د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 21 .. ص 4
رابط العدد 21 : اضغط هنا
لم تتردد جملة جارحة بعد أن نال عبدالرزاق قرنح في السابع من أكتوبر جائزة نوبل للآداب لهذا العام 2021م مثلما ترددت جملة (العالقون بين الثقافات والقارات) فأي غيبوبة في اللامكان واللاثقافة يعيشها هؤلاء؟ وكيف انفتحوا على أشياء كثيرة من البلاد والثقافة، وفي الوقت نفسه على اللاشيء؟ ولم يكن لهم وطن يأوون إليه، ويتجسدون فيه بحرية غير روايات قرنح التي انفتحت عليهم من الداخل، من الكتابة، بما هي عمق إنساني وبلاغي سيقرأ الآن بكل لغات العالم، وليس بالإنجليزية وحدها.
في عينـي قـرنـح كثير من الإحسـاس بالألم، وكثير من إمكانيـة الانتصار عليه، ظهر فجأة كقمر أطل من الباب الخلفي، طرياً ولافتاً، رغم أن البيض تكسر على رأسه عشرات المرات. سيجارته وحدها تشعرك أنه يشم أفريقيا كلها من خلالها، وسحنته مكتظة بالأفارقة والعرب، شهم، وذو ذاكرة في الفجيعة، وصموت كالليل، أحست به حضرموت كمن نبهها من سبات عميق، واحتفلت به – كعادتها – احتفال زواج عابر، لأجل المناسبة فقط، ومازال قرنح يأكل المانجو الأفريقية الضخمة، ولايتذكرها إلا كدراجة هوائية مهملة أهداها إليه أبوه في طفولته ليذكره بحلم العودة إلى الوطن الأول.
سنتهـادى ونتهـاوى جميعاً على تلك الجغرافيا الأليمة المتنوعة في روايات قرنح التي سنقرؤها أخيراً، فواهم من يظن أن الرصيف الناعم طريق سوي، وواهم من يظن أن أقوى الكلام يولد في المدن، ومازال نيلسون مانديلا مرمياً على قارعة الطريق في كثير من بلدان العالم. ومازال بين العالم وعبدالرزاق قرنح ضيافة صباحية على طاولة تمتد من زنجبا، إلى أوغندا، إلى موزنبيق، إلى الأدغال حيث الأرض مرصعة بأقدام العراة الحفاة، وحيث أسرار العشق اليابس لأجساد بريئة تجرها العربات بنشوة غناء حارق نحو قضبان السفن الذاهبة بهم نحو البحار البعيدة بعيداً عن أفريقيا البيضاء التي لم تتجمد أطرافها يوماً كأوروبا، ولن تتجمد.