أضواء
عمر عوض خريص
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 18 .. ص 19
رابط العدد 18 : اضغط هنا
شهد مطلع القرن الخامس عشر الهجري زخمًا واسعًا في تحقيق المخطوطات العربية ونشرها، تضلعت به المؤسسات الثقافية الرسمية وبعض دور النشر العربية الكبرى، وقد أدى سماح الجامعات العربية لطلابها من طلبة الماجستير والدكتوراه من نيل شهاداتهم بتحقيق المخطوطات ودراستها المقدمة لجامعاتهم، حراكًا ملحوظًا في عملية التحقيق والدراسات والنشر، وبهذا المد العلمي الأكاديمي والثقافي المجتمعي راج الإقبال على كتب المخطوطات – علومها – وفهارسها، وانبرى شيوخ العلم وطلابه لتحقيق أمات الكتب العربية وإخراجها كل في فنه ومجاله، بل شمل التحقيق الطبعات الأولى من كتب التراث العربي غير المحققة، وكانت حركة التحقيق في أوج نهضتها، وقد أتاح لي عملي في إحدى كبريات دور النشر بجدة مواكبة هذا الزخم، بل والمشاركة فيه، من جانب توريد الكتاب وتوزيعه، وإرشاد الطلاب والباحثين إلى مقاصدهم ومبتغاهم، ممن يَرِدُ عندنا منهم أو من أصحاب المكتبات من جميع مناطق المملكة، وكانت سوق الكتاب رائجة ورابحة، فكثرت المكتبات، وأنشأت أخرى على أحدث طراز، وكان أصحاب دور النشر وأكثرهم من لبنان ومصر يجيدون الاستماع إلينا فيما يطلبه القارئ العربي في المملكة، فشمروا لإعادة بعض الكتب المفقودة محققة في أحسن طبعاتها، وقد أكرمني الأستاذ (سليم صادر) صاحب دار صادر للنشر والتوزيع – بيروت، بطبع الكتاب الأثير لديَّ (النور السافر في أخبار القرن العاشر)، فكانت طبعته محققة أنيقة، استقبلها عشاق التراث بلهفة واشتياق، كما أجابني أخي الأستاذ (عدنان إبراهيم فولا دكار) صاحب دار المعرفة – بيروت، لطبع كتاب (تنوير القلوب) للكردي(1)، وهو كتاب فقه، لما لهذا الكتاب لدي من ارتباط وجداني، فقد قرأت فيه على الشيخ العلامة (عبدالكريم بن عبدالقادر الملاحي) في مدينة الشحر، وبقي هذا الكتاب مرجعي الفقهي والسلوكي، وفي ظل هذا الحراك العلمي والثقافي العربي كنت أتطلع إلى موطني حضرموت ونصيبه من تحقيق تراثه وإعادة نشره، وفي وقتها كان الكتاب الحضرمي نادر الوجود، وخصوصًا ما يتعلق بتاريخها وآدابها، حتى الطبعات المتفاوتة من كتاب السيد الشاطري (أدوار التاريخ الحضرمي)(2) سريعة النفاد، وكان يعتني هو بها إلى جانب بعض الرسائل الدينية له ولبعض أئمة حضرموت، وكنت أتطلع إلى جامعة حضرموت بأن تتبنى رسائلها الجامعية (الماجستير والدكتوراه) تحقيق كتب التراث الحضرمي، ولكن لم تصلني إفادة من حضرموت وأنا بجدة، وكأن حضرموت مغلقة محكمة الإغلاق، ولم يكن استخدام الإنترنت قد شاع وقتها، ولا حتى التلفونات الأرضية قد عممت إلا للخاصة، إلى أن جاء كتاب الدكتور حسن صالح الغلام العمودي (حضرموت في الرسائل الجامعية ماجستير ودكتوراه)(3)، فوجدت فيه ثلاث رسائل فقط في دراسة كتب التراث وتحقيقها، وهذه في المدة الممتدة من 1961 إلى 2009م، وهي:
1- رسالة ماجستير بعنوان (محمد بن محمد باكثير وجهوده النحوية واللغوية مع تحقيق كتابه (مبتدأ العربية بشرح الآجرومية)، للطالب (عمر محروس محمد باقديم)، بإشراف د. عبدالعزيز الصيغ، 2007م.
2- رسالة ماجستير بعنوان (ديوان عبدالصمد بن عبدالله باكثير)، للطالب أحمد علي أحمد بايمين، 2005م.
3- رسالة ماجستير بعنوان (محمد بن عمر الحضرمي المشهور بـ(بحرق) 869- 930هـ: دراسة نحوية صرفية)، للطالب جمال رمضان حميد حديجان، 1999م، جامعة بغداد.
هذا الكم الضئيل لا يثلج الصدر ولا يسر الخاطر، فالمعول على تحقيق كتب التراث يقع على عاتق أبنائنا طلاب الدراسات العليا، فلعل المخطوطات الحضرمية لم تكن سهلة المنال أو لا توجد منها نسخ أخرى متعددة، فهي لا تخلو من ذلك وزوايا البيوت وخزائنها العتيقة تحوي الكثير من كنوز التراث الحضرمي، علمه منهم من علمه وجهله منهم من جهله، فلا بد من حركة مجتمعية لعلم (الكوديكولوجيا) المعني بصناعة المخطوط، وذلك بدعم من الدولة في توثيق المخطوطات المفقودة وتصويرها وأرشفتها، وتيسيرها لأهل الشأن، وتحصينها من العابثين.
إنَّ علم التحقيق (الفيلولوجيا) المعني بدراسة النصوص، هو علم ليس بالسهل؛ إذ يمخر فيه الخبير بأمان وإتقان، ويتعثر فيه من به استهان، فما للمجتهدين من توفيق ونجاحات، لهم أيضًا فيه عثرات، وقلَّما يخلو كتاب محقق منهما أو يتم، ولكن على العامل فيه اتباع الطرق السليمة، وتطبيق أصول هذا العلم حتى ينال المراد، والظفر بما أراد، ومن أوليات هذا العلم التحقق من عنوان المخطوط وتوثيقه، وتحقيق اسم مؤلفه، والانتباه لخطورة الاعتماد على النسخة الواحدة، والانتباه أيضًا لمواطن التصحيف والتحريف، ومعرفتها بحدس المحقق ودرايته، وسعة علمه(4).
نقول هذا وقد شهدنا في أواخر القرن الميلادي المنصرم وبداية القرن الحالي اهتمامًا بالغًا بتحقيق المخطوطات الحضرمية بجهود جمعية وأخرى فردية ذاتية، وهذه جهود مشكورة فلولاها ما برزت لنا تلك المخطوطات في أحلى صورها، ورغم بعض الإشكالات التي رافقتها فإننا نجد لهم العذر، ونقدر حجم صعوباتهم ومتاعبهم، في ظل هذا الوضع العربي المزري، الذي لا يعطي للعلم والعلماء والكُتّاب الباحثين قدرًا، ولكن هممهم العالية هي من تؤسس لهم قواعد المجد فيما يعملون ويقدمون، وبين أيدينا بعض هذه المخطوطات الحضرمية المحققة نتناولها هنا للإشارة وإيجاز العبارة في تقدير الجهود المبذولة والمتاحة القادمة بإذن الله، وهي على النحو الآتي:
1- إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت. (معجم: جغرافي – تاريخي – أدبي – اجتماعي) طبعة محققه – مهذبة – متممة – مفهرسة، تأليف علامة حضرموت ومفتيها السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، عني به تاريخيًّا (محمد أبوبكر عبدالله باذيب)، وعني به أدبيًا (محمد مصطفى الخطيب)، دار المنهاج، جدة، 1425هـ، (1110ص).
حينما أبلغني الدكتور (محمد أبوبكر باذيب) -وكان يومها طالبًا جامعيًا- بجدة، بأنه يعمل بتكليف من دار المنهاج في تحقيق كتاب (إدام القوت) للسقاف، وأنهم على مشارف النهاية من إنجازه، اكتسحتني فرحة غامرة، فها هو الكتاب الحلم والأهم في تاريخ حضرموت سوف يكون بين أيدينا قريبًا، وحين زرت دار المنهاج وقابلت صاحبها الشيخ (عمر باجخيف)، وكانت بيني وبينه سابق معرفة قبل أن يؤسس دار المنهاج، استفسرت منه عن العمل في كتاب (إدام القوت)، فاستعلم مني عن من أعلمني بذلك، فأخبرته، امتعض وقال: محمد فرد في لجنة التحقيق من بين أساتذة كبار، ثم شرح لي ما تقوم به اللجنة، واستبشرنا خيرًا، وطبع المخطوط في أحلى حلة وأقشبها، وتلقفه جمهور القراء باهتمام بالغ، وأخذت على التحقيق مآخذ عدة من قبل الباحثين والكُتّاب، فجرد الشيخ (علي سالم بكير) حفظه الله، ردودًا كانت هي الأقوى من بين الردود المطروحة، وكانت الاتهامات الموجهة للمحقق هي (تحريف النصوص، وبترها، والتلاعب بالكتب التراثية)، وهي تهم خطيرة إذا ثبتت سقطت أمانة المحقق العلمية، وأصبح مشكوكًا في كل عمل يقوم به، لهذا أوجعت الردود الدكتور محمد، فأخرج للناس بيانًا شرح فيه طبيعة عمله، وأرفق صورًا للنصوص المبتورة وعليها تعليقاته.
2- النور السافر عن أخبار القرن العاشر، للعلامة عبدالقادر بن شيخ بن عبدالله العيدروس، تحقيق، د. أحمد طالو – محمود الأرناؤوط – أكرم البوشي، دار صادر – بيروت، الطبعة الأولى، 2001م.
بالإشارة إلى ما سبق في مقالنا هذا عن الكتاب، فقد تلقيناه بنشوة بالغة، وتداعينا إلى احتضانه وتوزيعه، وإعلام القراء بوصوله، فكان الإقبال على اقتنائه مريحًا، وباعثًا على السرور والغبطة، وهذه الطبعة أنيقة، في (663) صفحة، اعتنى بها محققوها عناية فائقة، خصوصًا في مقابلة النسخة المخطوطة التي اعتمدوا عليها بنسخة الكتاب المطبوع مسبقًا، وقد أجادوا في تصحيح الكثير من الأخطاء، وهذا الجهد الكبير على ما فيه إلا أن مصادر ومراجع تحقيقه المعتمدة تخلو من المصادر الحضرمية -المطبوعة والمخطوطة-، وهذا الشيء الذي لم يمكنهم من التعليق على بعض الأعلام الذين يحتاجون إلى إيضاح، فمثلًا جاء في صفحة (77): »وفي سنة سبع: توفي الفقيه العلامة الصالح محمد بن الفقيه عبدالله بن عبدالرحمن الحاج(5) بافضل الحضرمي بالشحر«، ولو كان لدى المحققين كتاب أو مخطوطة (صلة الأهل) لأغناهم في بعض المواضع التي يحتاجونها، ولكن نعزو ذلك لعدم معرفتهم بمخطوطات التراث الحضرمي؛ كونهم من غير أبناء حضرموت، لهذا نشدد على أبناء حضرموت ممن يشتغلون بهذا الفن بأن يعطوا لمخطوطاتهم الوطنية جل الاهتمام والعناية، فهم أدرى من غيرهم بخبايا التراث الحضرمي وأسراره.
3- تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر، تأليف محمد بن عمر الطيب بافقيه، تحقيق: عبدالله محمد الحبشي، عالم الكتب – بيروت، 1999م.
من أوائل ممن تتلمذت على كتاباتهم ومؤلفاتهم الأستاذ عبدالله محمد الحبشي أطال الله عمره، فقد عرفته وقرأت له قبل أن أقرأ للمؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف؛ وذلك لأن مؤلفات الأستاذ عبدالله وكتاباته متوفرة وميسرة للقارئ، وكانت مؤلفات الأستاذ محمد نادرة وعزيزة المنال، لهذا شببت وتعلقت أيما تعلق بالأستاذ عبدالله، وأصبحت أقتني كل ما يصادفني من مؤلفاته، وهو من حببني في التراث، والاهتمام بفهارس المخطوطات والمؤلفات عامة، وبين يدي الآن كتابه هذا (تاريخ الشحر) لبافقيه، وقد بذل في تحقيقه جهدًا مميزًا، وكنّا نطمح أن يأتي التحقيق أوسع وأشمل من هذا الذي وضعه؛ فالمحقق يضيء جوانب في التاريخ معتمة على القارئ الذي لا يلم بخباياها، ومقابلة النسخ، والتحقق من صواب النص عمل عظيم وليس بالهين، وقد يسر لنا أستاذنا هذه الطبعة لمن يأتي ويحققها، فالتحقيق هو إضافة علمية مستنيرة توضع على هوامش الكتاب للتمييز والاستفادة، ولا أعرف كيف فات أستاذنا في أول المخطوطة في صفحة (13) حيث جاء فيها: »وبه ثقتي… ]في سنة تسعمائة[ من هجرة الرسول صل الله عليه وسلم وهي أول القرن«، فالتسعمائة هي رأس القرن الثامن، وأول القرن التاسع هي تسعمائة وواحد، ولو انتبه لقول المؤلف في الصفحة (15) حيث قال: »] وفيها[ أعني سنة إحدى وتسعمائة توفي الملك الأشرف قايتباي«، فسبحان الله! لكل حصان كبوة، وجل من لا يسهو.
4- نشر النفحات المسكية في أخبار الشحر المحمية، تأليف العلامة الأديب عبدالله بن محمد بن عبدالله باحسن جمل الليل العلوي، دراسة وتحقيق: د. محمد يسلم عبدالنور، مكتبة تريم للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 2010م.
استقبل صدور هذا الكتاب بحفاوة بالغة من قبل المهتمين خاصة والحضارم عامة، فقد كان هذا الكتاب (المخطوط) عزيز المنال، فكنا نسمع به ولا نراه، وكنا نتشوق إليه لنقرأه، ولكن أصحابه ممن يملكون صورًا منه، به ضنينون، وعليه خائفون، فلا يخرجونه لأحد، إلا من قدر عليهم فاستعاره، وحين وصلني الكتاب محققًا منشورًا كان يوم وصوله يومًا سعيدًا، وكيف لا وفيه تاريخ مدينتي الشحر وأخبارها، فتوفرت لنا نسخة منه، قلبنا صفحاتها، وحزرنا أثباتها وما فاتها، وقد استبرأ الناشر لنفسه وللمحقق في كلمته، دافعًا عن نفسه وعن المحقق الملامة والتقصير، مبشرًا بطبعة جديدة قادمة تتجاوز المحاذير، وخير ما فعل، والناشر فيما نشر له إسهامات كبيرة في خدمة التراث الحضرمي خاصة، نافست به دار حضرموت التي خذلناها بجهلنا وتقاعسنا، فأغلقت أبوابها، ولعل شطارة صديقي (عبدالرحمن بن علي بلفقيه) مدير مكتبة تريم الحديثة تجنبها مآل أختها (دار حضرموت)، فهذه المكتبة نافذة الفكر في حضرموت، ومقصد العلماء والأدباء.
المخطوطة في (501) صفحة، وهي تحتاج إلى إعادة تحقيق، تحقيق ينير النص ويثريه، يضع فيه المحقق من علمه وخبرته ما يغنيه، بعد مقابلة النسخ، ثم إعداد الفهارس الفنية لخدمة الكتاب، وذلك ما نرجوه ونأمله.
5- سحر عدن وفخر اليمن، ديوان علي أحمد باكثير، تحقيق وتقديم د. محمد أبوبكر حميد، توزيع مكتبة كنوز المعرفة بجدة، ودار حضرموت – المكلا، الطبعة الأولى، 2008م.
ظل مجمل إنتاج باكثير وتراثه الأدبي حبيس الأدراج والإهمال والنسيان، إلى أن قيَّض الله له أحد أبناء حضرموت، وهو الدكتور (محمد أبوبكر حميد)، فبعث على يديه باكثير حيًّا، يتبوأ مكانته البارزة في منظومة الأدب العربي الحديث والمعاصر، فاشتغال د. محمد بأدب باكثير وتراثه، أعاد للأمة الحضرمية بعضًا من ألقها الثقافي عربيًا.
وهذا الديوان الثاني لباكثير يحققه د. محمد حميد، وفي كلا الديوانين كان التحقيق رائعًا، مستوفى الشروط والدراسة، وفي (سحر عدن) بلغت صفحات تقديمه ودراسته للديوان (38) صفحة، أفاض فيها دارسًا ومحللًا، فضلًا عن هوامش التحقيق التي أغناها شرحًا وتعليقًا.
ولعل ما أوقفني وأشغلني في الديوان من تحقيقه ما جاء في صفحة (57) وفيها قصيدة باكثير (دموع عندليب الشام) يقول فيها:
عندليب في الشام ناح على (شا عر مصر) أكرم به عندليبا
هز قلبي لما انبرى يتغنى برثاء شجو يذيب القلوبا
قد قضى على لداته من بنات الـ نيل حقًا (لحافظ) مطلوبا
قال: والشعر كاللباء إذا دا فته حسناءُ زاد عرفًا وطيبا
(لست أنساك للنساء نصيرًا سامعًا صوت حقهن مجيبا)*
***
ايه يا أختُ قد أجبت ندائي ببنات النيل السعيد مُهيبا
كم شجاني نواحك العذب كم خفف بلواي ما لحيت الخطوبا؟
إلى آخر القصيدة، وقد تساءل المحقق في التحقيق بقوله: »* لم نتعرف على صاحب البيت الذي يسميه صاحب الديوان (عندليب الشام)، وهو من شعراء الشام أعجب الشاعر برثائه لحافظ إبراهيم«، وقد تمعنت في النص فرجح عندي أن المخاطب شاعرة، وتتبعت شاعرات الشام الناشطات في وقت وفاة حافظ إبراهيم، فلم أجد إلا واحدة لها نشاط كبير، وهي الشاعرة (ماري عجمي) (1888- 1965م)، وهي من مواليد دمشق، عملت أول حياتها في التدريس مدرسة في مدينة زحلة بلبنان، ثم ببور سعيد بمصر، ثم بمدينة الإسكندرية، ثم بالمدرسة الروسية ومعهد الفرنسيسكان بدمشق، وعملت في فلسطين ومصر، ثم عملت في الصحافة؛ إذ أنشأت أول مجلة نسائية باسم (العروس) في الإسكندرية عام (1910م)، وهو العام الذي ولد فيه باكثير، فهي تكبره بـ(22) سنة، ومات حافظ وسن باكثير (22) سنة، ومن نشاطها أنها أسست النادي الأدبي النسائي في دمشق، وجمعية نور الفيحاء وناديها، وهي عضو الرابطة الأدبية التي تأسست في دمشق أوائل العشرينيات، ولكن إنتاجها النثري والشعري لم يجمع، وظل رهين صفحات المجلات ودفاترها المخطوطة، ولم يصدر لها من أعمالها أو عنها إلا (ماري عجمي في مختارات من الشعر والنثر- منشورات جمعية الرابطة الثقافية النسائية بدمشق 1944م)، و(دوحة الذكرى من شعر ونثر ماري عجمي – وزارة الثقافة دمشق 1969م)، ثم جمع الأستاذ (عيسى فتوح) بعض أشعارها في (ديوان ماري عجمي) (2016م)، ولم أجد في الديوان قصيدة رثاء حافظ، ووجدت فيه رثاء شوقي، مما زاد يقيني بأن القصيدة لها وهي مفقودة، فالشاعرة قد احتجبت في أواخر حياتها، وترفض مقابلة الناس والزوار، حتى جامع الديوان لم يستطع مقابلتها وهو طالب ثانوي عام (1956م)، أي قبل وفاتها بـ(9) سنوات، وطبع ديوانها بعد محاولة (عيسى فتوح) مقابلتها بـ(60) سنة، الذي قال في مقدمته: »وما يزال قسم كبير من مقالاتها ومخطوطاتها غير منشور، وموزع في بطون الصحف والمجلات التي كانت تكتب فيها«(6)، فلعل هناك من يتتبع أشعارها ليثبت لنا انتساب القصيدة إليها أو غير ذلك.
6- تنبيه العزائم إلى شرح أمثال الحضارم، تأليف الشيخ القاضي محفوظ بن سعيد المصلي، تحقيق: عادل حاج باعكيم، مكتبة تريم الحديثة، الطبعة الأولى، 2015م.
هو كتيب صغير الحجم في (67) صفحة، افتتح به الباحث المجتهد عادل باعكيم باكورة تحقيقاته لكتب التراث، التي توجها أخيرًا بتحقيقه الكبير لديوان الشاعر باحسن، وهو تحقيق يكفر عنه قصوره السابق في بداية تحقيقاته، وخصوصًا في (تنبيه العزائم)، فالمخطوط المحقق لم يكن كاملًا، وإنما هو الجزء الأول فقط وربما للجزء الأول بقية في الكراسات الأخرى، وخطأ المحقق أنه لم يفند (لام) التعريف وما قصد المؤلف، وعدها كما قال: »هكذا في الأصل: ولعل الصحيح بالألف واللام«، رغم أن قول المؤلف واضح في سرده وقوله: »سأبدأ بالأمثال المبدوءة بلام التعريف«، إذًا فهذه الأوراق هي جزء من (28) جزء للكتاب بعد لام التعريف، وذلك من (الألف إلى الياء)، فقد أخبر المؤلف في التقديم عن كتابه بقوله: »وقد جمعت ما أمكنني جمعه من الأمثال الحضرمية؛ حفاظًا على هذا التراث الثمين، ليظل باقيًا لا يضيع مع مرور الأيام، وشرحت كل مثل منها، وقد أتعرض لأصل بعض الأمثال، والسبب الباعث لها، كما تلقيت ذلك من أفواه الشيوخ الحضارم المسنين الذين خبروا الحياة وتمرسوا بها«، فالرجل لديه جمع كبير من الأمثال، بدأ بكتابتها بحرف لام التعريف، فإن أتمها فإننا نقول إن المخطوط مفقود، ولزم البحث عنه، وأما إذا لم يتمها فهذه أوراق أولى من كتاب لم يتم، وعلى المحقق عادل التحري، وشاهدت أستاذنا القدير محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه (معجم الأمثال) يجرد ما حلي بلام العريف ويلحقه بأصله، مثال ذلك في حرف التاء يأتي هكذا (1- تراب القبر فيه ما يكفيه 2- التمر في الدار محضار 3- تعب ساعة ولا كل ساعة 4- التالي رزقه حالي).
ولي ملاحظة أخرى عليه، وهي كتابة المحقق آخر الكتاب »انتهى كتاب (تنبيه العزائم) بحمد الله تعالى وحسن عونه وصلى الله على محمد نبيه«، وهذا غير موجود في الصفحة الأخيرة من الكتاب حسب الصورة المرفقة بالكتاب، فلا يجوز إدخاله على متن الكتاب، وإيهام القارئ بتمام الكتاب.
لعلنا أشرنا إلى أهم ما تحتاجه المخطوطات الحضرمية في حال تحقيقها ونشرها، ولفت نظر المحققين إلى ما ينبغي التنبه إليه، كما نزجيهم شكرنا على كل جهد بذلوه يستحقون عليه الثناء والعرفان بالجميل.
هامش:
1- كتاب (تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب) تأليف الشيخ محمد أمين الكردي الشافعي النقشبندي، طبعة دار المعرفة 1997م، بتحقيق محمود قطان، وهو كتاب يشتمل على ثلاثة أبواب (علم التوحيد – علم الفقه – علم الأخلاق)، وقد كنا ندرس على الطبعة المصرية في مجالس الشيخ عبدالكريم بن عبدالقادر الملاحي.
2- أدوار التاريخ الحضرمي، محمد بن أحمد الشاطري، عالم المعرفة – جدة، 1983م، جزئيين في مجلد.
3- حضرموت في الرسائل الجامعية – ماجستير ودكتوراه، قائمة ببليوغرافية ودراسة ببليومترية (1961- 2009م)، د. حسن صالح الغلام العمودي دار حضرموت ـ المكلا، الطبعة الأولى 2010م.
4- للاطلاع أكثر عليكم بكتاب (محاضرات في تحقيق النصوص) الأستاذ هلال ناجي، الطبعة الأولى، 1994م، دار الغرب الإسلامي – بيروت.
5- الصحيح بلحاج.
6- ديوان ماري عجمي، تحقيق فتوح عيسى، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق -2016م.