أحمد جدير
فقد مجتمع الإسلام أحد أبرز أعلامه بوفاة أشهر المفسرين والمصنّفين في علم التفسير والقرآن وغيرها من العلوم الدينية الأستاذ محمد علي الصابوني عن عمر يناهز واحدًا وتسعين عامًا بعد اختتام مهماته العظيمة بأن قام بحياة حافلة بأورع الأمثـال في مجـال الإفـادة والاستفـادة والدعوة الإسلامية.
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 21 .. ص 101
رابط العدد 21 : اضغط هنا
حياته المبكرة:
وُلد الصَّابوني في مدينة حلب السورية عام 1349هـ الموافق 1930م، وتلقّى تعليمه المبكّر على يد والده الشيخ جميل الصَّابوني، أحد كبار علماء مدينة حلب، فحفظ القرآن في الكُتّاب وأكمل حفظه وهو في المرحلة الثانوية، وتعلّم علوم اللغة العربية والفرائض وعلوم الدين، كما تتلمذ على يد الشيخ محمد نجيب سراج، وأحمد الشماع ومحمد سعيد الإدلبي ومحمد راغب الطباخ ومحمد نجيب خياطة وغيرهم من العلماء، وكان – رحمه الله – حريصًا على الاستفادة من العلوم المتجنسة.
مسيرته العلمية:
تلقى تعليمه الابتدائي في المدارس الثانوية في حلب، والتحق في المرحلة الإعدادية والثانوية بمدرسة التجارة، ولكنه لم يستمر بدراسته فيها؛ إذ التحق بالثانوية الشرعية في حلب التي كانت تُعرَف باسم (الخسروية) فتخرج فيها عام 1949م، والتي درس فيها عددًا من كتب التفسير والحديث الشريف والمسائل الفقهية وغيرها من مختلف العلوم، بالإضافة إلى الكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم المادية. بعد ذلك ابتعثته وزارة الأوقاف السورية إلى الأزهر الشريف بالقاهرة على نفقتها للدراسة، فحصل على شهادة كلية الشريعة فيها عام 1952م، ثم أتمّ دراسة التخصص بحصوله على شهادة العالمية في القضاء الشرعي عام 1954م. لقد جعل جلَّ حياته في التعلم منذ نعومة أظافره، ثم في الدعوة الإسلامية، ودعا إلى أهميَّة الارتباط بين العلوم الشرعية والمادية.
دعوته الإسلامية:
بعد أن أنهى دراسته في الأزهر، عاد إلى سوريا ليعمل أستاذًاً لمادة الثقافة الإسلامية في ثانويات حلب، وبقي في مهنة التدريس حتى عام 1962م. بعد ذلك انتدب إلى المملكة العربية السعودية لكي يعمل أستاذًا مُعَارًا من قِبل وزارة التربية والتعليم السورية وذلك للتدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وكلية التربية بالجامعة بمكة المكرمة، فقام بالتدريس فيها لمدَّة قاربت الثلاثين عامًا. قامت بعدها جامعة أم القرى بتعيينه باحثًاً علميًاً في مركز البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، فاشتغل بتحقيق كتاب عظيم في التفسير هو كتاب (معاني الآثار) للإمام أبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338ه، والمخطوطة نسخة وحيدة في العالم لا يوجد لها ثانية. فقام بتحقيقها على الوجه الأكمل، بالاستعانة بالمراجعة الكثيرة الدؤوبة لما بين يديه من كتب التفسير واللغة والحديث وغيرها من الكتب التي اعتمد عليها. وقد تم نشر الكتاب في ستة أجزاء، وطبع باسم جامعة أم القرى بمكة المكرمة- مركز البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي.
انتقل الشيخ بعد ذلك للعمل في رابطة العالم الإسلامي مستشارًا في هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وبقي فيها سنواتٍ عدَّةً في خدمة الكتاب والسنة قبل أن يتفرغ للتأليف والبحث العلمي.
نشاطاته الرائعة:
للشيخ نشاط علمي واسع، فقد كان له درس يومي في المسجد الحرام بمكة المكرمة يقعد فيه للإفتاء في المواسم، كما كان له درس أسبوعي في التفسير في أحد مساجد مدينة جدة استمرَّ لفترة قاربت الثماني سنوات، فسّر خلالها لطلاب العلم أكثر من ثلثي القرآن الكريم، وهي مسجلة على أشرطة كاسيت، كما قام الشيخ بتصوير أكثر من ستمائة حلقة لبرنامج تفسير القرآن الكريم كاملاً ليعرض في التلفاز، وقد استغرق هذا العمل زهاء السنتين، وقد أتمه نهاية عام 1419هـ.
مؤلفاته:
ألّفَ عددًا من الكتب في كثير من العلوم الشرعية والعربية، وقد ترجمت مؤلفاته إلى لغاتٍ عدَّةٍ من اللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية والتركية.
وقد بلغ عدد مؤلفاته 57 كتابًا، أبرزها “صفوة التفاسير” الذي صدر قبل 40 عامًا، إضافة إلى “مختصر تفسير ابن كثير”، و”مختصر تفسير الطبري”، و”التبيان في علوم القرآن”، و”روائع البيان في تفسير آيات الأحكام”، و”قبس من نور القرآن”.
وجميع ماذُكِرَ من مؤلفاته في علم التفسير . وكانت له مشاركات أخرى في غير التفسير في علوم الشريعة الإسلامية، ككتاب “المواريث في الشريعة الإسلامية”، و”المهدي في أشراط الساعة”، و”رسالة في حكم التصوير”، و”المنتقى المختار في كتاب الأذكار” وغيرها.
ومن المهمِّ ذكرُه أن الشيخ الصابوني نال جائزة شخصية العالم الإسلامية التي تمنحها جائزة دبي للدورة الحادية عشرة من رمضان 1428ه.
كتاب صفوة التفاسير:
صفوة التفاسير هو من أبرز الكتب وأشهرها لفضيلته، وهو تفسير للآيات القرآنية، وبيان معانيها ودلالاتها، وما يؤخذ منها، اعتمد مؤلفه على أهم المصادر لتفسير القرآن الكريم المأخوذ بها، من أوثق كتب التفسير للأئمة المتقدمين، ويذكر أيضًا أقوال المتأخرين، ويتضمن كتاب صفوة التفاسير خلاصة أقوال أئمة التفسير، بأسلوب ميسر يسهل فهمه على المتعلم والقارئ، وعباراته واضحة ومفيدة، يهتم بتفسير المعاني اللغوية، والأساليب البلاغية، وما تضمنته الآيات من الدلالات والأحكام.
وفاته:
رحل الشيخ الصابوني عن العالم بعد أن ترك إرثًا حضاريًّا ضخمًا من الكتب والمؤلفات والتحقيقات والمحاضرات الصوتية والمرئية، وعددًا كبيرًا من طلَّاب العلم الذين عاصروه منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى 19 من مارس2021م؛ ليتربع بذلك على عرش أشهر علماء أهل السنة والجماعة المعاصرين وأكثرهم تاثيرًا، تقبله الله على ما قدمه خير الجزاء ويسَّر لهذه الأمة العلماء العاملين.
____________________
أحمد جدير .. * باحث في قسم اللغة العربية بجامعة معدن الثقافة، الهند.