د. سعيد الجريري
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 21 .. ص 104
رابط العدد 21 : اضغط هنا
هناك اهتمام استشراقي وانثروبولوجي وتاريخي غربي بالمنطقة العربية، تعددت أشكاله، ونماذجه، وأسبابه، سواء ما كان مرتبطاً منه بالحقبة الاستعمارية أو ما بعدها. ولم تكن العربية الجنوبية ولا سيما حضرموت خارج دائرة ذلك الاهتمام، وهذا مما يُعنى به الباحثون والمترجمون في غير مجال، وهو جدير بالبحث والترجمة والدراسة والتحليل.
ولئن كانت حضرموت موضوعاً لكتابات الرحالة وتنقيبات الآثاريين واستقصاءات المؤرخين وتحليلاتهم.
(1)
في هذا السياق الأول تستوقفني رواية ضمن سلسلة (ليكس كوستر) الهولندية للفتيان، عنوانها (نسر حضرموت) – 1958- للكاتب يوهان خوتفريد تيمه وهي مندرجة في أدب المغامرات حول العالم.
تبدأ أحداث الرواية بجملة “إن شاء الله” التي يرددها الثلاثي عزان ومكونده وليكس، رفاق الرحلة من جزيرة زنجبار إلى حضرموت، مروراً بالمكلا والهضبة وكور سيبان، ثم شبام ووادي حضرموت، لتنتهي على أعتاب الربع الخالي. نقرأ في مدخل الرواية: “جلس الثلاثة على سجادة عربية جميلة في غرفة كبيرة باردة في بيت قديم في زنجبار ، يعود للشيخ مصطفـى والد عـزان. كانـوا جالسيـن على الأرض على الطريقة العربية التقليدية، التي من الواضح أنها لا تتطلب أي جهد من عزان ومكوندي ، لكنها تبدو بالنسبة لليكس ذي السيقان الطويلة جداً كما لو كانت حركة بهلوانية”.
في فصول الرواية تصوير واقعي لمشاهد الحياة اليومية وخصائـص المكـان عبر الزمـان، بصحبـة شخصيـات حضرمية بأسمائها المحلية، في سياقات تتخللها مفردات من المعجم العربي والحضرمي. فهناك تفاصيل دقيقة ومشاهد بديعة منها ما يديره السارد، ومنها ما ينبث في الحوار بين الشخصيات، كمشهد الاندهاش لدى رؤية كور سيبان العظيم على مسافة، أو لحظة الاستغراق العجائبي وهم يقتربون رويداً رويداً من مدينة شبام التي تبدو مبانيها الطينية الشاهقة – في الصحراء – كأنها مغطاة بالثلوج!.
تتشكل الرواية في سبعة وعشرين فصلاً ممتعاً، تقدم حضرموت والشخصية الحضرمية لفتيان هولندا في نهاية خمسينيات القرن الماضي، بما تقف عليه من عمق حضاري، وما تعيشه من واقع حينئذ مشوب بالبداوة ولاسيما في الأودية والصحراء ، وما تختزنه من كوامن للغد تحت الأرض وفوقها.
(2)
ومن اللافت في السلسلة نفسها رواية أخرى ذات صلة بالوجود العربي في جزيرة زنجبار هي رواية” شيخ زنجبار “، وقد ترجمت الروايتان إلى اللغة الألمانية أيضاً.
ولعل الباحث عما كتبه الهولنديون من أعمال إبداعية يجد عديداً من النصوص الشعرية عن مدن ومناطق أدهشت العين الأوروبية، فلم تكتف بالتوثيق البصري أو الفوتوغرافي، بل دونته قصائد أو شكلته بالريشة لوحات تشكيلية، أو جمعت شتات أصواته العميقة في أعمال موسيقية (ميشيل بانبيلة وعمله الموسيقي”أصداء من حضرموت”مثالاً، وهو بالمناسبة هولندي من أب حضرمي وأم هولندية)، أو الفنانة التشكيلية لوسيان سميث التي بعض نماذج رسوماتها لشبام ووادي حضرموت وحصن الغويزي.
(3)
وفي سياق آخر دلتني المصادفة في إحدى مكتبات أمستردام على رواية بالهولندية عنوانها “تسعة أيام إلى المكلا Negen dagen naar Mukalla
وهي مترجمة عن الأصل الإنجليزي Nine days to Mukalla للكاتب الأمريكي فريدريك بروكوش رائد ما يعرف بالرواية الجغرافية، وقد طبعت غير مرة، وترجمت إلى لغات أخرى في العالم، ليس منها العربية، في ما أعلم.
(4)
إن تجليات حضرموت البيئة والإنسان والثقافة في الأعمال الإبداعية الهولندية والأجنبية عموماً جدير بالتأمل والقراءة والترجمة، لكنه مازال مهملاً ولم يحظ بما حظيت به كتابات الرحالة والمؤرخين الذي أصبحت مؤلفاتهم جزءً أصيلاً من المكتبة الثقافية.
هي إشارة هنا ليُعنى ذوو الاختصاص بصورة حضرموت في آداب اللغات الأخرى.