حديث البداية
د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 22 .. ص 4
رابط العدد 22 : اضغط هنا
الجدل فعل حضاري، وآلية من آليات تنشيط المعرفة في مجالات العلوم الإنسانية، وقد ينشأ عنه نوع من الصراع، فالإنسان مشغول منذ القدم بتحديد موقعه في العالم من خلال نشر أفكاره والدفاع عنها، وقبل ذلك فالكاتب يعيش الجدل داخل ذاته من خلال ممارسته دور الكاتب والمتلقي، وحركة الجدل هي بالأساس حركة تجريبية يبحث من خلالها الكاتب عما يطور آراءه، فلا تتوقف لديه المعرفة بناء على هذا.
غير أنه بإلقاء النظر على أفكار بعض كتابنا وآرائهم تجدها تتكرر من خلال ما يدخلون فيه من جدل، دون أن يوجد أحدهم لها منفذًا جديدًا في إطار تطوير أفكاره، وإن كان يكتبها منذ عشرات السنين، فثقافته ذات كينونة واحدة، لا يتزحزح عنها لتطويرها في الاتجاه نفسه، وعندئذٍ يغدو الجدل الذي يمارسه أشبه بالشكل فقط، ذلك لأن منطلقه الأساس هو ذاتيته، أعني أفكاره في ارتباطها الحميم بذاته، ومن ثم لا يستطيع إحداث تغيير في الآراء المخالفة له، لاعتداده المطلق بما يراه، ولأنه ينظر إلى الآراء المخالفة له على أنها مصدر خاطئ للمعرفة، فتبدو لغته – -لذلك – أداة للتعبير عن ذاته باسم الجدل، فالعلاقة القائمة بين الذات والآخرين هي علاقة نفي بالأساس، لا جدل، حتى يكثر لديه السباب والشتم، ويرتفع التوتر، فالذات تتغلب لديه على الموضوع، والعاطفة على الفكرة، راغبًا من خلال ذلك، وبقوة، في الانتقال من خلال (الجدل) إلى موقع السيطرة وفرض الرأي. وكثير من كتابنا على هذه الشاكلة.
وعلى أية حال فأحدنا لا يمكن أن يرى نفسه بصورة منطقية إلا من خلال الآخر، ولا شك أن الذات هي نقطة انطلاق مهمة في الجدل، لكنها لا تصل إلى الأنوية، أي (أنا) فقط ولا أحد غيري، المسؤولة عن كثير من أزمات الفكر الحضرمي، والإنساني عامة، والجدل نفسه هو قضية فلسفية لا يفهم بمعزل عن تجادل طرفين مختلفين، أو فكرتين مختلفتين، أو أكثر، لما فيه تنشيط الفكر الإنساني أيًا كان مجاله تاريخًا، أو فكرًا نقديًا، أو رؤى ثقافية، أو آراء سياسية، في المجال المتجادل عليه.