د. سعيد محمود بايونس
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 22 .. ص 77
رابط العدد 22 : اضغط هنا
بعيدًا عن (لو) الأديب علي أحمد باكثير (ولو ثقفت يومًا حضرميًّا)؛ لذوبانها وتحولها إلى (قد) التحقيقية فجاءتنا (آية النابغين)؛ فالحضرمي – عبر القرون – أثبت أيقونة الحب والسلام أينما سار وحلَّ، داخليًّا وخارجيًّا، أعطته جيناته النادرة هذه الشهادة، التي لا يختلف فيها اثنان. فزراعته الحب وبضاعته التسامح. ولك أن تمتشق قلمًا، وتبدأ بالعد عبر التواريخ والأجيال، تعد العلماء والمفكرين والمبدعين الحضارمة، ولك أن تصنع قاعدة بيانات عمّا فعلوه في المكان والزمان اللذين يتواجد فيهما الحضرمي؛ والتواجد هنا ليس من الوجود المكاني فحسب، بل من الوجد العاطفي كذلك، فهي ازدواجية إيجابية صبغت الحضرمي أينما حلَّ. وانسيابٌ مع سيل الشعور المتدفق هذا، تحققت هذه الفكرة عن الحضرمي في لقاء أجرته قناة عدن المستقلة مع الفنان عبدالله فضل.
كنت أشاهد إبداع فرقة الإنشاد، وأعجب بما يقدمونه دون أن ألقي بالًا للمنشدين؛ فالإنشاد هو محط اهتمامي. لم أكن أعلم – وهذا جهل مني بلا شك – أن كل منشد في هذه الفرقة يمثل حكاية إبداع فردية تستحق الاحترام. القناة عرفتني بشخص أعرف ملامحه وإبداعه جيدًا، لكنني لا أعرف اسمه وتاريخه خارج الفرقة. من مطلع الثمانينيات أتابع إنتاج فرقة الإنشاد، ولا أعرف أسماء أعضائها، بل لم أفكر في معرفة أسمائهم، حتى عام 2021م وهذا عام اللقاء بهذا المبدع، الذي عرفت أنه الفنان عبدالله بافضل.
سيرة الفنان:
عبدالله سعيد بافضل من مواليد 1948م، في حضرموت، جاء إلى عدن في صباه، وسكن في الشيخ عثمان، وكانت القطب الآخر لعدن يوازي قطبها الأول (كريتر)، فالشيخ جغرافيا الفنان المرشدي الفنية وساحته التي يجول فيها، كما كانت كريتر جغرافيا الفنان أحمد بن أحمد قاسم.
جاء الحضرمي بافضل إلى حافة الهاشمي، وهي حافة يقطنها فنانون ومبدعون، منهم الفنان أبوبكر سكاريب، وعازف الإيقاع الأشهر أنور راجح. كان بافضل الطفل عاشقًا للفن والطرب حتى أنه يجمع أطفال الحافة ويغني لهم، وكان من عشقه يغني في المقهى بمصاحبة زميله أنور راجح، الذي يصاحبه بالعزف على طاولة المقهى.
وحين درس في كلية بلقيس في الشيخ عثمان، كانت الصدفة أن يُدرِّسه الشاعر صالح نصيب، وفي أوقات النشاط كان الأستاذ يستفسر الطلاب عن من يمتلك موهبة الغناء، فيشير الطلاب له إلى عبدالله بأفضل، فيطلب منه الغناء، فيغني أغاني ثورية للفنان حسن عطاء، ولم يكن يدرك أن الكلمات التي يغنيها من أشعار أستاذه صالح نصيب.
وفي عام 1965م كان هناك برنامج للهواة، فقدم لهم طلبًا للمشاركة فوافقوا، فقدَّم أغنية (راح الهوى) للموسيقار أحمد بن أحمد قاسم، وكان يصاحبه في العزف الفنان حسن فقيه، فنال استحسان الجميع، فبدأ الحظ يفتح أبوابه.
كان موظفًا إداريًّا في وزارة الدفاع، وأسهم في تأسيس الفرقة الفنية للقوات المسلحة الجنوبية، وفيها أحمد تكرير (عود)، وشكيب جمن (كمان)، وفضل تكرير، وفضل ميزر (إيقاع)، ومحمد زنقور (إيقاع)، ومحمد خان (إيقاع)، وعلي سالم النجار (كمان)، ومحمد سالم النجار (قانون)، وفؤاد عبدالله عوض (اكارديون)، وبدأ نشاطه في الغناء والتلحين، فضلًا عن أن الفرقة كانت تسجل لكبار الفنانين: محمد سعد عبدالله، وأحمد بن أحمد قاسم، ومحمد محسن عطروش، وعبدالكريم توفيق، ومحمد سالم بن شامخ.
انضم لفرقة التضامن في المعلا التي كان مقرها جيرش (جراج)، وقد تعلم فيها العزف على العود، وكانت الفرقة تضم المبدعين: سعيد بايمين، وفرج بايمين، وعبدالله حبشي، وعبدالله الصنح، وصالح بريشان (عود)، وحسن بامسطول، وجعفر حسن، وحسن بامطرف (ناي وكمان)، ويتردد عليها المبدعون: محمد سالم بن شامخ، والتوي، وأحمد بن غوذل. وقد تبنت الجمعية الحضرمية بعدن هذه الفرقة، وشاركت في احتفالات عدة، منها: عيد العمال، وحفل أقيم في حضرموت عام 1970م شارك فيه الفنان محمد سعد عبدالله.
وبعد عودة الفرقة من المكلا تفرق أعضاؤها، فأخذت فرقة القوات المسلحة عددًا من العازفين حين كلف الموسيقار جميل غانم برئاستها وقائد فرقتها العازف أحمد تكرير.
الأغنيات:
سجل لتلفزيون عدن أغنيتين عامي 1972م و 1973م، وهما من ألحانه وأدائه. وسجل لتلفزيون عدن أغنية (عيد العمال)، ولها حادثة ما زال يتذكرها الفنان بافضل؛ فعند الانتهاء من تسجيل الأغنية مباشرة تم إغلاق بث الإرسال التلفزيوني البرامجي، وتم استبداله ببث القرآن الكريم، وقد استغرب الفنان بافضل وبحث عن السبب، فقيل له إنه صادف حادثة طائرة الدبلوماسيين. وغنى مع فرقة الإنشاد مؤديًّا ضمن الجوقة الجماعية أغاني كثيرة. وشارك في السهرات التلفزيونية، وشارك الفرقة في رحلاتها الداخلية والخارجية.
الألحان:
لحن لزميله في فرقة الإنشاد الفنان الراحل فهد شاذلي مجموعة أغانٍ رياضية خاصة لنادي التلال. كما لحن لزميله الفنان أنور مبارك أغاني عدة، منها: (بلادي) كلمات د. عبدالمطلب جبر، و(بلادي عروس) كلمات محمد حسين الجحوشي، وهناك له الكثير من الألحان.
وفي فرقة القوات المسلحة نشأت علاقة حميمية بينه وبين الموسيقار شكيب جمن، أسفرت عن تقديم إبداعات فنية، وظهرت موهبة بافضل في التلحين، ففي بداية السبعينيات قدَّما للأطفال برنامجًا تلفزيونيًّا يعرض مواهب الأطفال، فكانت ألحان البرنامج من نصيب بأفضل، ومن كلمات حسين السباعي، استمر نشاطهما حتى عام 1975م.
انتقل الفنان والملحن عبدالله بافضل في عام 1977م إلى فرقة (أشيد)؛ لتقديم أعمال فنية لفئة الشباب، فقدم أعمالًا كثيرة في احتفالات (معرض المعارض)، وشارك في مهرجان الشباب العالمي الحادي عشر في كوبا.
تأسيس فرقة الإنشاد:
كان بافضل ضمن الدفعة الأولى التي درست في معهد الفنون والموسيقى بعد تأسيسه. كانت عدن في السبعينيات تتهيأ للتوحد في كل شيء، وتكون نظام الدولة الواحدة، فجاءت الدعوات لتوحيد الفرق الفنية في إطار حكومي واحد؛ لتقديم فرقة جماعية مهمتها تجديد الأغاني التراثية في قالب موسيقي، دون المساس باللحن التراثي، ومن الأسباب المساعدة أن الموسيقار جميل غانم أسس فرقة للأغاني التراثية، وفي نهاية السبعينيات جاءت دعوة من كبار الفنانين لتأسيس فرقة إنشاد، وكانت محاولات لتأسيس الفرقة من قبل الفنانين أحمد قاسم، وجميل غانم، ومحمد محسن عطروش لم يكتب لها النجاح بسبب انشغال أصحابها بأعمالهم الفنية الخاصة رغم أنهم سجلوا أغانيها الأولى.
لكن الفرقة الحلم تأسست على يد الموسيقار أحمد بن غوذل بقرار من وزارة الثقافة والسياحة عام 1979م؛ وذلك أن (الغوذلي) كان مدرسًا في معهد الفنون الجميلة، وقبلها كان مسؤولًا ثقافيًّا في وزارة الثقافة، فتأسست الفرقة في أبريل عام 1979م، وكانت تضم الفرقة المؤسسة الفنانين:
عبدالله بأفضل، وكرامة بن الوادي، وعبدالله الصنح، وأنور مبارك، وفتحية الصغيرة، وفتحية محسن، وجمعة محمد علي، وذكرى محمد سعيد. فضلًا عن الموسيقيين والعازفين. وبعد شهرين من تأسيسها وبالتحديد في يونيو 1979م جاءت دعوة للفرقة من حكومة الكويت للمشاركة في مهرجان (الترويح السياحي)، فذهبت فرقة الإنشاد ضمن وفد فني مع فرقة الرقص والأكروبات. وقدمت الفرقة أغانيها على مسرح سينما الأندلس في الكويت، قدمت أغنيات منها (ألا يا صبا نجد، ويا قلبي تصبر، يقول يحيى عمر من كم، عيونه دوبها تملك وتأسر، وأغنية كويتية) ونالت الإعجاب لدرجة أن وزارة الثقافة الكويتية أسست في العام نفسه فرقة للإنشاد الجماعي بعد أن سمعت فرقة الإنشاد، وعلمت أهمية الغناء الجماعي وتقبل الناس له. كما شارك الفنان عبدالله بافضل مع الفرقة في مهرجان الصداقة في الاتحاد السوفيتي عام 1980م. ثم انضم للفرقة أبوبكر سكاريب، ونجيب سعيد ثابت، وجميل العاقل، ونصر دحمان، وطارق حسن، وفهد شاذلي، والعنصرة، وفضل محمود، وكفى عراقي، وأمل كعدل، وماجدة نبيه، ووفاء أحمد سعيد وغيرهم.
قدمت فرقة الإنشاد في تاريخ مسيرتها، خاصة مسيرة الزمن الجميل، أغنيات تراثية ومعاصرة كثيرة، وكانت قد امتلكت قصب السبق في التوثيق لها، منها: يا من هواه أعزه، شل الشلن واصرفه سنتات، فاتنة وحليوه، شراحي، نجيم الصباح، سمارة، حمام في الوادي، أنا وخلي تراضينا، يا قلبي تصبر، أحبك يا غالي، وغيرها من الأغاني التراثية التي شكلت وجداننا.