باسل عبدالرحمن محمد باعبَّاد
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 19 .. ص 59
رابط العدد 19 : اضغط هنا
مقدمة
بعد أن كانت معرفة الأوروبيين عن حضرموت مقتصرة على ما ورد من معلومات في التوراة وكتب اليونان والرومان وما وصل إليهم من خلال المصادر التاريخية والجغرافية الإسلامية؛ أتى عهد الكشوف الجغرافية ليوسع آفاق المعرفة عنها، إذ رفدت الرحلات البرتغالية والهولندية والدنماركية -بالرغم من وصولها إلى أطراف حضرموت فحسب- الأوروبيين بمعلومات جديدة لم تسبق لهم معرفتها، لكن في القرن التاسع عشر الميلادي الذي شهد نشاطًا مكثَّفًا لقوى الاستعمار الأوروبي أصبح بالإمكان دراسة حضرموت بأفضل مما سبق، فقد تمكن المستكشفون الأوروبيون في نهاية ذلك القرن من الوصول إلى وادي حضرموت بحُرِّيَّةٍ لم تتهيأ للسابقين منهم، وكان من ضمن المناطق التي وصل إليها هؤلاء المستكشفون في ساحل حضرموت: منطقة المشقاص، وهي جزؤه الشرقي، فكتبوا عن هذه المنطقة في تقاريرهم ورحلاتهم، وقد وقف الباحث على أربع كتابات لستَّةٍ من المستكشفين الأوروبيين لحضرموت، عرضوا فيها انطباعاتهم ومشاهداتهم عن المشقاص أرضًا وإنسانًا، وسجَّلوا بعض الكتابات القديمة التي عثروا عليها هناك، ولأن هذه الدراسات لم تكن تاريخية محضة ولا إثنوغرافية محضة، بل غلب عليها أسلوب أدب الرحلات، الذي يضمّن منتهجه معلومات شتى لكن بصورة غير منظمة، ولأنني وجدت فيها ما قد يعزز معرفتنا التاريخية عن المشقاص في القرن التاسع عشر الميلادي؛ فقد ارتأيت تصنيف هذا البحث، وسلكت فيه اتجاهين: الأول استخلاص المادة التاريخية المنثورة في هذه الدراسات الأربع عن المشقاص؛ رغبةً في سد الفجوات والثغرات في تاريخ المشقاص الحديث، أما الاتجاه الثاني فهو رصد أهم الملاحظات الإثنوغرافية التي جاءت في أثناء وصف هؤلاء المستكشفين لرحلاتهم واختلاطهم بسكان المشقاص، وكذلك محاولة الربط بين بعض ما أورده هؤلاء الرحَّالة عن مشقاص القرن التاسع عشر وبين مشقاص القرن الواحد والعشرين. وهؤلاء المستكشفون الذين سيأتي التعريف بكتاباتهم لاحقًا هم:
وتكشف لنا المادة المستخلصة معلوماتٍ قد تكون مجهولةً اليوم، كوصف مدينة قصيعر، والريدة، والديس، وشرمة، ورأس باغشوة، والمصينعة، وتكويناتها المدنية والمعمارية، ووصف حكام المنطقة، وكذلك العادات والتقاليد الأصيلة، بالإضافة إلى إيلائهم الاهتمام لآثار المشقاص التي وقفوا عليها، والتي يأتي في طليعتها حصن (شروان) بمعْبَر المبني منذ زمن غابر، والذي أشار إليه جُلُّ هؤلاء المستكشفين، وكذلك قدَّموا معلومات عن أماكن بعض النقوش القديمة التي قد يؤدي إعادة البحث عنها اليوم في أعماق المشقاص إلى رفد الدراسات التاريخية عن تاريخ المشقاص وحضرموت عمومًا وإثرائها بمعلومات جديدة.
وتتجلَّى أهميةُ هذا البحث في تسليطه الضوء على منطقة المشقاص التي لم يُكتب عنها دراسات مخصصة، وخاصةً في القرن التاسع عشر الميلادي الذي شهد زيارة هؤلاء المستكشفين، ويرى الباحث أن الوقوف على المادة التاريخية في كتابات هؤلاء المستكشفين عن المشقاص سيُسهم في سد بعض الثغرات والفجوات في تاريخ المشقاص، لا سيما أنَّ جُلَّ ما استخلصناه هنا لم تأتِ على ذكره المصادر الحضرمية التي وقفنا عليها.
كما أن من الأهمية بمكان أن يسهم جمع المادة الإثنوغرافية المنثورة في هذه الدراسات في تمكين القراء والباحثين من التعرف إلى المعطيات الإثنوغرافية في المشقاص قبل أكثر من قرن من الزمان، وكذلك ستساعد في إجراء عملية الموازنة مع الثقافة المعاصرة، ورصد المتغيرات الثقافية ومدى تغيرها أو ثباتها على مدار قرنين من الزمان.
وبعد؛ فأخص بالشكر كل من ساعدني في إنجاز هذا البحث، وهم أشقائي الذين قرَّبوا لي مصادر الدراسة في الوقت الذي أنا بعيد فيه عن مكتبتي، وأشكر كذلك الأخ محمد سالم بن حيدر الذي اطَّلعت عبرَه على كتاب ليو هيرش، وكذا الباحثَين خالد سالم الغتنيني وعوض سالم بن حمدين اللذين اطلعت عبرهما على كتاب ثيودور بِنت، كما أشكر الباحث سالم أحمد الكثيري الذي تفضَّل بإرسال النسخة الإنجليزية من تقرير الكابتن هينز إليَّ، بعد أن أوشكت أن أفقد الأمل في الوقوف عليها، كما أشكر الدكتور حسن صالح الغلام العمودي الذي ساندني وساعدني في اختيار العنوان، وسهَّل لي المشاركة بهذا البحث.
وفي الختام لا يفوتني أن أعترف بأن عملي هذا أوَّليٌّ، لا أدعي اكتمال معلوماته ولا دقَّة منهجيته، لكن يكفي أنني ألفت النظر إلى هذه الكتابات التي يجب أن تضاف إلى مصادر تاريخنا المشقاصي والحضرمي الحديث، وأُمهِّد الطريق للدراسات الاختصاصية والمتعمقة في تاريخ هذه الحقبة التاريخية، لتوسيع الرؤية نحو التاريخ الحديث، وعدم الاقتصار على ما تقدمه مصادر التاريخ الحضرمي والوثائق والرواة المعاصرون، هكذا أرى، فإن أصبتُ فمن الله، وإن أخطأتُ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله من جميع ذلك، هو حسبي ونعم الوكيل.
تمهيد
الكتابات الأوروبية عن المشقاص في القرن التاسع عشر الميلادي
يهمنا قبل الشروع في البحث تناول المفهوم الجغرافي لمنطقة المشقاص؛ من أجل تعيين حدود الدراسة، والاطلاع على التعريفات التي تم تداولها عن مفهوم (المشقاص) من قِبَل الباحثين.
لا تزال لفظة (المشقاص) تتداول في المعجم اليومي الدارج في مناطق شتى من حضرموت، آخِذَةً منحًى دلاليًّا جهويًّا يعني (الشَّرق)، وتقابلها (المعْراب) التي تعني (الغرب)، وهي من الألفاظ التي كانت تستخدم في اللغات العربية الجنوبية القديمة، وقد وردت في بعض من نقوشها([1]).
واستعملتها بكثرة مدونات تاريخ حضرموت الوسيط والحديث للدلالة على جغرافية محددة في حضرموت، إذ كثيرًا ما نجدهم يذكرون اسم المشقاص([2])، وريدة المشقاص([3])، وجهة المشقاص([4]).
ويقول علوي بن طاهر الحداد (ت1382هـ) عن تحديد المشقاص إنه يُطلق على ما كان شرقي الشحر، وإنه ينتهي حيث تضيق أطرافه الشرقية بين البحر ومجرى وادي المسيلة([5]).
ويذكر محمد عبدالقادر بامطرف (ت1988م) أن المشقاص تعني عند أهل الشحر المنطقة الساحلية الواقعة إلى الشرق منهم، كالحامي والديس الشرقية وقصيعر والريدة إلى مكانٍ اسمه دُمْخ حساي، كما يشير إلى أن كلمة (المشقاص) تستعملها قبائل أخرى خارج حضرموت، فمثلًا عندما تغزو قبائل الجوف كدهم وعبيدة القبائل الحضرمية الواقعة إلى الشرق من مواطنهم كالصيعر والعوامر والمهرة؛ يقولون إنهم يغزون (المشقاص)([6]).
ويحصر المؤرخ الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه المشقاص في ما بين المنطقة الواقعة بين العيص شرقي الشحر، وبين سيحوت أو حيريج عند مخرج وادي المسيلة([7]).
تتفق كل التعريفات على أن المشقاص تمتد من شرق الشحر إلى وادي المسيلة شرقًا، وفي حِقَبٍ تاريخيةٍ غابرةٍ اتسع التحديد حتى شمل قشن في المهرة([8])، ووصفَ بامخرمة حيريج الواقعة شرق المسيلة بأنها أم المشقاص، وفيها بندرٌ يؤُمُّهُ أهلُ الهند ومقدشوه وحضرموت([9]). مما يدل على أهميتها الكبرى في المشقاص بأسره.
أما التعريف الحالي للمشقاص عند الحضارم فهو ما اشتملت عليه مساحة مديرية الريدة وقصيعر في التقسيم الإداري المعاصر. وبالرغم من أنه لا يتفق مع توصيفات المؤرخين السالفة آراؤهم فإنه صار معتمدًا اليوم بين أهل المشقاص أنفسهم وأصحاب المناطق المجاروة، ونظرًا لأن مديرية الديس الشرقية تضم في تقسيمها الإداري مناطق ذات ثقافة مشقاصية بحتة، وتسكنها القبائل نفسها الموجودة في المشقاص؛ فقد ارتأيت ضمها إلى حدود البحث، أوَّلًا لأن ذلك لا يخالف أقوال الجغرافيين والمؤرخين السابقة، وثانيًا لأن مناطق مديرية الديس ذات خصائص شبيهة بما في المشقاص، حتى مدينة الديس نفسها لا توجد بينها وبين مدن قصيعر والريدة فروقٌ ذات بال، وما وجد من اختلافات لهجية ضئيلة أعتقد أنه لا ينفي (مشقصتها) وارتباطها التاريخي والجغرافي بهذه المنطقة.
2- المستكشفون الأوروبيون وكتاباتهم عن المشقاص:
يرتكز بحثنا على أربع كتابات لستةٍ من المستكشفين الأوروبيين في القرن التاسع عشر الميلادي، وقد كانت كتاباتهم على النحو الآتي:
أ –
ب – وصف لبعض النقوش التي تم العثور عليها في الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية([11])
للبريطانيَّين ج. جي هولتون و ج. سميث (J. G. Hulton and J. Smith)، وهما ضابطان في البحرية الملكية البريطانية، وكانا في ضمن بعثة هينز التي زارت المشقاص وغيره من مناطق جنوب الجزيرة العربية، وقد سجَّلا مشاهداتهما عنه في بحث كتباه بتاريخ 18 فبراير 1837م، وعنْونَاهُ بالعنوان المذكور، ونُشِرَ في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية لبريطانيا العظمى وإيرلندا، في مجلدها الخامس، العدد الأول، عام 1839م. ونقله الدكتور خالد عوض بن مخاشن إلى العربية في مجلة حضرموت الثقافية العدد السادس 2017م.
ويعد بحثهما من الكتابات المبكرة عن المشقاص في أوروبا، إذ نُشِرَ عام 1839م، وقد صِيغَ مقالهما بصيغة سردية، فقد كانا يصفان المناطق التي ينتقلان إليها خلال بحثهما عن بعض النقوش والكتابات القديمة التي سمعا عنها، وأرفقا بالبحث صورًا للكتابات التي عثرا عليها هناك.
ج – رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ومهرة وحضرموت([12]).
للألماني ليو هيرش (Leo Hirsch)، وجاء الكتاب في أعقاب رحلته من برلين إلى عدن في ديسمبر عام 1892م، وفي زمنٍ لاحقٍ قام برحلات إلى المكلا والشحر والمشقاص وقشن، وإلى مدن وادي حضرموت: شبام وسيئون وتريم. ويعد هيرش الأوروبيَّ الأوَّلَ الذي يجتاز وادي حضرموت في أجواء العام 1893م، ونشر كتابه في ما بعد في العام 1897م، وضم كتابه تفاصيل دقيقة، وخاصةً عن منطقة قصيعر التي زارها ووصف حصونها وسدَّتها وبعض ضواحيها بدقة متناهية.
د – جنوبي جزيرة العرب رحلات في البحرين وجنوبي اليمن وعمان وشرقي السودان وسقطرى([13]).
للبريطانيَّين جيمس ثيودور بِنت وزوجته مايبل (James Theodore Bent and Mabel) اللذين زارا حضرموت عامي 1893- 1894م، بعد أشهر من زيارة الألماني ليو هيرش لها عام 1893م؛ لمسح حضرموت بصورة مستقلة، وكانت مايبل بِنت هي المرأةَ الأوروبيَّةَ الأولى التي تسجل انطباعاتها عن حضرموت، وهي التي سجَّلت المشاهدات الإثنوغرافية والملاحظات المعاصرة عن منطقة المشقاص وحياة البدو وأزيائهم وطباعهم وعاداتهم ومعيشتهم في هذا الكتاب.
3 – موجّهات المستكشفين الأوروبيين لزيارة المشقاص والكتابة عنه:
يظهر للباحث أنها تتلخَّص في الآتي:
أولًا: المادة التاريخية في كتابات المستكشفين الأوروبيين عن المشقاص في القرن التاسع عشر الميلادي:
تورد المصادر التاريخية والوثائق والمدونات الحضرمية في القرن التاسع عشر مادةً لا بأس بها عن الحياة السياسية في المشقاص، وبالرغم من ذلك ما تزال ثمة فجوات تعترض الباحث فيها، وخصوصًا في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي لا تلقي لها المصادر بالًا إلا ما ذُكِرَ عرضًا، فهاجس الاهتمام بالحدث السياسي عند مؤرخينا كان يطغى على اهتمامهم بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، لذلك يضطر الباحث إلى البحث عن مصادر بديلة يجد فيها بعض بغيته كالشِّعر والأدب والمصادر الشفهية، أمَّا المدونات الأوربية عن المشقاص في القرن التاسع عشر فإننا نعتقد أنها تشكل مصدرًا رديفًا لتكميل بعض ما اعتور المعلومات الحضرمية من نقص وقصور في تلك الحقبة الزمنية، وهذه المدونات التي يختلف طابعها بين تقاريرٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ كما نجد عند هينز، وتوثيقٍ للنقوش كما عند هولتون وسميث، وأدبِ رحلاتٍ كما نجد عند ليو هيرش والزوجَيْن بِنت.
هذه الكتابات الأربع حاولنا جاهدين استخلاص ما فيها من معلومات متعلقة بالمادة التاريخية في المشقاص آنذاك، رغم أن كتَبَتَها لم يسموها بالبحوث التاريخية، بل كانت تقاريرَ عما يرونه أمامهم، فهي تكتسب الآن أهميتها البالغة؛ لحديثها عن المشقاص وذكرها لتفاصيل وشخصيات أغفلتها المصادر الحضرمية.
وينصب عملي في هذا البحث على استخلاص كل ما له علاقة بالتاريخ المشقاصي في القرن التاسع عشر الميلادي، وترتيبه في سياق تاريخي متَّسق، وقد عمدت إلى إفراد مادة هؤلاء المستكشفين، وعدم شَوبِها بمادة مستخلصة من المصادر الحضرمية، فعملي هنا هو استخلاص المادة التاريخية، وليس كتابة بحث تاريخي عن المشقاص في تلك المدة.
وكما هو واضح من عنوان الدراسة؛ استخلصت كل ما أمكن من مادة تاريخية عن المشقاص، فالبحث ليس خاصًّا بتاريخ القرن التاسع عشر، بل جعلته معنيًّا بكل ما أوردته هذه الكتابات التي كُتبت في القرن التاسع عشر عن تاريخ المشقاص، وتناولت ذكر المعالم الجغرافية التي ذكرت هناك، والمعلومات التي تناولت المعالم الأثرية في المشقاص والتي يعود بعضها إلى ما قبل ألف عام، وهذه المعلومات لا شك ستفيد الدارسين الأثريين لآثار المشقاص في المستقبل.
سنتعرض هنا لجانب الوصف الجغرافي لمناطق المشقاص المذكورة في الكتابات الأوروبية في القرن التاسع عشر، أما المعلومات عن أوضاعها السياسية فستأتي لاحقًا.
الديس: يسجل تقرير هينز أن في ثلاثينيات القرن التاسع عشر كان يسكن الديس 1000 شخص تقريبًا، وتوجد بها بعض الينابيع الحارة، وعلى بُعد 4 أميال تقع (ضبُه) التي تحيط بها مزارع النخيل، وتقع إلى الشرق منه قرية ورأس شرمة، وكذلك خُلفه والقَرْن، ووصف هينز أنها كانت مدينة مسوَّرة حينئذ (Walled town)([16]).
وورد في وصف مرافقي هينز ج. جي هولتون وج. سميث أن الديس بلدة بدوية تقع على مسافة ساعات من رأس شرمة، وحين نزولهم في شرمة سمعوا من السكان المحليين الذين صادفوهم هناك أنها منطقة كثيرة السكان، وذات أرض خصبة تتنتج مختلف أنواع الخضار والفواكه، ووصفوا لهم مباني قديمة على كتابات لا يعرفون قراءتها، وهو الأمر الذي شجعهما للوقوف على تلك المباني بأنفسهم([17]).
أما الرحالة الألماني ليو هيرش فيبدو من خلال سياق قصة رحلته أنه لم يزر الديس لكنه عند مروره بالسفينة لمح ميناءها القرن ورست سفينتهم في شرمة([18]).
وأما الرحالة جيمس ثيودور بِنت وزوجته مايبل فقد سلكا ورفاقهما في 11 مارس من عام 1894م البر من الحامي إلى الديس، التي وصفت أنها تبعد عن الحامي 15 ميلًا([19])، ولم يلفتهم في الديس الكثير خلاف واحة نضرة يغذيها بالماء غيل، وتصف مايبل بنت هذه الرحلة بأنها “محاولة عقيمة طويلة” لم يشجع عليها سوى إصرار بعلها جيمس ثيودور على قراءة نقش في أحد التقارير، والمنطقة مأهولة بالسكان، وهي مزدهرة جدًّا، وتوجد حولها مجموعة من الحصون القديمة، لعلها وفرت في رأي مايبل حماية للسكان([20]).
وساروا إلى صخرة يخرج منها (القار) أو الإسفلت([21]) بعد قرية تسمى (الغيضة) وهي قريبة من يضغط التي يقطنها بيت نمور، وهذا الغار يعرف باسم (غار الكِيْل) أي الإسفلت، لكنه منذ عقود كما سمعت لم يعد يخرج الكِيل من باطنه.
القرن: ذكرها هينز باسم (El Gharm)، والصحيح القرن، وأشار إلى أنها قرية صيد صغيرة، وعلى بعد ميلين تقع الديس([22])، ويذكر هيرش أنهم حين مروا بحذاء منطقة القرن رأوا من البحر حصنًا كبيرًا تحيط به بعض المنازل([23]).
شرمة: يصف هينز شرمة بالقرية الصغيرة([24])، ويذكر هولتون وسميث أن في شرمة بقايا قلعة وبلدة صغيرة قرب الرأس لكنها منهارة، ويوجد هناك بقايا صهريجين لخزن المياه، شبيهة بالصهاريج الموجودة في حصن الغراب([25]).
ويصف ليو هيرش رأس شرمة بالرأس الجبلي المتوغل في البحر([26])، ورسا الصنبوق الذي يركبه هيرش في شرمة التي ذُكر له أنها تسمى: (بندر شرما)، وأدرك هيرش أن صفة البندر لا تعطي دلالة حقيقية لهذا الموقع الذي نزلوا فيه، إذ لا وجود لمدينة هناك، ما عدا مسجدًا صغيرًا يقع على مرتفع هناك هو مسجد المحضار([27])، وفي شرمة تقع كهوف صغيرة تتخذ لاحتماء الأغنام والماعز عند سوء حال الطقس، وثمة صخور تتخللها طبقات سميكة من الطين الأبيض المشوي، قيل لهيرش إنه يتم تصديره إلى الهند، وعلى الساحل يتم تجفيف أسماك كبيرة تنبعث منها رائحة كريهة جدًّا([28]). وهذا ما يطلق عليه اللخم، وسيأتي تناوله في موضعه لاحقًا.
المعيملة وحمم والعليدمة: ذكر هولتون وسميث أن في المعيملة قلعة تسمى حصن المعيملة، لكنها منهارة، وارتحلوا من المعيملة إلى منطقة تسمى (حمم)، ثم إلى جبل العليدمة، إذ أُخْبِرُوا بوجود نقوش هناك، وعلى ارتفاع حوالي 200 قدم وجدوا كهفًا فسيحًا تنتشر على جدرانه كتابات كتب أغلبها باللون الأحمر وبعضها باللون الأسود، ورغم أن بعضها تأثر بعوامل الزمن، لكن بعضها لا يزال صامدًا([29]).
ووصف هولتون وسميث الأرض المحيطة بمنطقة حمم بالقاحلة ذات الجبال الجرداء، ولكن عند دخول هذه الأودية تظهر المناظر الخلابة الخضرة، حيث تنتشر مزارع النخيل، وتوجد أراضٍ مزروعة بالبصل والثوم والبطاطا الحلوة، وأنواع مختلفة من فواكه البطيخ والتوت، بالإضافة إلى النبق (المسمى محليًّا العلب) وأشجار النارجيل الموجودة بكثرة هناك([30]).
وذكر هينز أن جبل حمم (Jebel Hamum) هو تل عُثر بالقرب منه على بعض النقوش القديمة وُصِفَت بأنها تحمل الطابع نفسه الخاص بنقوش منطقة حصن الغراب، وتوجد عدة من ينابيع الماء وزراعة كبيرة، وإلى الشرق على مسافة بعيدة يقع جبل عسد ( (Jebel Asad (كتبها هينز كذلك Mount Lion) الذي يمتد إلى الشمال الشرقي تجاه رأس فرتك([31]).
رأس باغشوة: يذكر هينز رأس باغشوة وهي صخرة ارتفاعها 300 قدم، وتوجد قرية تحمل الاسم نفسه، وعلى بعد حوالي 4 أميال غربًا يقع موضع أسماه هينز (ضفغن Dhafghan)([32])، والأرجح أنه يقصد (ضرغم) الواقع بين منطقتي يثمون ورأس باغشوة، أما هيرش فقد أشار إلى أن رأس باغشوة مصطبة صخرية ذات ارتفاع متوسط تكاد تكون ممزقة بأخاديد عميقة عمودية([33]).
قصيعر: يصف هينز قصيعر بأنها منطقة تلي الرمال المنتشرة على الساحل التي تقود إلى رأس قصيعر، وباتجاه ميل واحد إلى الشمال تأتي مدينة صغيرة أو قرية([34])، وهي تضم عدة من مبانٍ صخرية معظمها أكواخ، ويقارب عدد سكانها 300 نسمة من الحموم بيت علي وبيت غراب([35])، وهذا خلا من يسكنها من سكان من قبائل ومشايخ وفئات اجتماعية أخرى يبدو أن هينز كان يعني بعضهم أو كلهم بوصف السكان الأصليين: “ويمتلك السكان الأصليون عددًا من القوارب، ومع وفرة أسماك القرش التي يصطادونها تصدَّر ذيول القرش وزعانفه إلى السوق الصينية عبر مسقط وبومباي، وتجلب أسعارًا جيدة”([36]). وذكر هينز أنه على نحو ميل في جهة الشمال الغربي لقصيعر يوجد حصن ومزارع نخيل، وعلى بعد ميلين ونصف من الاتجاه نفسه توجد قرية القرين([37]). والملاحظ وصفه للقرين بالقرية، ولعله يقصد القرية التي سميت (المخرج) نسبة إلى مخرج السيول هناك، والتي هُجِرَت منذ عشرات السنين، وما تزال بيوتها قائمة حتى الآن، أما القرين فهو قشار (صخور بحرية) شبيه بالقرن، وتوجد أكثر من قرية في حضرموت تسمى القرين.
وعندما زارها ليو هيرش في 1893م وصف أنها تتبع القعيطي وحاكمها الشاب ناصر بن عمر بن عوض القعيطي([38])، وقد وصف هيرش أن سفينتهم رست على الجانب الأيسر لما أسماه هيرش (شبه جزيرة صغيرة)، يقصد قشار الحَيْق، وعلى الجانب الأيمن خليج لا يبعد عنه حصن الحاكم سوى مسافة قصيرة، وإلى هذا الخليج انتقل السنبوق لاحقًا([39]). والخليج المذكور هو ما يُعرف باسم (خيصة المسجد).
أمَّا ثيودور بنت وزوجته مايبل فقد قَدِما إلى قصيعر عام 1894م تحت حماية المقدَّم ابن حبريش الموصوف في الكتاب بلقب (سلطان الحموم)، وكان حاكم قصيعر آنذاك رجلًا مسنًّا ونحيلًا ملتحيًا، شبَّهته مايبل بالدون كيخوته. وقد حَظِيَ بِنت ورفاقه بحفاوة عالية، بُرهِنَ عليها بإطلاق أعيرة النار، واستقبالهم في أعلى قلعة الحاكم، وهي المسماة في قصيعر بحصن القائم نسبةً للقائم أي الحاكم، ونصبوا لهم خيمة على السطح. وعند حلول المساء ذهبوا إلى الشاطئ، وطافوا بالمدينة، وقد لاحظوا أن المدينة تتموضع على نقطة صغيرة، وتبدو للناظر من الغرب أنها ذات أربع زوايا ومحاطة تمامًا بسور يوحي مظهره مع الأبراج والقلاع بالهيبة، لكن الحقيقة التي أدهشت المستكشفين أن الجانب البحري مكشوف ولا يوجد به سور، ما عدا أربعة أبراج متباعدة عن بعضها([40])، وهذه الأبراج تسمى في قصيعر (النوب)، ومفردها (نَوبة) بفتح النون، وتعني مدة الحراسة، وينبغي ملاحظة أن هذا الاسم لم يُذكر في الكتاب.
وقد ورد عند مايبل بنت كذلك وصف ميناء قصيعر بأنه “زاوية منعزلة حيث تأوي القوارب خلف حاجز للأمواج صغير ومنخفض وطبيعي من البازلت”([41]).
المنازح: يصف هينز المنازح بأنها في الشمال الغربي لقصيعر، ويوجد بها حصن ومزارع نخيل([42]). ويذكر هيرش أنَّها من الأراضي المزروعة، ويحمي زرعها (كوت)([43]). ويبدو أن الحصن المذكور عند هيرش هو نفسه الذي أشار إليه هينز من قبل سيطرة القعيطي، وكان الحصن قائمًا حتى وقت قريب، وهناك ما يمكن ملاحظته وهو أن هيرش أشار إلى أن مزارع المنازح فيها نباتات متعددة، ولم يصفها فقط بمزارع النخيل كما قال هينز.
وتنتج مزارع المنازح أنواعًا مهمةً من الخضار كالدجّر والباذنجان المسمى محليًّا كما كتب هيرش: ينذال (تُنطق في قصيعر: ينظال، ولعله كتب الظاء ذالًا)، والباميا والحلبة والغلفق والقرع والبطاطا الحلوة وغيرها، ووصف القِطَع المملوكة من أراضي المنازح بأنها صغيرة المساحة لكنها كثيفة الزرع؛ بسبب توافر الماء بكميات كبيرة تستخرج من الآبار بوساطة الثيران، وتسكب الدلاء الممتلئة بالماء في أحواض، ويجري الماء عبر قنوات ليتجمع في بركة تمثل مركز مزارع كل الملَّاك([44]).
مهينم: ذكر هيرش أنها من الأراضي المزروعة حول قصيعر، وتقوم عندها أشجار النخيل([45]).
معبر: ذكر هيرش أنها على بُعد بضع ساعات شمال قصيعر، وبها مزارع غنية بالنخيل وحصن وآبار مشيدة من عهد (الكفَّار)([46]).
الرحبة: ذكر هيرش أنه على بعد ساعات من قصيعر توجد (أرض رحبة)، وبها موضع يسمى (فويشلة)، رُوِيَ له أن بهذا الموضع حجرًا كبيرًا عليه كتابات مسيحية([47]).
سرار: أشار هيرش إلى أنه اطلع في الخريطة على منطقة سرار([48])، وتصف مايبل بنت أنهم مروا في طريقهم على قرية سرار، ووصفت أن منازلها حينذاك لاتتعدى ثلاثة بيوت كبيرة من الطين، وعدد لا بأس به من أكواخ البامبو([49]).
الريدة: يصف هينز الريدة بأنها مدينة صغيرة يقطنها حوالي 700 من السكان على الساحل البحري، وهي محل إقامة السلطان علي بن عبدالله المنحدر من إحدى العوائل الحاكمة في جنوب الجزيرة العربية، والشيخ الحالي هو رجل يبلغ حوالي الخمسين من العمر، يتمتع باحترام كبير، ويرأس الأرض الممتدة من رأس باغشوة إلى المصينعة، على امتداد يقارب 35 ميلًا على شاطئ البحر([50]).
أما ثيودور ومايبل بنت فقد توجَّهوا بعد قصيعر صوب الريدة صحبة (سلطان الحموم) ابن حبريش، الذي كان يحميهم، وبدونه -كما تقول مايبل بنت- “لن نكون في مأمن في ما وراء قصيعر”. ووصفوا الريدة بأنها “قرية صيد كبيرة”([51]).
وفي سبيل بحثهم عن النقوش شدوا الرحال نحو الشرق حيث توقفوا في قرية رخميت، وكانوا يأملون العثور على نقوش جديدة تم وصفها لهم، وأحدها كان على الطريق إلى (المصينعة)، والنقش الآخر كان في كهف قريب من المصينعة، وخيَّموا هناك، بعد مشاورات مع زعيم الحموم المسن، وبعد المبيت سيتجهون صباح الغد إلى المصينعة، ولكن عدلوا عن فكرة زيارة الكهف حينما علموا أنه يبعد عشرين ميلًا عن المصينعة، ولا توجد مياه هناك، فقرروا العودة في اليوم التالي إلى قصيعر في حال تمكنهم من العثور على قارب يأخذهم من الريدة إلى قصيعر، ثم آبوا إلى الريدة، واستضافهم سيدٌ مسنٌّ لم يذكروا اسمه، يبدو أنه كان من أعيان الريدة حينذاك([52]).
وعند العودة من الريدة إلى قصيعر برًّا بطبيعة الحال، وعندما اجتازوا بئرًا في الطريق إلى سرار؛ طلب من مايبل أن تنفصل عن فريقها لتفسح فرصة لنساء تلك القرية لمشاهدتها، وعندما كان حصان مايبل يتبختر بين النساء، صرخن النساء بقولهن (شلُّوه) [بالإنجليزي shilloh] مما أجفل الحصان وجعله يركض بقوة، وهذه الكلمة قيلت في هذا السياق بمعنى: خذوه وأبعدوه، ربما لأن النساء تخوفن من هذا الحيوان العظيم والغريب، رغم أن صرخات الابتهاج توالت لاحقًا، الأمر الذي جعل مايبل تقول: “أتجرأ على القول بأن هؤلاء النساء لم يرين حصانًا أبدًا”([53]). وقد كانت الأحصنة قليلة في ذلك الوقت، وعُدِمَت في مناطق المشقاص حاليًّا.
المصينعة: يتحدث هينز عن وجود مبانٍ قديمة متهدِّمة على ساحل المصينعة، ونبع من المياه العذبة، وانتشار للمستنقعات وأشجار المنغروف، ووقف هينز على بقايا بلدة أثرية هناك، قيل إنه عُثِرَ فيها على بعض العملات المعدنية القديمة ولقًى أثرية من بينها زوج من المقاييس (ميزان)([54]).
ويذكر هولتون وسميث قدومهما إلى المصينعة، ودراستهما آثار حصنها الواقع على رابية صغيرة بالقرب من ساحلها، وعثورهما هناك على بقايا زجاجية ونحاسية دلت على قدم المنطقة([55]). ويذكر هيرش أنهم رسوا في البحر على مقربة من موضع (مسينات) أي المصينعة، وهي قرية ساحلية غير ذات بال، بحسب وصفه([56]).
شخاوي ومعوك: يقول هينز إن مجموعة من الضباط تتكون من الملازم ساندرز والدكتور هولتون والسيد سميث غادروا السفينة بالينوروس وتوجهوا 10 أميال نحو وادي شخاوي على بُعد 3 أميال من قرية مايوكي، حيث اكتشفوا بعض النقوش الموجودة في حصن غراب، ويقال إن الوادي خصب ويحتوي على قرى عديدة، ويمكن تمييز وادي شخاوي بسهولة بوجود فجوة ملحوظة في الجبال التي تشملها([57]).
ذكر هولتون وسميث في تقريرهما ذلك أنهما تحركا مع الضابط سانديرز (Lieutenant Sanders) تحت حماية عدد قليل من البدو المنتمين لقبيلة (المناهيل) بعد موافقة الكابتن هينز لنسخ بعض النقوش، ووصلوا إلى نخل (معوك) -وردت بحسب النطق الأوروبي (ميوك)، وأثبتها المترجم كذلك، والصحيح معوك- وهي بستان صغير من النخيل يقع في سفح سلسلة من الجبال الشاهقة إلى الشرق من وادي شخاوي، وعند صعودهم إلى ارتفاع 1500 قدم وصلوا إلى كهف واسع رُسمت على بعض جدرانه نقوش باللون الأحمر شبيهة بتلك التي عثروا عليها في وادي حمم، ووجدوا هناك صهريجًا لحفظ الماء كان يظن مخبروهم أنه بئر([58]).
ووردت إشارة في كتاب ثيودور ومايبل بنت أنهم سمعوا بأن وادي شخاوي (Shekhavi) يمثل نهاية وادي (مسيلة)([59]).
سنعرض هنا لذكر ووصف أهم الآثار المشقاصية التي وقف عليها الأوروبيون في القرن التاسع عشر الميلادي، وليلاحظ القارئ أن ثمة آثارًا أخرى سواء في الساحل المشقاصي أم الوديان الداخلية لم يكتب عنها هؤلاء؛ لعدم وصولهم إليها أو لعدم سماعهم بها.
قام البريطانيون -بحسب مقال هولتون وسميث- بزيارة القلعة الموجودة في معبر، ولم يطلقوا عليها اسم حصن شروان أو حصن الكافر، بل سموها بـ(حصن معبر)، ووصفوه بالقوي، وأنه مبني من الحجارة والطين، ولا توجد به فتحات للمدافع وإنما فتحات لبنادق البوفتيلة بحسب ما نقله هولتون وسميث، وتصميم الحصن دفاعي، وتم بناؤه على موقع مثير جدًّا، إذ ينتصب على ربوة عند التقاء ثلاثة أودية، ويقال إن الحصن بني لحماية طريق التجارة إلى حضرموت([60]).
وذكر هيرش أن في معبر حصنًا شيَّده (الكفار)([61])، أما الزوجان بنت ومرافقيهم فقد ساروا نحو وادٍ يبعد عن مكان انطلاقتهم في قصيعر ستة أميال، أسمته مايبل اسم: (وادي شروان)؛ رغبةً في رؤية آثار عند قرية معبر، حيث يجري جدول من الماء، وتقع الآثار عند مدخل وادي شروان، “وتتألف من حصن كبير مستدير عند أحد الأطراف بقطر أربعين قدمًا مبني على أحجار مستديرة وبالية بسبب الماء محددة ضمن مِلاط قوي جدًّا”([62]). وليُلاحَظ أننا لا نعرف (وادي شروان) في يومنا هذا بهذا الاسم، بل نسميه وادي معبر، أما شروان فنطلقه على الحصن. وجاءت في حديث بنت عن معبر إشارة إلى الكفار الذين حكموا معبر في وقت سحيق، وكانوا يربطون جيادهم في أسفل صخرة كبيرة تقع تحتها قرية معبر([63]).
في (مقرة) الواقعة بين الحامي والديس الشرقية، كان يوجد حصن مدمر، وفي خلفة توجد بيوت مدمرة، وفي منطقة حمم يوجد جبل فيه نقوش تم نقلها ونشرها من قبل بعثة هينز، ولاحظ أنها تحمل طابع النقوش الموجودة في منطقة حصن الغراب نفسه، ويوجد حصن لحسين الكثيري بين الريدة وقصيعر في 1836م، وفي المصينعة حطام حصن قديم، وقيل إنه تم جمع عملات معدنية وغيرها من الأشياء بالمكان نفسه، ومن بينها زوج من المقاييس (ميزان)([64]).
واكتشف الضابط ساندرز والدكتور هولتون والسيد سميث نحو وادي معوك الواقع إلى الشرق من وادي شخاوي بعضَ النقوش المخطوطة باللون الأحمر كتلك الموجودة في حمم، وبدت لهم شبيهة بتلك التي سبق أن لاحظوها في حصن غراب، كما وقفوا على صهريج لحفظ الماء أسفل الكهف([65])، وتأكد لنا أن بعض الكتابات من الثمودية وبعضها من المسند.
وتم في أثناء الرحلة الاستكشافية التي قام بها هولتون وسميث في ضمن بعثة هينز العثور على بقايا صهريجين لخزن المياه في شرمة، وبقايا قلعة قديمة، كما تم الوقوف على حصن في منطقة (المعيملة)، ورجح هولتون وسميث أنه لم يكن منيعًا قادرًا تمامًا على الصمود، وهو منهار تمامًا حين زيارته، وفي (العليدمة) جوار وادي (حمم) وجدا في أحد الكهوف كتابات بعضها باللون الأحمر وبعضها باللون الأسود، أغلبها تتشابه حروفها مع النقوش المألوفة لديهما في حصن الغراب، ولكن بعض تلك الأحرف كانت غريبة، ولأنهما لمحا أن هذه النقوش متشابهة مع النقوش الحبشية؛ دفعهما هذا لوضع احتمال أن تكون هذه الكتابات والقلاع مثل حصن الغراب ربما وضعها الأحباش عند احتلال اليمن، ولكنهما تركا ذلك للمتخصصين، وقد دفعهما التشابه بين قبيلة بيت غراب في هذه المناطق وحصن الغراب لسؤال أحد بيت غراب الذي أفادهم أن قبيلته قدمت من حصن غراب([66]).
وقاما بالوقوف على آثار المصينعة كذلك، فقد وقفا على حصن المصينعة الواقع قرب الساحل على رابية صغيرة، غير أنه لم يبقَ من آثاره غير الأساس الذي شيِّد من أحجار منحوتة ألصقت بالطين، ويبدو أن الحصن بُنِي للدفاع عن قرية كانت قائمة هنا، تنبئ بوجودها التربة اللينة السوداء وقطع الزجاج والنحاس المتناثرة هناك، وفي وادي (معوك)([67]) في سفح جبال شخاوي، وجدا نقوشًا باللون الأحمر وصهريجًا لخزن المياه([68]).
ورُوِيَ لهيرش أن هناك نقشًا في موقع (الفويشلة) في الرحبة، على حجر يبلغ طوله قرابة ثمانية أقدام، عليه كتابات بحروف أوروبية، ولم يستطع هيرش التأكد من حقيقة وجوده، وهل كان كاتبوه أوروبيين أم حميريين؟([69]).
([1]) بيستون وآخرون: المعجم السبئي (بالإنجليزية والفرنسية والعربية)، منشورات جامعة صنعاء (ج. ع. ي)، دار منشورات بيترز لوفان الجديدة، مكتبة لبنان، بيروت، 1982م، مادة (cRB1)، ص18. وذكرت لفظتا (معرب) و(معربي) بمعنى جهة الغرب أو المغرب في بعض النقوش السبئية. ويذكر الأستاذ عبدالرحمن الملاحي عن عالم النقوش محمد عبدالقادر بافقيه أنَّ لفظة (المشقاص) قليلة الاستعمال في النقوش، وترد فيها بمعنى جهة المشرق، وتقابلها لفظة (المعراب) وتعني جهة المغرب. ينظر: القائم عبدالله عوض مخارش وأضواء على وثائق من الأرشيف الإداري للسلطنة القعيطية، تأليف: عبدالله سعيد الجعيدي، وعبدالله أحمد باصميدي، ط1، 2011م، ص7- 8، مقدمة الملاحي، وينظر: الملاحي، الدلالات الاجتماعية واللغوية والثقافية لمهرجانات ختان صبيان قبائل المشقاص ثعين والحموم، (طبعة حجرية)، ص9.
([2]) شنبل: تاريخ حضرموت المسمى تاريخ شنبل، تحقيق: عبدالله الحبشي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط3، 2007م، ص94، والطيب بافقيه، محمد بن عمر: تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر، تحقيق: عبدالله الحبشي، مكتبة الارشاد صنعاء، ط1، 1999م، ص158.
([3]) شنبل: المصدر السابق: ص123، 193، والطيب بافقيه: مصدر سابق، ص14، 223، 305.
([5]) الحداد، علوي بن طاهر: الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها، تريم للدراسات والنشر، مصوَّرة عن طبعة سنغفورة، 1359ه- 1940م، ط1، ص107.
([6]) بامطرف، محمد عبدالقادر: ملاحظات على ما ذكره الهمداني عن جغرافية حضرموت، دار الهمداني للطباعة والنشر- عدن، الطبعة الأولى 1984م، ص20.
([7]) بافقيه، محمد عبدالقادر: آثار المشقاص ومكانها من ساحل حضرموت، نشرة الساعية الصادرة عن لجنة إحياء التراث البحري والشعبي بالحامي، العدد(4)، 1994م، ص3.
([8]) شنبل: التاريخ ص265، وفيه: “اقتتلوا مهرة بقشن المشقاص”، والطيب بافقيه: مصدر سابق، ص320، 321 عن أحداث عام 952ه، وتحدث عن تجهيز السلطان بدر أبي طويرق الكثيري لحرب المشقاص، وتقدمه إلى الريدة، مختتمًا بالقول: “وكان دخول بدر بالعسكر قشن يوم الأحد وثمان في شوَّال”. ومنه يفهم أن المؤرخ بافقيه يقصد بالمشقاص منطقةً تشمل الريدة حتى قشن.
([9]) بامخرمة، الطيب بن عبدالله: النسبة إلى المواضع والبلدان، مركز الوثائق والبحوث- أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، ط1، 1424هـ- 2004م، ص235.
([10]) Haines, S. B, Memoir, to Accompany a Chart of the South Coast of Arabia from the Entrance of the Red Sea to Misenát, in 50° 43′ 25″ E, The Journal of the Royal Geographical Society of London, Vol. 9 (1839), pp. 125- 156.
([11]) هولتون ج. جي، سميث، ج: وصف لبعض النقوش التي تم العثور عليها في الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، تعريب: د. خالد عوض بن مخاشن، مجلة حضرموت الثقافية، السنة الثانية، العدد (6)، ربيع الأول 1439هـ/ ديسمبر 2017م، (32- 35).
([12]) هيرش، ليو: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ومهرة وحضرموت، ترجمة: عبدالكريم الجلاصي، منشورات القاسمي، الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 2018م.
([13])بنت: ثيودور ومايبل: جنوبي جزيرة العرب رحلات في البحرين وجنوبي اليمن وعمان وشرقي السودان وسقطرى، ترجمة: هناء خليفة، تحرير وتعليق: د. أحمد إيبش، مراجعة: د. أحمد عبدالرحمن السقاف، هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، دار الكتب الوطنية، الطبعة الأولى: 1434هـ/ 2012م، الإمارات العربية المتحدة.
(([14] هولتون ج. جي، سميث، ج: وصف لبعض النقوش ص32، 34، 35.
([15]) بنت، ثيودور ومايبل: جنوبي جزيرة العرب ص259.
([16]) Haines, S. B, Memoir : p 153.
([17]( هولتون وسميث: وصف لبعض النقوش: ص32.
([18]) هيرش: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ص56.
([19]) بنت: جنوبي جزيرة العرب ص258.
([22]( Haines: Memoir : p 153.
([24]) Haines: Memoir : p 153.
([25]( هولتون وسميث: وصف لبعض النقوش ص32.
([26]( هيرش: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ص56.
([27]( ورد في الكتاب: (مَحْظَر)، انظر: ص57.
([29] (هولتون وسميث: مصدر سابق ص33.
([30]( هولتون وسميث: وصف لبعض النقوش ص33- 34.
([31]) Haines: Memoir : p 153.
([33]( هيرش: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ص58.
([34]( لم يجزم هينز بتصنيفها مدينة صغيرة أو قرية.
([35]) لم يتحدث هينز عن مخبريه بهذه المعلومات، وربما قام بهذه الإحصائية بنفسه، وهل كان هذا العدد خاصًّا بسكان قصيعر وحدهم أو كان يشمل معهم سكان الضواحي الأخرى كعسد الفاية ومعبر ومهينم التي لم يأتِ هينز على ذكرها في تقريره؟ وإن كان يمكن ملاحظة أن هذا التعداد قد لا يكون دقيقًا تمامًا؛ لأنَّ هناك قبائل وعوائل أخرى تسكن قصيعر في تلك المدة الزمنية، ولعل هينز اهتم بالقبائل المقاتلة أكثر من اهتمامه بالتوزيع الديمغرافي الدقيق حينها، وقد يشي ذلك بتفكيره السياسي والاستعماري الطاغي على تقريره.
([36]) إن تجارة ذيول اللخم وزعانفه ما تزال رائجة في قصيعر حتى اليوم، وسنعود إليها في قسم المادة الإثنوغرافية من هذا البحث.
([37]) Haines: Memoir : p 154.
([38])هيرش: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ص60.
([39]) هيرش: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ص59.
([40]) بنت: جنوبي جزيرة العرب ص261- 262.
([42]) Haines: Memoir : p 154.
([44]) هيرش: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ص61- 62.
([45]) المصدر نفسه ص60. وننبه على خطأ في النسخة المترجمة إذ ورد الاسم: مَهَنيم، والصحيح (مهينم).
([48]( هيرش: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ص62.
([49]( بنت: جنوبي جزيرة العرب ص263.
([50]) Haines: Memoir : p 154.
(([53] بنت، ثيودور ومايبل: جنوبي جزيرة العرب ص265.
([54]) Haines: Memoir : p 154.
([55]) هولتون وسميث: وصف لبعض النقوش ص35.
(([56] هيرش: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ص63.
([57]) Haines: Memoir : pp 154- 155.
([58]) هولتون وسميث: وصف لبعض النقوش ص35.
(([59] بنت: جنوبي جزيرة العرب ص267.
([60]( هولتون وسميث: وصف لبعض النقوش ص34.
([61]( هيرش: رحلات في جنوب شبه الجزيرة العربية ص60.
([62]( بنت: جنوبي جزيرة العرب ص266. والملاط مادة ربط الطوب ببعضها.
([64]) Haines: Memoir : pp 153- 154.
([66]( هولتون وسميث: وصف لبعض النقوش ص32- 33.
([67]( المذكور في ترجمة بن مخاشن: (ميوك). هولتون وسميث: وصف لبعض النقوش ص35، وكما نجده مرسومًا بالإنجليزية عند هينز Mayoki ص155 وفقًا للنطق الإنجليزي، والاسم الصحيح هو معُوك.