شخصيات
د. زين محمد العيدروس
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 16 .. ص 82
رابط العدد 16 : اضغط هنا
اسمه ونسبته:
هو: العلامة مُبارك بن سالم بن محمد بن سالم بن علي الصَّدَفي الجوهي.
والصَّدَفي نسبة لقبيلة عَرَيقة تقطن حضرموت، فمن المؤرخين من ينسبهم لكِندة، ومنهم لحِمْيَر، ومنهم لحضرموت.
عُرف بالجوهي؛ لأنه لمّا قدِم لطلب العلم برباط تريم، سألوه عن بلاده، فقال لهم: ريدة الجُوهيين، وكان بعض الطلاب يدرس من البلدة نفسها، فقالوا له: أنت من جماعة الجوهي، فالتصق اسم الجوهي به.
وُلِد في بلدة رَيْدة الجُوهيين من قُرى حضرموت عام 1318هـــ.
طلبه للعلم وشيوخه وجهوده:
طلب العلم ابتداءً بتريم العلم، وكان رباط تريم زاخرًا بالعلم والعلماء، فتلقى العلم عند شيخ الرباط العلامة عبدالله بن عمر الشاطري -رحمه الله-، ومَنْ كان موجودًا من الشيوخ بالرباط، وسافر إلى مكّة المُكرّمة للاستزادة من العلم، والأخذ عن شيوخ مكّة المُكرّمة تحقيقًا وتطبيقًا للرِّحلة في طلب العلم النافع، كالنّحلة تترد في البساتين؛ لتخرج لنا عسلًا مُصفّى، فتلقى العلم على يد العلامة علوي بن عباس المالكي، والشيخ عمر محيمدان -رحمهما الله-، وغيرهما ممن كان في عصرهما بمكّة، ثم عاد إلى المكلا داعيًا ومعلمًا ومرشدًا ومربيًا، فاشتغل بالتدريس في مدارس الفلاح بالمكلا، وكانت بقرب مُستشفى باشراحيل -المكلا حاليًا-، ثم انتقل إمامًا لمسجد بازرعة بالمكلا لسنوات عدَّة، ثم عمِل إمامًا بمسجد بايعشوت بالمكلا، ثم انتقل لإمامة مسجد النّور بالمكلا بعد وفاة إمام المسجد الشيخ عوض بَلَّقدِي -رحمه الله-، واستمرَّ في إمامته للمسجد نحو 35 عامًا حتى وفاته -رحمه الله تعالى-، وكان إمامًا ومرشدًا لطلاب العلم وعامة الناس.
وكان الشيخ الجوهي آية في الجدِّ والاجتهاد، ونفع الخلق، والقيام بإحياء بيوت الله تعالى بالصلوات، والدعوة إلى الله تعالى مع شظف العيش، وقلة مَتاع الدّنيا، وكان يُوصف بالورع والزهد في الدنيا.
ومن ورع العلامة مبارك الصدفي الجوهي -رحمه الله– أنه لمّا كان إمامًا بمسجد النور بالمكلا، سافر لبلده لمدة عشرة أيام، وأناب تلميذه الشيخ سعيد الرباكي -رحمه الله-، فلمّا جاء من بلاده واستلم إعانته -راتبًا مقابل إمامته بالمسجد- من الأوقاف أخرجَ منها أجرة عشرة أيام، وأعطاها الشيخ الرباكي، فقال له: لا أريدها؛ فقد أنبتُ عنك الصلاة بالمسجد لِما بيني وبينك من الوُد والاحترام، فقال العلامة الجوهي: خُذها أو سأرجعها للأوقاف؛ لأنني لا أستحقها لغيابي هذه المدة!
وقد درّس العلامة الجوهي وأفاض على طلابه ما استفاده من شيوخه بحضرموت ومكة المكرمة علومًا كسبيَّة، وعلومًا وهبيّة، ظهرت ثمارها على طلابه ممّن عرفناهم من أمثال شيخنا العلامة سعيد باوزير، وممّن سمِعنا عنهم من أمثال الشيخ سعيد الرباكي، وابنه الشيخ أحمد بن مبارك الصدفي الجوهي، وقد درّس في التفسير والحديث والفقه والنحو وغيرها.
ومن أشهر المنتفعين به وتخرّج عليه على سبيل الذكر لا الحصر: 1) ابنه الشيخ أحمد بن مبارك الصدفي الجوهي، 2) الشيخ سعيد بن عبدالله الرّباكي، 3) وشيخنا الشيخ سعيد بن عمر بن عوض بن طاهر باوزير، 4) والسيد محسن السقاف آل بن شيخان، 5) وشقيقه محمد، 6) والسيد محمد بن سعيد مديحج، 7) والشيخ عمر بن حاج باقُمري، 8) والشيخ سالم بن سعيد بن دحمان الصيغ، وكان إمام مسجد النور -رحمه الله-، وغيرهم.
وقائع أحوال عن الشيخ مُبارك -رحمه الله-:
1) شكوتُ لشيخي الشيخ سعيد باوزير -رحمه الله- حال السلفيّة المتطرّفين وأذيتهم، فقال: كُنّا نعاني من الاشتراكية، وشكونا الشيخ مبارك الجوهي، فقال: الاشتراكية سَيُولّون، وهم بمثابة زامِل أو شبواني يمرُّ في الشارع، فمِن الناس من يزمِّل مثلهم، وسيذهبون، وسيأتي بعدهم جماعة، وهكذا وسيُولّون، وصدق الله العظيم في قوله: [أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ] [الرعد: 17].
2) قال أحد الحاضرين للشيخ مبارك الجوهي -رحمه الله-: يا شيخ مبارك با قلِّد، فقال الشيخ مبارك: »ومَنْ سيفتح لك؟«، ويقصد السائل تقليد العلماء في مسألة من مسائل الفقه، فأجابه الشيخ على سبيل الطُرفة: مَنْ سيفتح لك الباب؟ كأن السائل يسأل عن إغلاق باب، وعلى كلٍ فتقليد العلماء أيضًا يحتاج اختيار عالمٍ ورعٍ مُطلعٍ، وليس التقليد لمن هبَّ ودبَّ، وقد صدَق الإمام سفيان الثوري -رحمه الله- إذْ يقول: »إنمَّا العلم عندنا الرُّخص عن الثِقةِ فأمّا التشديد فكُل إنسانٍ يُحْسِنُهُ«. (رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 6/ 367).
3) كان الشيخ سعيد باوزير يحدّثنا عن دراسته عند الشيخ الجوهي -رحمهما الله-، ويقول: كُنّا في درسٍ عند الشيخ مبارك الجوهي، ومعنا كتب نقرأُ فيها، فأُحضر طعام، فقال الشيخ مبارك: »إذا حضرتِ الأذواق لفُوا الأوراق«.
4) قال شخص للشيخ مبارك الجوهي -رحمه الله-: يا شيخ مُبارك: الصلاة رياضة! فقال الشيخ مبارك مباشرة: »الصلاة رياضة غير مقصودة«، أي: ليس مقصودها اللّعب، وهي رياضة جسديّة وروحيّة.
وفاته:
توفي الشيخ مبارك الجوهي -رحمه الله- يوم الجمعة 28 صفر الخير 1374هــ/ الموافق 22 مارس 1974م بمدينة الخُبر بالسعودية.
فما مات من ترك أبناء بررة كابنه الشيخ أحمد، وقد طلب العلم برباط تريم، وهو حافظ لكتاب الله تعالى، وله صوت شجي وقراءة متقنة -أطال الله عمره في طاعة الله-، وقد استفدتُ هذه الترجمة منه، وكذا من شيخي الشيخ سعيد باوزير، كما أن تلاميذه لهم فضل في التعليم والإرشاد ونفع الناس، ولا شكَّ أن مَنْ دعا لخير كشيخ شيوخنا الجوهي ينال أجر من علّمهم وأرشدهم وأوصل لهم الخير والعلم والأدب، فعن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: »من دَعَا إلى هُدى كان له من الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ من تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلك من أُجُورِهِمْ شيئًا وَمَنْ دَعَا إلى ضَلَالَةٍ كان عليه من الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ من تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذلك من آثَامِهِمْ شيئًا«. (أخرجه مسلم في صحيحه، حديث رقم 2674).
أسأل الله تعالى أن يعلي قدر شيخ شيوخنا الشيخ مبارك الجوهي، وأن يبارك في ذريته، وأن يجزيه وتلامذته شيوخنا خير الجزاء، وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته، مع النبيين والصديقين والشُّهَدَاء والصَّالحِين وحَسُن أُولَئك رفيقًا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.