د. عبدالباسط سعيد الغرابي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 21 .. ص 21
رابط العدد 21 : اضغط هنا
ولد الشاعر عبدالقادر محمد الكاف في مدينة تريم الغناء، مدينة العلم والثقافة والأدب، مدينة الشعر والدان، بمحافظة حضرموت، في 26 ديسمبر 1952م، في أسرة معروفة باهتمامها بالعلم والمعرفة والأدب، فجَدُّه لأمِّه هو عميد الدان الحضرمي الشاعر حداد بن حسن الكاف، وتلقَّى عبدالقادر الكاف تعليمَه بالدراسة الابتدائية بتريم، ثمَّ الثانوية بسيئون، ثم التحق بكلية التربية جامعة عدن.
عمل معلِّمًا لسنوات ثلاث، ثم انتقل موظَّفًا في مكاتب وزارة الثقافة حتى وفاته.
ويُعَدُّ الكافُ شاعرًا متفرِّغًا، إلى جانب كونه شاعرًا وملحِّنًا قد أبدع في عزف الكمان، وأخذ دورات في دراسة النوتة والمقامات الموسيقية، و لحَّن معظم قصائده بنفسه.
وله من الأبناء أربعة (حداد، ومحمد، وحسن، وعلي)، وبنت واحدة هي (فاطمة).
شعره:
انطلاقته الشعرية كانت في بداية السبعينيات من القرن المنصرم، وظهر بأسلوبه المتميز في صياغة الكلمات العاطفية، وتخذ أسلوب الشفافية، البعيدة عن استخدام الرموز الشعرية، التي تتوِّه المستمع؛ فقد كان شاعرًا شفَّافًا صريحًا في عواطفه، استخدم الكلمات البسيطة في الوصول إلى جمهوره. وقد بدأت كتابته لشعر الأغنية كما يقول صديقه الفنان حسن صالح باحشوان: *كنا نمشي على درب الصدق والمحبة منذ الصغر، وغنّيت له أول أغنية (في العشية نظرت الزين ثم انت السعادة)، إلا أن رائعته (الزمن غدار والحكمة تقول كل شيء معقول) فعندما صدح بها الفنان الكبير كرامة مرسال؛ إذْ كان لها صدى كبير في السبعينيات من القرن المنصرم، فأعلنتْ عن ولادة شاعر غنائي، ستكون له بصماته في شعر الأغنية الحضرمية، ونالت هذه الأغنية من الشهرة ما لم تنله أغانيه الأخرى وخصوصًا بعد أن غنَّاها الدكتور عبدالرب إدريس، ثم الفنان الكويتي محمد البلوشي بطريقته الخاصة، كما لا أخفي عليكم أنَّ الفنانة العدنية الحضرمية الأصل الفنانة رجاء باسودان قد غنَّتْها في إحدى الحفلات الخاصة بمدينة عدن في أواخر الثمانينيات*.
لقد شكَّل رحمه الله ثنائيات رائعة مع عدد كبير من الفنانين، ابتداء من مسقط رأسه مع الفنان والملحِّن حسن صالح باحشوان ؛ إذْ شكَّلا ثنائيًّا رائع الكلمة واللحن له والغناء والأداء، ولحَّن أحيانًا لباحشوان، وقد لحن الأخير عددًا من الأعمال الناجحة التي جمعت بينهما، منها (أيش رايك يا الحبيب الأولي, حتى أنت يا حبيبي). فشاعرنا في غالب الأحيان يعتمد على نفسه في تلحين نصوصه الغنائية، غير أنه يطمئن كثيرًا لرفيق دربه الفنان حسن باحشوان في ترجمة عواطفه، فيعطي كلماته لحنًا يتناسب تمامًا مع لونه الذي اتخذه الكاف في مشواره الفني. وشكَّلا ثنائيًّا أيضًا مع فنانة حضرموت الأولى في السبعينيات، الفنانة سلامة علي، وقد غنَّتْ بصوتها الجهوري عددًا من الأعمال المشتركة، ولها عددٌ من الألبومات الغنائية، ولعل أبرزها تسجيلها لألبومها الخاص باستوديوهات رومكو بدولة الكويت، الذي حوى مجموعة من الروائع المشتركة، منها (عاد نحن ما انسجمنا. حد شاف محبوبي . أنت السعادة) وغيرها.
ومع الفنان الكبير كرامة مرسال شكَّلا ثنائيًّا متميِّزًا، قدَّم من خلاله معظم أغاني أبو حدَّاد، كما صرح بذلك فنان حضرموت الأول كرامة مرسال بأنه يفتخر بتقديم معظم أغاني الكاف، ولعل أبرزها التي أدَّاها مرسال أوَّل مرَّةٍ (عذبتنا يازين ما هو سوى, على ميعاد, شاف لطفي معه. سيبت قلبي معك . يا ابوالوشامة إلا أول … إلخ ).
كما أنَّ له ثنائيات مع الفنان الرائع عبدالرحمن الحداد، وقد اشتهرت عددٌ من النصوص بصوت الحداد، ولعل أبرزها (الحقيقة انك انت ما عرفت أيش الحقيقة, على ميعاد , شاف لطفي معه, ربيع الهوى). والفنان المعتزل سالم العامري وقدَّما معًا (تكبر علينا ,أنت السعادة … إلخ). ومع أخيه من الرضاعة الفنان كرامة بن الوادي، الذي غنَّى مجموعة من روائعه، منها (يا مسيكين اصبر , وطيري يا حمامة).
كما غنَّى له الفنان حمزة با عباد عددًا من الروائع، منها (يا مسيكين اصبر. عاد نحن ما انسجمنا . قطَّعتْ قلبي ألا يا طير يا شادي). والفنان عبدالله الصنح سجَّل له بالتلفزيون (كفى يا عين وليش تبكين).
الكاف الملحِّن:
كان رحمه بالإضافة إلى موهبته الشعرية فقد كان ملحِّنًا موهوبًا أيضًا، واختار أسلوبًا عصريًا راقيًا في تأليف الألحان المختلفة، ولذلك تميزت ألحانه بالكوبلات العاطفية، والانتقال في اللحن من جملة إلى جملة أخرى، والخروج بشرعات يختلف لحنها عن لحن أوَّل بيت في الأغنية، والرجوع للحن مرة أخرى. ولذلك خلق لنفسه أسلوبًا مزج من خلاله اللحن الحضرمي مع اللحن العدني، وأعطى لونًا اختصَّ به وهو (أسلوب عبدالقادر الكاف)، وعلى الرغم من ذلك فإنه كثيرًا ما كان يميل إلى التلحين للَّون البدوي المشقاصي، بإيقاعه السريع، مثل (يعجبني الزين ومسيره, قطعت قلبي ألا يا طير يا شادي بالتلاحين).
استطاع عبدالقادر الكاف أن يطرق مقام الصبا، الذي يتحاشاه الحضارم، على الرغم من أنَّه مقامٌ شرقيٌّ صرفٌ، ولم أجد في الأغنية الحضرمية لحنًا بهذا المقام منذ أنْ عرفْتُ المقامات الموسيقية حتى هذا العام 2020م، حتَّى استطاع الفنان الرائع محمد الناخبي أن يقتحم بحر مقام الصبا من خلال لحنه الجميل في أغنيته (صراحة ما سلي قلبي).
ولشاعرنا الكاف عددٌ من النصوص التي يمكننا أن نتطرق إليها، ولكنني اخترت (يا بو الوشامة) لتميزها . ولم أسمعها إلا من كرامة مرسال، والفنانة الشعبية غَنِيَّة سالم في سبعينيات القرن المنصرم.
النص :
النص جاء في أواخر السبعينيات من القرن العشرين في فترة الزخم الفني والتنافس الشديد بين مبدعي ذلك الوقت أو العصر الذهبي للأغنية الحضرمية، وقد افتتح شاعرنا الكاف رائعته الغنائية بأنغام القرار (ما يسمى عند الموسيقيين المذهَّب) من مقام الصبا، كما استبعد التخميسة من النص التي غالبًا ما تكون موجودة في الأغنية الحضرمية، وهذه ميزة من ميزات عبدالقادر الكاف، التي تجلَّتْ في كثير من نصوصه الغنائية. وافتتح الأغنية بالهدو الموسيقي مع قرار كرامة مرسال، وجاء المقطع بهذه الطريقة ما خطبا المحبوب الذي وصفه بيا بو الوشامة قائلًا:
يا بو الوشامة يا بو الوشامة
رحنا وجينا لك بالسلامـــة
ثم ينتقل في المقطع الثاني من المذهب مخاطبًا الحبيب (من لامنا)، يقصد بهم العواذل أو كما يقول الكاتب زهير الهويمل (اللوم هو صوت المجتمع السلبي):
من لامنا ما سمعنا كلامه *** اللي يحب ما يخاف الملامة
ويأتي البيت الثاني الذي بدا بالشرعة الصوتية (الكوبليه)؛ إذْ تبدي بلزمة موسيقية تنقل صوت الفنان من القرار إلى الجواب؛ إذ جاءت الألفاظ بالشوق والاشتياق، وليست للمعاتبة ولوم بعضنا بعض، أو النبش في الماضي حين قال:
لا تحسب اني معي لك يا حبيبي عتاب
معي لك اشواق عاده ما احتواها كتاب
لينتقل إلى الشوق الاكبر الشوق للوطن الذي جسده في مسقط راسه الغناء تريم قائلًا:
مشتاق والشوق رجعنا لك يا حبيبي وللغناء
مشتاق مشتاق والشوق ياما
أثر وسوى في قلبي علامة
البيت الثاني والثالث من رائعته الغنائية يختلفان وزنًا عن البيت الأول (المذهب)؛ ليساعد الملحن في صياغة شرعة (الكوبليه) بكل سهولة وبأفضل من أن تكون التفاعيل نفسها التي ممكن أن تجر الملحن للعودة إلى المذهب.
وقد استخدم في البيت الثالث كلمة (لولاك)، أي لا يمكن بغيرك لا أستطيع أن أتخيل الربيع ( لولاك ما كنت اترقب حلول الربيع) : وكأنه يقول للمحبوب أنت الربيع بكل ما يحمله من مشاعر وأحاسيس معنوية ومادية ، أنت الزهور ولونها ، أنت عبيرها وشذاها ( ولا لأمر المحبة والهوى أستطيع ( ، ثم يعود مرة أخرى إلى لفظ لولاك:
لولاك ما كنت اتغنى بالحب من غير ما أتهنا
ولا أسري الليل لا خيم ظلامه
ونا كما الطير هايم والحمامة
هكذا الشاعر عبدالقادر تميز بقدراته الشعرية في رسم صوره الجميلة، وأنْ يقدِّم ألحانًا تميزت عن غيره من ملحِّني حضرموت . كما أنَّ هذه القصيدة أثارت شاعرية الشاعر الكبير حسين المحضار في كتابة رائعته الخالدة يا مول شامة التي يقول فيها :
متى با نلتقي في الجانب الغربي
وإلا عامقد اوفي مسيلة
انا وانته وبس والكاس والمضبي
وبعض انغام منظومة جميلة
ونتشاكى بما عندك وعندي
ونسرح في الخلاء زندك بزندي
ونعود لامة
يا مول شامة وباقة ورد عا خدك علامة يا مول شامة