عمار باطويل
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 18 .. ص 74
رابط العدد 18 : اضغط هنا
يا صديقي المنسي…
عندما تحاور أديبًا فأنت تحاور وطنًا لا شخصًا، بل تحاور إنسانيته التي ستقودك إلى الشخوص الساكنة بالألم القابعة في محيط النسيان.
يا صديقي المنسي إنما الركون إلى الصمت يعني النسيان، والنسيان يعني عدم الاكتراث بهذا الوطن.
آه أيها النسيان لماذا تبدد حضور هذا الوطن الذي تكر عليه الرياح، وتبحر بأشرعته السفن خلف البحار؟
آه أيها النسيان كم غيبت أوطانًا خلف بحارك، وكم حكمت عليها بالغياب المؤبد!
يا صديقي المنسي، كان طرفة بن العبد وطنًا لم يطوِهِ النسيان، فتجاوز قومه، وهو الثائر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة * * على المرء من وقع الحسام المهند
آه يا صديقي المنسي كم أنت سطحي عندما تتجاوز موقف هذا الوطن “طرفة بن العبد” الذي تجلى حضوره في كل الأزمان! ألم تسأل يا صديقي لماذا اتخذ طرفة بن العبد هذا الموقف؟
الجواب أيها المنسي؛ لأن الشعراء والأدباء لا بد لهم من موقف في قومهم، أو من المشهد المتبلد في الحياة!
ألم تسمع ما يقوله الوطن الآخر” الشنفرى”:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم * * فإني إلى قوم سواكم لأميل
هؤلاء “الأوطان” الذين تضيق بهم أقوامهم، تجدهم يمضون رافعين الرؤوس، والرماح في ظهورهم كأنهم جبال لا يتعثرون بالطريق. فبرغم الألم فهم يمضون في دروبهم بعيدًا عن الوجوه التي لا ترى وجودهم في الحياة.
ألم تسأل يا صديقي المنسي لماذا نأى الأديب الحضرمي سعيد الجريري بعيدًا وهو القريب؟ ألم تسأل لماذا كتب ديوانه (من يوميات الشنفرى في )؟ لماذا لم تكترث بقوله:
فأتيت
فردًا
ليس يؤويه زحام
…. أمستردام
لي وطن
أضاعته الحماقة
في زحام
قااااااحل
آه أيتها الوجوه، لماذا كل هذا الهمس عن هذه الأوطان في هذه الظلمات؟ ألم يحن الوقت لخيوط الفجر أن تبدد ظلمات وجوهكم المنهكة بظلام آثامكم؟
آه أيتها الوجوه المثقلة بهذا المشهد المتبلد، ألم يحن الوقت ليكون لكم موقف من أجل هذا الوطن؟ بل من أجل هذه الأوطان؟
أيتها الوجوه المتعثرة في الطريق لا منفذ لكم إلا العودة إلى أوطانكم التي تتمثل في صوت الأديب. ربما تسأل يا صديقي المنسي، من هم الأدباء الذين تقصدهم؟
فجوابي لك أيها المنسي؛ الأديب الحق الذي تلمس في كلماته صوت الوطن، وتجد بداخله الإنسان الذي لا يرى وجوه الذين يتاجرون بالأوطان، والذين يتخذون حاشية الحاكم قبلتهم. فهؤلاء ليسوا أدباء حقًا، ولكن يا صديقي المنسي قد سلختهم آثامهم من قلوب الناس، وتجاوزهم الطريق، فهؤلاء تجدهم يرقصون ويتغنون بكل الأناشيد الوطنية على جثث الشعب، ويرقصون على بطون أمهات الشهداء.
بئس الأدباء هم. بئس الأدباء هم.. وتبًا لهم من أدباء..
يا صديقي المنسي لا تسأل من أكون. فأنا وطن من هذه الأوطان…