسير عليه المنشأة الإدارية.
جانب التوجيه:
التوجيه هو “الاتصال بالمرؤوسين وإرشادهم وترغيبهم في العمل لتحقيق الأهداف، فالتوجيه بهذا المعنى… ينحصر في توجيه الآخرين ونصحهم وإرشادهم في أثناء قيامهم بتنفيذ الأعمال الموكلة إليهم”([8]).
فالإداري الناجح هو الذي يوجه مرؤوسيه ويرشدهم إلى مواطن الصعاب، ويبين لهم العقبات التي من الممكن أن تعترض سبيلهم، ويترك لهم بعد ذلك الحرية في اختيار السبل التي يرونها كفيلة بتحقيق النجاح في تجاوز تلك الصعاب.
ومن الأمثلة الشعبية في ذلك المثل: (قل لي منترة لا ترترنا).
وهذا المثل يحكي قصة رجل يقود آخر أعمى ممسكًا بيده ليقيه عثرات الطريق، وعند وصولهم إلى مكان منحدر أخذ القائد يجذب الأعمى حتى لا يقع في المنحدر (المنترة)، فما كان من الأعمى إلا أن طلب منه أن يخبره أن هناك منحدر ولا حاجة بعد ذلك لأن يجذبه أو يشده مخافة أن يقع لأنه سيأخذ جانب الحذر والحيطة.
وتبرز أهمية العملية التوجيهية في حياة المديرين والمسؤولين حينما تأتي النتائج الإيجابية وتُقطف ثمار النصائح والتوجيهات الهادفة، فيشعر المدير أو المسؤول أن أحد موظفيه قد وصل إلى المنزلة المرموقة بفضل الله، ثم بفضل توجيهاته وتوصياته وقيادته الهادفة.
جانب الرقابة:
لا تستقيم العملية الإدارية دون عنصر الرقابة أو المتابعة، وتعد الرقابة مرحلة مكمّلة لحسن الإدارة وهي “عملية متابعة دائمة تهدف أساسًا إلى التأكد من أن الأعمال الإدارية تسير في اتجاه الأهداف المخططة بصورة مرضية، كما تهدف إلى الكشف عن الأخطاء والانحرافات، ثمّ تصحيح تلك الأخطاء والانحرافات بعد تحديد المسؤول عنها ومحاسبته المحاسبة القانونية العادلة”([9]).
تلازم الرقابة عملية التخطيط وتعتمد عليها، إذ لا بد للمراقب أن يكون على علم بالتخطيط الإداري ليتسنى له القيامُ بمهامه الرقابية وفقًا لما هو مخطط، ومعرفةُ مدى الخروج عن المعايير المخطط لها، ومتى يحصل ذلك.
ومتى غاب الرقيب اختل سير العمل فـ(إذا راح الهر تميح يا جرذ)، و(لي ما يحضر عند شاته تجيب تيس)، هذا ما تقرره الأمثال الحضرمية بشأن الرقابة، فالإداري ينبغي أن تكون له قدرة على مراقبة مرؤوسيه دون أن يكون ذلك عائقًا لهم عن العمل والإبداع، ولكن يسدد ويقارب ويعمل بالمثل الذي يقول: (طير يا طير والحبل بيدي). (هذا في التفويض).
جانب اتخاذ القرارات:
لا شك أن حسن اتخاذ القرارات عامل مهم في نجاح العملية الإدارية، ولا بد لاتخاذ أي قرار ناجح أن تكون هناك معلومات وافية يُبنى عليها القرار.
إلا أن بعض القرارات تحتاج إلى تصرف سريع ومبادرة فورية مما يجعل التأني أمرًا غير مرغوب فيه حتى لا يكون الأمر كما قيل (من شاور ما قتل).
“وقد اهتمت الإدارة الحديثة بالأسلوب العلمي في اتخاذ القرارات المتمثل في تشخيص المشكلة وتحديدها، ووضع المقترحات المناسبة لحلها وتقويمها، ومن ثم اختيار المناسب منها وتنفيذه، ومتابعة نتائجه”([10]). والإداري هو الذي يضع الأمور في نصابها ويقدرها حق التقدير، ويحسب عواقب تصرفاته إيمانًا منه بأن (من أكله بيض يوطيه فراريخ).
هذا وتندرج تحت هذه المبادئ الإدارية العامة بعض المبادئ الأخرى التي لا غنى لأي إداري عنها ومن تلك المبادئ:
السرية:
وهي تحظى بجانب كبير من اهتمامات الإداري الحضرمي لإيمانه بأهميتها في نجاح العمل، فهو يؤمن بالمثل القائل (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك)، وهو يعلم يقينًا أن أكثر ما يصيب الإنسان بسبب لسانه (ما شري إلا لساني يا ريت مالي لسان)، فـ(عطال الإنسان من اللسان)، ومن هنا نجد الحضرمي يحمل دائمًا شعار (خيار العلم قولة ما دريت، إن شفت شي ما قلت شي، وإن حد حكى لي ما حكيت).
بناء السمعة:
وهو أمر أساس في نجاح العمل، ومن هنا ينبغي للإداري الناجح أن يسعى جاهدًا لتحسين سمعة منشأته لتحظى بنصيب وافر من السوق، ولا يتأتى ذلك إلا بالسمعة الحسنة التي يتناقلها الناس فيما بينهم، لذا فقد قيل (فعل وغيرك يخبر)، (والزين زين الأفعال أما الزين ساعة ودال).
تحقيق الانسجام بين العاملين:
فالإداري الناجح يخلق حوله مجموعة قيادية جديرة، وهي ما تسمى بالفريق الإداري أو المجموعة العقلية، يكون بينهم نوع من التوافق والتفاهم والانسجام فـ(ما يعرف رطني إلا ابن بطني). والحضرمي يؤمن أن المهام لا تتحقق إلا بالمتابعة وأن (صاحب الحاجة أعنى بالطلب)، وأنه (ما تنقضي إلا حاجة من دحق بالرجيل). التطوير والتدريب:وهو من ضرورات العمل الإداري سواء على مستوى المديرين أو العاملين، وقد اهتمت الأمثال الحضرمية بهذا الجانب المهم فكان مما قالوا في ذلك (قال الشبامي فتح اثمك)، والمقصود فتح الفم بغرض السؤال عما لا تعلم، وهو يعلمنا ألا نقف عند حد معين من العلم بل نستزيد كلما أمكن ذلك بالسؤال لدى أهل الخبرة والدراية، وبذا لا يستحيي المرء من عدم المعرفه بل يفتح فمه بالسؤال عن ما لا يعلمه لكي يزداد معرفة وقوة، وبما أن الإنسان مؤثِرٌ ومُؤَثَرٌ فيه جاء قولهم (ساير الجيد واعلق من ناره)، من باب الحث على مصاحبة الأخيار من أهل الصلاح والدراية للاستفادة منهم في كسب الخصال الحميدة والصفات الحسنة، وحيث إن الإنسان لا يولد معلمًا كان الخطأ طريق الصواب، ولا بد للإنسان من أن يتعلم من أخطائه ويتعظ بها، وأن تكون له ( كل دقة بتعلومة). الاستشارة:وهي مبدأ مهم يساعد في تجنب الوقوع في المزالق فـ(من شاور شور). وكما قيل (البعير ما يشوف عواج رقبته)، فلا بد إذن من الاستشارة للتعرف على مواطن الخلل التي لا يبصرها الإنسان من نفسه ولا يدرك حجمها إلا بتلمس آراء الآخرين فيها. التخصص: إذ إن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب أمر مهم في العملية الإدارية فـ(كل بلاد ارمها بحصاتها)، و(استانس بالخال ياتيك الولد والبت ترجع قدا عماتها).
التفويض: وهو توكيل بعض المهام إلى المرؤوسين ومنحهم الصلاحيات اللازمة لتنفيذ تلك المهام، ويعدّ خطوة مهمة نحو إدارة الوقت وتحقيق الأهداف. والأمثال الحضرمية تحث المدير على تفويض الأمور والابتعاد عن البيروقراطية، إذ إن قدرات الإنسان تقصر عن أن يقوم بعدد من الأعمال في وقت واحد فـ(صاحب الحاجتين كذاب والثالثة حرامي)، أو كما قيل: (من كل بيدين افتقش). وإلى جانب القدرة على التفويض يتحتم أن لا ينسى المثل الذي يقول: (طر يا طير والحبل بيدي)، فهو وإن ترك لمرؤوسيه حرية التصرف واتخاذ القرارات لا بد أن تكون لديه القدرة على السيطرة على الأمور لتسير كما يريد لها أن تسير.وأن يحرص على قول “لا” لمن يضيع عليه وقته في زيارات أو طلبات لا تعد من صميم عمله لأن (من جامل تكلّف).
مراعاة حال العامل المكلف:
وهو مبدأ يجب الأخذ به عند تكليف شخص ما بعمل ما، فلا يُكلف بما لا يُتقِنه، ولا يُكلف بما لا يُطيق من الأعمال، لأن (من شل حصاة كبيرة ما حذف)، فالإنسان إذا كُلِّف بما ليس في وسعه عجز عن أدائه، وإن أداه أداه وفيه خلل وقصور.
التحفيز:
وهو أمر مهم لرفع معنوية العاملين وإشعال روح التنافس بينهم، فليس من إنسان يكد ويكدح إلا لتحقيق هدف مادي أو معنوي فـ(ما مصلي إلا وطالب مغفرة)، ومن التحفيز مراعاة العدل بين العاملين ومكافأة المحسن على إحسانه ولا يكون الحال كما قيل: (بعير يعصر وبعير يوكل التخ)؛ لأن ذلك يعود بآثار سلبية وأضرار جسيمة على العمل.
ما لا يدرك جله لا يترك كله:
قاعدة مهمة في العمل الإداري والسعي لتحقيق الأهداف، فقد لا يستطيع الإداري أن يحقق جميع طموحاته وأهدافه، ولكن ليس معنى ذلك أن يتخلى عمّا يمكن تحقيقه من الأهداف وإن قل، وهذا ما تؤكده الأمثال في المجتمع الحضرمي والتي منها: (لا فاتك اللحم شرب المرق)، (ريح بو علي ولا عدمه)، (عشاء قضوض خير من وحش)، (كازوز ولا غدرا)،(الجهر ولا العور).
ج
ج
([6]) البرعي، محمد عبد الله، مبادئ الإدارة والقيادة في الإسلام، مطابع الحميضي، الرياض، ط2، 1416هـ – 1996م، ص 29.
([7]) المزجاجي، أحمد داود، التنظيم الإداري في الإسلام: مفهومه وخصائصه، مجلة جامعة الملك سعود، مجلد (3)، العلوم الإدارية (1)، ص ص (35-75)، 1411هـ – 1991م، ص 39.
([8]) البرعي، محمد عبد الله، وعابدين، عدنان حمدي، الإدارة في التراث الإسلامي، مكتبة الخدمات الحديثة، جدة، 1408هـ – 1987م، ج1 ص60 بتصرّف.
([9]) أبو سن، أحمد إبراهيم، الإدارة في الإسلام، دار الخريجي، الرياض، ط6، 1417هـ، ص 146.
([10]) سلامة، سهيل فهد، إدارة الوقت: منهج متطور للنجاح، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، إدارة البحوث والدراسات، عمان، 1988م، ص 85-86.