حديث البداية
د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 17 .. ص 4
رابط العدد 17 : اضغط هنا
لماذا لم يهتم أغلب علماء الدين الحضارمـة بالتأليف، واكتـفـوا بالتدريس فقط؟
سنحاول الإجابة عن هذا السؤال بعدة احتمالات..
• تواضع العلماء، وزهدهم في الشهرة واتساع الصيت.
• قلة ذات اليد، وللكتابة تكاليفها الخاصة من الأحبار والورق.
• أساسية المعرفة التي كانوا يلقونها على طلابهم، والتي تنحصر – غالبًا – في فقه العبادات، والمعاملات، والفرائض.
• رغبتهم في ربط الدين بالمجتمع بشكل مباشر، سواء من خلال الدروس التي تلقى على طلابهم، أو على أفراد المجتمع بشكل عام بعيدًا عن الاهتمام الكبير بالجانب النظري (أصول الفقه والعقيدة).
• سيادة نوع من الانسجام الفكري من جراء واحدية المذهب في حضرموت على مدى قرون.
• شغفهم بالحديث الشفوي الذي يعطي للفرد المتحدث هيبته ووقاره كما هو معروف في التقاليد الشفاهية.
من غير أن ينفي هذا وجود تأليفات ظاهرة لعلماء الدين الحضارمة لا تنكر تجاوز أثر بعضها حدود حضرموت. وبغض النظر عن تنوع هذه الاحتمالات فإن لهذه الظاهرة منطقها الداخلي، وآليتها التكوينية المرتبطة بأبعاد تاريخية واجتماعية، والتي هي بحاجة إلى دراسة لا سيما إذا تم المحافظة على المكان نفسه الذي كانت تلقى فيه الدروس من غير أن تتغير بنيته: المسجد، الرباط، المدرسة، الزاوية، إذ يعيد المكان إحياء زمن التدريس، فيمتزج المتخيل التاريخي بالمتخيل الاجتماعي بالمتخيل الديني الذي يكون له بالغ الأثر في المجتمع، ويغدو الماضي هو الأجمل في ظل ذاكرة حية تعيد رواية أخبار السابقين ومزايا شخصياتهم.
ولذا نجد في كتاباتنا الحضرمية المعاصرة من يعدد ذكر الأمكنة، وما يتلوها من أسماء الأساتذة، والزملاء، وأوضاع التدريس، مما يتحول معه المتخيل الديني/ الاجتماعي إلى تقليد تاريخي في الكتابة والتعليم بحيث لا تتولد تجربة جديدة، ويبدو نظام التعليم، ولسنين طويلة، أشبه بالفطرة حيث تثبت آليات التفكير والاستقبال.
وعليه يكون الأمس هو اليوم أو قريبًا منه ما دامت خصائص المكان العلمي، وأنماطه، وما يلقى فيه من دروس، ومناهجهًا، وطريقة الإلقاء والتدريس لم تتغير.