دراسات
د. محمد حسين بن الشيخ بوبكر
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 16 .. ص 37
رابط العدد 16 : اضغط هنا
الملخص:
يتناول هذا البحث المظاهر السياسية والحضارية للسلطنة الكثيرية في الشحر وعلاقاتها الخارجية، وتحديدًا حقبة القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي). تلك السلطنة التي نشأت في حضرموت، حيث شهدت البلاد عددًا من الأحداث السياسية كانت نتيجتها بروز عدد من الكيانات السياسية المستقلة في أهم المدن الحضرمية كالشحر، وسيئون، وتريم، وشبام، وهي كيانات كانت أشبه ما تكون بدويلات المدن. وتكمن الأهمية التاريخية للسلطنة الكثيرية في أنها تمكنت من توحيد أجزاء واسعة من حضرموت تحت سلطة واحدة، كما ربطت مناطق الساحل الحضرمي بداخله.
يهدف البحث إلى محاولة سبر أغوار التاريخ، وعرض المحاولات الأولى وتتبعها لنشأة السلطنة الكثيرية، ثم المراحل والمنعطفات السياسية التي خاضها السلاطين والأمراء الكثيريون في سبيل تثبيت سلطتهم، والمخاطر والتحديات التي واجهتها السلطنة، وازدياد الصراع الأسري الكثيري على الحكم، وما نتج عنه من تدخل القوى الخارجية، مثل الدولة القاسمية في شمال اليمن، والقبائل اليافعية، والتي أدت إلى إضعاف السلطنة الكثيرية تدريجيًا ثم انهيارها.
كما تضمن البحث علاقات السلطنة الكثيرية بالقوى الدولية والإقليمية حينذاك مع كل من البرتغاليين والدولة العثمانية، إضافة إلى الدولة القاسمية في شمال اليمن وأخيرًا مع الهولنديين.
وفي جانب المظاهر الحضارية حاولنا تتبع بعض تلك المظاهر، والتي شملت التوسع العمراني لمدينة الشحر في تلك الحقبة، إضافة إلى النواحي العلمية وكذا الجانب الاقتصادي، وما تميزت به السلطنة الكثيرية من استقرار سياسي في تلك المدة ألقى بظلاله على ازدهار التجارة وانتعاشها في ميناء الشحر. وخير دليل على ذلك ما وصلنا من معلومات مفيدة من وثائق التجار الهولنديين والتي تعود إلى القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، وأول من بدأ هذا العمل هو (فن دن بروك)، الذي بدأها في 30 مايو 1613م/ 1022هـ، وسجل وصفًا دقيقًا لميناء الشحر ونشاطه التجاري، وقائمة المكوس والأوزان، وأنواع العملة، وأسعار السلع السارية في الشحر والسفن التي وصلت إليها.
تكمن أهمية الموضوع في كونه يسلط الضوء على جانب مهم من جوانب التاريخ السياسي والحضاري للسلطنة الكثيرية في مدينة الشحر، ولتاريخ حضرموت بشكل عام.
يتبع البحث منهج البحث التاريخي مع الاستفادة من المنهج الوصفي والتحليلي، وينتهي بخاتمة، مع أهم النتائج والتوصيات، وقائمة بالمصادر والمراجع.
كلمات مفتاحية: مدينة الشحر – المظاهر السياسية – الحضارية – العلاقات الخارجية – التوسع العمراني.
المقدمة:
للموقع الجغرافي لمدينة الشحر دور مهم في الحياة السياسية، فقد اهتمت جميع القوى المحلية والخارجية بالسيطرة على المدينة طمعًا في مينائها الشهير، الذي يمثل عصب الحياة الاقتصادية في حضرموت بما يتمتع به من تجارة واسعة، مما شكل ذلك دافعًا اقتصاديًا استهوى أنظار تلك القوى.
وعظم بذلك شأن المدينة، وأقبل التجار والعلماء والأدباء على الإقامة بها، والتردد إليها، فلم تستطع لذلك أية مدينة ساحلية في حضرموت أن تنافسها، أو تبرز معها في مضمار([1]).
تقع مدينة الشحر على الشريط الساحلي لمحافظة حضرموت، يحدها من الغرب مدينة المكلا ومديرية غيل باوزير، ومن الشرق مديرية الديس الشرقية والريدة وقصيعر، ومن الشمال غيل بن يمين والأطراف الجنوبية لهضبة حضرموت، ومن الجنوب بحر العرب([2]).
وتقع الشحر أيضًا على ساحل بحر العرب على دائرة عرض 14,44 شمالًا، وخط طول 49,39 شرقًا([3])، وتبعد عن مدينة المكلا بنحو 65 كيلو مترًا تقريبًا إلى الشرق.
والشحر: بكسر الشين وسكون الحاء، بعدها راء مهملة، هي ساحل اليمن، الممتد بينها وبين عُمان([4])، وكانت الشحر اسمًا يطلق على جميع ساحل حضرموت وأرض المهرة إلى عُمان، ثم صار في عُرف متأخر اسمًا للمدينة التي كانت تسمى (الأسعاء)، وهي أهم مدينة على الساحل حينذاك([5])، وهي ميناء لحضرموت وينسب إليها اللبان الشحري([6]).
وتعد الشحر أقدم ميناء في جنوب شبه الجزيرة العربية، فقد كانت الميناء الثاني لمملكة حضرموت القديمة، والميناء الأول والرئيس لحضرموت في العصور الوسطى([7]).ويعود ارتفاع شأن مدينة الشحر -التي كانت تسمى من قبل بالأسعاء على الأرجح- وتحولها إلى مركز رئيس من مراكز الحياة السياسية لحضرموت في العصور الوسيطة، وذلك بسبب وضعها الاقتصادي المهم كمدينة وميناء بحري مثلها مثل عدن وظفار. وقد استمر دورها المهم هذا حتى القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي([8]).
ارتبط تاريخ حضرموت منذ أن دخل الإسلام إليها بتاريخ الدولة العربية الإسلامية العام، إذ أصبحت جزءًا من الكيان الإسلامي السياسي الكبير، فقد خضعت لعاصمة الخلافة في كل من المدينة المنورة، الكوفة، دمشق، بغداد وذلك لمدة قرنين من الزمان([9]).
وفي القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، بدأت عموم اليمن تشهد قيام الدويلات المستقلة عن الحكم العباسي، وخضعت حضرموت أو أجزاء منها لحكام تلك الدويلات، ومن هذه الدويلات التي قامت في اليمن ومدت نفوذها إلى حضرموت ومدينة الشحر نذكر الدولة الزيادية (204- 309هـ/ 819- 921م)، ثم الدولة الصليحية (436- 532هـ/ 1044- 1137م) فقد بسطت نفوذها على الشحر سنة (455هـ/ 1063م). وعندما ضعف حال الصليحيين انقسمت حضرموت إلى ثلاث نواح مستقلة، هي: تريم، وشبام، والشحر، وقامت في الثالثة سلطنة آل فارس، وكان أولهم عبدالباقي بن فارس بن راشد بن إقبال الكندي الحضرمي، ومركزهم مدينة الشحر([10]). وتعود نشأة هذه الإمارة إلى أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس الهجري (11- 12م).
أما الدولة الأيوبية (569- 626هـ/ 1176- 1228م)، فقد امتد نفوذهم إلى حضرموت ومدينة الشحر سنة (575هـ/ 1179م)، ولم يكن الحكم الأيوبي في حضرموت حكمًا مباشرًا، ولذا فقد شهد الربع الأخير من القرن السادس الهجري وبداية القرن السابع الهجري (12- 13م) تمردات واسعة في حضرموت هدفها رفض التبعية للأيوبيين. وقد نجحت قبيلة نهد في تحقيق الاستقلال وفرض سيادتها على حضرموت الساحل والداخل وذلك في سنة (622هـ/ 1225م).
وعندما قامت الدولة الرسولية باليمن (626- 858هـ/ 1228- 1454م) حكمت الشحر بين سنة (677- 836هـ/ 1228– 1432م)، وكان حكم الرسوليين يتأرجح بين القوة والضعف، فقد ناوشتهم القبائل المجاورة في داخل المدينة وخارجها، وبسبب تلك المناوشات وكذا الضعف العام الذي دب في أوصال دولة الرسوليين، استطاع محمد بن سعيد ابن فارس ويكنى بـ(بادجانة)، من احتلال الشحر وإنهاء الوجود الرسولي فيها سنة 836هـ/ 1454م، ونقل مركز إمارته من حيريج إلى الشحر، وقد ساعده في ذلك المئات من أبناء الشحر([11]).
وبعد ذلك فقد حاول الطاهريون (850- 923هـ/ 1446- 1517م) مد نفوذهم نحو الشحر، غير أن أبا دجانة تصدى لتلك المحاولات، ولم يكتف بذلك بل حاول في سنة (861هـ/ 1456م) احتلال عدن عاصمة الدولة الطاهرية إلا أنه فشل ووقع أسيرًا في يد الطاهريين، وسقطت الشحر بأيديهم سنة (866هـ/ 1461م)، لكنهم ما لبثوا أن جلوا عنها بعد أربعة أعوام بسبب الصعوبات التي كانوا يواجهونها في شمال اليمن، وأنابوا عنهم في حكم الشحر بدر بن محمد الكثيري، وهذه هي المرة الأولى التي يحكم فيها آل كثير الشحر.
وفي سنة (867هـ/ 1462م) توفي السلطان محمد سعيد أبو دجانة في حيريج وخلفه ابن أخيه الأمير فارس بن مبارك، وكان شابًا طموحًا، فهاجم مدينة الشحر وانتزعها من السلطان بدر بن محمد الكثيري، ولكن في سنة (871هـ/ 1466م) استعاد السلطان بدر بن محمد الكثيري الشحر، وهو أول من حكمها من آل كثير([12]). وكان ذلك أول اتصال لآل كثير بالشحر([13]).
لم يطل المقام ببدر بن محمد الكثيري في الشحر، فقام الأمير سعد بن مبارك بن فارس بادجانة بطرده منها والاستيلاء عليها، وذلك في سنة (883هـ/ 1478م)، وبقي حاكمًا بها إلى أن انتزعها منه السلطان جعفر بن عبدالله الكثيري([14]) سنة (901هـ/ 1495م) بعد معركة نشبت بينهما على مشارف قرية تبالة([15]). وبذلك سقطت الشحر نهائيًا بيد الكثيريين([16]).
قيام السلطنة الكثيرية:
إن تاريخ السلطنة الكثيرية كان في أغلبه تاريخ الصراع القبلي في حضرموت، وقد اختلفت فيه أدوار آل كثير من مواقع الدفاع عن النفس إلى المشارك والمهاجم وذلك باختلاف تطور أدوار النفوذ الكثيري في حضرموت([17]).
يُعد علي بن عمر بن جعفر الكثيري، والذي ولد في ثمانينيات القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي (782هـ/ 1380م)، أول سلطان يحول القبيلة الكثيرية إلى دولة منظمة، وهو أول من نودي به سلطانًا من آل كثير في حضرموت وكان ذلك في سنة (814هـ/ 1411م)([18]).
وحقيقة الأمر أن هناك نجاحات ميدانية حققها السلطان المؤسس علي بن عمر الكثيري، كان أهمها توسيع نطاق نفوذ آل كثير في داخل حضرموت وساحلها، وتمكنهم من السيطرة على العديد من القرى والبلدات المهمة في حضرموت([19]).
إن الأهمية التاريخية للسلطان علي بن عمر تكمن في أنه كان بمثابة المنقذ لآل كثير. فقد استجاب للتحديات المفروضة، وأعاد تنظيم صفوف الكثيريين، ونقلهم إلى وضع أفضل مما كانوا عليه قبله. ولكن لم يستمر في الحكم طويلًا إذ توفي في سنة (825هـ/ 1422م)([20]).
بعد وفاة السلطان علي بن عمر الكثيري تعاقب على حكم السلطنة إلى سنة 910هـ/ 1504م. سبعة سلاطين من أبنائه وأحفاده، وقد تميزت مدة حكمهم باستمرار الصراع وآثاره السلبية على الحياة العامة في حضرموت، وعلى استقرار السلطنة. وأمام مصاعب التوسع الكثيري في حضرموت الداخل الذي فرضه التوازن القبلي إلى مدى بعيد وجه الكثيريون اهتمامهم إلى ساحل حضرموت.
وعلى العموم فبعد وفاة السلطان علي (المؤسس) خلفه ابنه عبدالله (825- 850هـ/ 1422- 1446م)، والذي يمثل الجيل الأول والامتداد الطبيعي لحكم والده، غير أنه في السنوات الأخيرة من حكمه دخل أبناؤه محمد وبدر في صراع على بعض الأراضي، ويبدو من هذا الخلاف (الأخوي) أن الصراع على السلطة بدأ يظهر قبل وفاة والدهم السلطان عبدالله([21]).
وفي سنة 850هـ تولى الحكم من بعده ابنه محمد ولكن مدة حكمه لم تدم طويلًا؛ إذ تذكر المصادر أنه مات فجأة، سنة (855هـ/ 1451م)([22]). وتولى السلطنة بعده أخوه بدر في ما يشبه الاستيلاء، ويدل على ذلك الخلاف الذي دب بينه وبين أبناء أخيه السلطان محمد.
وخلال مدة حكم السلطان بدر الطويلة (855- 894هـ/ 1446- 1488م) انشغلت السلطنة بنزاعات جديدة، وفي أواخر أيام السلطان بدر بدأت تبرز الخلافات الأسرية وبخاصة بين أخيه جعفر وابن أخيه محمد. وكان من أخطر حالات الصراع في تلك المرحلة، خروج الأخوين بدر وعبدالله ابني السلطان السابق محمد بن عبدالله على عمهم السلطان جعفر، وقد بدأ هذا الخروج سنة (901هـ/ 1495م). مستغلين عدم وجود السلطان جعفر في وادي حضرموت، وانشغاله في مدينة الشحر بترتيب أوضاعها بعد أن سيطر عليها([23]).
توفي السلطان جعفر سنة (905هـ/ 1499م) على أرجح الروايات، واختلف المؤرخون في شأن وفاته فهناك من يرى أنه اغتيل في حصن بلدة بور، في حين يرى البعض الآخر أنه مات فجأة([24]).
وعلى أيه حال فقد خلفه ابنه عبدالله الذي قام في بداية حكمه بقتل اثنين من إخوته، بعد صراع طويل عاصره السلطان عبدالله بين أبيه وأبناء أخيه، والذي زعزع كيان السلطنة لهذا لجأ إلى هذا الإجراء، والذي يصفه شنبل بقوله: »إنه يقال قتلهم لأمر جرى منهم عليه«([25]).
لقد تزامن الصراع الأسري الكثيري مع دخولهم في صراعات مع قوى متعددة في ساحل حضرموت وداخلها، وأحيانًا يتداخل هذا الصراع بحيث يصعب تجزئته([26]).
وبعد وفاة السلطان عبدالله بن جعفر الكثيري سنة (910هـ/ 1504م) تولى السلطنة ابنه محمد، وكان أول أعماله بعد توليه السلطنة مباشرة مهاجمة تريم، والدخول في صراع مع آل يماني استمر لسنوات. ويبدو أن السلاطين سئموا هذا النزاع فقد اتفق كل من السلطان محمد بن عبدالله الكثيري والسلطان من آل يماني محمد أحمد بن سلطان على الصلح لمدة ست سنوات وذلك في سنة (914هـ/ 1508م)([27]).
ومنذ بداية النصف الأول من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي برز دور الأمير بدر بوطويرق على حساب أخيه السلطان محمد.
السلطان بدر بن عبدالله الكثيري (بوطويرق) (927- 975هـ/ 1520-1567م):
هو بدر بن عبدالله بن علي بن عمر الكثيري، وكنيته المحلية (بوطويرق)، وهو أشهر سلاطين آل كثير على الإطلاق. ولد سنة 905هـ/ 1496م، أي بعد أن احتل جده جعفر الشحر بعام واحد([28]).
تولى السلطان بدر (بوطويرق) من سنة (927هـ/ 1520م حتى 975هـ/ 1567م)، وقد شارك في حكم السلطنة إلى جانب أخيه الأكبر محمد منذ وقت مبكر من حياته، وبالنسبة للسلطنة الكثيرية فقد بلغت قمة اتساعها وقوتها في حكمه([29]). وفي عهده هاجم البرتغاليون مدينة الشحر سنة (929هـ/ 1522م) في سلسلة غاراتهم الانتقامية ضد الحامي والشحر وعدن. كما كانت للسلطان بدر (بوطويرق) علاقات ودية مع الدولة العثمانية التي عبرت عن صداقتها له بأن أرسلت له مجموعة من الجنود الأتراك إلى الشحر لمساعدته تحت قيادة رجب التركي([30]).
وتُعد مدة حكم السلطان بدر بوطويرق من أطول المدد التي مكث فيها السلاطين الكثيريون في سدة الحكم، وجاء هذا الامتداد لكونه تولى الحكم وهو شاب. وخلال تلك المدة الحافلة بالأحداث والتحديات انتهت حياة السلطان بوطويرق السياسية في داخل مقر حكمه ومن أقرب الناس إليه.
السلطان عبدالله بن بدر الكثيري (976- 984هـ/ 1568- 1576م):
شارك أباه في حكم السلطنة، ولكن وفي 23 ربيع الأول سنة (976هـ/ 1568م) قام بما يشبه الانقلاب على سلطة أبيه (بدر)، وكما تورد المصادر بأنه هجم الأمير عبدالله مع بعض أتباعه على والده وهو في حصن سيئون وألقى القبض عليه وسجنه في حصن مريمة، وهو المكان الذي كان السلطان بدر بوطويرق قد جعله سجنًا للأمراء الكثيريين الخارجين عليه([31]).
لقد شكل هذا العزل بهذه الطريقة سابقة فريدة في تاريخ السلطنة الكثيرية، وجرأة ليس لها مثيل في التاريخ الحضرمي([32]). ولا شك في أن السلطان عبدالله سعى وحرص على تحسين صورته أمام رعاياه، ويبدو أن غالبهم كان يريد التغيير ولكن ليس بالطريقة التي قام بها الأمير عبدالله. وعلى أيه حال فإن أول المخاطر التي واجهها السلطان عبدالله جاءت من قبل أخويه الأمير عمر وجعفر اللذين رفضا تنحية والدهما بتلك الطريقة، وفتح ذلك صفحة جديدة من صفحات الصراع الأسري الكثيري بعد حوالي ربع قرن من نهايته. وبالنسبة للأمير عمر الذي لم تتخذ معارضته شكل عمل عسكري محدد، فقد ألقي القبض عليه وسجن في حصن مريمة وظل مسجونًا فيه حتى نودي به سلطانًا على حضرموت([33]).
وكان للسلطان عبدالله بن بدر تعظيم حميد للعلم والعلماء والقضاة وكان له حسن الاختيار في توظيفهم، فمنح رتبة قاضي القضاة للعلامة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن سراج الدين باجمال (ينظر ترجمته في الحياة العلمية من بحثنا هذا). كما ولى الفقيه العلامة محمد بن عبدالرحيم باجابر التدريس والإشراف على المدرسة البدرية في الشحر([34]).
أما الأمير جعفر الذي كان حاكمًا لمدينة الشحر وأعمالها نيابة عن أبيه فكان موقعه يساعده على إعلان العصيان، وطلب لنفسه الولاية. ولذلك فقد كان أول عمل يقوم به السلطان عبدالله بن بدر القضاء على تمرد أخيه وإعادة مدينة الشحر إلى حظيرة السلطنة، لهذا قدم على رأس حملة عسكرية متجهة إلى الشحر تمكن من خلالها من محاصرة المدينة وإجبار أخيه على مغادرتها إلى بلدة حيريج.
السلطان جعفر بن عبدالله بن بدر الكثيري (985- 990هـ/ 1570- 1582م):
تولى الملك بعد أبيه ومكث به ست سنوات، ولكنه لم يكن كأبيه من حيث حسن التصرف والحزم، فقد دخل في صراع غير مبرر مع قبيلة نهد واتخذ إجراءات قاسية تجاههم، منها منعه وارداتهم من الدخول في أسواق البلدات القريبة من مناطقهم لا سيما (هينن) و(الهجرين)، وقد لقي السلطان جعفر حتفه جراء هذه السياسة إذ اغتاله أفراد من قبيلة الظلفان النهدية سنة 990هـ/ 1582م([35]).
السلطان عمر بن بدر أبي طويرق (996- 1021هـ/ 1587- 1612م):
يُطلق عليه السلطان العادل، فهو من أوضح الشخصيات السلطانية الكثيرية بروزًا وأهمها شأنًا. اشتهر بالعدل والفضل. ترجم له الشلي في تاريخه فقال: »هو سلطان حضرموت بالشحر، وكان حسن الشمائل وافر العقل كثير العدل…«([36]).
ويُعد من أشهر أبناء السلطان بدر بوطويرق، والذي كان مسجونًا منذ عهد أخيه السلطان عبدالله ثم ابنه جعفر ثم حفيده عبدالله الذي خلع من الحكم([37]). ولم تشر المصادر إلى كيفية خروجه من السجن واستلامه للحكم([38]).
شهدت علاقات السلطنة الكثيرية في عهده على دعم الدولة العثمانية، والذي دفعه للانتصار على بعض القوى المحلية والمتمثلة في آل العمودي المعارضة لحكمه وعلاقته بالعثمانيين.
وكان من أبرز المواجهات بين الجانبين تلك التي جرت سنة (1014هـ/ 1605م)، والتي عرفت بمعركة النقعة([39])، والتي انتصر فيها السلطان عمر بن بدر، على خصومه بمشاركة قوة عثمانية.
إن من أبرز نتائج المساعدة العثمانية للسلطان عمر بن بدر ليست فقط في تمكينه من تحقيق انتصارات على أعدائه، بل ساعدت أيضًا في خلق حالة من الهدوء والاستقرار استمرت حتى وفاته([40]).
وفي سنة (1021هـ/ 1612م) توفي السلطان عمر بن بدر بن عبدالله بن جعفر الكثيري سلطان حضرموت وذلك بالشحر، وقد ورد عند الشلي »وكان رحمه الله حسن الشمائل وافر العقل كثير العدل، ذا سيرة مرضية والتفات إلى الرعية وسلوك حسن مع سائر البرية، حسن السياسة، صادق الفراسة، صاحب أخلاق ألطف من النسيم وأبهج من الدر النظيم، قل إن ورد إليه أحد من الغرباء إلا وصدر يثني عليه الثناء الجميل، أو وفد إلى ساحته بعض الفضلاء إلا وانصرف يشكر ما أسدى إليه من البر الجزيل. وكان شجاعًا مقدامًا«([41]). وفي عهده اطمأنت النفوس، وكثر الخصب، وزكا الزرع، وزاد الرخاء، ورخصت الأسعار([42]).
السلطان عبدالله بن عمر (1021- 1045هـ/ 1612- 1635م):
تولى السلطنة بعد أبيه سنة 1021هـ/ 1612م يورد الشلي في (عقد الجواهر) أنه »أحسن القيام بالملك، وأظهر السطوة والفتك، وقهر البادية وغيرهم، فهابته النفوس، وطأطأت له الأعناق والرؤوس، وأمنت البلاد، واطمأنت العباد«([43]).
وفي عهده اشتدت حركة المقاومة اليمنية ضد السيطرة العثمانية على اليمن، والتي تزعمها الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد. وقد التزم السلطان الكثيري بالخط الذي سار عليه أسلافه وهو الإبقاء على تبعية السلطة الاسمية للدولة العثمانية، ووقف في الموقع غير المؤيد لحركة المقاومة([44]). وقد حرص سلاطين آل كثير على المحافظة على ولائهم للدولة العثمانية مدة بقائهم في اليمن ليتمتعوا بالحماية العثمانية([45]). وعلى الرغم من عدم وقوف السلطان الكثيري في الموقف المساند للمقاومة فإنه حرص على عدم إظهار أي عداء عملي ضد الإمام؛ ففي سنة (1041هـ/ 1631م) بعث السلطان عبدالله رسالة إلى الإمام المؤيد أبلغه فيها أنه أصبح من المحبين للإمام ودولته، وعرض فيها بأن علاقته مع العثمانيين – بأنها جاءت لتجنب شرهم، وليحافظ على مصالح السلطنة التجارية.
وحقيقة الأمر لم تتخذ هذه العلاقات طابعًا عمليًا؛ فقد ظلت الأمور داخل السلطنة تدار على ما كانت عليه، وكان واضحًا أن ذلك التودد للإمام الذي طرأ على السلطان عبدالله لم يكن بنية صادقة أقنعته بالولاء للقاسميين، بل كان نوعًا من المراوغة السياسية فرضتها الظروف الجديدة لليمن. كما أن مدة السلطان عبدالله في الحكم لم تطل بعد ذلك؛ إذ يقال إنه تنازل عن الحكم لأخيه بدر. وقد غادر السلطان عبدالله حضرموت متوجهًا إلى مكة، وهناك توفي بها سنة (1045هـ/ 1635م)([46]).
السلطان بدر بن عمر بن بدر أبي طويرق:
تولى السلطنة بعد أن تنحى أخوه عبدالله عنها، وقد أدى هذا التنحي المفاجئ وتولي بدر بن عمر الحكم إلى تجدد الصراع الأسري الكثيري، وتزامن هذا مع خروج العثمانيين من اليمن وقيام الدولة القاسمية (1045هـ/ 1635م)، فدخلت العلاقات الكثيرية القاسمية مرحلة جديدة.
كان السلطان بدر بن عمر يميل أكثر إلى الدولة القاسمية، واستمر في العلاقات الودية معها، إذ تبادل الرسائل والهدايا مع أئمتها طول مدة حكمه للسلطنة الكثيرية. ولعل ما دفعه إلى تعزيز الصلات بالدولة القاسمية هو الاستقواء بدعمها ومساندتها، لا سيما أن وصوله إلى الحكم جاء على حساب بناء سلفه. غير أن نتيجة تلك السياسة التي اتبعها السلطان بدر كانت عكسية على الصعيد الداخلي للسلطنة وعلى موقفه الداخلي بالذات، واستغل ابن أخيه الأمير بدر بن عبدالله هذا التقارب لكسب الرأي العام في حضرموت ضده؛ إذ أشيع عنه أنه اعتنق المذهب الإمامي([47]).
وعندما تولى إسماعيل بن القاسم الإمامة بعد أخيه المؤيد سنة (1054- 1087هـ/ 1644- 1676م) بدأ تفكير الدولة القاسمية في التوسع يتخذ طابعًا عمليًا لا سيما في المناطق الجنوبية الذي تتوافر فيها الظروف المواتية لجعلها مجالًا رحبًا للتوسع. وبالنسبة لوضع السلطنة الكثيرية فقد عزز السلطان بدر بن عمر علاقته بالإمام الجديد، وتواصل معه بالرسائل؛ معبرًا عن طاعته وانصياعه له. وربما جاء ذلك الموقف لاستجداء مساعدته ضد ابن أخيه، الذي كان يهيئ للانقلاب عليه([48]).
وفعلًا في سنة (1058هـ/ 1648م) وخلال انشغال السلطان بدر بن عمر باحتفال عائلي استغل الأمير بدر بن عبدالله تلك المناسبة فجمع أنصاره من آل كثير وبعض قبائل الشنافر وتمكنوا من دخول الحصن وألقوا القبض على السلطان بدر بن عمر وأجبروه على كتابة التنازل عن السلطة لابن أخيه وأمر عسكره بالطاعة للسلطان الجديد([49]).
وبالنسبة لموقف الدولة القاسمية من هذه التطورات فقد حاول الإمام إسماعيل إقناع السلطان الجديد بالطرق السياسية لإطلاق سراح عمه من السجن وإعادته إلى الحكم، ولكن هذه الجهود باءت بالفشل ولم تصل إلى نتيجة حاسمة. وبدأ الإمام فعلًا يستعد منذ سنة (1065هـ/ 1654م) للتقدم إلى حضرموت لاحتلالها، فدعا الإمام القبائل للتطوع في مهاجمة السلطنة الكثيرية، ثم مضى الجيش الإمامي لتحقيق أهداف الحملة، وهي كما أسلفنا السيطرة على حضرموت، وإزاحة السلطان بدر بن عبدالله الكثيري عن الحكم لصالح عمه بدر بن عمر.
وفي الخامس من شعبان (1070هـ/ 1659م) جرت المعركة الفاصلة بين الطرفين، وكان جيش الدولة القاسمية من الكثرة والقوة بحيث حسم المعركة لصالحه رغم استبسال قوات السلطنة([50]). أما مدينة الشحر فقد أُرسلت إليها حملة مؤلفة من 600 جندي يرافقهم الأمير علي بن بدر بن عمر الكثيري ليكون حاكمًا عليها من قبل أبيه السلطان الذي عاد إلى الحكم.
وهكذا دخلت حضرموت والسلطنة الكثيرية مرحلة جديدة من تاريخها وهي السيطرة القاسمية المباشرة.
وكما وصلت الدولة القاسمية قمة اتساعها في عهد الإمام إسماعيل، فقد شهدت السنوات العشر الأخيرة من حكمه بداية ضعف الدولة، وانتشار الفوضى السياسية، وقد عانت من المشاكل الخارجية المتمثلة في استمرار الهجمات العُمانية على السواحل التابعة لها مما أفقدها جزءًا كبيرًا من عائداتها. أما السلطنة الكثيرية فقد شهدت في السنوات العشر بعد عودة السلطان بدر بن عمر إلى سدة الحكم نوعًا من الاستقرار والهدوء النسبي لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات الكثيرية القاسمية([51]). ومكث السلطان حوالي سنتين في حضرموت، ثم عزم إلى الحج وتوفي في المدينة المنورة سنة 1073هـ/ 1662م([52]).
السلطان محمد بن بدر(المردوف) (1073- 1080هـ/ 1662- 1669م):
هو السلطان محمد بن بدر بن عمر بن بدر أبي طويرق الملقب بالمردوف، خلف أباه عندما توجه إلى الحرمين، فتولى السلطنة بعد وفاة والده بأمر الإمام إسماعيل سنة 1073هـ/ 1662م. ويبدو أن السلطان محمدًا عمل على تصفية حساباته مع آل كثير المخالفين لسياسته، وكذا من بعض القبائل الذين ساندوا الانقلاب على والده. ومكث بالحكم سبع سنوات، وتوفي في سنة 1080هـ/ 1669م([53]).
شكلت وفاة السلطان محمد المردوف (1080هـ/ 1669م) بداية التململ في العلاقات الكثيرية القاسمية، ويبدو أن خلفاء السلطان محمد أدركوا أن الإذعان المطلق لسلطة الدولة القاسمية خلال الحقبة السابقة كان على حساب مصالحهم الاقتصادية، وأن هناك حاجة لتعديل الوضع، وشجع على هذا الموقف انتشار التمردات ضد الحكم القاسمي في مناطق اليمن المختلفة([54]).
أما سيادة الدولة القاسمية على مدينة الشحر فقد تأرجحت بين القوة والضعف وكان الضعف غالبًا، ومن مظاهره اضطرار الأمير المعين من قبل الإمام إلى مصالحة مندوبي السلطنة الكثيرية في الشحر عندما تحدث الاختلافات المتعلقة بالإدارة فيها([55])، ومع هذا فقد ظلت الشحر خاضعة للدولة القاسمية طوال مدة حكم الإمام المتوكل إسماعيل([56]).
وفي عهد الإمام المؤيد محمد بن إسماعيل (1092- 1097هـ/ 1681- 1685م) انتشرت الفوضى، وتمرد الأمير حسن الكثيري سنة (1092هـ/ 1682م)، واستقل بحكم الشحر التي كان يحكمها نيابة عن الدولة القاسمية([57])، وأمام عجز الإمام المؤيد عن إزاحته، أوعز للسلطان علي بن بدر للقضاء عليه فتحرك السلطان على رأس قوة إلى الشحر تدفعه الرغبة في السيطرة عليها، والاستفادة من إمكاناتها الاقتصادية، وتمكن فعلًا من دخول الشحر في السنة نفسها([58]).
وأخيرًا أدى ضعف الدولة القاسمية في حضرموت إلى بروز دور القبائل اليافعية، التي بدت تدخل تدريجيًا في المعادلة السياسية في حضرموت حتى أصبحت لها اليد الطولى فيها، وقد تبلور ذلك في عهد السلطان بدر بن محمد (المردوف) (1107-1120هـ/ 1695- 1708م) ومنذ هذا العهد بدأ العد التنازلي لانهيار السلطنة الكثيرية([59]).
العلاقات الخارجية للسلطنة الكثيرية:
ارتبطت السلطنة الكثيرية بعلاقات خارجية فرضتها الظروف السياسية في تلك الحقبة الزمنية، وقد اتسمت تلك العلاقات بالمد والجزر. ونتناول هنا عرض تلك العلاقات خلال الحقبة الزمنية التي يغطيها البحث، ومن أهمها:
وفيما يتعلق بالعلاقات الكثيرية العثمانية فإنها تعود إلى فترة مبكرة لا سيما منذ سنة (926هـ/ 1520م) عندما استعان السلطان بدر بقوة عثمانية مسلحة بالبنادق حققت له انتصارات سريعة على مناوئيه في المناطق الداخلية من حضرموت. وأمام التهديدات البرتغالية للسواحل العربية والإسلامية تطلعت السلطنة الكثيرية كغيرها من الإمارات الإسلامية في الساحل الهندي إلى الدولة العثمانية بعد سقوط الدولة المملوكية في مصر لتضطلع بأعباء المقاومة الإسلامية ضد البرتغاليين في المحيط الهندي([60]). وفي سنة (944هـ/ 1537م) أعلنت السلطنة الكثيرية تبعيتها للدولة العثمانية. وقد حرص سلاطين آل كثير على المحافظة على ولائهم للدولة العثمانية مدة بقائهم في اليمن، ليتمتعوا بالحماية العثمانية من هجمات البرتغاليين على سواحل السلطنة، وبمعنى آخر فإن بقاء الحكم العثماني يخدم مصلحة السلطنة الكثيرية لا سيما وإن مساوي الحكم العثماني لم يمتد إلى مناطقها، واكتفى العثمانيون بالضريبة السنوية التي كان يدفعها السلاطين للولاة العثمانيين([61]).
كما شهدت العلاقات الكثيرية العثمانية تطورًا ملحوظًا بعد حملة سنان باشا لا سيما في عهد السلطان عمر بن بدر الكثيري. فقد قدم العثمانيون الدعم العسكري ضد المناوئين له في حضرموت ومن جانب آخر نجد السلطان عمر يقدم المساعدة للعثمانيين عندما اشتدت حركة المقاومة اليمنية بقيادة الإمام القاسم بن محمد.
وأخيرًا فإن العلاقات بين السلطنة الكثيرية والدولة العثمانية شهدت نوعًا من الضعف والانكماش، ثم التدهور وذلك مع اشتداد حركة المقاومة ضد العثمانيين وإرغامهم على الانسحاب ومغادرة اليمن.
علاقة السلطنة الكثيرية بالدولة القاسمية:
بعد خروج العثمانيين من اليمن وقيام الدولة القاسمية (1045هـ/ 1635م) دخلت العلاقات الكثيرية مرحلة جديدة، وتزامن ذلك مع اعتلاء السلطان بدر بن عمر سدة الحكم، والذي شهد نوعًا من الاستقرار. ومن المعروف أنه بعد وفاة الإمام المؤيد محمد بن القاسم في عام (1053هـ/ 1644م) نشب صراع على العرش بين أخوين للإمام هما الأمير أحمد بن القاسم والأمير إسماعيل بن القاسم، انتهى بتنازل الأمير أحمد لأخيه إسماعيل بن القاسم الذي لقب بالمتوكل، والذي حكم اليمن من سنة (1054- 1087هـ/ 1644- 1676م)، وقد امتد نفوذه إلى حضرموت([62]).
إن علاقة الدولة القاسمية مع السلطنة الكثيرية قد تأرجحت بين فترات من القوة والضعف وكان الضعف غالبًا، ومن مظاهره اضطرار الأمير المعين من قبل الإمام إلى مصالحة مندوبي السلطنة الكثيرية في الشحر عندما تحدث الاختلافات المتعلقة بالإدارة فيها([63])، ومع هذا فقد ظلت الشحر خاضعة للدولة القاسمية طوال مدة حكم الإمام المتوكل إسماعيل. وعلى أية حال فقد استفاد الأئمة في اليمن من حالة الامتنان التي شعر بها بعض السلاطين الكثيريين، وأبقوا لهم الولاية العامة على حضرموت، ولكن أشرفوا وبشكل مباشر على الموانئ الحضرمية لا سيما الشحر وظفار وأرسلوا الولاة من قبلهم عليها ليضمنوا وصول عائداتها الضخمة إليهم.
علاقات السلطنة الكثيرية بالهولنديين:
منذ بداية القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي أخذ النفوذ البرتغالي طريقه إلى الضعف والانهيار نتيجة المنافسة القوية التي واجهها على يد الهولنديين والإنجليز والمقاومة العربية، وقد فشلت محاولات البرتغال في صد منافسة هؤلاء التجار الأوربيين الجدد بحيث لم ينتصف ذلك القرن تقريبًا إلا وقد فقدت البرتغال معظم أجزاء إمبراطوريتها الساحلية الواسعة([64]).
إن هذه التطورات على الصعيد الدولي ألقت بظلالها على السلطنة الكثيرية، لا سيما أن القوى الأوربية الجديدة التي ظهرت بعد البرتغاليين من هولنديين وإنجليز وفرنسيين اتخذ طابع تحركاتهم الأولية في السواحل العربية الطابع التجاري.
ومع اقتراب القرن السادس عشر الميلادي من نهايته، نجح الهولنديون في عبور رأس الرجاء الصالح، وفي عام 1614م أرسلت هولندا أسطولًا تجاريًا إلى عدن للحصول على موطئ قدم للتجارة، ونجحوا في إقامة وكالة لهم في (الشحر)([65]).
ودخلت إنجلترا حلبة المنافسة التجارية الاستعمارية وتحالفت مع هولندا ضد البرتغال، ولكن عندما حصلت شركة الهند الشرقية الهولندية في سنة 1618م على إذن من السلطان العثماني في الموانئ اليمنية، صعب ذلك على الإنجليز فاصطدموا مع الهولنديين في معركة بحرية في المياه اليمنية بالبحر الأحمر، إلا أن أساطيل كُلٍّ من الدولتين كانت تشترك في الهجوم على الأساطيل البرتغالية حتى تم لهما القضاء على سيادة البرتغال على البحار الشرقية حينما استولى الهولنديون على كثير من سفن البرتغاليين في عام 1622م.
كان الاهتمام الهولندي باليمن واضحًا منذ بدايات القرن السابع عشر، وبالرغم من تأسيس شركة الهند الشرقية الهولندية عام 1602م فإنه لم ترسل سفينة هولندية إلى الجزيرة العربية إلا في أغسطس 1614م. لكن لم يكن مقدرًا للهولنديين أن ينشئوا مع شبه جزيرة العرب نفسها علاقات كتلك التي أنشاها البرتغاليون؛ لأن الهولنديين من أتباع المذهب البروتستانتي خلافًا للبرتغاليين الكاثوليك المتعصبين للمسيحية (الصليبيين). فلم يوفد الهولنديون مبشرين ولم يبنوا قلاعًا بل اكتفوا بارتياد أربعة موانئ، هي: (المخا، وعدن، والشحر، وقشن)، وأحيانًا الحديدة، مقتنعين بإنشاء وكالتين تجاريتين في المخا والشحر تاركين فيها وكلاء تجاريين للشركة ليس إلا. ذلك أنهم وجهوا جل جهودهم نحو بلاد الهند.
أبحر بروكه([66]) نحو ميناء الشحر، وهو ميناء حضرموت الرئيس، فاستقبله سلطانها (عبدالله) الخاضع للعثمانيين استقبالًا يليق بحليف السلطان العثماني، معلنًا له أن المنطقة ستكون مفتوحة دائمًا أمامه كلما قصدها كتاجر محترم، وذلك في 19 سبتمبر 1615م. استأجر بروكه منزلًا ترك فيه ثلاثة رجال مع القليل من البضائع والنقود، وكان من جملة مهامهم تعلم اللغة العربية، وهكذا شيد فيها وكالة هولندية([67]).
والجدير بالذكر أن بروكه سجل وصفًا لميناء الشحر، ذكر فيه بدقة الموقع، وعرضه بالنسبة لخط الاستواء، والمرسى والقلعة الحصينة التي تمثل درعًا بارزًا في مقاومة أي هجوم والتي لا فائدة منها في حالة قصف الميناء بقنابل المدافع. وذكر أن ميناء الشحر هو ميناء حضرموت الرئيس، وأن مكان إقامة السلطان هو مدينة الشحر، أما عن السكان فقد قال إنهم ذوو استقامة ولطف يحبون مصادقة غيرهم، متواضعون ذوو طبيعة هادئة ومؤمنون إيمانًا ثابتًا برسالة النبي محمد. وفي سنة 1025هـ/ الموافق 16 يوليو 1616م استقبل السلطان عبدالله بن عمر الكثيري (فن دن بروكه) استقبالًا شخصيًا في قلعة الشحر([68]).
المبحث الثاني: المظاهر الحضارية
التوسع العمراني والحياة العلمية والاقتصادية:
كانت الشحر هي المدينة الأولى في ساحل حضرموت من حيث اتساع رقعتها وكثرة سكانها ومركزها التجاري والسياسي، لكونها أهم الموانئ التي تصدر منها وترد إليها حاصلات البلاد ووارداتها، ولأن الحكومات الحضرمية التي تستقل بشئون الساحل تتخذ الشحر عاصمة لها، والحكومة التي تتخذ عاصمتها في الداخل ويمتد سلطانها إلى الشواطئ الجنوبية تجعل من الشحر العاصمة الثانية لحكومتها، فعظم بذلك شأن المدينة، وأقبل التجار والعلماء والأدباء على الإقامة بها والتردد إليها، فلم تستطع لذلك أية مدينة ساحلية أن تنافسها أو تبرز معها في مضمار([69]).
ويذكر باحسن بأن »هذه المدينة المباركة قد اشتملت في آخر الزمان على سبع حارات قائمة المباني، عامرة بالأهالي، فأولها حارة القرية وكانت العمارة بها سابقًا، وبها سوق الخان القديم، ثم حارة المجرف، ثم حارة الرملة، وهؤلاء الثلاث أقدم ما كان بها، ثم حارة أبي عوين، ثم حارة أبي غريب، ثم حارة الحوطة، ثم حارة الخور«([70]).
ومدينة الشحر مقسمة إلى أحياء أو حارات، يفصل بعضها عن بعض مساحات واسعة([71]). والشحر احتفظت بأسماء أحيائها القديمة إلى وقتنا الحاضر([72]).
تمثل حارة (حي) القرية تاريخيًا النواة الأولى للمدينة؛ حيث يؤكد بامطرف أن قبيلة كهلان (كندة) التي نزحت إليها من شرق الجزيرة العربية في رحلتها التاريخية المعروفة في القرن السادس الميلادي هي التي وضعت خطة هذا الحي والسكن والاستيطان به([73]). ويحتل مخطط حارة القرية مكانًا متميزًا على شاطئ البحر الجنوبي للمدينة، وعلى ضفاف مسيال وادي سمعون الشرقي، الذي تصب مياه سيوله في البحر. أما حدودها الشرقية فتتمثل في منخفض يشكل ممرًا لمياه الأمطار إلى ساحل البحر، والذي يقع بينها وبين ما يعرف اليوم بـ(حي المجرف). أما حدودها الشمالية فشارع ممتد من مسيال وادي سمعون الشرقي إلى مقبرة مسجد عمرو، يعرف هذا الشارع باسم (مطراق حنين)([74]).
أما بامطرف فيقسم حارات المدينة إلى إحدى عشرة حارة شاملة لأسواقها، وأماكن أربطة الخيل، ومحط القوافل، وتحدث عن مكوناتها السكانية التي استوطنت تلك الحارات »بأن المدينة تتكون من عدة أحياء متفرقة تفصلها عن بعضها ساحات واسعة«([75]).
نشطت الحركة العمرانية في مدينة الشحر خلال تلك الحقبة، وهذا ما يؤكده وصف القبطان الهولندي (فن دن بروكه) في 29 ديسمبر 1614م »إن المدينة كبيرة المساحة، ومعظم هذه البيوت مشيدة من اللبن والطين، وخارجها من الجير، وسقوفها مسطحة على مثال البيوت في عدن. كما تقع هنا قلعة من الطين واللبن لها تحصينات بارزة مستديرة، ويقيم فيها الملك عادة، وبالقرب من الشاطئ يوجد مركز الجمرك. كما يوجد هنالك 3 مساجد كبيرة وصغيرة«([76]). كما يفيد وصفه للحركة التجارية في المدينة إلى تنوع جنسيات سكانها حيث قال: »وينتج القسم الأكبر من دخل المدينة عن التجارة الناشطة التي تمارسها الشعوب الأجنبية الموجودة هنا والآتية من جميع الأقطار، ويحتل البانيانون المكان الرئيس«([77]).
ولا شك أن القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي شهد نموًا عمرانيًا، وذلك لما امتاز به من استقرار أمني نعم المواطنون فيه برخاء العيش، واكتظاظ المدينة بالتجار والعلماء وزوايا العلم والمساجد. فقد أقيمت عدد من المساجد في أواخر القرن العاشر ومطلع القرن الحادي عشر، ومنها في الترتيب شرقًا أقيم مسجد عيديد يليه مسجد أحمد بن الشيخ أبوبكر، وغربًا مسجد ابن أحمد، ثم يليه مسجد عبدالله بن شيخ العيدروس، ثم يليه مسجد بن قضيمتي، ثم مسجد باهارون، وفي الجنوب الغربي منه وعلى الضفة الغربية لوادي سمعون أقيم مسجد ابن إسماعيل يليه باتجاه الجنوب الغربي للمدينة أقيم مسجد بافقيه، وجنوبًا مسجد الحداد([78]).
وقد شهدت الشحر خلال القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي نبوغ الكثير من الفقهاء والعلماء، منهم:
القاضي محمد بن عبدالله باعمرو (كان حيًا سنة 1016هـ):
هو العلامة الفقيه القاضي أبوبكر محمد بن عبدالله بن محمد بن علي باعمرو الشحري الحضرمي، كان قاضيًا في الشحر.
وهذا الفقيه اشتهر بكنيته (أبي بكر) وجعلها بعضهم اسمه، بينما جاء اسمه عند الأستاذ الحبشي في مصادره (ص509): أبوبكر محمد، وهو الأرجح، وكان أخوه وابنه فقيهَيْن أيضًا، مما يدل على المشاركة العلمية في هذا البيت.
شيوخه: درس على أخيه أحمد بن محمد باعمرو، ثم سار إلى مكة المكرمة وأدرك الإمام ابن حجر، فشارك أخاه في الأخذ عنه. وأخذ بزبيد عن الشيخ عبدالرحمن بن زياد (ت 975هـ) مفتي زبيد واليمن، وعن الشيخ عبدالرحمن البجلي، والشريف القاضي محمد بن حسن باعلوي التريمي (ت 973هـ)، والشيخ العارف الحسين بن الفقيه عبدالله بلحاج بافضل (ت 979هـ)، والعلامة محمد بن أحمد ابن الطيب الزبيدي([79]).
القاضي عبدالرحمن بامطرف (كان حيًا سنة 1016هـ):
هو الشيخ الفقيه القاضي عبدالرحمن بامطرف، القنزلي الكندي، الشحري الحضرمي، كان متوليًا قضاء الشحر، وعزل عنه في رمضان سنة 1005هـ، وعين مكانه الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن سراج باجمال (ت 1033هـ)، واستمر على القضاء إلى سنة 1016هـ. وخلفه في منتصف ذلك العام أخوه الفقيه القاضي محمد (ت 1019هـ)([80]).
الفقيه أحمد بن عبدالرحمن سراج الدين باجمال (ت 1018هـ):
هو العلامة الفقيه المحقق الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن سراج الدين باجمال الكندي، الغرفي الحضرمي، مولده ببلدة الغرفة، ونشأ في حجر أبيه وحفظ القرآن الكريم. أخذ عنه جماعة، أجلهم الفقيه المؤرخ أحمد بن محمد مؤذن باجمال الشهير بالصبحي أو الأصبحي (ت 1070هـ) نسبة إلى بلدة ذي أصبح بحضرموت، وابنه الفقيه العلامة عبدالله بن أحمد سراج الدين باجمال وغيرهما([81]).
الفقيه محمد بن عبدالرحمن سراج الدين باجمال (ت 1019هـ):
هو العلامة الفقيه المحقق الشيخ محمد بن عبدالرحمن سراج الدين باجمال، أخو الشيخ أحمد، ونشأ في حجر أبيه العالم الصالح. ارتحل إلى الشحر وأخذ عن شيخ أبيه الشيخ الفقيه علي بايزيد (ت 996هـ) ولازمه. وتصدر للتدريس والفتوى، وتولى القضاء في: تريم، والشحر، وشبام، والغرفة، وله رحلات علمية إلى دوعن والمشقاص، وكان زاهدًا كريمًا، تخرج به جماعة، وانتهت له رياسة الفقه في جهته، وكانت ولايته قضاء الشحر في منتصف عام 1016هـ خلفًا لأخيه القاضي عبدالله بن عبدالرحمن بن سراج([82]).
الحياة الاقتصادية:
كانت الشحر وميناؤها تعد من أكبر المراكز التجارية، وقد أضفى ميناء الشحر على المدينة أهمية كبرى وجعلها تزدهر اقتصاديًا، حيث ربط سواحل حضرموت وداخلها بالعالم الخارجي. فكانت السفن المحملة بالبضائع من شرق أفريقيا ومصر والهند وغيرها ترسو في هذا الميناء، وفي المقابل كانت المنتجات الحضرمية تجمع في ميناء الشحر، التي كانت سوقًا تتم عن طريقها عملية التبادل التجارية في البيع والشراء، وبذلك أصبح الميناء مجال جذب للتجار، كما أصبح مطمعًا لكثير من القوى السياسية الداخلية والخارجية، وبخاصة البرتغاليين والعثمانيين، ومن بعدهم الهولنديين والإنجليز وغيرهم. نظرًا لأهمية مردوده المالي الناتج من الرسوم والضرائب والمكوس المفروضة على تجارة الصادرات والواردات، والتي استفادت منه السلطنة الكثيرية آنذاك في تصريف أمورها المالية.
ومما يدلنا على الأهمية الاقتصادية لمدينة الشحر ومينائها، أنه كان يطلق على من يحكم ميناءها لقب (قابض الحنجور)؛ لأنه يستطيع بالسيطرة على الشحر أن يخنق التجارة أو أي نشاط خارجي([83]).
ويصف لنا قائد البعثة الهولندية (فن دن بروكه) ما دوَّنه في تقريره عن مدينة الشحر »يقع المركز التجاري (الشحر) المشهور في العربية السعيدة، على ارتفاع 14 درجة و50 دقيقة من العرض الشمالي، و17 درجة انحراف متزايد تجاه الشمال الغربي على الجانب البحري في مكان ذي أرض قاحلة، وتقف السفن هناك على الشاطئ قريبًا من البحر. والمسافة إلى المدينة تقارب طلقة مدفع«.
كما يفيد وصفه للحركة التجارية في المدينة إلى تنوع جنسيات سكانها حيث قال: »وينتج القسم الأكبر من دخل هذه المدينة عن التجارة الناشطة التي تمارسها الشعوب الأجنبية الموجودة هنا والآتية من جميع الأقطار. ومن جميع هذه الشعوب يحتل البانيانون المكان الرئيس. الذي يصفهم أنهم أشد الناس مكرًا. وفي الأشهر فبراير ومارس وأبريل نجد هنا سفنًا من الساحل الهندي أي من غوا وكمبايا وسورات وديو ودامان و(نخينا) و(برومينس) وجوجة. مشحونة بالأقطان وأقمشة (الدوتيا) الكثيرة والـ(الكنكن) والبفتة بالإضافة إلى العمائم والنيلة، ولكن هذه الأخيرة قليلة؛ لأن معظمها يرسل إلى القاهرة«([84]). بينما يرسل أهالي قشن والشحر جلبات عديدة إلى جزر القمر ومدغشقر وإلى ساحل مالندة، وتحمل هذه السفن عند العودة المواد التالية: الأرز، والدخن، والزنوج([85])، والعنبر الأبيض.
ومن الساحل المقابل، والمسمى (زيلع)، يأتي الكثير من الماشية، مثل الثيران، والخراف ذي الذنب، والدجاج، وأنواع أخرى مشابهة من الحيوانات اللذيذة. ومن قرية (دُردُرة) الواقعة مقابل الشحر تمامًا تأتي سنويًا كميات كبيرة من سلال التمر والحصر الأخرى التي تباع وتطلب في كل أنحاء الجزيرة العربية([86]).
وفي الشحر تصنع النيلة أيضًا، ومن (حضرموت) تأتي هنا سنويًا كميات كبيرة من الأفيون، ومن الجبال الكثير من العقاقير الغالية الثمن وغير المعروفة، كما يقام السوق الرئيس هنا في الصباح وفي المساء المتأخر وذلك بسبب الحرارة الشديدة في أثناء النهار.
قائمة المكوس والأوزان وأنواع العملة وأسعار السلع السارية في الشحر
والسفن التي وصلت إليها، حررها (فن دن بروك) عام 1025هـ/ 1616م
في بداية مارس يصل إلى الشحر تجار كثيرون ذوو شأن مع سفنهم الآتية من حلب، والإسكندرية، وجدة، والسويس، ويحضرون معهم البضائع التي سيتبع ذكرها، بالإضافة إلى كمية كبيرة من النقود التي يقال إنها تزيد على (300,000) قطعة الثمانية ريالات نقدًا، و(16,000) بندقي ذهبي أو دوقاتية مجرية، هذا بغض النظر عن النقود التي ليس لكتبة الجمرك علم بأمرها.
ومن ثم: الزعفران، والأقمشة البركانية، والأقمشة المحلية، والأقمشة الهرمزية، والدمسقات، والأقمشة الصوفية الإيطالية، والخيوط الذهبية، والخيوط الحريرية للخياطة، والكثير من منتجات نورنبرغ، مثل السكاكين، والأجراس، والنظارات، والمقاص الصغيرة، والمرايا، والسيوف التركية، بالإضافة إلى متنوعات من البضائع الصغيرة. ويتم مقايضة كل هذه البضائع والنقود المذكورة مقابل التوابل التي تكون جاهزة في الوقت الذي تنزل فيه السفينة المسماة (المنصوري) من قناة السويس، والتي تصل إلى الشحر دائمًا في شهر سبتمبر بالضبط، وذلك لإرجاعها محملة بالتوابل، يملك هذه السفينة سلطان القسطنطينية الكبير، ولا يحق لأية سفينة أخرى القيام بهذه الرحلة.
مكوس مدينة الشحر ورسومها الجمركية
وفي الخلاصة يبلغ مجموع قيمة المكوس والرسوم الجمركية والتكاليف في هذا المكان ½ 9 بالمائة. ولكنه يوجد دواء جيد لتفادي هذا كما نصحني وعلمني به الكثير من الأصدقاء المقربين([88]).
الأوزان في الشحر
يختلف وزن الشحر عن بهار الصين([89])؛ لكونه أخف منه بـ90 بونت([90]).
سعر الخزف الصيني في الشحر
أسعار البضائع في الشحر
لقد نشطت حركة التجارة والسفن بين موانئ السلطنة الكثيرية وموانئ الدول المجاورة من الخليج والهند وشرق أفريقيا ومصر والشام، كما حرص سلاطين آل كثير على ازدهار التجارة، بل إن بعضًا من السلاطين مارس التجارة، فقاموا بتأمين السبل وحماية الأرواح والأموال، وبالجملة فقد اتسع نطاق التجارة بين مدن السلطنة، في ساحل حضرموت وداخلها.
وخلاصة القول إن قيام السلطنة الكثيرية ليس بالأمر اليسير، فقد اصطدمت تحركات آل كثير الطموحة بمقاومة القوى القبلية والكيانات السياسية الصغيرة القائمة وقتذاك، وتطلب تغيير الوضع السياسي في حضرموت لصالحهم جهودًا مضنية واستغرق وقتًا طويلًا. كما تتبعنا في هذا البحث المحاولات الأولى لنشأة السلطنة الكثيرية، ثم المراحل والمنعطفات السياسية التي خاضها السلاطين والأمراء الكثيريون في سبيل تثبيت سلطتهم والمخاطر والتحديات التي واجهتها السلطنة، وازدياد الصراع الأسري الكثيري على الحكم وما نتج عنه من تدخل القوى الخارجية، مثل الدولة القاسمية في شمال اليمن، والقبائل اليافعية، والتي أدت إلى إضعاف السلطنة الكثيرية تدريجيًا ثم انهيارها.
كما تطرقنا في هذه الدراسة لعلاقات السلطنة الكثيرية بالقوى الدولية والإقليمية حينذاك مع كل من البرتغاليين والدولة العثمانية، إضافة إلى الدولة القاسمية في شمال اليمن، وأخيرًا مع الهولنديين.
وفي المظاهر الحضارية حاولنا تتبع بعض تلك المظاهر، التي شملت التوسع العمراني لمدينة الشحر في تلك الحقبة، إضافة إلى النواحي العلمية وكذا الجانب الاقتصادي، وما تميزت به السلطنة الكثيرية من استقرار سياسي في تلك الحقبة ألقى بظلاله على ازدهار التجارة وانتعاشها في ميناء الشحر. وخير دليل على ذلك ما وصلنا من معلومات مفيدة من وثائق التجار الهولنديين، التي تعود إلى القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، وأول من بدأ هذا العمل هو (فن دن بروك) الذي بدأها في 30 مايو 1613م/ 1022هـ، وسجل وصفًا دقيقًا لميناء الشحر ونشاطه التجاري،وقائمة المكوس، والأوزان، وأنواع العملة، وأسعار السلع السارية في الشحر، والسفن التي وصلت إليها.
الخاتمة وأهم النتائج:
المصادر والمراجع العربية والأجنبية:
المراجع الأجنبية:
– Serjeant, R.B. the ports of Aden and shihr (medieval Period),studies in Arabia History and Civilization.London, 1981.
محمد حسين بن الشيخ أبوبكر .. جامعة حضرموت .. كلية الآداب – قسم التاريخ
[1] باوزير، سعيد عوض، صفحات من التاريخ الحضرمي، ط1، (القاهرة: المطبعة السلفية، 1957م)، ص173.
[2] المركز الوطني للمعلومات، الجمهورية اليمنية، التقسيم الإداري لمحافظة حضرموت، مديرية الشحر، 2010م.
[3] عكاشة، محمد عبدالكريم، قيام السلطنة القعيطية والتغلغل الاستعماري في حضرموت، ط2، (الأردن: دار ابن رشد للنشر والتوزيع، 1985م)، ص32.
[4] الحامد، صالح بن علي، تاريخ حضرموت، ط1، (جدة: مكتبة الإرشاد، 1976م)، ج1، 2، ص557.
[5] السقاف، عبدالرحمن بن عبيدالله، معجم بلدان حضرموت، المسمى إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، تحقيق: إبراهيم المقحفي وعبدالرحمن حسن السقاف، ط1، (صنعاء: مكتبة الإرشاد، 1423هـ/ 2002م)، ص227.
[6] بامخرمة، أبي محمد عبدالله الطيب، تاريخ ثغر عدن مع نخب من تواريخ ابن المجاور والجندي والأهدل، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي 1411هـ/ 1991م)، ج2، ص66.
[7] Serjent R .B the ports of Aden and Shihr (medieval Period) 1981 ,p.45
[8] Serjent R. the ports of Aden and shihr (medieval Period) B1981p,207-224
[9] الجعيدي، عبدالله سعيد، (دكتور): السلطنة الكثيرية الأولى في حضرموت (814- 1143هـ/ 1411-1730م)، ط1، تريم للدارسات والنشر، تريم، حضرموت، 2014م، ص19.
[10] بامطرف، محمد عبدالقادر، الشهداء السبعة، ط2، دار الهمداني للطباعة والنشر، عدن، 1983م، ص29. عكاشة، محمد عبدالكريم، المرجع السابق، ص30.
[11] بامطرف، محمد عبدالقادر، المرجع السابق، ص33، 34.
[12] شنبل، أحمد بن عبدالله بن علوي، تاريخ حضرموت، المسمى تاريخ شنبل، ط2، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1994م.
[13] الحامد، صالح علي، المرجع السابق، ص537.
[14] السلطان جعفر بن عبدالله بن علي بن عمر الكثيري. كان تاجرًا في ظفار ثم شجعه الشيخ عمر المحضار على تولي سلطنة بور. وفي سنة 910هـ/ 1495م انتزع الشحر من آل بادجانة، وقتل في بور سنة 905هـ/ 1499م، وهو والد عبدالله بن جعفر الذي سميت باسمه دولة آل عبدالله الكثيرية. بامطرف، المرجع السابق، الحاشية 7، ص123.
[15] تبالة: قرية تبعد حوالي سبعة أميال إلى الشمال من الشحر.
[16] بافقيه، الطيب محمد بن عمر، تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر، تحقيق: عبدالله محمد الحبشي، ط1، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1999م، ص15. عكاشة، محمد عبدالكريم، المرجع السابق، ص30، 31. بامطرف، محمد عبدالقادر، المرجع نفسه، ص34، 37.
[17] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور): المرجع السابق، ص37.
[18] باوزير، سعيد عوض، المرجع نفسه، ص96. عكاشة، محمد عبدالكريم، المرجع نفسه، ص31.
[19] بن هاشم، محمد، تاريخ الدولة الكثيرية، قام بالإشراف على طباعته محمد علي الجفري، القاهرة، 1948م، ص20. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع نفسه، ص37.
[20] باوزير، سعيد عوض، المرجع السابق، ص96. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص40.
[21] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص40- 41.
[22] شنبل، أحمد بن عبدالله، المرجع السابق، ص179. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع نفسه، ص41.
[23] بافقيه، محمد بن عمر الطيب، المرجع السابق، ص19. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص41- 42.
[24] الكندي، سالم بن محمد بن حميد، تاريخ حضرموت المسمى العدة المفيدة في تاريخ قديمة وحديثة، تحقيق: عبدالله بن محمد الحبشي، ط1، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1991م، ص156. بامطرف، المرجع السابق، الحاشية 7، ص123. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص42، 44.
[25] شنبل، أحمد عبدالله، المرجع السابق، ص170.
[26] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص42، 44.
[27] بافقيه، محمد بن عمر الطيب، المرجع السابق، ص87. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص61.
[28] بامطرف، محمد عبدالقادر، المختصر في تاريخ حضرموت العام، ص43.
[29] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص72.
[30] بامطرف، محمد عبدالقادر، المختصر، ص83.
[31] صلاح، البكري، المرجع السابق، ص121. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص160.
[32] البكري، صلاح، المرجع السابق، ج2، ص93.
[33] باحنان، محمد علي، جواهر تاريخ الأحقاف، ج2، القاهرة، 1962م، ص202. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص161.
[34] بن هاشم، محمد، المرجع السابق، ص86.
[35] بن هاشم، محمد، المرجع السابق، ص88. باوزير، سعيد عوض، المرجع السابق، ص133. البكري، صلاح، المرجع السابق، ج2، ص101. باحنان، محمد علي، المرجع نفسه، ص203. الجعيدي، عبدالله سعيد، المرجع نفسه، ص163.
[36] الشلي، محمد بن أبي بكر بن عبدالله (ت 1093هـ): عقد الجواهر والدرر في أخبار القرن الحادي عشر، تحقيق: إبراهيم المقحفي، ط1، 1424هـ/ 2003م، الجمهورية اليمنية، مكتبة الإرشاد ومكتبة تريم، ص242.
[37] بافقيه، محمد بن عمر، المرجع السابق، ص446. الكندي، سالم بن حميد، المرجع السابق.
[38] الجعيدي، عبدالله سعيد، المرجع نفسه، ص163.
[39] النقعة: قرية تقع بالقرب من غيل باوزير، وإلى الشمال الغربي من مدينة الشحر.
[40] الجعيدي، عبدالله سعيد، المرجع نفسه، ص165.
[41] الشلي، محمد بن أبي بكر باعلوي، عقد الجواهر والدرر في أخبار القرن الحادي عشر، ص133، 134.
[42] صلاح، البكري، المرجع السابق، ج2، ص120.
[43] الشلي، محمد بن أبي بكر باعلوي، المرجع نفسه، ص264.
[44] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص165.
[45] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص 146
[46] بن هاشم، محمد، المرجع السابق، ص93. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص166. الشلي، محمد بن أبي بكر باعلوي، المرجع نفسه، ص242.
[47] بن هاشم، محمد، المرجع السابق، ص69. باوزير، سعيد عوض، المرجع السابق، ص161. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص166، 167.
[48] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص168.
[49] الشلي، محمد أبوبكر، المرجع السابق، ص264. الكندي، سالم بن حميد، المرجع السابق، ص239.
[50] الشلي، محمد أبوبكر، المرجع السابق، ص348. الوزير، عبدالله بن علي، تاريخ اليمن خلال القرن الحادي عشر الهجري/ السابع شر الميلادي، تحقيق: محمد عبدالرحيم جازم، ط1، (صنعاء: مركز الدراسات، 1405هـ/ 1985م)، ص163. الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص176.
[51] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص179.
[52] بن هاشم، محمد، المرجع السابق، ص100.
[53] بن هاشم، محمد، المرجع السابق، ص112.
[54] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص180.
[55] الوزير، عبدالله بن علي، المرجع السابق، ص228.
[56] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص181.
[57] باحنان، محمد علي، المرجع السابق، ص210.
[58] بن هاشم، محمد، المرجع السابق، ص88.
[59] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص182. بن هاشم، محمد، المرجع نفسه، ص88.
[60] بن هاشم، محمد، المرجع السابق، ص43.
[61] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص146.
[62] عكاشة، محمد عبدالكريم، المرجع السابق، ص34.
[63] الوزير، عبدالله بن علي، المرجع السابق، ص228.
[64] الجعيدي، عبدالله سعيد (دكتور)، المرجع السابق، ص148.
[65] الحبيشي، حسين علي، اليمن والبحر الأحمر، بيروت، 1992م، ص20.
[66] فن دن بروكه: رحالة هولندي مندوب عن شركة الهند الشرقية الهولندية قام برحلة إلى اليمن سنة (1614م) بتكليف من الحاكم الهولندي لمقاطعة الأورانج الهولندية بجنوب إفريقيا بمهمة استطلاع الإمكانات التجارية لليمن. زار عدة موانئ منها: عدن – الشحر – قشن، والمخا. وسجل وصفًا دقيقًا لميناء الشحر ونشاطه التجاري.
[67] براور، ك. خ وكبلانيان، المرجع السابق، ص22.
[68] براور، ك. خ وكبلانيان، المرجع نفسه، ص55.
[69] باوزير، سعيد عوض، المرجع السابق، ص173.
[70] باحسن، المصدر السابق، ورقة: 5.
[71]– براور، ك. خ وكبلانيان، المرجع السابق، ص54.
[72]– Serjeant, R.B. the ports of Aden and Shihr (medieval Period) “p130
[73] بامطرف، محمد عبدالقادر، المرجع السابق، ص25- 26.
[74] الملاحي، عبدالرحمن عبدالكريم، المرجع السابق، ص2.
[75] بامطرف، المرجع نفسه، ص39- 42.
[76] براور، ك. خ وكبلانيان، المرجع السابق، ص54، 55.
[77] براور، ك. خ وكبلانيان، المرجع نفسه، ص58.
[78] الملاحي، عبدالرحمن عبدالكريم، المرجع نفسه، ص8.
[79] باذيب، محمد أبوبكر، جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، ط1، دار الفتح للدراسات والنشر، عمان، الأردن، 1430هـ/ 2009م، ص586.
[80] باذيب، محمد أبوبكر، المرجع السابق، ص588.
[81] الشلي، محمد، عقد الجواهر والدرر، ص119. باذيب، محمد أبوبكر، المرجع نفسه، ص589.
[82] الشلي، محمد، نفسه، ص123. باذيب، محمد أبوبكر، نفسه، ص591.
[83] سارجنت، آر. بي، مصادر التاريخ الحضرمي، ترجمة: سعيد عبدالخير النوبان، الكويت، جامعة الكويت، 1990م، ص131.
[84] براور، ك. خ وكبلانيان، المرجع السابق، ص58.
[85] يعد (فن دن بروكه) وكذلك سائر مستخدمي شركة الهند الشرقية، الزنوج بضائع، ولذلك فهو يذكرهم مع المنتجات المختلفة الأخرى.
[86] براور، ك. خ وكبلانيان، نفسه، ص54، 55.
[87] أي سلطان الشحر الكثيري.
[88] للأسف لا يزيد المحرر هنا شيئًا على هذه الملاحظة اللافتة للنظر، ولكن أورد (فن دن بروك) في صفحة 92 “أنه من الممكن تفادي هذا كما حذرني منه بعض الأتراك المهمين، اللذين هم أصدقائي المقربون، وذلك بدفع رشوة بسيطة”. (قارن ص92) (وهـ 3).
[89] بهار الصين: هو وحدة وزن تساوي 3 (بيكول) picol وكانت تعادل في الوثائق الهولندية أثناء المدة المعينة 375 (بونت) pond هولندي، أي 185284 غرام.
[90] من المحتمل أن يقصد هنا الـ(بونت) الهولندي. ولكن مقارنة الموازيين هذه ليست دقيقة تمامًا، إذ وزن بهار الشحر، يبلغ 271 بونت هولندي، أي أنه أخف من البهار الصيني بـ 104 بونت.
[91] المقصود هنا الـ(البونت) المحلي أي الشحري.
[92] الانغلس: وحدة وزن هولندية تعادل 1,54غم.
[93] يشير الرقم هنا إلى سعة الصحاف وكبرها، ويميز بين الصحاف (الكاملة) و(النصفية) و(الثلثية) و(الربعية).