الشيخ : علي بن سالم بن سعيد بكير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 20 .. ص 70
رابط العدد 20 : اضغط هنا
(1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد فهذه ملاحظات تأريخية، واستدراكات علمية، كتبتها منبِّهًا على ما جاء في تعليقات ( باذيب ) على كتاب ( إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت )، للسيِّد العبقري العلامة الفذ عبد الرحمن بن عبيد اللاه السقاف رحمه الله تعالى، في الطبعة التي أصدرتْها ( دار المنهاج ) بجدة ، وكان عدد صفحات الكتاب في هذه الطبعة ( 1110 ) ، وقيمة النسخة من هذه الطبعة (2800 ) ريالٍ يمنيٍّ . في حين كان عدد صفحات النسخة في الطبعة التي سبقتها ( 616 ) ، وثمنها ( 800 ) ريالٍ يمنيٍّ فقط ! ولو كانت هذه التعليقات التي أثقلت كاهل الكتاب، وضاعفتْ قيمته المادية أكثر من مرتين، وزادتْ من صفحاته إلى ما يقارب الضعف، أقول لو كانت هذه التعليقات ذات فائدة تذكر أو لو أنها جاءت في كتاب مستقل لما كان لنا أن نأسف أو نحزن أو نعترض ، لكن أن تجيء هذه الزيادات والإضافات في كتاب تأريخي جغرافي، لكاتب عملاق، وأديب فذ، في حجم العلامة الكبير ابن عبيد اللاه، فذلك ما يملأ النفس أسًى، ويقطع الكبد حسرات، ولسْنا بهذا نعطي العصمة لابن عبيد اللاه ولا لغيره، فما زال العلماء ينبِّهُ بعضُهم على بعض، ويستدرك لاحقُهم على سابقهم، ولكن أين هذا من صنيع باذيب؟! الذي استعرض معلوماته في هذه التعليقات، وخرج بالكتاب عن مجراه الطبيعي من التأريخ والجغرافيا، وجعل منه كتاب مناقب وتراجم لفئة معينة ممَّن سكنوا حضرموت ، وكان بإمكان ( باذيب ) أن يخرج معلوماته تلك في كتاب مستقلٍّ، ينسبه لنفسه، وينظر من يقرأ له ، أو كم سوف يدر عليه من الريالات .؟! في الوقت الذي كان في وسع العلامة ابن عبيد اللاه أن يجعل كتابه هذا في المناقب والتراجم لو أنه أراد ، وهو أقدر على ذلك من باذيب نفسه . مع أنه قد جاء على غلاف الطبعة التي علق عليها باذيب تحت اسم الكتاب : ( معجم جغرافي تاريخي أدبي اجتماعي ) ، ( طبعة محققة مهذبة متمّمة مفهرسة ) ، وجاء في صفحة أخرى أسماء اللجنة العلمية للكتاب ذكر أسماء عشرين شخصًا ، جاء اسم باذيب أوَّلَها، وكتب عليه أنه عُنِي به تأريخيًا، فأين هي العناية التأريخية أو غير التأريخية التي بذلها باذيب لخدمة الكتاب ؟ وقد حذفت من نسخة الكتاب المخطوطة في بعض المواضع صفحات بكاملها في هذه الطبعة المحقَّقة المهذَّبة المتمّمة ، بل إننا نجد الحذف في بعض المواضع بين هذه الطبعة وطبعة (المقحفي) التي لم تنفدْ نسخُها بعدُ من الأسواق عندما ظهرت طبعة دار المنهاج، التي تحمل العشرين اسمًا في لجنتها العلمية . وكمثال على ذلك ما جاء في ترجمة السيد علي بن محمد الحبشي عند ما ترجم له ابن عبيد اللاه في معرض كلامه عن سيئون .
(2)
وفي الواقع أنه لم يكن في نيَّتي التعرُّضُ لبحث هذه التعليقات أو الرَّدُّ على صاحبها ، وليس عندي من الوقت متسَّعٌ لذلك، بيد أني رأيْتُ كثيرًا من القُرَّاء إنْ لم نقلْ أكثرهم لا يعرفون شيئًا عن مؤلِّف الأصل السيد ابن عبيد اللاه عليه الرحمة والرضوان، وليست لديهم الخلفية التأريخية التي يستطيعون بها التمييز بين الغث والسمين، وبين الصحيح والسقيم، وقد يضعون الثقة في هذه التعليقات التي قلبتِ الحقائق التأريخية رأسًا على عقب ، وقد جاء فيها صاحبُها بالمضحك المبكي ، وستصبحُ هذه التعليقات في يوم من الأيام حقائقَ ثابتةً غيرَ قابلة للنقاش إنْ لم تُفنَّدْ ، كما أصبح للأسف الشديد كتاب المقحفي ( معجم البلدان والقبائل اليمنية ) من مصادر باذيب في تحقيقه لكتاب ابن عبيد اللاه، ومن مصادر الموسوعة اليمنية التي أصدرتْها مؤسسة العفيف الثقافية .
(3)
لقد صُدِّرَتْ هذه الطبعة بمقدَّمة كتبَها الشيخُ حمد الجاسر عندما قام بنشر كتاب إدام القوت أوَّلَ مرَّة في مجلة ( العرب )، وتصدير الكتاب بهذه المقدمة شيء جميل وحسن، لكن الشيء الذي لا ينبغي أن يكون هو التعليقات الكثيرة المُقحَمة على هذه المقدمة التي بلغت (29 ) تسعًا وعشرين تعليقة ، في حين جاءت المقدَّمة نفسُها مع التعليقات التي أدخلت عليها في ( 14 ) أربع عشرة صفحة ، أي أن هذه التعليقات كانت أكثر من المقدَّمة نفسِها ، وما هي هذه التعليقات ؟ هي عبارة عن تراجم لشخصيات ليسَ لها أية علاقة بالكتاب ولا بموضوعه ، فما يكاد الشيخ حمد الجاسر يذكر أيَّ اسم حتى يبادر هذا المعلِّق فيقوم متبرِّعًا، بلْ متطفِّلًا بالتعليق على التعليق ، فيكتب ترجمة طويلة لهذه الشخصيات ، فقد ترجم للسيد ( هادون العطاس ) والمستشرق ( سارجنت ) ، ولم ينسَ أنْ يُتحِفَنا بسنة ميلاده ، وأين تعلَّم ، والأعمال التي قام بها ، وأسماء مؤلفاته ، وسنة طباعتها ، كما ترجم في تعليقاته على هذه المقدَّمة للسيد عبد اللاه الحبشي، وللسيد عبد الله بن محمد السقاف، وبنته السيدة خديجة، والسيد إبراهيم السقاف، والسيد أحمد السقاف، والشيخ الناخبي، والمستشرق فاندرمولن الذي استغرقت ترجمته من هذه التعليقات سبعة وثلاثين سطرًا ، وقد استدرك في هذه التعليقات على الشيخ حمد الجاسر، وكان الحق فيها مع الشيخ الجاسر مثل قول الجاسر : ” إن أسرة آل السقاف تنمى إلى السيد سقاف بن محمد بن عمر الصافي العلوي النسب ” ، فيأتي باذيب ليقول مستدركًا على الجاسر: ” بل تنمى إلى الشيخ الكبير عبد الرحمن السقاف المتوفى بتريم سنة ( 819 هـ ) عن (80) عامًا “.
(4)
قال السيد ابن عبيد اللاه بعد مقدمة قصيرة لم تستغرق سوى أحد عشر سطرًا، واستغرقت تعليقات باذيب عليها ثلاثين سطرًا، في تسع تعليقات لم تكن مقدمة السيد ابن عبيد اللاه في حاجة إليها ، ثم يأتي أوَّل عنوان من عناوين الكتاب الأصلية فيقول ابن عبيد اللاه رحمه الله في رأس صفحة (41) : ( حضرموت ) ” ساكنة الضاد ، مفتوحة الميم ” فيأتي المعلِّق ليقول : ” حضرموت بالفتح ثم السكون وفتح الراء والميم ، ومنهم من يضم الميم فيجعلها حضرموت على وزن عنكبوت ” فماذا صنع باذيب بهذا الضبط بعد ضبط المؤلف ؟
قال ابن عبيد اللاه في صفحة : ( 48 ) “وأنشد ياقوت لبعض شعراء الحضارم :
جاب التنائف من وادي سكاك إلى ** وادي الأراك إلى بطحاء أجياد
وهو في عدة أبيات لها قصة طويلة أوردها الهمداني في الإكليل وغيره ” . فيقوم باذيب بالتعليق على كلام ابن عبيد اللاه هذا متبرِّعًا بنقل القصة بحذافيرها من الإكليل مع الأبيات بكاملها في ( 34 ) سطرًا ، فهل بلغ به ظنُّه أنَّ السيِّدَ ابن عبيد اللاه ينتظر حتى يأتي باذيب فيكمل معلوماته رحمه الله ؟ مع أن من المعلوم عند علماء الحديث والسير والتأريخ أن القصة موضوعة . ولعلَّ هذا هو ملحظ ابن عبيد اللاه في تركه لرواية هذه القصة . وإن مثل هذا التصرف يعطي صورة واضحة للتدخل في صميم تفكير المؤلِّف، الذي عُرِفَ عنه منذُ صِبَاه أنَّه يرفضُ فرضَ الرأي بالإكراه ، ونفورُه الشديد من التبعية والتقليد الأعمى .
لقد كثرت في الكتاب التعليقات المقحمة التي ليست لها أية صلة بالنص ، فهي مما لا يوضح غامضًا ، ولا يفصِّل مجملًا ، وكمثال على ذلك التعليقة التي جاءت في صفحة : (58) تحت رقم (3) وكان أوَّلُها : ” وكذلك من الأمور التي اشتهرت بها حضرموت ما يلي … ” وسرد لنا المعلِّق تحت هذا الرقم سبعة أسطر كاملة سردًا مُمِلًّا بعيدًا كُلَّ البُعدِ عن الموضوع الذي هو في صلب الكتاب ، ومثلها التعليقة التي جاءت في صفحة (65) تحت رقم (1)، والتي نقل فيها أربعة أسطر من كتاب : الشامل للسيد علوي بن طاهر الحداد المعاصر للسيد ابن عبيد اللاه . ومثلها التعليقة التي بعدَها والتي صدَّرها المعلِّق بقوله : ” يُستفَادُ بعد التمحيص والسبر … “
أما في صفحة (67) وعندما كان المؤلِّف ابن عبيد اللاه يتكلم عن منطقة : (بالحاف) تحت عنوان رئيس في صلب الكتاب ، وعرَّفه بقوله : ” هو من وراء عين بامعبد إلى جهة الشرق ، وهو مرسى لآل أحمد بن هادي آل عزان “. جاء هذا المعلِّق المتحذلق بتعليقتين استغرقت إحداهما تسعة عشر سطرًا، يقول فيها ما يلي عن الشيخ سعيد بن عمر بلحاف ( القرن السابع الهجري ) : ” أحد كبار الأولياء العارفين بالله ، ومن أعيان صوفية حضرموت في العصور الوسيطة ، تخرج بالإمام الكبير الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي ( ت356 هـ ) ، ولعل هذه المنطقة تنسب إليه أو إلى أسرته المعروفة بها ، كان هذا الرجل من الأكابر ، ولكن لم تصل إليه أقلام المؤرِّخين ، ولم يترجموه في كتبهم ، واكتفوا بإشارات عابرة فقط ، كان من أهل الذوق والوجدان والعرفان ، له شعر رمزي عجيب غريب ، عثرتُ في بلدنا شبام على مجموعة صغيرة من شعره ، وقد كان للسادة بني علوي اهتمام بشعره ، واعتنى جماعة منهم بشرح بعض قصائده الغريبة الفريدة سنأتي على ذكرهم ، ومن الآخذين عنه والمعاصرين له الشيخ الجليل عبد الله باعلوي حفيد شيخه الفقيه المقدم كما ذكر في ترجمتهما من “المشرع” ” . ثم ذكر لنا المعلِّق شُرَّاح شعر بالحاف هذا ، ولم يبخل على القراء أن يتحفهم بنموذج من شعره ، فذكر لنا مطلع إحدى قصائده وهو : ” نحن لكم من قبل أن يولد نوح …” . وانظر إلى هذا الاستنتاج العجيب المقلوب المنكوس المعكوس ؛ إذ جعل البلد المنسوب إليها الرجل – إن صحت نسبته إليها – جعلها منسوبة هي إليه أو إلى أحد أفراد أسرته ، ثم انظر أيها القارئ ـ وإنني مشفق عليك من أن يصيبك الغثيان بعد سماعك لهذا الهذيان ، الذي هو أبعد ما يكون عن السياق التاريخي والجغرافي الذي هو موضوع الكتاب ـ انظر كم خرج بنا وبك هذا المعلِّقُ عن السياق الأصلي إلى سياق صوفي أسطوري ، هو أبعد ما يكون عن تفكير المؤلِّف وموضوع كتابه ، حتى ننسى أننا مع كتاب ابن عبيد اللاه ( في ذكر بلدان حضرموت ) ، فنكون مع كتاب جديد في هامشه لباذيب ( في ذكر صوفية حضرموت ) ، كان حريًّا به أن ينشره ويستعرض فيه معلوماته ، وأنْ يشرِّق به ويغرِّب، ولكن لا يحقُّ له بأي مقياس من المقاييس أن ينشره متطفِّلًا به على كتاب ابن عبيد اللاه ، وليتصوَّر القارئُ كَمْ يكونُ غضبُ ابن عبيد اللاه ـ وله الحقُّ أنْ يغضب ـ عندما يقرأ مثل هذه التُّرَّهات في كتاب له، حرص كل الحرص أن يخرجه للناس في أنصع صوره، وأبين منطق ، ولم يكن ابن عبيد اللاه تعجزُه مقدرته العلمية – وهو مَنْ هو – أن يجمع لنا في كتابه هذا أضعاف أضعاف معلوماتك أيها الباذيب ، ولكنه كما عرف عنه يتميز باحترام تخصُّصه، ودقة تحرِّيه، والبعد عن التفكير الخرافي ………….. ومثل هذه النماذج من هذه التعليقات كثير، بل هي أكثرها، وكمثال على ذلك انظر كيف يُحِيلُكَ هذا المعلِّق في التعليقة الثانية من هذه الصفحة إلى كتاب : ( ما جاد به الزمان من أخبار مدينة حبان ) .
وفي صفحة : (70 ) قال : ابن عبيد اللاه : ” ثم انعقدت بأثرها على القرب بينهم معاهدة أخرى بتاريخ ( 22 نوفمبر ) من السنة المذكورة “. فيأتي المعلِّق ليشرح لنا أن نوفمبر اسم الشهر الحادي عشر من شهور السنة الشمسية الميلادية بحسب التقويم الرُّومي، ثم يرسم لنا جدولًا في الهامش فيه أسماء الشهور الرومية وما يقابلها من الشهور السريانية ، فهل نسي باذيب ما هو عمله في هذا الكتاب ؟ وهل هذا التفسير لشهر نوفمبر يدخل في موضوع تحقيق الكتاب أوتهذيبه أوتتميمه أو فهرسته أو العناية به تاريخيًا كما جاء في صفحة العنوان لهذه الطبعة ، وإذا كان الأمر كذلك فليفسرْ لنا أيضًا معاني كل كلمة وردت في النص المذكور ، ويأتي لنا بما يقابلها من اللغات الأخرى .
وفي صفحة (92) كان المؤلف يتحدَّث عن ( حجر) حضرموت. فيعلِّق عليها باذيب بتعليقة استغرقتْ خمسة أسطر، لم يأت فيها بجديد ، ثم قال ابن عبيد اللاه : ” وباليمن موضع يقال له حجر على مسافة عشرة أيام من زبيد “. علق باذيب عليه بما يأتي : ” زبيد هي البلدة المشهورة ، صنّف في تاريخها مصنفاتٌ، أجودها لابن الدَّيبع الشيباني ، ومن أجمل ما كتب عنها الكتاب المسمى : زبيد مساجدها ومدارسها العلمية في التاريخ ) للأستاذ الفاضل : عبد الرحمن عبدا لله الحضرمي ( 1933 ـ 1993 ) رحمه الله ، صدر عن المركز الفرنسي للدراسات اليمنية بصنعاء في : ( 2000م )”
وحقُّ هذا الكلام أن ينشر في صحيفة يومية لا أن يعلق به على موضوع الحديث عن حجر حضرموت ، ولو أنه حدَّثَنا بشيء عن حجر اليمن لكان له بعض العذر . وفي صفحة (97) كان المؤلِّف يتكلَّم عن قبائل نوّح فقال : ” ومنهم الخامعة تشمل باصرة وباقديم وباسلوم وبارشيد ….. “. فيعلِّق باذيب بقوله : ” آل باصرة هؤلاء غير آل باصرة سكان حوفة وتولبة من بلاد وادي دوعن الأيسر ، فإن أولئك سادة أشراف من بني علوي الحسينيين، وسيأتي التنبيه على هذا في موضعه لاحقًا “. ونحن نقول له: مادام أن السيد ابن عبيد اللاه يعدِّد قبائل الخامعة فما هي فائدة تعليقك هذا؟! لولا أنه من باب عرض المعلومات والتكثر بما لم تعط ، ومادام أنه سيأتي التنبيه على هذا في موضعه لاحقًا فلماذا تشغلنا بالتنبيه عليها هنا مع أنَّ المقام نفسه لا يحتاج إلى تنبيه أصلًا لا هنا ولا هناك !. وفي صفحة(103) يذكر السيد ابن عبيد اللاه في معرض حديثه عن حجر فيقول نقلًا عن شيخه المشهور: ” وللسيد أبي بكر البيتي ابن إبراهيم بن السقاف عقب منتشر بحجر وكنينة “. فيعلِّق على ذلك باذيب بترجمة للسيد الفاضل محمد رشاد البيتي، يذكر لنا فيها سنة مولده وشيوخه وطلبه للعلم وتخرجه في القضاء وآثاره العلمية ومحل إقامته الآن … ثم ذكر أيضًا السيد العلامة أحمد الغزالي وطلبه للعلم وتولِّيه للقضاء، ثم انتقاله بعد ذلك إلى عمان ولا ينسى أن يذكِّرنا بأنه صهر العلامة السيد حامد الجيلاني الآتي ذكره في الخريبة وأنه من شيوخ القاضي محمد رشاد وأنه توفي سنة 1380 هـ تقريبًا ، ثم تلتْ هذه تعليقات أخرى كلُّها تختص بنسب السادة الأشراف آل أبي علوي مما ليس له أدنى تعلُّق بموضوع الكتاب الأصل وسياق الحديث عن التعليقة أربع حجر وإنما محل هذه المعلومات ( القيمة ) هي ذاكرة المعلِّق باذيب . وفي صفحة (105) عند ذكر المؤلِّف ( لبروم ) قال: ” هي مرسى حصين من عواصف الرياح أحصن من مرسى المكلا ـ على حصانته ـ فإليه تأوي السفن عند اضطراب الأمواج وهيجان البحر، وهو واقع بين ميفع والمكلا “. فكرَّر باذيب هذه المعلومات نفسها في تعليقة استغرقت أربعة أسطر، في حين لم تستغرق هذه المعلومات في الأصل سوى سطرين و ختم هذه التعليقة بقوله : ” وقد شهد العديد من الحوادث سيذكرها المؤلف هاهنا “، ونقول له: مادام أنه سيذكرها هاهنا فما فائدة كلامك هذا إذن ؟
وفي صفحة (106) لم يكتف باذيب بما أثقل به الأصل من التعليق المقحم حتى ذهب ليتحفنا بعنوان يحمل لنا فائدة هامَّة، ترجم فيها للسيد حسن بروم، مبيِّنًا سبب تسميته بهذا الاسم، وتبرع بذكر سنة وفاته، وتفلسف فلسفة غريبة عجيبة، ليس لها أدنى علاقة بموضوع الكتاب .
وفي صفحة (107) قال السيد ابن عبيد اللاه : ” ومن أعيان بروم في القرن الثامن الشيخ مزاحم بن أحمد باجابر “. علق باذيب على ذلك بقوله : ” صوابه القرن التاسع وإنما لم يقف المؤلف على تاريخ وفاته فظنه من أهل القرن الثامن، وكانت وفاته كما في تاريخ شنبل سنة … 817 هـ “. ونقول: إن كلام ابن عبيد اللاه هو الصواب؛ لأن الشيخ مزاحم عاش جُلَّ سنيِّ حياته في القرن الثامن فنسبته إلى القرن الثامن أنسب من نسبته إلى القرن التاسع كما هو واضح .
وفي صفحة (120) يتحفنا باذيب بفائدة لتحويل التاريخ الميلادي إلى الهجري ، ونقول له شكر الله لك صنيعك بما تتحفنا به من فوائدك واستعراض معلوماتك عن القبب والزيارات والمزارات، ولكننا نذكِّرك في الوقت نفسه بأن هذه الفوائد النفيسة ليس محلُّها هوامش كتاب إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، وإنما محلُّها مذكراتك الخاصة، وذاكرتك التي تختزن مثل هذه المعلومات ذات التوجه الميتافيزيقي، وليس في كتاب يُعنَى بالجانب الفيزيائي الجغرافي المحسوس .
أما في صفحة (130) فيتحفنا (المحقق) باذيب بتسعة أسطر، ترجمة منه للضابط السياسي إنجرامس، لا ينسى فيها ذكر سنة مولده، ومشاركته في أحداث الحرب العالمية الأولى، وترقيه إلى رتبة ملازم، وما كان له ولزوجته من أعمال خيرية بحضرموت كما يزعم باذيب . والحقائق تؤكِّد والواقع ؛ والناس يعرفون في حضرموت ما هي أعمال إنجرامس الإجرامية في البلاد والعباد .
وفي صفحة (148) تكلم ابن عبيد اللاه عن السيد الفاضل محسن بن جعفر بونمي بما أراد أن يذكر بمناسبة حديثه عن غيل باوزير، فيأتي باذيب ليعلِّق بتعليقة استغرقت ستة عشر سطرًا بمعلومات عن السيد محسن المذكور، هو جدير بها وبأكثر منها، ولكن ليس هنا محلُّها، فلماذا لا تكتب يا باذيب عن السيد العلامة الفاضل محسن أبو نمي كتابًا مستقلًّا و لك الفضل والشكر .
أما التعليقة الغريبة العجيبة المنافية للحكم الشرعي فهي ما جاء في صفحة (174) قال باذيب تعليقًا على قول المؤلف عن القباب المبنية على القبور ما يأتي : ” أي يحرم بناؤها إن كانت المقبرة مسبَّلة ، ولا يحرم ذلك إن كانت ملكًا خاصًّا …”. ومن المعلوم أن الحكم الشرعي هو حرمة البناء على القبور سواءً كانت المقبرة مسبَّلةً، أو موقوفة، أو ملكًا خاصًّا كما يؤخذ ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك فلا وجهَ لتخصيص التحريم بالمقبرة المسبَّلة .
وفي صفحة (196) عندما كان ابن عبيد اللاه يتكلم عن الشحر قال : ” وخرج من الشحر جماعة من العلماء الفضلاء كآل أبي شكيل وآل السبتي وآل بن حاتم وغيرهم. وإليها ينسب خلق كثير “. فيعلِّق باذيب على كلام ابن عبيد اللاه فيقول : ” لم يذكر المصنف هنا أحدًا من علماء آل باشكيل وحقُّهم أن يذكروا فمن أجلِّهم “، وذهب يذكر لنا من يعرفهم هو من علماء آل باشكيل مع إنه من المعروف أن آل باشكيل إنما عُرفوا في غيل باوزير ، وحتى بعض الذين ذكرهم هو كمحمد بن مسعود باشكيل الذي ذكر أنه ولد بغيل باوزير ، ولماذا يلزم باذيب ابن عبيد اللاه أن يذكر علماء آل باشكيل ولم يلزمه أن يذكر علماء آل السبتي وآل بن حاتم وغيرهم، فكأنه بهذا يريد أن يلزم ابن عبيد اللاه باستعراض المعلومات التي يعرفُها هو ظنًّا منه أن ابن عبيد اللاه لا يعرف هذه المعلومات ، ولا يدري أن ابن عبيد اللاه ملتزم التزامًا منهجيًّا بموضوع كتابه، وكما ذكر ابن عبيد اللاه نفسه بعد أسطر أنه : ” لا يحصى كثرة من أنجبته الشحر من رجالات الفضل والعلم، وقد ألِّفتْ لذلك الكتب، ككتاب ( نشر المحاسن المسكيَّة في أخبار فضلاء الشحر المحمية ) “. وقد بلغت التعليقات على مادة الشحر من الأصل أكثر من مائتين وعشر من التعليقات، أكثرها تراجم لفضلاء السادة العلويين، كان بإمكان باذيب أن يفردهم بكتاب خاص ينسبه لنفسه ولا يتطفل بهذه المعلومات على كتاب العلامة ابن عبيد اللاه وعلى موضوعه في التاريخ وجغرافية بلدان حضرموت . وكمثال على ذلك التعليقة التي أوردها الباذيب في صفحة (211)، واستغرقت منه ثلاثة عشر سطرًا، وهي عبارة عن ترجمة للسيد علوي بن علي الجنيد، الذي ترجم له العلامة ابن عبيد اللاه في الأصل بسطرين فقط، وهي إشارة شافية كافية في مثل هذا الموضع، ولا يجوز لباذيب ولا لغيره أن يأتي إلى كتاب ابن عبيد اللاه فيقحم فيه مثل هذه العناوين : ” ملاحظة : أسرة المترجم تعرف بآل الجنيدي بياء النسبة، وهم غير آل الجنيد أهل تريم، فأولئك ينتسبون إلى محمد با حسن جمل الليل ” … إلى آخر هذيان باذيب الذي وضعه في غير محله؛ ليدلِّل لنا على سعة معلوماته بأنساب السادة العلويين .
وفي صفحة (902) يقول ابن عبيد اللاه وهو يتحدث عن طبقة من في عصر الفقيه المقدم فمن بعده وأن لهم من الأعمال والرياضات ومجاهدات النفوس ما لا تستقر له العقول ولا تتصوره الأفكار ، ولا تقدر على تصديقه القلوب إلا بعد ضرب الأمثال من المشاهدات … مما يصدق قول المغربي السابق : ” إنهم بالملائكة أشبه “. فيعلق باذيب فيقول : ” يشير إلى “رحلة المغربي إلى تريم” التي جرت في سنة (865 هـ)، وهو شخص مجهول لا يعرف اسمه، وجرى كلام حول صحة ومصداقية هذه الرحلة ، لكن الشيخ محمد بن عوض بافضل أوردها بتمامها في نهاية ( صلة الأهل )، وعضَّدها بكونها قرئت على مولانا الحبيب أحمد بن حسن العطاس فأيَّدها، ينظر “الصلة” (326 ـ 342) “. ونحن نقول له : إن هذه الرحلة لا أصل لها في الواقع، وإنما هي عبارة عن مقامة أدبية متخيَّلة، مثل مقامات الحريري وغيرها، وضعها السيد العلامة حسن بن علوي بن شهاب المتوفى سنة 1333هـ ، كما ذكر ذلك السيد محمد أحمد الشاطري في الجزء الثاني من كتابه أدوار التاريخ الحضرمي ص : وقال إن الأستاذ محمد بن هاشم أخبره أن السيد حسن بن علوي بن شهاب قال له إنه هو واضع هذه الرحلة، والسبب في وضعه لها معروف ومن الأدلة على أن هذه الرحلة موضوعة وليست حقيقية على ما ذكره باذيب نفسه من أن الشيخ محمد بن عوض بافضل أوردها بتمامها في نهاية صلة الأهل . ونحن بدورنا نسال باذيب هل إيراد الشيخ محمد بافضل لها بتمامها في صلة الأهل يكون دليلًا على صحتها ؟ أو ما ذكره مولانا العطاس من تأييد أهل الباطن لها يكون دليلًا على صحتها ؟ ونقول له : يا باذيب: إن هذه الرحلة التي تطنطن وتدندن لتثبت وقوعها ، إنها ما احتاجت لتأييد أهل الباطن لها إلا لأن أهل الظاهر أنكروها، ثم نسأله أيضًا من هم أهل الباطن ؟
وفي صفحة (926) عندما كان ابن عبيد اللاه يتحدَّث عن تريم والمدارس العلمية بها قال رحمه الله : ” وفتحت في الأخير مدرسة على نفقة خيرات المرحوم شيخ بن عبد الرحمن الكاف إلا أنهم لم يبنوا لها منها مكانًا، وقد تخرج منها جماعة أنجبهم الشيخ سالم سعيد بكير ومبارك عمير باحريش “. وقد علق باذيب على كلام ابن عبيد اللاه هذا بتعليقتين خطَّأ فيهما ابن عبيد اللاه، والحقيقة إنَّ الغلط في فهمه هو وفي معلوماته التي لا يتحرَّى مصادرها، ففي التعليقة الأولى يقول:
وفي صفحة (963) قال المؤلف : ” ( الجِرَب ) بكسر الجيم وفتح الراء : مكان واسع كانت به قرية جرت فيها الحادثة المشهورة سنة 958 هـ “. علق باذيب على كلام ابن عبيد اللاه هذا بقوله : ” ضبط الجرب هكذا غريب ، لمخالفته عرف أهل حضرموت ، والجَرْب عنهم معروف وهو بفتح الجيم وسكون الراء. بل كذلك ضبطه بافقيه في تاريخه والعيدروس في النور السافر كلاهما في حوادث سنة 958 هـ”.
ونقول : إن الغريب العجيب هو عقل باذيب هذا وقفزاته الكبيرة! فانظروا إليه معاشر القُرَّاء كيف انتقل بنا وبكم من منطقة الجِرَب بكسر الجيم وفتح الراء ـ وهكذا هو ضبطها وما يزال الناس ينطقون بها إلى اليوم حتى العوام منهم، التي هي مكان واسع شرقي مدينة تريم، كانت به قرية جرت فيها الحادثة المشهورة التي يشير إليها بافقيه والعيدروس، فيأتي باذيب لينتقل بنا فجأة إلى الجرب بفتح الجيم وسكون الراء الذي هو مساحة محددة من الأرض الزراعية ـ ولم يكفه هذا التلاعب حتى يذهب إلى تغليط المؤلِّف ويستغرب من ضبطه الصحيح للكلمة ، ويدَّعي أن ذلك مخالف لعرف آل حضرموت فيا سبحان الله ! : ما يبلغ الأعداء من جاهل، ما يبلغ الجاهل من نفسه.
وفي صفحة (970) يقول ابن عبيد اللاه بعد أن ذكر دمون ثم الفجير : ” وهي بيوت قليلة حواليها مزارع ومغارس نخيل “. فيحدِّثنا باذيب عن هذه الفجير وأنها غير الفجير التي بسيئون، وقد فات باذيب أن يقول لنا إن في تريم ( أسمرة ) و( لبنان ) و( التواهي )، وأنها غير التواهي التي في عدن .
وفي الصفحة نفسها يقول ابن عبيد اللاه : ” ثمَّ : حصن دُكين وهو ثغر دمون، وقد سبق ذكره في أخبار آل غرامة. ورأيت في بعض المذكَّرات أن عبد الله عوض غرامة هجم على هذا الحصن … “. فيعلق الباذيب على كلام ابن عبيد الله فيقول : ” يقول القاضي المشهور عن بير الدكين أنها : ” تقع قريبًا من بير السوم القريبة من مسجد بروم “. وقال: ” بير الدكين، المعروفة والمعمورة بالزراعة والنخيل، وقد كانت مشحونة بالسكان كما بلغنا” اهـ (صـ 6)”، هذا كلام باذيب وتعليقه على كلام ابن عبيد اللاه، فانظر إليه كيف يفكِّر، وكيف يتصوَّر؟! ففي حين يتحدث ابن عبيد اللاه رحمه الله عن حصن ، والمشهور يتحدث عن بئر نجد باذيب يوحد بينهما ليفسر الحصن بالبئر ، ويربط الشعرة بالبعير .
أناديه زيدا وهو يسمع خالدا ** وينطقها بكرا و يكتبها عمرا
وفي الصفحة نفسها من الغلط الفاحش ، ما نسبه باذيب إلى صاحب كتاب ( بغية من تمنى )، وهو عالم معاصر معروف، وليس له أي اهتمام بالتاريخ، ومع ذلك نسب إليه باذيب عندما ذكر ابن عبيد اللاه قرية ( الغويضة ) أن القاضي المشهور سماها ( الغويطة )، ويتفلسف باذيب فيقول : ” ولعل الاسم تحرَّف على العامة “. ونقول : إن الغويضة هي الغويضة بالضاد المنقوطة عند العامة وعند الخاصة، وعند السيد المشهور صاحب (بغية من تمنى)، ولم تتحرَّف الكلمة عند أحد قط إلا في دماغ باذيب. ولعل النقطة سقطت في النسخة التي وقف عليها باذيب من كتاب (بغية من تمنى)، ولو أن السيد المشهور رحمه الله اطلع على كلام باذيب هذا لزجره أشد الزجر، ولن يرضى بنسبة هذا الزعم إليه .
وفي الأخير نقول كما تقدم سابقًا إن ما أحزننا وآلمنا هو أن تكون هذه الزيادات والإضافات في كتاب تاريخي جغرافي لكاتب عملاق وأديب فذ في حجم العلامة الكبير ابن عبيد اللاه، وكان بإمكان باذيب أن يخرج معلوماته تلك في كتاب مستقل ينسبه لنفسه وينتظر من يقرأ له ، أو كم سيدرُّ عليه من الريالات .