حديث البداية
د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 19 .. ص 4
رابط العدد 19 : اضغط هنا
لا يمتلك أي كتاب ثقافي سلطة ديكتاتورية، وإنما يقدم أفكارًا قابلة للنقاش، ومن حق القراء أن يعبروا عن وجهات نظرهم تجاهه، وإذا كانت الكتابة حقًا خاصًا للكاتب، فإن القراءة حق لجميع القراء تقدم في مجموعها من الأفكار، والآراء، ووجهات النظر، تجربة وعيهم سواء في استقلاله الذاتي في إدراك الأفكار والتعامل معها، أو في تفكيره الجمعي.
إن من حقنا أن ننظر في طبيعة الكتب الثقافية، وكيفية تشكيلها لنا، وليس ذلك ببعيد في ظل ازدياد عدد الباحثين، وانتشار الأكاديميات، وإمكانية البحث العلمي، لكن المشكلة تكمن في طبيعة العقل النقدي ذي النظرة الفلسفية الذي مازال متواضعًا لدينا في حضرموت.
إن الحديث عن القيمة المهمة لبعض الكتب حديث ايديولوجي ما لم يكن لذلك انعكاس في الواقع، أو تثبت الأبحاث ذلك، وما نسمعه من آراء عن بعض الكتب سلبًا وإيجابًا لا يعدو أن يكون في إطار الانطباع التأثري الذي يجدر بنا أن نتجاوزه نحو النتائج البحثية للحكم على الكتاب، وأنه يتجاوز حالة السكون إلى حال من الفعل المؤثر المستمر تاريخيًا.
إن البحث الذي يقدم حالاً من الطمأنينة عن كتاب ما ليس بحثًا جيدًا، إنه يدخل في حالة السكون نفسها التي عليها الكتاب، والتي تعمل على تجميد المعرفة، فلا يمكن تنشيط الوعي إلا بمزيد من النقاش وإثراء وجهات النظر، والتقدم بها إلى أمام، وعلى الكتاب أن يثبت جدارته في كل المراحل أو ينزوي إلى حيث يغدو أثرًا من آثار التاريخ، أو يعيد أحد اكتشاف قيمته المتجاوبة مع ظروف العصر، فلكل كتاب شروط تقبل، ولا يمكن لكتاب أن يحافظ على شروط تقبله تاريخيًا ما لم يكن كتابًا نوعيًا مميزًا، وكثير من الكتب استنفدت مداها التاريخي، أو جزءا كبيرًا منه، وما عادت ذات فاعلية مؤثرة في واقعنا، وأن أفكارًا أخرى تقدم نفسها بحماسة في كتب جديدة صدرت خلال العقدين الأخيرين في حضرموت ندعو إلى تعزيز اتجاهها، وتنشيطها لو كانت ذات فاعلية إيجابية في بناء شخصية الإنسان، وقواه العقلية الفاعلة، كما ندعو في الوقت نفسه إلى مناقشتها بوصف النقاش والاستجابة التاريخية المستمرة للكتاب هي الضامن التاريخي لقيمته.