سالمين باسلوم
حاوره / سالمين باسلوم
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 20 .. ص 65
رابط العدد 20 : اضغط هنا
توطئة:
الشيخ التربوي الأستاذ/ سالم سعيد عبيد باريدي (رحمه الله)
عرفناه.. من سني تكويننا الدراسي الأولى.. معلماً جاداً.. مثابراً.. متواضعاً.. لا يرتاح له بال إلا إذا سارت حصة الدرس إلى غايتها التي يراد لها..
كان محباً لوظيفته كمعلم..
وينقل عن أحد زملائه أنه كان يقول: “وددت أنه لا توجد إجازة صيفية للتلاميذ”.. وذلك حباً ورغبة منه في المزيد من العمل في المدرسة.. وكان يقضي جل وقته في المدرسة..
يأتي مبكراً.. ويغادرها متأخراً..
كان يجلس مع تلاميذه يتعرف على معاناتهم اليومية في داخل الصف.. ويسعى جاهداً.. ومخلصاً.. إلى علاج مشكلاتهم أولاً بأول..
لم نكن نعرفه.. إلا معلماً.. كان يحترم الإدارة المدرسة “المدير”.. وكان منضبطاً في حضوره وانصرافه.. ويقدر جهد الإدارة المدرسية، ويسعى قدر استطاعته لمساعدتها في نجاح عملها.. فهو يؤمن بأنه جزء من هذه الإدارة وهذه المدرسة.. وأن له نصيباً فيها من الرأي والمشورة وتحسين الأداء وتطويره.. في إطار صلاحياته.. ومسؤولياته.
وبقدر ما يؤدي ما عليه من واجبات تجاه التلاميذ داخل الصف وخارجه.. يحق له أن يطالبهم بالطاعة والاحترام.. لذلك كان شديداً مع التلاميذ الذين لا يحترمون نظام المدرسة أو يقللون من احترامهم للمعلم.. وفي الوقت نفسه عطوفاً وودوداً مع التلاميذ المقبلين على التعليم.. المحترمين للمعلمين.. قولاً.. وسلوكاً.. وتعاملاً.. وأخلاقاً.
كان محباً للاطلاع والقراءة، وينصح تلاميذه دوماً بحب القراءة والاطلاع وعرفنا عنه.. فيما بعد.. أنه كان من رواد المكتبة السلطانية.. بل هو من أبرز روَّادها في ذلك الزمن الجميل.. وكتب مقالات عدَّة في صحف ذلك الزمان.. كصحيفة الطليعة والرأي العام، والرائد.
وحقيقة.. كنت قد التقيت الأستاذ والشيخ التربوي / سالم سعيد عبيد باريدي في بيته قبل وفاته- عليه رحمة الله- وكان يجلس بجانب مكتبته المنزلية التي تضم الكثير من الكتب والمراجع والمجلات التي كان يشترك فيها شهرياً كمجلة العربي الكويتية، ومجلة الهلال المصرية.. وغيرها.
فقدنا أستاذنا المربي الشيخ الفاضل / سالم سعيد عبيد باريدي في 27 رمضان 1441هـ الموافق 20 مايو 2020 م … رحمة الله تغشاك أستاذنا.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
– بدأت الالتحاق بسلك التدريس بعد تخرجي في المدرسة الأهلية بالمكلا.. وكان التعليم الأهلي ذا مرحلتين، مرحلة الابتدائية والأخرى ما يشبه الإعدادية.. كان ذلك أيام حكم السلطنة القعيطية.. في حوالي عام 1957م.
…………………………………………..؟
– خدمت في التدريس (45) عاماً دراسياً.. عشر سنوات منها في التعليم الأهلي وخمس وثلاثون سنة دراسية في التعليم الحكومي.. وأتذكر من زملائي في التدريس المدرس/ حمزة محسن السقاف والمدرس/ مبارك عوض ربيع.. كان يعمل في التربية وفي القسم الفني وبعد ذلك تحول إلى دائرة محو الأمية.. والمدرس/ إبراهيم محمد السقاف.. وكثيرون.
– كانت أجواء التعليم زمان مشجعة.. تؤدي حصتك ودرسك على أحسن ما يكون.. طلبة مثاليون.. ومجتمع مثالي.. وتربية مثالية.. وقد توليت في تلكم السنين مسؤولية مدارس.. وأدرس ثلاثين حصة في الأسبوع ومعي مسؤولية مدرسة.. تخيَّل!! ولا نشتكي.. ولا نصيح.. نعمل بكل تفان وإخلاص.. وأمانة.. لأن معلم زمان متسلح بالصبر وبالإيمان، وبرسالة التعليم وبحب العلم والتعليم.. وبحب العمل.. والكثير من معلمي اليوم لديهم ذلك ولكن بشكل ضعيف.. وأكثرهم يجرون وراء المادة.. إلى جانب العامل السياسي الذي أثر تأثيراً واضحاً في مخرجات التربية والتعليم في كل النواحي.
نعم.. نعم.. أعتز بالعمل مع بعض المديرين والمعلمين الأكفاء وعندهم أهلية كالأستاذ يحيى بن علي الحاج.. وواحد من حضرموت الداخل اسمه / أحمد بريكان هذه الشخصيات التربوية وغيرها أثَّروا فينا.. كانوا يعملون في مدارسهم بجد ويشجعون على العمل وكانوا يدلُّونك على الأجود والأفضل.. فكانوا خير المديرين الذين عرفناهم، كم أتمنى أن ينال المعلمون والتربويون استحقاقاتهم وحقوقهم ومطالبهم كلها.. وأن تكون مدارسنا منارات إشعاع وركائز مضيئة لنلحق بركب الأمم الناهضة.. فلا حياة اليوم.. حياة كريمة إلا بالعلم وبالجد والمثابرة والمساعي الحثيثة نحو الغد الأرحب.. فالطريق طويلة والبحر غزير والآمال كثيرة والطموح أكبر.
– نعم.. بخصوص المتقاعدين التربويين نسأل الله أن يمد في أعمارهم.. وأقترحُ في هذا الشأن أن يبادر مكتب وزارة التربية والتعليم في المحافظة المحمية بعون الله وحفظه وكرمه إلى إنشاء أو تكوين مجمع تربوي أو منتدى أو نادٍ للمتقاعدين، والاستفادة من ذوي الخبرات والاختصاص والمهارات والكفايات العالية، والاستفادة من عطاءاتهم وقدراتهم في المجالات التي كانوا يعملون بها بدلاً من تركها تضيع وتهدر في دهاليز الإغفال والتناسي والإهمال.
أقول لكم.. إنَّ كلي شوق وشغف إلى اليوم الذي أرى فيه إعادة حصص المكتبة المدرسية.. ضمن البرنامج الدراسي.. لما للمكتبة من دور مهم في تنشئة الأبناء، وإكسابهم المزيد من المعارف والعلوم أثناء القراءة الحرة وبتوجيه من المربين.. زيادة على ما يستجد من نهضة وتطور في كل مناحي الحياة في العالم كله.. لذا على الأبناء الولوج في عالم القراءة والكتاب.. هذا العالم الواسع حتى ينالوا حظاً من الثقافة العامة وينال كل منهم بغيته.
– في البداية، وقبل الاستقلال كان المجال حراً للكتابة.. كنت أكتب في صحيفة (الطليعة) مقالات عدَّة.. ومن ضمنها سلسلة مقالات ما قبل الاستقلال.. وكانت مجرد خواطر وأحاديث اجتماعية وتربوية وسياسية.. وكتبت في صحيفة (الرأي العام) وغيرها من صحف ذاك الزمان.. ولكن لما جاء الاشتراكي (الله يصلحه) ويصلح جماعته.. كمَّم الأفواه، ومن قال كلمة، قالوا له: هات معناها.. والحليم تكفيه الإشارة!!
– في تلك الفترة كان فيه نشاط نقابي تربوي تتنافس فيه نقابتان، نقابة المعلمين، ونقابة المهن.. وكنت متحمساً لنقابة المعلمين وأفضِّلها على النقابة الأخرى، وكان فيها الأستاذ الشيخ التربوي / عمر محمد بن سهيلان (رحمه الله).. والحقيقة إنَّ نقابة المعلمين لها من اسمها نصيب فهي تخص المعلم الذي يمارس الطبشورة والسبورة، أما نقابة المهن.. فهي تضم السائق والكاتب والإداري والمعلم وغيرهم.
وأتذكر أنَّه كانت هناك احتكاكات بين الجبهة القومية وجبهة التحرير.. وأقحموا النقابتين معهم في صراعاتهم السياسية.. وكتبت مقالاً في ذلك الوقت بعنوان: (لا أريد إلا الإصلاح ما استطع) وكتبت رأيي فيما يحدث.
– نعم.. وهناك نشاط ديني مارسته في مجال تدريس القرآن الكريم وتحفيظه في المساجد .. والفكرة جاء بها وشجعنا عليها الشيخ الأستاذ/ عوض محمد بانجار (رحمه الله).. وكان يلقي دروسه في مسجد (جامع البلاد)، وكانوا يطلقون عليه في ذلك الوقت مسجد (بن شاهين).. واستطاع الشيخ/ عوض بانجار تشجيع الشباب وتحفيزهم على عمل الخير ودراسة القرآن وتحفيظه.. وعندما غادرَنا بانجار ترك ثغرة كبيرة عندنا في حي الشهيد.. وفكَّرنا نحن في إحياء حلقات القرآن في مسجد جامع البلاد.. والشباب كان عندهم الميول التي عندي فاجتمعنا مع بعض وأحيينا هذه الحلقات.. وقد شجعنا المرحوم بإذن الله تعالى/ عمر محمد بامدهاف.. وكان خير داعم لهذه الحلقات.
– من الأشياء التي تركت أثراً سيئاً في نفسي وخاصة من جانب مكتب وزارة التربية والتعليم أنني كنت أتابع مؤهلي.. ومرتبي.. إذْ كانوا- للأسف- يعاملونني بشيء من الجفوة.. وجلست ثماني سنوات وأنا أتابعهم من أجل تعديل الراتب والشهادة.
أما الخبر الذي فاجأني هو سماعي لخبر وفاة الزميل العزيز/ صالح فرج بامطرف/، ولم أكن أعرف أنه متوفٍ إلا من خلال ما قرأته في نشرة (أخبار التربية) التي كانت تصدر عن مكتب وزارة التربية والتعليم ساحل حضرموت.. وقد كان بيني وبين المرحوم احترام كبير نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته.
– نعم.. لأنهم ظلموني في مرتَّبي.. وأنا أتابعهم فترة طويلة من أجل تعديل الراتب والشهادة إلى المعاش، إذْ معي شهادة جامعية من كلية التربية دبلوم / تخصص لغة عربية.. وأحلت للمعاش التقاعدي عام 2003م بشهادة الثانوية ولم يتم تعديل الشهادة إلى الشهادة الجامعية، وتقاعدت وكان راتبي حينذاك سبعة وخمسين ألفًا وعشرين ريالاً (57020) ريالاً، وهذا من الأشياء التي تركت أثراً سيئاً في نفسي.
وأرجو أن ينظروا إلى تظلمي في رفع راتبي وتغيير شهادة تخرجي من ثانوية إلى جامعية.. وضمها إلى ملف الخدمة ورفعه لإدارة المعاشات.. هذا ما أتمناه.
– على فكرة.. كان لي دور في الأنشطة المدرسية الصحية.. أخذت دورات صحية في مستشفى باشراحيل بالمكلا عام 70/1971م، وكان النشاط المدرسي الصحي في المدارس في ذلك الوقت ممتاز جداً.
– كرمت مرة واحدة.. بعد ما أحلت إلى المعاش التقاعدي من قبل مكتب وزارة التربية والتعليم بساحل حضرموت عام 2010م في احتفال يوم المعلم في مركز بلفقيه الثقافي.
– أتذكر موقفاً طريفاً حدث معي.. وأنا تلميذ صغير في الابتدائية.. في المدرسة الأهلية بالمكلا.. لم أكن أعرف ما معنى: الامتحان؟! وصادف يوماً أن عملوا امتحانًا في المدرسة، وأخبرونا أنه في نهاية الأسبوع سيختبروننا في هذا الامتحان.
وسألت: ما الامتحان؟
قالوا لي: الامتحان فيه ناس يفوزون وفيه ناس يسقطون.
وأنا خفت من كلمة يسقطون!! لم أفهم بعد.. ما المقصود بالسقوط؟
ففزعت.. وخفت.. وغبت أسبوعاً كاملاً عن المدرسة إلى أن انتهى الامتحان.. ولما أدركت ذلك فيما بعد.. ضحكت على نفسي كثيراً.
– إن على المعلم مسؤوليات كبيرة.. فأنا أشوفهم هذه الأيام – أعني المعلمين – يدخلون الصف ولا يعرفون كم عدد طلبة الصف، ولايسألون عن أسمائهم، ولايسجلون الغياب في حصصهم.. نحن كنا زمان ما ندخل الصف نسأل عن الغياب ونسجل أسماء التلاميذ وفي اليوم التالي نوقفهم ونعرف منهم سبب غيابهم ويأتي الجزاء من جنس العمل.. كما كنا نعرّفهم بأنفسنا.. ونسجل ذلك على السبورة.. ونحاول أن نتعرف عليهم واحداً واحداً وعلى أحياء سكنهم.. وغيرها من المعلومات.. هكذا كانت تمشي الأمور في المدارس زمان.
– رسالتي للتربية والتعليم وهم عليهم في مكتب الوزارة مهام جسام.. أنا أرى منها إلغاء الفترة المسائية.. وأن يضعوا هذا الأمر في أولوياتهم.. لأن التعليم في هذه الفترة قضى على جوهر التعليم وأصبحت هذه الفترة يسودها اللامبالاة وعدم الانضباط وتدني في مستوى التحصيل العلمي.. وعندهم اليوم إمكانيات كبيرة جداً ولكن الأمر في اعتقادي يحتاج إلى شجاعة وأمانة وإخلاص وشعور بالمسؤولية.
الشيخ التربوي/ سالم سعيد عبيد باريدي (رحمه الله)
في سطور:
كان جوابه: سأختار وبكل فخر مهنة التدريس.. لأنها مهنة إنسانية.