إبداع
فردوس باعباد
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 21 .. ص 109
رابط العدد 21 : اضغط هنا
صفرة الشفق الأحمر بدت تتسرب بين الغيوم، كرسي وطاولة ونافذة في اتجاه واحد، وينتهي المشهد بورقة وقلم…
بقي من غروب الشمس ربع ساعة، تبقى من كوبي الربع منه أيضًا، كوب بني يحتوي شارة دوار الشمس، تمامًا كالذي يرافقك في أثناء شربك القهوة، إلا أنني لا أحب القهوة لذا سكبت حليبًا طازجًا جلبته من إحدى المحلات التجارية…
كلما حفظت قصيدة سجلتها وأتخيل أنك تسمعها، تلك القصائد التي كنت أتلوها عليك لم أكن أحبها كما ادعيتُ، ولكني أحب أن تسمع أنفاسي التي تنطق بالحرف لتجرك إليه، ولكنك عنيد متغابٍ، تمضي الليل تسرد لي الصور والمزايا الجمالية، وأنا التي لا أفقه كثيرًا مما تقول، إلا أنني أغيب عن عالمي حين أمعن في نبرات صوتك، فالله في عون كلماتك التي تخرج من بين شفتيك ثملة منهكة، والله في عون أذني المتيمة بنبرة صوتك…
دوامي الأول للعام الآخر، مضت السنون سريعة، كأنما تفر من شيء ما لا أعلم ماهو، كانت تحث الخطى في جريانها، إلا أنها حين كانت تهرول حملت معها كل شيء جميل، ولم تترك لنا إلا بقايا ذكريات لا تسمن ولا تغني من جوع…
في كل ذكرى صادفتني لهذا اليوم، وددت لو أقول بكل حرقة، لمَ البقاء؟ لمَ تصر الأيام أن تترك لنا آثارًا تذكرنا بالماضي، في حين أنها حملت معها أجمل أيامنا وكانت لتحمل كل شيء يذكرنا لتجعلنا نبدأ أيامًا أخرى جميلة أو في الأقل لتجعلنا لا نبكي حرقة على زمن مضى!
وعادت طيوفك تحوطني من كل جهاتي، لتثبت لي أن الذي كان محض حقيقة غائرة في الأعماق، كلما عفتها طوعًا، أتت رياح الذكرى لتكشف عنها رمال النسيان فتصبح جلية ظاهرة لكل خلايا ذاكرتي، تلك الذاكرة التي لازالت تجبرني على حفظ القصائد والتدرب على إلقائها، لعلك تسمعها برغم البعد، لعل نسمات البحر تحملها إليك مغلفة بالشجن، ولعل طائر النورس يغرد بكلماتها، فتكتبها أنت خاطرةَ أمسية رغم المسافة وألم الحنين.