إبداع
أحمد جعفر الحبشي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 18 .. ص 110
رابط العدد 18 : اضغط هنا
صيدولار
يُغادرُ الصيدلية بخطى مُثقلة، يرفضُ الصيدلاني مزيدًا من الدّين نظير التراكمات وكذا ارتفاع سعر الدولار، لم يعد لديه ما يكفي، إما أن يدفع قيمة دوائه المزمن، أو يشتري كيس أرز صغير، وما تيسر لأطفاله الجوعى.
يتكئ على إحدى السيارات المتوقفة أمام الصيدلية، ينشدُ حلًا في وجوه المارة الشاحبة، مقهى العم سالمين مغلق! وكذا عدد من المَحَال التجارية! تتداول الألسنُ الحديث عن سعر الدولار بسخط في كل مكان.
ينظرُ أسفل منه، يتفرس الأرض، نهرٌ من البترول يجرى في الأسفل. يخالُ أن تمتد يده فتغتسل بالبترول ويجد له منفذًا نحو الخارج، يتراجع الدولار وتعاودُ المَحَال فتح أبوابها، يُسدّد قوائم ديون الناس في الصيدليات، البقالات، ولدى موزعي الغاز وبائعي السمك. يشتري سمكًا وفيرًا ويهديه لأنفس لم تتذوقه منذ زمن وقد سئمت أكل الأرز أبيض حافًا.
لكنه يستفيق من خيالاته مذعورًا من صوت السيارة -المتكئ على مقدمتها- وصرخات سائقها نحوه. بالكاد يَقوى على تحريك يده، ويبصرُ احمرارها بتأوه.
تغادر السيارة، ويعود متأملًا تحت قدميه، لم يخرج شيئًا !
يَشتَمُّ رائحة يديه.. لا شيء !
المحال ما زالت مغلقة، ولا وجود للعم سالمين.
يترك حلمه -أمام الصيدلية- قاصدًا بائع الأرز!
شيءٌ من قهوة
أصابَه الحزنُ عميقًا، لم يَعُد يستسيغ العيش من غيرها، وهي التي قَضَت في حادث سَير.
في طريقه الصباحي نحو العمل، يقطع الطريق بتروٍّ، غير مكترثٍ بحركة العربات المارة، يترقب الصدمة برضى!
منبهات العربات والشاحنات العملاقة لم تدفعه للعدول عن قراره.
على أحد جانبي الطريق.. يحتسي أحدهم قهوته كل صباح، يُجالِس فضولَه في انتظار الصدمة، مؤخرًا باشرَ تصوير المشهد المكرر عله يحدث فيحقق شهرةً من خلال نشره على السوشيال ميديا.
في الأول من مارس، يَصلُ إلى ركن القهوة باكرًا بكاميرا حديثة، يرشفُ قهوته سريعًا، ينتقي الزاوية المناسبة، ويضبط عدسته للتصوير.
وفي الطريق السريعة، سائق شاحنة يجد نفسه على بُعدِ أمتار من العابر، فتصيبه صدمة المشهد، المرأةُ في المقعد المجاور تَدفعُ بالمِقوَد لتأخذ الشاحنة منحى آخر، ويصل العابرُ إلى الضفة سالمًا ككل مرة.
وعلى الضفة الأخرى..
كاميرا وفنجان قهوة وأشياءُ أخرى.. سُحِقت!
سِنّارة
يتجاهل وضع الطُّعمِ في سنارته، ويرمي بها بعيدًا، فاردًا ساقيه ومنتشيًا برشق الأمواج، وبالقرب منه، آخرون يتكلفون انتقاء الطعم والسنارة والأدوات.
تشتد سنارته وتشُدُّ معها أنظار الآخرين، حتى إذا تراءت على السطح سمكةٌ، -في كل مرة-أصابه الأسى فيدُسُّها في حاوية أقربهم، ويغادر الشاطئ وسط دهشة الحضور.
لطالما تحيّن من سنارته.. ذاك الحذاء الأسود يحلّق عاليًا، تخر المياه من جوانبه، كما اعتاد صغيرًا أن يشاهده مع أمّه -بفرحٍ غامر- في مسلسله الكرتوني!