منير بن سالم بازهير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 20 .. ص 103
رابط العدد 20 : اضغط هنا
الأمثال متنفس الشعوب ومنابرها القديمة قدم الإنسان وحضارته.. القريبة من عقول أفراد المجتمع بشتى أنواعها.. وهي نصح ذكي.. وحكمة لبقة.. يُجمِع الكل على صلاحيتها للتنبيه بأوجز عبارة.. و أذكى إشارة..
ولكون الأمثلة العربية.. خاضعة في تكوينها للعقل والمنطق.. ونقد الذات والواقع ونمط الحياة.. نجدها تتشابه في الرسالة والهدف والفكرة في كثير من الأحيان.. ويساعد على اتفاقها وحدة القواعد المنطقية العقلية الملهمة للعقل بالرأي السديد.. وكذا الوحدة الدينية المؤطرة للعقائد وللقيم والشرائع.. وتعود أحيانًا كثيرة إلى التقارب البيئي والثقافي..
والمثل يرتبط بمواضيع كثيرة من موضوعات الحياة.. ويتشعب ليشمل مختلف المجالات الحياتية:
1- الدينية. 2- الزراعية. 3- التجارية. 4- الحيوانية. 5- الأدبية. 6- السياسية. وهكذا..
وبالتأمل في تركيبة المثل السوداني والحضرمي أجدهما يتفقان في كثير من الأحيان في اللفظ أو المعنى والهدف وأصل الفكرة.. للعوامل المتقدم ذكرها.. نعم للمثل الحضرمي لهجته وللسوداني لهجته.. فهذا أمر حتمي.. فاللهجات الصانعة للمثل والمشكِّلة لقوالبه اللفظية تختلف ولكن العبرة بالرسالة والغاية والهدف..
ولن أطيل الكلام في المقدمات الكاشفة عن مناخ انطلاق المثل وأرضية تكوينه.. ولكن سأدلف بسرعة خاطفة إلى نموذج من التقاربات في نمطية المثل الحضرمي من حيث وحدة الهدف والرسالة.. ولعل هذه المقاربات تستمر في حلقات أخرى قادمة..
فمثلًا يقول أهل السودان: (الخيل يجقلب والشكر لحماد)؛ أي الخيل يجري ويبذل جهدًا في حركته وسعيه.. ومع هذا ينسب فضله لغيره..؟ و(لغيره) هنا رمز له بحماد وهو مفرد يقصد به جماعة…
وفي أمثلة حضرموت بجهة وادي عمد ودوعن والكسر بأسره ولا أدري هل يشمل مناطق حضرموت الأخرى يقال: (الشاة شاة سالمين واللبن لسيده) فسالمين يعاني ويرعى تلك الشياه ويوهم أنه يمتلك تلك الشياه.. وتنسب إليه استغفالًا.. وفي النهاية يكون اللبن لسيده.. ولا ينسب لسالمين من الفضل شيء.. كما لم ينسب للخيل فضل في المثل السوداني وإنما نسب لحماد.. وسالمين ليس له إلا وهم النسبة.. وهو مفرد قصد به جماعة..
ففي مثل السودان تأتي الرمزية البشرية بحماد وفي حضرموت بسالمين.. والرمزية الحيوانية تتصل بالخيل في السودان وبالشاة في حضرموت.. فالسودان إلى ساعتنا هذه كثيرة الخيول، وقد رأيتها بأمِّ عيني تجرُّ العربات في المزارع والأرياف؛ لأن السودان أرض وافرة الزرع، خصبة المرعى، كثيرة الأعلاف.. بينما اتجه المثل الحضرمي إلى الشياه لكونها الحيوان الأكثر انتشارًا بها.. وللمثل الحضرمي صورة مقاربة أخرى يشير إليها قولهم: (السيل من جعيمة والجمالة لِسَرْ) وهو يحمل المأساة نفسها نسيان نسبة الفضل للأصل.. رمز لها هنا بنسيان وادي جعيمة الذي انحدر منه السيل أصالة إلى وادي سَرْ الذي يقع بعده.. وهكذا نسب كل الفضل لوادي سر.. حتى نسي وادي جعيمة ولم يذكر..
والرسالة التي يهدف إليها المثل في كلا البلدين نسبة العمل إلى غير صاحبه وجحود المجتمع لجهود الذوات البسيطة واستغفالها.. وهكذا تضمَّن المثل بحضرموت والسودان رسالة سريعة متقاربة الهدف والفكرة.. ليكون المثل جريدة معارضة للشعوب المغلوبة على أمرها، سبق من حيث الظهور والبروز الجرائد الورقية السيارة..
وسارت الأمثال سيرًا حثيثًا بين الشعوب ألفاظًا لها مكانتها الخاصة وألقها الدائم.. تحفظ بتلقائية، وتستخدم بانسيابية على ألسنة الناس صغارًا وكبارًا رجالًا ونساء.. تتخلل حديثهم كما يتخللهم الهواء بعفوية وانسجام..
وما يزال الحضارمة يعانون من توصيف الشاة شاة سالمين؟ واللبن لسيده؟ في أكثر من مجال؟ يفطن له العقلاء بإشارة المثل الحصيفة.. والصقر لوح له.. والثور بوح له.. هذا وبالله التوفيق.