عبد الله صالح حداد
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 21 .. ص 18
رابط العدد 21 : اضغط هنا
كنت في العقد الأول من هذا القرن أكتب وأعد برنامجاً صغيراً لإذاعة محلية هي (هنا الشحر) وكان تحت عنوان شاعر وأغنية وهو عنوان واسع عن الشعر والغناء الحضرمي، يتعلق بالأغاني التي يرددها المطربون ويرتاح إلى سماعها الجمهور من ذواقة الطرب، هنا في مدينة الشحر وماحولها من مدن وقرى ساحل حضرموت.
كنت أبحث عن نصوص الأغنيات التي تشتهر عندهم وأبحث عن قائلها، وأتأكد من نسبتها إليه، ثم أكتب شيئاً عن صاحبها وعن الفنان المؤدي لها من فناني حضرموت، أو أكثر من فنان هنا أو في مصر والشام والخليج.
وقد نشرت بعض هذه الحلقات من هذا البرنامج في الصحف المحلية، مثل نشرة (هنا الشحر) وصحيفة (المسيلة) وصحيفة (شبام).. إلخ، ثم تطور الأمر إلى نشر تلك الحلقات مسلسلة بمجلة (شعاع الأمل) وكانت أولى تلك الحلقات قد نشرت بالعدد (33) الصادر في فبراير 2004م وكانت عن أغنية (يامن تحل بذكره عقد النوائب والشدائد) ومن تلك الأغنيات ما سمعتها مغناة من الفنان الشعبي الراحل سعيد عبدالنعيم على (صوت زربادي) وكانت رائعة لحناً وشعراً، ومنها:
يارب سهل لنا المطالب واجعل دعانا إليك مجاب
وفرج الهم والكرائب يارب عبدك إليك تاب
حسين زايد نظر عجايب شاف القمر حين بدا وغاب
يقرأ الطلاسم على الغياهب ويضرب الرمل في التراب
أيام نقرأ لهم رواتب وأيام قد عطِّف الكتاب.. إلخ
وفي الذكرى الخامسة عشرة للوحدة اليمنية قدمت حضرموت ريبورتاج جميلاً بالمناسبة، ومنه أغنية حسين زايد المشار إليها، وكانت التمارين للراقصين والغناء على أشدها، ووقف عدد من الشباب أمام الفنان سعيد عبدالنعيم وجمع من الأصدقاء على كراسي قهوة مطعم (بافرج) وهو الذي كان مقهى شهيراً لمبارك يسلم النوبي وتصدر ساحات حصن ناصر وحسن بن عياش بالشحر.
وقد لمح مروري الصديق الفنان أحمد عبدالرب البكري فاستدعاني ملحاً، وكنت مشغولاً جداً، لكنه أصر على رغبته، وطرح علي سؤالاً هو لمن هذه القصيدة التي يتم التدرب عليها، فأجبت على الفور إنها للشاعر حسين زايد وهو يذكر اسمه في أحد أبياتها، وبعض الشعراء يذكر اسمه في قصائده مثل ما يفعل يحيى عمر أو المحضار، وهكذا.
فقام الفنان سعيد من المجلس مغاضباً ومعلناً سخطه وكان قد قال للسائلين الشباب إنها للشاعر (قشاقش العفريت) وهي شخصية خيالية وردت في كتاب (ألف ليلة وليلة) والفنان سعيد يدعي هنا المعرفة، وكان في مقدوره – رحمه الله- القول لا أعلم لمن هذه القصيدة، وقد حضر هذا الفنان المسرحي محمد عوض باصالح رحمه الله.
على أي حال إن إجابة الفنان سعيد جعلتني أفكر جدياً في أمر هذه الأغنية وصاحبها ورجعت بذاكرتي وإلى مفكرتي (الخاد) وفيها ما أسجله مما أراه مهماً، فوجدت ما جاء على لسان المستشرق البريطاني روبرت سارجينت، في كتابه نثر وشعر من حضرموت الذي ترجمه الأستاذ الراحل سعيد محمد دحي، واعتماداً على موافقة المؤرخ محمد بن هاشم قوله (محتمل أن يكون يافعياً) وأكد المؤرخ بن عبيد الله السقاف في كتابه (العود الهندي) قائلاً: (الشاعر اليافعي المشهور القريب العهد بحضرموت) ج1/125 وساق قصته مع زوجته ضمن من ماتوا عشقاً.
حملت كل ذلك وما تم جمعه إلى الراوي القدير والشاعر عوض سالم عبدّن (ت1990م) فقال : (إنه ربما يكون من أهل حضرموت لأن اسم زايد لايتكرر عند أهل يافع) أما الأستاذ بدر بن عقيل فقد قال في كتابه ( إبحار في أشعار يحيى عمر) وكان قد اطلع على عدد من قصائد الشاعر حسين زايد، قال: (من خلال سياقها العام ومفرداتها بعيدة عن اللهجة اليافعية التي تمتلئ بها قصائد يحيى عمر، وهي أقرب إلى انتماء الشاعر حسين زايد إلى إحدى المناطق البدوية الحضرمية من جهة المشقاص) (ص31) فوقع الأمر عندي أن الشاعر هذا من الجنوب حضرمياً كان أو يافعياً، فأدرجته ضمن كتابي (معجم شعراء العامية الحضارمة) (ص65).
قال الشاعر الشعبي الراحل سعيد سالم زحفان ( ت 2 فبراير 1970م):
ذا فصل والثاني كشفنا البضاعة غشنا لي لقا لي ملح في علبة اللول
لي يخلق في زمان القحط هو والمجاعة هت صبوحة دخن بايقول مقبول
وإني أعتذر لقراء كتابي (معجم شعراء العامية الحضارمة) في نسبة هذا الشاعر لحضرموت وهو من غيرها. فقد أسعفتني القراءة ووقفت على اسم الشاعر عند دراسة الشيخ محمد عمر بن سلم وهو من أهل مدينة الشحر وصاحب رباط مدينة غيل باوزير التعليمي، فقد كان ميلاده بالشحر عام 1274هـ (57/1858م)، رحل إلى مصر عام 1306هـ (87/1888م) وأقام فيها أربع سنوات وأشهر، يدرس بالأزهر، ولما أراد العودة إلى مسقط راسه الشحر كتبت له الإجازة في 15 صفر 1311هـ الموافق 28 أغسطس 1893م.
وكان أخص من اتصل بهم من مشيخة الجامع الأزهر وتلقى عنهم علومهم شيخ الإسلام محمد الأنبابي والشيخ أحمد الرفاعي الذي سمع عنه الحديث، والشيخ اسماعيل الحامد الذي سمع عنه النحو، والشيخ الأشموني والشيخ (حسين زايد مدرس علم الميقات) (ص203).
ويضيف مؤلف كتاب صفحات من التاريخ الحضرمي الشيخ سعيد عوض باوزير قائلاً: ” إن الشيخ بن سلم عندما قرر العودة إلى وطنه، بعد أن أنهى دراسته في الأزهر كتب له كبار مشائخه هذه الإجابة التي عثرت عليها عند أحد كبار تلاميذه على النسخة الأصلية التي أمضاها مايزيد على خمسة وعشرين من رجال الأزهر من علماء المذاهب الأربعة من جملتهم حسين زايد مدرس علم الميقات” (ص204).
وإن عمر رضا كحالة في كتابه (معجم المؤلفين ج9، أضاف إلى اسمه لقب (الأزهري) وهي صفة اكتسبها بعمله مدرساً بالأزهر الشريف بمصر، لكن اسماعيل باشا البغدادي أضاف إلى اسمه المصري، فقال في كتابه (إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون) حسين زايد المصري ج/55).
لقد أطلعني الباحث الأستاذ عمر علي باسلمه، وهو من أهل الشحر على مصورة من كتاب (المختصر المهذب في معرفة التواريخ الثلاثة، الأوقات والقبلة بالربع المجيب) من تأليف علم الدين محمد ياسين بن عيسى الفاداني المكي، مدرس علم الفلك والميقات بدار العلوم الدينية بمكة المكرمة وقد زكى الشيخ حسين زايد قائلاً ” الذي مشى عليه الشيخ حسين زايد في زيجه (المطلع السعيد)…” (ص45).
إن كتاب (المطلع السعيد…) كتاب وضعه الشيخ حسين زايد وقد طبعه بنفسه عام 1304 هـ (1887م) وجاء بعنوان (المطلع السعيد في حسابات الكواكب على الرصد الجديد).
والملاحظ أننا لانعرف هذا الرجل إلا من خلال شعره فقط وكل ما اطلعنا عليه من أخباره لاتذكر شيئاً عن شعره ولا ديوانه عدا ما جاء عند صديقنا الأستاذ مبارك عمرو العماري البحراني فقد حبَّر مقالة عن الشاعر حسين زايد ونشرها في العدد 21 من مجلة الأدب الشعبي البحرانية، وفيها أشار إلى أن الفنان إبراهيم حبيب وكان بمعية الفنان يوسف دوخي قد اقتنى كل منهم نسخة من ديوان الشاعر، ولكنه فقد على الفنان حبيب وضيَّعت مكتبة دوخي وسطت على محتوياتها بعض الأيدي واختلست منها أثمنها. وهكذا لم نجد خبر ديوان الشاعر، وفي نفسي شيء من أخبار هذا الديوان الذي كانت نسخة منه عند حبيب البحراني ودوخي الكويتي، فهل لم يطبع منه إلا نسختين فقط؟.
وزاد الأمر اعترافاً عندما ذكر في ذلك المقال ( سألنا الباحثين في حضرموت فلم نظفر منهم بأية معلومات) فدل ذلك على أن أغنيات الشاعر حسين زايد قد وصلت إليهم عن طريق الأغنية الحضرمية، أما كيف وصلت إلى حضرموت تلك الأغنيات للشاعر حسين زايد، فذلك ما لم نستطع معرفته.