دراسات
د. خالد حسن الجوهي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 19 .. ص 45
رابط العدد 19 : اضغط هنا
المقدمة
لم تعرف حضرموت في تاريخها الطويل حكومة ذات شوكة قوية خضعت لها كل أنحائها، بل قامت فيها إمارات متعددة أشبه ما تكون بدويلات المدن، وكان الحكم الفعلي خارج أسوار تلك المدن؛ إذ كان في يد رؤساء العشائر الحضرمية تدار وفق تقاليدهم وأعرافهم(1).
وكان أول اتصال سياسي بين حضرموت والدولة العثمانية في التاريخ الحديث كان عام 944هـ/ 1538م، حيث رست سفينة عثمانية في ميناء الشحر تحمل ثلاثين عثمانيًا في إطار المواجهة العثمانية البرتغالية في السواحل العربية والإسلامية، وقد وافق السلطان الكثيري آنذاك بدر بن عبدالله الكثيري (أبو طويرق)(2) على الولاء والطاعة للدولة العثمانية والدعاء للسلطان العثماني في المساجد(3)، فمنحته الدولة العثمانية فرمانًا بتوليته حاكمًا على حضرموت، وكان هذا الإجراء أول خطوة في توطيد العلاقات بين الجانبين(4).
وفي أواخر القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) انتهت الدولة الكثيرية الأولى في حضرموت، وقام على أنقاضها ما يسمى في التاريخ الحضرمي بحكم الطوائف اليافعية(1) في مدن وقرى معينة في ساحل حضرموت وواديه، ومن أبرز تلك الطوائف اليافعية الإمارة الكسادية في مدينة المكلا (1115هـ/ 1703م)، وإمارة آل بن بريك في الشحر (1165هـ/ 1751م)(2).
لقد حاول القعيطيون -وهم بطن من قبائل يافع نزحوا إلى حضرموت حديثًا في عهد الدولة الكثيرية التي استقدمها السلطان بدر بن محمد المردوف الكثيري عام 1117هـ/ 1705م- في إقامة دولة يافعية لهم في حضرموت، مستعينين بالدعم المقدم لهم من قبل زعيم هذه الأسرة في الهند وهو الأمير عمر بن عوض القعيطي[1](3)، الذي استطاع جمع ثروة طائلة، قام بتوظيفها لإقامة الدولة القعيطية، وفي الوقت نفسه كان هناك آل كثير يحاولون إحياء دولتهم المندثرة، والتي تجاذبتها القوى اليافعية محاولين القضاء على السلطة اليافعية في مدن وادي حضرموت(4).
وقد توفرت للقوى الكثيرية الظروف نفسها التي توفرت للقوى اليافعية، وهي امتلاك أحد أبنائها في المهجر (الهند)، وهو السلطان غالب بن محسن الكثيري(1) ثروة طائلة جعلته يفكر في بعث الدولة الكثيرية من جديد، فضلًا عن العون المادي والأدبي الذي قدمه العلويون(2).
التدخلات العثمانية في حضرموت في القرن التاسع عشر الميلادي
سعى العلويون بما أوتوا من نفوذ وعلاقات حسنة مع سلاطين آل عثمان وأشراف الحجاز أن يدعموا جهود السلطان غالب المذكور ضد القوى المنافسة له، فأثمرت تلك الجهود في إرسال حملة عسكرية من أجل السيطرة على الثغور الرئيسة في حضرموت الشحر والمكلا.
وفي أثناء الصراع العسكري بين القوتين المتنافستين على السلطة في حضرموت (آل كثير ويافع) في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، رأى العلويون أن سلطتهم الدينية والروحية وامتيازاتهم الاجتماعية غدت مهددة، ولذلك بذلوا محاولات لفرض نفوذهم على القوى المتصارعة وإقامة دولة باسمهم، فتطلعت أنظارهم نحو الوالي العثماني في مصر (محمد علي باشا)(1) في أثناء وجوده في الحجاز واليمن، ورفعوا إليه عريضة يطلبون فيها وضع حضرموت تحت سلطته، ويطلبون إمدادهم بقوة عسكرية، وتعيين والٍ عليهم من قبله، وكان على رأس الموقعين على هذه العريضة السيد علي بن عمر السقاف، وسالم بن حماد باعبيد، ومحسن بن علوي(2)، ولكن محمد علي اكتفى بإصدار فرمان للمقدم علي بن عمر بن قرموص التميمي ليكون واليًا مؤقتًا على حضرموت، فخابت آمال العلويين في محمد علي باشا وفي من عيَّنه عليهم(3).
بعد فشل هذه المحاولة قاموا بتأييد السلطان غالب محسن الكثيري، الذي خاض صراعًا مريرًا مع منافسيه من قبائل يافع، وساندوه ضد مناوئيه، وحثوه على إحياء دولة أجداده من آل كثير، وأشاروا عليه بأن يطلب الدعم من أشراف الحجاز، الذين كانت لهم علاقة متينة معهم بحكم الروابط الاجتماعية وصلات النسب والمصاهرة؛ إذ بإمكانهم أن يفعلوا الكثير في سبيل دعمه ضد منافسيه من خلال التوسط لدى الدولة العثمانية للتدخل العسكري المباشر.
منذ تلك اللحظة أي في (القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي) بدأت الدعاية العلوية تقوم بنشاط واسع ونشط لمؤازرة آل كثير مستغلين نفوذهم لدى السلطنة العثمانية وأشراف الحجاز، وكان من بين هؤلاء العلويين الذين كان لهم دور في هذه الحملة الدعائية ضد قبائل يافع السيد علي بن عمر بن محضار العيدروس، والسيد إسحاق بن عقيل العلوي نقيب السادة العلويين في الحجاز، والسيد فضل بن علوي مولى الدويلة، والسيد عبدالرحمن بن حسين بن سهل العلوي.
الحملة العسكرية العثمانية على حضرموت 1266هـ/ 1850م:
سبقت الحملة دعاية نشطة لتهيئة الظروف لإنجاحها وذلك من خلال عدد من الرسائل، التي قدمها بعض وجهاء السادة العلويين في الحجاز وحضرموت إلى السلطان العثماني وأمراء مكة المكرمة، يحثونهم فيها على ضرورة ضم حضرموت إلى نفوذ الدولة العثمانية، ففي خطاب وجهه السيد فضل بن علوي الى السلطان عبدالمجيد ذكر فيه أحوال بلاده حضرموت، وما يسودها من صراعات وتناحر، وقدم السيد فضل في رسالته مطالب واقتراحات عدة من شأنها أن تنهي الحالة المزرية التي تعيشها بلاده وذلك من خلال دعم السلطان الكثيري غالب بن محسن ضد خصومه، ومن ثم وضع حضرموت تحت السيادة العثمانية(1).
كما قام السيد عبدالله بن عمر بن يحيى العلوي بجمع توقيعات عدة من رؤساء حضرموت ووجهائها مرفوعة إلى والي الحجاز العثماني آنذاك حسيب باشا والشريف محمد بن عون(1) شريف مكة المكرمة وبتنسيق من قبل السيد إسحاق بن عقيل العلوي، داعين السلطنة العثمانية إلى الوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم في حربهم ضد القوى اليافعية(2)، وقد استطاع العلويون إقناع العثمانيين بإرسال حملة عسكرية إلى حضرموت.
وفي شهر رجب سنة 1265هـ/ 1849م وصل مركب شراعي إلى ميناء المكلا قادمًا من بندر الحديدة وعلى متنه كل من الشيخ محسن باحارث آغا أحد حضارم الشام، ورجل آخر اسمه الحاج أحمد وهو من الأتراك، وبصحبتهما رسائل من قبل شريف مكة محمد بن عون والسيد إسحاق بن عقيل العلوي مرسلة للسادة العلويين ولحكام المكلا والشحر، مضمونها طلب السمع والطاعة للسلطان العثماني، فاستقبلهما النقيب محمد بن عبدالحبيب الكسادي حاكم المكلا وأكرمهما أيامًا، ثم توجها إلى الشحر، وكان في استقبالهما حاكم الشحر الأمير علي بن ناجي بن بريك، وقد أبلغ المندوبون كلًا من حكام المكلا والشحر بضرورة الرد على خطاب شريف مكة المكرمة والسيد إسحاق بن عقيل نقيب السادة العلويين في الحجاز، بعدها توجه محسن باحارث وأحمد التركي إلى وادي حضرموت، وكان في استقبالهما نائب السلطان الكثيري عبدالله بن محسن لغياب السلطان غالب إذ كان بالهند، وتم تسليم الخطاب الموجه إليه من قبل الشريف ونقيب السادة، ثم عادا إلى المكلا، ومنها إلى اليمن(1). ويبدو أن إرسال هذين المبعوثين مرتبط بالحملة المزمع إرسالها إلى حضرموت.
ففي أثناء خروج الشريف محمد بن عون إلى الحديدة باليمن سنة 1265هـ/ 1849م كان بصحبته السيد إسحاق بن عقيل، وبعد أن رتب الشريف الأوضاع فيها عاد إلى مكة المكرمة، بينما ظل السيد إسحاق في الحديدة منتظرًا وصول القوة العسكرية التي تم الاتفاق بشأنها، وأصبح على تواصل دائم مع أعيان حضرموت وساداتها، وعندما رأى بأن تجهيز الحملة قد تأخر، خاف أن يؤدي ذلك إلى فشل الحملة، فأرسل من قبله مندوبًا إلى شريف مكة محمد بن عون ووالي الحجاز حسيب باشا يحثهما على سرعة التجهيز، إلا أن الحملة لم تأتِ، عندئذ عاد إلى الحجاز ليباشر بنفسه على الترتيبات العسكرية للحملة(2).
لقد تم تشكيل الحملة، وخرجت من مكة المكرمة بقيادة السيد إسحاق بن عقيل نفسه، فوصلت إلى ميناء الحديدة، ثم تابعت سيرها حتى وصلت ميناء بروم(3) بحضرموت في العام 1266هـ/ 1850م؛ حيث بدأت بالسيطرة على ميناء بروم وتثبيت أقدامها فيه، وتحالفت مع القبائل المحيطة بالبلدة، واستطاعت تجنيد عدد منهم، في حين كانت سفنهم تشن غارات على السفن التجارية القادمة أو المغادرة لميناء المكلا مع قصف الاستحكامات العسكرية للمدينة، وكانت تلك مناورات لصرف الأنظار عن الحملة الكثيرية القادمة برًا من وادي حضرموت؛ لاحتلال الشحر حسب الاتفاق المسبق بينهم(4).
وجه السيد إسحاق رسولًا إلى العلويين وآل كثير في وادي حضرموت يخبرهم بوصول الحملة إلى بروم، ويطلب منهم موافاتهم إليه، فعقد العلويون اجتماعًا لوضع الخطة اللازمة لمساندة الحملة.
“وقد شعر الكسادي حاكم المكلا وبروم بالأخطار المحيطة به وعدم مقدرته على مواجهتها دون مساعدة إخوانه من يافع فاستنجد بآل بن بريك حكام الشحر حيث وحد الطرفان جهودهما وشكلا جبهة يافعية للوقوف في وجه الحملة، حيث قامت القوات اليافعية بمهاجمة القوات المتمركزة في بروم وتمكنت من استعادة المدينة، حيث لعبت الظروف المناخية السيئة في تشتيت القوات البحرية القريبة من ساحل بروم، وذلك بسبب هبوب الرياح القوية وارتفاع الموج، فاضطر السيد إسحاق التوجه بقواته شرقًا إلى مدينة الشحر، ولكنه لم ينجح بسبب اضطراب البحر أيضًا فاضطروا للذهاب إلى شرمة(1)، وقد كان آل بن بريك قد سبقوهم إليها فاشتبك الطرفان ونتج عنه انهزام قوات السيد إسحاق فانسحبوا إلى منطقة قصيعر(2)، وفي أثناء وجودهم بها استطاع إسحاق بن عقيل وعبود بن سالم الكثيري التحالف مع قبائل الحموم التي تسكن المنطقة ووافقوا على المشاركة معهم في مهاجمة الشحر، أما القوات الكثيرية فقد تحركت من داخل حضرموت بكامل عدتها للانضمام إليهم”(3).
تواصل حاكم الشحر علي بن ناجي مع أخيه حاكم المكلا الكسادي من أجل توحيد جهودهما لمواجهة الحملة الموجهة ضدهما، فتحركت القوات الكسادية من المكلا متجهة إلى الشحر فاصطدمت مع القوات الكثيرية المرابطة في مرير(4) ودفيقة؛ حيث حصل التصادم أولًا مع القوات الموجودة في مرير وهزمتها، فانسحبت القوات الكثيرية إلى وادي حضرموت، وقد شجع هذا الانتصار قوات آل ابن بريك للخروج من تحصيناتهم في مدينة الشحر ومهاجمة بقية القوات الكثيرية المتمركزة في دفيقة وألحقت الهزيمة بها، وهكذا فشلت هذه الحملة العسكرية في مهمتها، كما قام التحالف الكسادي – البريكي بتطهير الشواطئ الحضرمية من الوجود الكثيري، مما اضطر قوات إسحاق بن عقيل على رفع الحصار المضروب على مدينة الشحر، وعادت القوات الكثيرية إلى وادي حضرموت بينما عادت السفن العثمانية القادمة من الحجاز بجنودها من حيث أتوا.
وكان لفشل هذه الحملة أسباب نجملها في الآتي:
أولًا: التفكك الذي أصاب التحالف القبلي، الذي كان يدعم آل كثير في حربهم، وانسحاب بعض القبائل من المعارك الدائرة، مثل قبائل سيبان الذين تركوا مواقعهم في مرير وذهابهم إلى دفيقة، وإشاعة الأخبار عن وصول الإمدادت الكسادية لآل بن بريك، مما أضعف المعنويات القتالية لدى هذه القبائل وانسحابها من ساحة المعارك.
ثانيًا: القوات العثمانية القادمة من الحجاز، التي جاءت لمساندة آل كثير، غالبهم لا علم لهم بالمنطقة، ولا طاقة لهم بويلات الحرب. وقد أخذوا مقابل هذه الحرب أموالًا ولكنهم لم يقاتلوا باستبسال؛ كون القضية لا تهمهم بالدرجة الأولى، بقدر ما سيحصلون عليه من أموال.
ثالثًا: سوء التوقيت والتنسيق بين الحملتين العثمانية والكثيرية المشاركة في المعارك، مما أدى إلى وجود خلخلة في صفوف المقاتلين.
رابعًا: الظروف الطبيعية التي أدت دورها في هذه الهزائم؛ كون المهاجمين لم يختاروا التوقيت المناسب لحملتهم، فقد كانت الحملة في فصل الخريف؛ وهو وقت تكون فيه البحار في حالة هيجان، وبالتالي لا تستطيع السفن البقاء على سطح البحر لممارسة دورها الحربي.
خامسًا: التماسك الذي أبدته يافع في مواجهة الخطر الذي يهددها، فضلًا عن وصول إمدادات من قبل أطراف أخرى غير يافعية، مثل آل تميم.
تجدد الحملات العسكرية العثمانية على حضرموت:
في عام 1284هـ/ 1876م بعد فتح قناة السويس بقليل تقدم مائة وخمسون من أعيان حضرموت غالبيتهم من العلويين بالتماس إلى شريف مكة آنذاك عبدالله بن محمد بن عبدالمعين بن عون(1)، وإلى والي الحجاز العثماني معمر باشا من أجل التوسط لوضع حد للصراع والحرب بين القوتين (القعيطية – والكثيرية)، وقد استجابت لهم السلطات في الحجاز فقامت بإرسال إحدى سفنهم الحربية إلى مينائي الشحر والمكلا، وقاموا بإبلاغ أطراف النزاع بأن حضرموت تشكل جزءًا من السيادة العثمانية، ومطلوب منهم مقاومة التدخلات الخارجية على أراضي المسلمين، كما طلبت القوات العثمانية من حاكم الشحر تسليم المدينة لهم كجزء من هدنة عامة(2)، وظلت الاتصالات متواصلة بين أشراف مكة المكرمة وولاة الحجاز العثمانيين وبين سلاطين حضرموت وحكامها ووجهائها من السادة العلويين، وهي في مضمونها إعلان الطاعة للسلطان العثماني، ففي خطاب وجهه السيد عبدالرحمن بن حسين بن سهل عام 1298هـ/ 1881م إلى السلطان العثماني عبدالحميد الثاني (1293- 1327هـ/ 1876- 1909م) شارحًا فيه أحوال بلده حضرموت وظفار، ومبينًا فيه أنه منذ خمسة عشر عامًا وهو في تواصل مع الباب العالي منذ أيام السلطان عبدالعزيز (1277- 1293هـ/ 1861- 1876م)، وأنه قام بالكتابة إلى الشريف عبدالمطلب في فترة لاحقة، وإلى والي مصر إسماعيل باشا شاكيًا فيه حالة بلاده، وأن القوى السياسية المتصارعة في حضرموت قد ألحقت الظلم والأذى بحضرموت وأهلها، واقترح أن تكون حضرموت بكاملها من عين بامعبد غربًا وحتى ظفار شرقًا تابعة لنفوذ الدولة العثمانية(1).
موقف حضرموت في الحرب العالمية الأولى:
تدهورت علاقة الشريف حسين بن علي(2) مع الاتحاديين(3) بعد حرب البلقان عام 1330هـ/ 1912م بسبب المكانة التي اكتسبها الشريف حسين وتأييد الناس له فضلًا عن طموحاته، ولذلك اتجهت رغبة الاتحاديين إلى إلغاء نظام الشرافة(1) في الحجاز للتخلص من هذه القوة العربية التي أصبحت ذات نفوذ كبير(2)، ووقع اختيارهم عام 1332هـ/ 1914م على وهيب باشا؛ ليكون واليًا على الحجاز، وقائدًا عامًا للقوات المرابطة فيه، وطلبوا منه أن يشرف على كافة الشؤون الإدارية والعسكرية والمالية في جميع أرجاء الحجاز، وأن يترك للشريف حسين السلطة الدينية في الحرمين الشريفين(3)، أثارت هذه الإجراءات معارضة من قبل الشريف حسين، وأصبحت العلاقات بين الطرفين أكثر سوءًا مما سبق، وبعد قيام الحرب العالمية الأولى 1332هـ/ 1914م ثار الشريف حسين سنة 1334هـ/ 1916م ضد العثمانيين، وأعلن نفسه ملكًا للعرب، وأصبح يحكم الحجاز بعيدًا عن نفوذ الدولة العثمانية.
وقد اختلفت مواقف الحضارمة تجاه المتحاربين، فالدولة القعيطية التي كانت قد سيطرت على ساحل حضرموت وأجزاء من داخلها اتخذت موقفًا مؤيدًا لبريطانيا بحكم ارتباطها معها بمعاهدات الصداقة والحماية 1299هـ/ 1882م، وسنة 1307هـ/ 1888م، ويعني ذلك أنهم كانوا إلى جانب الشريف حسين بن علي المساند لبريطانيا في الحرب، أما الدولة الكثيرية في وادي حضرموت فقد تعلقت آمالها بالدولة العثمانية التي تربطهم بها علاقات تاريخيه قديمة، واعتقادًا منهم أن هذا الموقف سيجعلهم يحصلون على الدعم العسكري العثماني لمحاربة عدوهم القعيطي والقضاء عليه(1).
تلقى السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف رسالة من القائد العثماني بلحج علي سعيد باشا عام 1333هـ/ 1915م يطلب منه انتزاع اعتراف من سلاطين آل كثير بأنهم تابعون للدولة العثمانية، فاستطاع السيد عبدالرحمن السقاف إقناع السلطان الكثيري منصور بن عبدالله وولي عهده، والقبائل والسادة العلويين بالاعتراف بتبعيتهم للدولة العثمانية وأنهم من رعاياهم، ومذعنون لأحكامها، وأنهم يوالون من والاهم ويعادون من عاداهم، ويتبرؤون من الحماية البريطانية وعدم التعويل عليها(2).
ولعل الشريف حسينًا قد علم بهذا الاعتراف المقدم من أعيان حضرموت ووجهائها وسادتها للدولة العثمانية، وأن السادة العلويين قد أدوا دورًا في إقناع بقية القبائل الأخرى، فأرسل الشريف حسين شيخ السادة العلويين في مكة السيد محمد بن علوي بن أحمد السقاف في بداية عام 1335هـ/ 1916م مندوبًا عنه إلى اليمن، وطلب منه القيام بالدعاية ضد العثمانيين للوقوف إلى جانبه، مستخدمًا نفوذه الروحي؛ كونه حامي الحرم المكي مهبط الوحي، فقام السيد المذكور بإرسال خطاب إلى السلطان منصور بن عبدالله الكثيري، يدعوه فيها إلى القيام بما هو واجب عليهم من النصرة للشريف حسين بن علي، وعدم الانجرار للأراجيف التي يبثها الاتحاديون ضده(3).
مما سبق يتضح لنا أن العلاقة السياسية بين حضرموت والدولة العثمانية تقوم على أساس فرض التبعية والولاء، وجعل حضرموت خاضعة للنفوذ العثماني، ولهذا سعوا إلى تسيير الحملات العسكرية لدعم طرف ضد طرف آخر، خاصة إذا كان أحد الأطراف يدين بالتبعية لمنافستها في المنطقة وهي بريطانيا، فلقد كان الصراع بين الدولتين آنذاك قد انتقل إلى حضرموت، ولهذا جاء انقسام المواقف في أثناء الحرب العالمية الأولى تجاه العثمانيين من جهة والبريطانيين من جهة أخرى.
الخاتمة:
لقد خرج البحث بعدد من النتائج، أهمها:
قائمة المصادر والمراجع
أولًا: الوثائق
1- وثائق عابدين، محافظ الحجاز، 1255هـ – محفظة رقم 267، وثيقة رقم 94 حمراء، مترجمة عن التركية، سر عسكر اليمن.
2 – من وثائق الإرشيف العثماني، تصنيف 1624/ 39 IMMS
3 – من وثائق الإرشيف العثماني، تصنيف 4/ 6. Y. PRk. TKM
4- وثيقة رقم 49 لعام 1334هـ/ 1915م، المركز الوطني للوثائق، حضرموت.
5- وثيقة رقم 59 لعام 1335هـ/ 1916م، المركز الوطني للوثائق، حضرموت.
ثانيًا: المصادر المطبوعة
1- رفعت، إبراهيم: مرآة الحرمين، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 2006م.
2- الزركلي، خير الدين: الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط5، 1980م.
3- أنطونيوس، جورج: يقظة العرب، ترجمة علي الركابي، مطبقة الترقي، دمشق، 1964م.
4- بامطرف، محمد عبدالقادر:
5- باوزير، سعيد عوض، صفحات من التاريخ الحضرمي، المطبعة السلفية، القاهرة، ط1، 1378هـ.
6- جارشلي، إسماعيل حقي: أشراف مكة المكرمة وأمراؤها في العهد العثماني، ترجمة: خليل علي مراد، الدار العربية للموسوعات، ط1، 2003م.
7- جافن ر. ج، عدن تحت الحكم البريطاني 1839- 1967م، ترجمة: محمد محسن العمري، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، ط1، 2013م.
8- عكاشة، محمد عبدالكريم: قيام السلطنة القعيطية والتغلغل الاستعماري في حضرموت 1839- 1918م، دار ابن رشد للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 1985م.
9- اليزيدي، ثابت صالح: الدولة الكثيرية الثانية في حضرموت 1845- 1919م، دار الثقافة العربية بالشارقة ودار جامعة عدن، ط1، 2002م.
10- بن حميد، سالم بن محمد: تاريخ حضرموت المسمى بالعدة المفيدة، تحقيق: عبدالله محمد الحبشي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط1، 2003م.
11- رضوان، نبيل عبد الحي: الدولة العثمانية وغرب الجزيرة العربية بعد افتتاح قناة السويس 1286- 1326هـ/ 1869- 1908م، دار تهامة للنشر، جدة، ط1، 1983م.
12- عماد عبدالعزيز يوسف، الحجاز في العهد العثماني 1876/ 1918، شركة الوراق للنشر، ط1، 2011م.
(1) محمد عبدالقادر بامطرف، في سبيل الحكم، دار حضرموت للدراسات والنشر، حضرموت، ط1، 2008م، ص11.
(2) من أبرز شخصيات آل كثير وهو ينحدر من سلالة السلطان الكثيري الأول علي بن عمر بن جعفر مؤسس الدولة الكثيرية في أوائل القرن التاسع الهجري، وأطلق عليه لقب (أبوطويرق)؛ لأنه طرق أرض حضرموت من ذمار إلى ظفار، سعيد عوض باوزير، صفحات من التاريخ الحضرمي، المطبعة السلفية، القاهرة، ط1، 1378هـ، ص126– 127.
(3) باوزير، صفحات من التاريخ الحضرمي، ص 126– 127.
(4) محمد عبدالكريم عكاشة، قيام السلطنة القعيطية والتغلغل الاستعماري في حضرموت 1839- 1918م، دار ابن رشد للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 1985م، ص33.
(1) يعود التواجد الأول للقبائل اليافعيه القادمة من جبل يافع جنوب اليمن في حضرموت إلى عهد الملك الحميري سيف بن ذي يزن، وكان بداية استقرارهم في منطقة القطن بوادي حضرموت، ومن هذه القبائل نشأت عدة إمارات في حضرموت أشهرها (إمارة آل بن بريك، والإمارة الكسادية). ينظر: محمد عبدالقادر بامطرف، الشهداء السبعة، دار الهمداني للطباعة والنشر، عدن، ط2، 1983م، ص26.
(2) لمعرفة التفاصيل راجع: خالد حسن الجوهي، إمارة آل بن بريك في الشحر 1165- 1283هـ/ 1751-1866م، دار الوفاق للدراسات والنشر، عدن، ط1، 2009م.
[1](3) ولد عمر بن عوض القعيطي بقرية لحروم بوادي عمد بحضرموت من أسرة فقيرة، وبعد وفاة والده انتقلت به أمه إلى مدينة شبام بحضرموت عند أخواله آل القعيطي، هاجر إلى الهند عام 1207هـ/ 1792م حيث كسب شهرة واسعة في جيش ولاية (برودة) ثم في جيش نظام حيدر آباد الدكن، وأصبح رئيس الجالية اليافعية في حيدر آباد وقائدًا للفرقة الحضرمية، وكانت رتبته العسكرية (جمعدار) أي قائد لألفي مقاتل، تمكن من تأسيس الدولة القعيطية في حضرموت، توفي بحيدر آباد عام 1282هـ/ 1865م. ينظر: محمد عبدالقادر بامطرف، الجامع، الهيئة العامة للكتاب، صنعاء، 1998م، ص409.
(4) بامطرف، في سبيل الحكم، ص15.
(1) يعود نسبه إلى السلطان عبدالله بن عمر بن بدر، ولذلك سميت الدولة الكثيرية الثانية بدولة آل عبدالله، تلقى علومه الأولية على يد علماء عصره من السادة العلويين، ثم انخرط في سلك الجندية في شبام، وكانت نشأته دينية عسكريه، سافر إلى الهند سنة 1246هـ/ 1830م، وهناك التحق بالجيش النظامي بحيدر آباد، واستطاع جمع ثروة طائلة استطاع من خلالها إحياء الدولة الكثيرية من جديد.
(2) ينتسب العلويون الحضارمة نسبة إلى علوي بن عبيدالله بن أحمد المهاجر بن عيسى، الذين يُعدون أكبر قبيلة حضرمية عددًا وأوسعها هجرة إلى آسيا وأفريقيا، وجد جميع البيوت العلوية بحضرموت والمهجر هو الشيخ الإمام محمد صاحب مرباط بن علي خالع قسم بن علوي بن محمد بن علوي بن عبيدالله بن أحمد المهاجر المرفوع نسبه إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، ومنذ القرن التاسع الهجري بدأ العلويون هجرتهم إلى الربوع الآسيوية والإفريقية حيث ساهموا مع غيرهم من الحضارمة في نشر الدعوة الإسلامية في شرق أفريقيا وجزر المحيط الهادي والهند وأرخبيل الملايو وإندونيسيا والفلبين. ينظر: محمد عبدالقادر بامطرف، الجامع، الهيئة العامة للكتاب، صنعاء، 1998م، ص383.
(1) هو محمد علي باشا بن إبراهيم آغا، ألباني الأصل، قدم مصر لرد الغزاة الفرنسيين، فشهد حرب أبي قير سنة 1214هـ/ 1799م، وأصبح واليًا لمصر منذ سنة 1220هـ/ 1805م، وفي سنة 1264هـ/ 1847م تنازل عن العرش لابنه إبراهيم باشا. ينظر: خير الدين الزركلي، الأعلام، ط5، 1980م، بيروت، دار العلم للملايين، ج6، ص299.
(2) وثائق عابدين، محافظ الحجاز، 1255هـ – محفظة رقم 267، وثيقة رقم 94 حمراء، مترجمة عن التركية، سر عسكر اليمن.
(2) عكاشة، قيام السلطنة القعيطية، ص41.
(1) الإرشيف العثماني، تصنيف 1624/ 39 IMMS
(1) هو الشريف محمد بن عبدالمعين بن عون بن محسن من أمراء مكة، ولد ونشأ بها، ثم سكن مصر مدة، فسعى له واليها محمد علي باشا لدى الحكومة العثمانية، فعين اميرًا لمكة المكرمة سنة 1243هـ/ 1827م، ثم عزل ثم عاد إليها واستمر بها حتى سنة 1267هـ/ 1851م، ثم عزل فتوجه إلى الإستانة وأقام بها حتى سنة 1272هـ/ 1856م، ثم صدر مرسوم بإعادته إلى إمارة مكة، وفاته المنية سنة 1274هـ/ 1858م. ينظر: الزركلي، الأعلام، ج6، ص247- 248.
(2) سالم بن محمد بن حميد، تاريخ حضرموت، المسمى بالعدة المفيدة، تحقيق: عبدالله محمد الحبشي، مكتبة الارشاد، صنعاء، ط1، 2003م، ج2، ص193- 194.
(1) بن حميد، العدة المفيدة، ج2، ص201- 203.
(2) المرجع نفسه، ج2، ص204.
(3) بروم قرية ساحلية على بحر العرب تقع إلى الغرب من مدينة المكلا، وتبعد عنها بحوالي 28 كم.
(4) بامطرف، في سبيل الحكم، ص26.
(1) ثغر قديم وميناء شهير يقع إلى الشرق من مدينة الشحر.
(2) قصيعر مدينة ساحلية شرقي الشحر على مسافة 45 ميل تقريبًا.
(3) ثابت صالح اليزيدي، الدولة الكثيرية الثانية في حضرموت 1845- 1919م، دار الثقافة العربية، الشارقة، دار جامعة عدن، ط1، 2002م، ص152.
(4) تقع إلى الغرب من مدينة الشحر.
(1) عين الشريف عبدالله أميرًا على مكة المكرمة سنة 1274هـ/ 1858م، وبقي في الإمارة أكثر من 19 سنة، وكان الشريف عبدالله رجلًا عالمًا ولوعًا بالمناظرات العلمية، وكان ذو اطلاع واسع في التفسير والحديث والفقه والأدب، وهو أول شريف يحصل على درجة وزير. ينظر: إسماعيل حقي جارشلي، أشراف مكة المكرمة وأمراؤها في العهد العثماني، ترجمة: خليل علي مراد، الدار العربية للموسوعات، ط1، 2003م، ص224.
(2) ر. جافن، عدن تحت الحكم البريطاني 1839- 1967م، ترجمة: محمد محسن العمري، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، ط1، 2013م، ص198.
(1) الإرشيف العثماني، تصنيف 4/ 6. Y. PRk. TKM
(2) من أشراف ذوي عون العبادلة، وهو حفيد الشريف محمد بن عون وابن الشريف علي باشا المتوفى سنة 1289هـ/ 1872م، وعندما كان الشريف حسين عضوًا في مجلس شورى الدولة بدرجة وزير تم تعيينه أميرًا لمكة المكرمة، وهو في سن السادسة والخمسون، وذهب إلى مكة بعد وفاة الشريف عبدالإله المفاجئة عام 1326هـ/ 1908م. ينظر: جارشلي، أشراف مكة المكرمة وأمراؤها، ص228.
(3) حزب الاتحاد والترقي أو الاتحاديين، نسبة إلى الجمعية السرية التي أسسها هؤلاء الرجال من أجل القضاء على حكم السلطان عبدالحميد الثاني، وقد استلم الاتحاديون السلطة في الدولة العثمانية بعد انقلابهم عام 1326هـ/ 1908م، وطالبوا السلطان عبدالحميد بإعادة العمل بالدستور. وقد نجح الاتحاديون في إعلان الدستور وعزل السلطان عبدالحميد وتكوين مجالس في هذا الشأن. ينظر: جورج أنطونيس، يقظة العرب، ترجمة: علي الركابي، مطبعة الترقي، دمشق، 1946م، ص107- 110، ينظر أيضًا: عماد عبدالعزيز يوسف، الحجاز في العهد العثماني 1876- 1918م، شركة الوراق للنشر، ط1، 2011م، ص147.
(1) هو منصب يتولاه أشراف مكة المكرمة بالوراثة، تمتع في ظله الحجاز بالاستقلال الذاتي، وبخاصة في العصر العثماني الأول 923هـ/ 1517م- 1217هـ/ 1803م، حيث تولى نظام الشرافة منذ تأسيسه سنة 358هـ/ 969م أربع أسر من الأشراف وهم:
1- الموسويون أو بنو موسى 2- السليمانيون 3- الهواشم 4- آل قتادة. ينظر: نبيل عبدالحي رضوان، الدولة العثمانية وغرب الجزيرة العربية بعد افتتاح قناة السويس 1286- 1326هـ/ 1869- 1908م، ط1، تهامة للنشر، جدة 1983م، ص25، ينظر: أيضًا إبراهيم رفت باشا، مرآة الحرمين، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 2006م، ج1، ص345.
(2) عماد عبدالعزيز يوسف، الحجاز في العهد العثماني 1876- 1918، شركة الوراق للنشر، ط1، 2011م، ص160- 161.
(3) المرجع نفسه، ص161.
(1) اليزيدي، الدولة الكثيرية الثانية، ص233.
(2) وثيقة رقم 49 لعام 1334هـ/ 1915م، المركز الوطني للوثائق، حضرموت.
(3) وثيقة رقم 59 لعام 1335هـ/ 1916م، المركز الوطني للوثائق، حضرموت.