أضواء
طارق بن محمد سكلوع العمودي
قال العلامة المفتي الفقيه ابن عبيدالله السقاف -عليه رحمات رب البريات- في خاتمة كتابه الفخم الفخيم (صوب الركام في أدلة الأحكام)، (ص1058- 1059): »إنَّ الإمام أحمد بن عيسى؛ كان بـ(الحُسَيِّسَةِ)، وابنه عبيدالله بـ(عرض بدر)؛ وحفيده علوي بن عبيدالله بـ(سَمَل)، والإمام محمد بن علوي بـ(بيت جبير).
ولم نر: هل كان تفرقهم عن اختيار واضطرار؟ ولا ندري ما سبب تحاميهم مدن حضرموت لذلك العهد؟ مع أنَّ لهم بها آثاراً؛ كما ذكرها ابن حسان في تاريخه. وطالما وجهت الأسئلة من هذا القبيل؛ إلى المهتمين بالتاريخ من أعلام العلويين. فلم يشفوا غليلًا، لولع المؤرخين من رفقائنا بالأقاصيص؛ وما كان من تلك البابة، مع إعراضهم عن وقائع الأحوال؛ وشخصيات الرجال.
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 16 .. ص 26
رابط العدد 16 : اضغط هنا
ولو انتدب للتاريخ؛ من يهذبه وينتخله؛ من طيات الوثائق والمكاتبات، ويعتمد الصدق، ويتوخى الإنصاف، لتكسَّرت فيه السهام من أبناء الدنيا؛ وعباد الأوهام، الذين لا ترضيهم؛ إلا بأن تُنبَذَ لأحبارهم مفاتيح الكون للتصرّف، وتُسَلَّم لهم مطالعةُ أم الكتاب للتعرّف، وكم أرادونا أن نغضَّ على القذا؛ فعزم الله لنا بالثبات ولم يضرونا إلا أذى، وما أحسن ما قلت من قصيدة:
ها قد وقفنا لنصر الحق أنفسنا * * وبالبراهين بيَّناه تبيينا
ندعو العباد إلى هدي الرشاد وما * * بغير سنة طه نخدم الدينا
وقد كشفنا بأنواع الأدلة ما * * غطت به الحق أوهام المُرائينا
فقوّض النصُّ ما شادوه من كذبِ * * وبان تمويهُهُم عند المريدينا
وكم أرادوا انتثاناً عن طريقتنا * * لكنهم ما رأوا في عودِنا لينا
فهاجرونا وراموا ضُرَّنا وَبَغَوا * * وافتنَّ أذنابُهُم في طعنهم فينا
قالوا ابتداعٌ وسحرٌ فعلنا وكذا * * من قبلهم قال هذا للنبيّين«. اهـ. كلامه رحمه الله.
قلت: عبارته: (الذين لا ترضيهم؛ إلا بأن تُنبَذَ لأحبارهم مفاتيح الكون للتصرّفُ؛ وتُسَلَّم لهم مطالعةُ أم الكتاب للتعرّف). تحتاج إلى تأمل ونظر كبيرين؛ ليس هنا محل الشرح والتحليل، ولكن اختياره لألفاظها خطيرة مقصودة.
وقد أسعفتني الذاكرة بخصوص ما نقمه السقاف حيال التواريخ الحضرمية كلمة السيد البحاثة: عبدالله بن حسن بلفقيه (ت 1400هـ)، مفادها: أن هناك فترة زمانية في التاريخ الحضرمي تسمى بـ(مجاهل التاريخ الحضرمي)، قد أفسحت المجال للمؤرخين، وكُتَّاب السير والمناقب بعد هذه الفترة للحدس والتخمين والمغالاة والإطناب؛ بل والتخيل أحياناً في جوانب معينة أو التعسف والغمط والإضعاف في جوانب أخرى، أو إسقاط الحاضر بالنسبة لهؤلاء المدونين للتاريخ والتراث على الماضي وفقاً لمبتغاهم، [انظر: الخمير المفتوت، ص227]، ولذا قال السقاف: (ولهذا كانت الفضيلة الصادقة أخفى ما تكون عند الحضارمة).
وليت شعري أقومي بالخصوص هَوَوا * * إلى الحضيض كذا، أم كُلُّهَا العرَبُ)، [انظر: العود الهندي، 2/ 438].
وأما ما ذكره السيد السقاف من تهذيب التاريخ، بذكر الوثائق والمكاتبات، وتحري الصدق والإنصاف؛ فالذي أحسبه من أنه -رحمه الله- قد طبق ذلك في كتابيه التاريخيين الكبيرين: (بضائع التابوت في ذكر نتف من تاريخ حضرموت)؛ و(إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت)، على حسب وسع طاقته، ولا ندعي له الكمال في ذلك.
وما إطراؤه على ابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبدالوهاب -رحمهم الله-، وذكره للسادة العلويين المتأثرين بهم، وممن دعوا بدعوتهم؛ من غير تهكم أو تنقص بهم، وإنصافه حيال غارات الوهابيين على حضرموت. وغيرها كثير، مع كونه أشعري العقيدة، يميل للتصوف من غير غلو ونصرة للخرافة؛ لدليل على إنصافه وصدقه. وهذه والله سمة العلماء الصادقين العاملين المصلحين.
وأما الضرر والأذى الذي لحقه ولازمه من بني قومه العلويين؛ فقد نادى به في أكثر من موضع من كتبه، وما ذلك إلا عن صدق ما لقيه، لا عن ادعاء وزور، وحاشاه عن ذلك.
فنظرة في كتابه الفذ: (العود الهندي) تجد مواضع عدة من ذلك الأذى ونقمتهم عليه؛ قد استخلصتها وأودعتها كتابي المطبوع (كل ما هو حضرمي من العود الهندي)؛ تحت العناوين الآتية لمن رام الرجوع إليها:
ــ المصنف وهذا الزمان.
ــ المصنف وانتقاده لحال العلويين الحضارمة في زمانه وقصيدته فيهم.
ــ وَجَل المصنف على العلويين الحضارمة.
ــ انتشار الخرافات عند الحضارمة سبب في إخفاء الفضائل.
ــ المصنف وما يعانيه من الحساد.
ونختم بقصة تدل على ما يعانيه من بني قومه؛ فقد ذكر في كتابه: (إدام القوت)، (ص802) عند ذكره للسيد علي بن صالح بن أحمد الحامد الباعلوي (ت 1349هـ) صاحب الغنى والثروة: »وكان ينكر الخرافات والدعاوى الكاذبة، ولما واظب على حضور دروسي في الشمائل النبوية؛ تأكد ما بخاطره من ذلك، فوافقني على إنكارها؛ وصارح بذلك؛ فلحقه شيء يسير من فضول ما لحقني من تعصب عشاق الجاه المنفوخ، والولاية الزائفة… ولولا اعتصامه بالثروة -وهي الشافع المقبول في بلادنا- لناله ما نالني أو أكثر«، هذا ما تيسر التعليق عليه، والله الموفق لما يحب ويرضى.