د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 20 .. ص 4
رابط العدد 20 : اضغط هنا
مع أن العاطفة تدخل في إطار الشعور الإنساني الذي لا يمكن أن يسلم منه أحد، وتجعل سياق القول الذي ترد فيه أحلى، فإن تكريسها في مجال الكتابة العلمية يجعل السياق مزًّا، أو فجا، أو حامضا، يمارس من خلالها الكاتب خيانة عفوية لعلمه، وقد يقصد إليها، وهي تدعوه لتجميع ومضات إيجابية عما يحب، فتخل بصورة إرادية أو لا إرادية بنسق الكتابة العلمية لديه.
العاطفة تجعل الأفكار أيا كانت حيويتها محنطة، لأنها ذاتية، وشخصية، وأنانية، وتصيب القارئ بالضجر وهو يتابع تدخلها في توجيه الأفكار، وربما صناعتها، بحيث يشعر أنه في سجنها، والأدهى أن تغدو هي صورة العلم وتمثاله المتحدث باسمه، فتمارس دورًا كبيرًا من انتهاك العلم، في أثناء عرضها لهذيانها الجميل!!.
يمكن عد العاطفة من الشيطانيات الناعمة، كالمكياج على وجه متواضع جماليا، إنها ممارسة وقحة رغم نعومتها التي تستغفل القارئ عن كثير من الحقائق، وبما أنها لا يمكن التخلص منها مطلقا، فلا ضير من أن تأتي شاحبة أو باهتة قدر الإمكان، كالمكياج الخفيف الذي لا يزوّر ملامح الوجه الأصل.
قد تأتي العاطفة باسم القيم، وهي تسوغ عاطفيا لما ليس كذلك، إنها تهادن القارئ، لكنها في الواقع تطعنه، وتقلب عليه ما يريد أن يعرفه، لاسيما مع الكتب التي انقطعت عن القراء علامات الاختراق العاطفي التي أصابتها. إنها لا تجعله يثأر لما يمكن أن يراه من خطأ، بل تهجنه لصالحها، إلا إذا أدرك ألاعيبها فإنه يتمرد عليها حينئذ، وربما بعنف.
يمكننا التوافق مع العاطفة إلى حد ما، بحيث لا تتجاوز حدودها وتقلب الموازين، كذلك المسمى العاطفي الأسري الذي دخل إلى مسميات بعض دروس النحو كقولهم (كان وأخواتها) و (إن أخواتها) بدل المسميين العلمين (الأفعال الناقصة) و (الأحرف الناسخة).
وعلى أية حال فمهما كانت العاطفة فاعلة، فإنها في المجال العلمي مصنوعة من قصدير سرعان من يعلوها الصدأ، وتتلاشى مع أول عمليات الصنفرة، أو تتساقط مع ضربات المطرقة الأولى.