دراسات
عمر خميس بامتيرف
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 19 .. ص 53
رابط العدد 19 : اضغط هنا
حوت العنبر
صباح الجمعة 28 / 4 / 2008م حوت العنبر على ساحل روكب طوله 12,50مترًا وعرضه 1,40 متر
حوت العنبر: واسمه المتداول عند عامة الصيادين في حضرموت والمهرة وسقطرى وشبوة وإلى شقرة يسمى (الشوحط), ويُعَـدُّ من الأسماك العظمية الولودة بمولود واحد، ونادرًا ما تلد اثنين، ومكان حيتان العنبر في عمق المحيطات. وفي الوقت الذي يتعرض حوت العنبر للمطاردة من قبل الذين يوهمونا بالرفق بها فإنهم يعبثون بهذه الكائنات؛ فإنَّ عددًا من الحيتان المختلفة عن حوت العنبر موجودةً ونافقة في سواحلنا ميِّتةً بسبب هؤلاء القراصنة بحثًا منهم عن محصول العنبر, فهم لم يتوقفوا عن قتل الحيتان المشابهة لها رغم ما يملكوه من وسائل القنص والكاميرات والأجهزة الحديثة المتطورة.
تعد حيتان العنبر من فصيلة الأسماك العظمية, وغالبًا ما يخزن في أحشائه أو بين فكَّيْهِ مادة العنبر؛ لكونه المحصول الراقي له، وحوت العنبر نوعان: أحدهما: طوله يتجاوز 20 مترًا تقريبًا، وله جسم ضخم يصل وزنه 170 طنًّا تقريبًا، وذيله طويل وعريض، والنوع الثاني: طوله ما بين 12 – 16 مترًا تقريبًا، ووزنه حوالي 100 طنًّا تقريبًا, وهذا النوع الثاني هو المعتاد وجودُه نافقًا في سواحلنا، وذيله قصير وعريض، والنوعان كلاهما زعنفة ظهرهما محدَّبة جدًّا، والفارق بينهما أنَّ الأول له أذنان قصيرتان، والثاني له أذنان أقل قصرًا من الأوَّل.
إنَّ مادة محصول العنبر دهنية شبه قاسية، قريبة من الشمع اللزج، وتطفو على مقربة من سطح الماء، والحوت يتميز بحفظ كتل العنبر في بطنه، وعندما يصاب الحوت فإنَّ لديه القدرة على تحويل مخزون مادة العنبر من بطنه إلى ما بين فكَّيْهِ لفترة طويلة حتى يشفى، وقد يصل وزن الكتلة الواحدة من محصول العنبر حوالي 40 – 75 كيلو جرام تقريبًا, وكثيرًا ما يُفْضِي الحوتُ بالعنبرِ عبر فتحة الشرج، ووزن العنبرِ الواحد حوالي 100جرام، وأحيانًا ما يخرجُ فتاتًا غير مجتمع، ومن صفات هذه الحيتان أنها تعوم (تسبح) على جنبها لمسافات بعيدة، وتتمُّ عملية التزاوج بعد مغازلة طويلة تصل أكثر من عام في المياه متوسطة البرودة، وتنفث حيتان العنبر الهواء بقوة شديدة مصحوبًا بذرات المياه المرتفعة، ولها مشيمة وحوض شبيه بحوض الإنسان والحيوانات الأخرى، وهذه الحيتان يبلغ عرض ظهرها عند أكبرها ثلاثة أمتار تقريبًا، وطولها من (20 – 27 مترًا)، وهذا النوع سبق أن شاهدناه نافقًا في ساحل بحر روكب، وكل أنواع الأسماك والأحياء البحرية لا تقتات من مادة العنبر؛ لأنَّه يقتلها، ما عدا نوعًا من الأحياء البحرية وهو الباحيشي (سرطان البحر) الساحلي الرملي الصخري؛ إذْ تُـعَـدُّ مادة العنبر له غنيمة مفضلة.
، ويقول الدكتور عبد الله فرج باظفاري – رحمه الله – محقِّـقٌ ومراجعٌ علمي لكتابي (بحر العرب وأحواله ساحل حضرموت (أنموذجًا)، بأن حوت العنبر ولود يخرج صغيره من الفتحة الشرجية، بدايته الرأس ونهايته الذيل، وأثناء الولادة يقوم حوت آخر بحراسة الأنثى فترة ولادتها لحمايتها من حوت القرش الأبيض والفيوم القاتل، وعلى المولود أن يرضع بسرعة لوجوده في الماء من خلال قيام أمه بضخ الحليب له لتساعده على الرضاعة السريعة، ومن بعد ذلك يرافق أمه فترة الحضانة (الرضاعة) لمدة سنتين كاملتـين، حتى يكون حوتًا لديه القدرة على الانطلاقة وحده، ويبلغ طول حديث الولادة من شواحط حوت العنبر 7 أمتارٍ تقريبًا، وبعد ولادته يرافـق أمه التي يبلغ طولها ضِعْفَ طول وليدها، وتنتقل به من مواقعها الخاصة بعد خزنها كميات من العنبر التي تقتات محاصيل كبيرة من الأسماك والأحياء البحرية وخاصة في فصل الشتاء, وتنتقل إلى مواقع أخرى عندما تشعر بحدث قادم، مثل: الزلازل، والبراكين، وتغير منسوب المياه، أو نقص في الغذاء وأكثرها باتجاه شرق آسيا.
وللعنبر نكهة خاصة عندما يشمها الجمل؛ إذْ تجعله مرابطًا بجوار العنبر على الساحل الرملي، ويدافع عنه، ويهاجم كل من يصل قربه، ولا يتحرك من مكانه حتى يصل صاحبه، ويسمَّى (بالجمل العنبري)، وهذه من المعجزات التي منَّ بها (الله) على مخلوقاته في البر والبحر، وميَّز الإنسان الذي كرمه بالعقل، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
حوت حدبور ( الحوت الأزرق )
حوت الحدبور نوعان، ويسمى بين عامة الصيادين (سلطان البحر)، وأكبر هذا النوع يأتي لونه أغبر ضاربًا للسواد، وطوله يتجاوز 30 مترًا تقريبًا، وعرضه 5 أمتار تقريبًا، وجسمه ضخم، ووزنه أكثر من 180 طنًّا بما يساوي مساحة جزيرة صغيرة، وينفرد حوت الحدبور (الحوت الأزرق) بشكله فجسمه مجعد ضخم، وله صفان من الدوائر على شكل خرز (حلق) ملوَّنة، تقع تحت الفك السفلي من الفم باتجاه الخياشيم، وله زعنفة ظهرية مرتفعة وعريضة، وأذنان طويلتان ومحدَّبتان، وذيل مفلطح عريض وكبير، وهذا الحوت كثير الظهور في الأعماق المتوسطة، وأحيانًا يصل إلى أماكن قريبة من المناطق الشاطئية ليقتات بالأطنان من كل أنواع الأسماك الصغيرة، وخاصةً عائلة الساردين والبطابط، ويعدُّ حوت الحدبور (ضرغامًا)؛ لكونه يرأس الهرم الغدائي البحري؛ إذْ لا يوجد حيوان قط يتغدى بالمقدار نفسه الذي يحتاجه؛ لكونه أشبه بملك الغابة من حيث المكانة والأهمية التي يحتلها.
في الصورة حوت حدبور (سلطان البحر) ويسمى أيضًا الحوت الأزرق على ساحل روكب بعد أن رمته الأمواج سنة 1979م مشقوق البطن والخياشم، ويبلغ طوله أكثر من 20 مترًا تقريبًا، ويتميز بزعنفة الظهر المرتفعة العريضة، والأذنان عريضتان وطويلتان، والذيل مفلطحة وكبيرة، ويقف على ظهره البحار عبادي عمر بن قرمان الملقب باجول (رحمه الله)
، ولديه القدرة على نفث الهواء بقوة شديدة مصحوبًا بذرات المياه المرتفعة عشرات الأمتار، وأنثى حوت الحدبور معمِّرة أكثر من الذكر، ويبلغ عمرها أكثر من 50 سنة، ويصل طولُ أكبر حوت حديث الولادة من حوت الحدبور حوالي 20 مترًا تقريبًا، ويخروج صغيره عند الولادة بداية بالرأس، ونهايته بالذيل، وأثناء الولادة تقوم أنثى حوت أخرى بحراسة أنثى حوت الدبور فترة ولادتها؛ لحمايتها، وإعطاء المولود فرصة الرضاعة في الماء، وبعد ذلك تحضنه أمه فترة الرضاعة، ومدَّتها سنتان حتى يكون قادرًا على الانطلاقة وحده (مثل حوت العنبر).
وحوت العنبر على ما يصفه البعض بالملك المنَّان، ولي ما أريد قوله وعلى لسان الربان محمد عمر بن قرمان – حفظه الله ورعاه – وعمره قد تجاوز 75 عامًا بأن أجداده كانوا معزِّبين بقاربهم الخشبي (سنبوق) الشراعي في خيصة يلخة بعد ظلومة على صيد أسماك القشار المطلوبة وخاصة سمك الزرية (الصافية) والدقان (الذرة) والشرمط والنفور الخلخل (الهامور), وأحيانًا أسماك الخوضر (الجحش) والشروخ غير المطلوبة حينها, وبعد انتهاء الموسم قرَّروا العودة إلى بلدتهم روكب معتمدين على سواعدهم قبل توافر المكائن، كان ذلك قبل (200) مئتَيْ عامٍ تقريبًا, وعندما وصلوا خيصة ظلومة لغرض تزوُّدهم من الماء إذا بمحصول العنبر يترامى من الحوت النافق المتهالك، ما جعلهم يأخذون كمية العنبر فرحين بها؛ لغرض تقديمها للسلطان القعيطي حاكم المكلا والشحر حينها, وعندما اقتربوا من رأس بروم والسود دخلهم الشك وخاصة عندما زادت رائحة العنبر الكريهة وخشوا من لوم السلطان، الأمر الذي جعلهم يقومون برمي مادة العنبر بعد تجحيب قاربهم في خيصة الخامة بشموسة؛ ليحتفظوا بكمية قليلة جدًا لغرض توزيعها على الناس الذين يعانون من الضعف, وفي صباح اليوم الثاني واصلوا السير حتى رسوا بقاربهم في خيصة صغيرة بعيدًا عن أنظار الناس (بحر المشراف) في المكلا ومن أذية عسكر السلطان المقيم حينها في قصر الكسادي بالبلاد, ومن شدة حرارة الشمس فاحتْ رائحة زكية وتطال مساحة واسعة إلى درجة وصول مجموعة من الصيادين القائمين حينها في شرج باسالم يبحثون عن بقايا العنبر اللاصقة في عرض بطن القارب، وهذا يعني أن محصول العنبر غير مطلوبٍ تجاريًّا، وكانت نوايا الصيادين آل ابن قرمان بأن يقدِّموا محصول العنبر للسلطان تقديرًا له، وأنَّ بإمكانه تسويقه في الهند.
ومادة العنبر له ثلاث روايات (معلومات) في أوصافها حسب ما وصفه الرواة:
1- أجوده نوع العنبر الفاخر الراقي الممتاز رقم ( 1 ) ذو اللون العبق (الأبيض)، من داخله ألوانه ضاربة في الاصفرار مخلوطة بعدة ألوان مشكلة، وعليه طهوة بيضاء شبيهة بلون روث البقر المشمس، وهذا النوع لا يبتلعه الحوت، ويتحصل هذا النوع على شكل فيوج، أو قطع ذات حجم متوسط.
2- أفضله نوع العنبر الجيد رقم ( 2 ) لونه أغبر ضارب في السواد وعليه طهوة خضراء لكونه لم يبق في بطن الحوت إلا فترة قصيرة، وطريقة خروجه من الحـوت إمَّا عبر فِـيْهِ (فمه)، وإمَّا عبر الفتحة الشرجية ليصل إلى البر، ويتحصل عليه على شكل أكوام من قطع بأحجام مختلفة، وبعضها دائرية شبيهة بكرة المضرب أو أقل.
3- أخيره نوع العنبر رقم ( 3 ) لونه أسود قاتم، ابتلعه الحوت منذُ فترة طويلة، ويبقى في بطنه حتى مماته ورائحته كريهة، ويتحصل عليه بكميات كبيرة ممَّا بين فكَّي الحوت، ونادرًا ما يكون في بطنه.
كيفية تكوين محصول العنبر فهو حسب الروايات الواردة أدناه
الرواية الأولى :
أنَّ حيتان العنبر تقتات بكميات كبيرة على أسماك الساردينات، مثل العيدة والمنتوج والشيظي وأسماك صغيرة أخرى مثل البطابط، وأفضل وجباته يعتمد على حبار الأعماق المنقاري والسليط (العملي) قناديل البحر، والروبيان، وأصداف صخرية تصل إلى الأطنان ليتفاعل معها في الأمعاء، وتتجمع هذه الكميات داخل البطن لتكوّن هذه المادة في أحشاء حوت العنبر، وعندما يصاب بمرض تتحول هذه المواد من غذاء خاص إلى محصول راقٍ، تتكون من خلاله ثروة يعتمد عليها، ومن أمعائه تستخرج هذه المادة العطرية الزكية.
الرواية الثانية:
أنَّ مادة العنبر تتكوَّن وسط مناجم في قعر الجبال داخل المحيطات تعصرها البراكين، أو الزلازل لتـنبع منها مادة العنبر، ويقتات منها حوت العنبر، ومن بين هذه الكميات التي تـتأثر بسبب الهزة فإن بعضها يطفو على سطح الماء، وتسير مع التيارات البحرية حتى تصل إلى البر سليمة، ويُعَدُّ هذا النوع (العنبر) رقم (1) لكونه لم يبتلعه الحوت، والكمية التي يبتلعها الحوت في أمعائه تنبعث منها رائحة كريهة، وعندما تجف تصير مادة صلبة تتحول إلى مادة عطرية زكية.
الرواية الثالثة:
أنَّ مادة العنبر تتكوَّن من الأشجار المرجانية الكبيرة المتوافرة في قعر المحيطات، تفرز من لبـِّـها مادة بيضاء مطاطية لزجة، تتجمع حتى يستكمل نضجها فتنفصل، وتسمى (شحم البحر)، وشحم البحر عبارة عن مادة دهنية تنبت من قعر جذور الأشجار المرجانية، وعندما تطفو تتعرض للشمس وتقسو، وتكون مطاطية شبيهة بقوالب الحلوى البيضاء، ويقتات منها حوت العنبر بكميات كبيرة لكونها تتكاثر في فصل الشتاء، ويتفاعل معها، وتتحول في بطنه من شحم إلى مادة العنبر، إلا أن بعضًا من مادة شحم البحر تطفو سليمة على سطح الماء، وتسير مع التيارات البحرية السريعة، وتتجاوز مواقع وجود حوت العنبر حتى تصل إلى البر على شكل قطع أو قوالب، يصل وزن الواحدة منها أكثر من 50 كيلو جرام تقريبًا.
بداية خروج قطع العنبر من خياشيم الحوت على ساحل روكب
بعد أن رمت أمواج البحر حوتَ العنبر متعفِّنًا ومشقوق البطن على ساحل روكب صباح يوم الجمعة 28 أبريل سنة 2008م، ولم يعلم أحد بوجود مخزون العنبر متوافرًا بين فكَّي الحوت إلا بعد عشرين يومًا ظهرت بعض من قطع العنبر الصغيرة تترامى حوله، وكانت من نصيب من رزقهم الله به، وهذه المعلومة أكَّدها لنا كبار السِّنِّ بأن حوت العنبر إذا تعرَّض لأذى يخفي العنبر بين الفكَّيْنِ، ويبلغ طول الحوت 12.50 مترًا (اثني عشر ونصف المتر)، وعرضه 1.40متر، وجسمه أغبر ضارب في السواد، ورأسه مقوَّس ومفلطح، وفي فمه بفكِّه الأسفل 30 زوجًا من الأسنان، والبطن لونها رمادية داكنة، وظهره محدَّب ومرتفع موقع الزعنفة الظهرية ارتفاعًا صغيرًا، والأذنان قصيرتان وصغيرتان، والذيل عريض ومفلطح، وهذا النوع الأكثر حظًّا، ومن صفات هذه الحيتان أنها تعوم على جنبها لمسافات بعيدة.
الباحث يعرض أهم أجزاء (عظام) من مخلفات حوت العنبر
عرض العظمة الفقرية القريبة من عظم الذيل 50سم
عرض حوض الوركين 75سم عرض وسط الحوض 58سم
حوض الحوت
أرتفاعها أحد مفاصل عظام الفقرة الثانية باتجاه الذيل من بعد الفتحة الشرجية 78سم
مفاصل عظام الفقرة الثالثة من بعد الفتحة الشرجية العرض 55سم الارتفاع 70 سم
فوائد مادة العنبر
للعنبر رائحة عطرية جذابة تبقى فترات طويلة وهي أفضل من المسك، ويستخرج منه أفضل العطورات، والأدوية الواقية، وهو علاج لكثير من الأمراض المستعصية، ومن فوائده أنَّه فاتح للشهية، ويقوِّي الجسم وينمِّيه ويعطيه شدة، وأنَّه علاج لأمراض القلب، وللذين يعانون البرود الجنسي، والذين يعانون من الأمراض المزمنة المعاصرة، والاضطرابات النفسية، وآلام الرأس والشقيقة والدماغ، ويُذهب آلام التهابات المفاصل، ويقي من لدغ الثعابين والحشرات، وينظف المعدة، والكبد، والكلى من السموم، ولكن يتطلب الانتباه لطريقة تناوله، وبحذرٍ شديد؛ لكونه يزيد من ضربات القلب، وضيقالتنفس (الربو)، ويضخم الجسم (أورام غير متوقعة محتملة).