يوسف عمر باسنبل
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 20 .. ص 105
رابط العدد 20 : اضغط هنا
استطلاع / يوسف عمر باسنبل
ما إن تدلف متَّجهًا إلى منطقة حوفة، الواقعة في أقصى وادي دوعن الأيسر إلا وتستقبلك بعض البيوت على الجهة اليسرى ومن بينها منزل المواطن أحمد محمد عبدالله العماري أبي عمار، الذي خصص بعض الغرف في منزله لحفظ المقتنيات الأثرية وعرضها، التي حرص على تجميعها لسنوات طويلة؛ لتكون بمثابة متحف مصغَّر مبني بجهوده الذاتية، ضحى في سبيل ذلك بوقته وماله ليكتب شهادة للتاريخ، وتأكيدًا على أننا نضحي بأشياء ثمينة لدينا قد لا تعني شيئًا لكثير، ولكن تحفظ لنا جزءًا مما بقي من تاريخنا وتراثنا.
فكرة إنشاء المتحف
عن فكرة إنشاء المتحف يقول المواطن أحمد محمد العماري المولود عام 1966م وحاصل على شهادة الصف الثامن من مدرسة حوفة : إن الفكرة جاءت منذ صغره؛ لأنه يعمل صائغًا ومهتمًّا بزينة الجنابي؛ إذ كانوا يعملون لها نقوشًا فضية ونحاسية وذهبية، ومن ثم تطورت هوايته منذ طفولته ( جمع الأشياء التراثية والاحتفاظ بها ) وتراكمت لديه خبرات سنين طويلة، وحبه للأشياء التراثية القديمة دفعه ليكون هذا المتحف جهدًا ذاتيًّا وشخصيًّا منه، فضحَّى في سبيل إنشائه بالكثير، وقرَّر الاستقرار في الوادي وعدم مغادرته مثلما فعل الكثيرون .
وأضاف : إن له سنوات طويلة وهو يعمل على جمع هذه الأشياء واقتنائها بهدف حفظ تراث بلاده، ويقوم بشراء بعضها من الإخوة من المحافظات الشمالية لحفظها حتى لا يذهب تراثنا من بين أيدينا ؛ لأنهم قاموا بشرائها من أشخاص من دوعن ، فأقوم بشرائها منهم ومن أشخاص من دوعن أيضًا الذين أدعوهم للاهتمام بالتراث والآثار وعدم بيعها بأبخس الأثمان .
أبرز مقتنيات المتحف
يحتوي المتحف على أكثر من 1000 قطعة ، أبرزها عُدَّة الأسلحة القديمة ، ومنها عدة سلاح البافتيلة ، وأدوات زراعية ، ومنزلية ، وكل ما يخص دوعن في المراحل التاريخية القديمة ، وأدوات إضاءة قديمة ، وطوابع بريدية ، وعملات مختلفة ومصكوكات نقدية ، وتسجيلات وأشرطة قديمة وأسطوانات لعدد من مشاهير القراء والفنانين أمثال محمد جمعة خان ، وملبوسات ومصبوغات فضية ونحاسية ، ومن بينها وجدنا فانوسًا عمره أكثر من 100 عام يعود للجنود البريطانيين الذين احتلوا بلادنا ، كما يحتفظ بعلبة كبريت عمرها أكثر من 50 عامًا.
جهود ذاتية لم تحظ بالاهتمام
أحمد العماري قام بإنشاء هذا المتحف الذي خصَّص له أربع غرف من منزله ، وقد يضطر في قابل الأيام لزيادة عدد الغرف بجهوده الذاتية ، التي لم يقدِّرها أحد ، ولم يكن يسعى للحصول على شيء سوى التقدير من الجهات المسؤولة وذات الاختصاص ؛ لأنه يؤكد أن أكثر ما يخاف عليه هو التراث والإرث العظيم ، الذي بين أيدينا وقد يذهب منَّا في أي لحظة بعد أن ضاع الكثير ولم يلقَ الدعم والتشجيع من الجهات المسؤولة . لقد زار هذا المتحف المصغَّر قبل أشهر مدير عام دوعن الأستاذ سالم أحمد بانخر وأثنى على فكرة المتحف واهتمام العمَاري بتراث حضرموت . وكان أصدقاء العماري دائمًا في مقدِّمة مَنْ يدعمه ويتعاون معه ، في الوقت الذي لم يلتفتْ إليهِ ولا إلى جهده لحفظ التراث التجارُ ورجالُ الأعمال ، واتجهوا لدعم أمور أخرى ، ويطالب العمَّاري الجهات المختصة والمسؤولة والتجار بالاهتمام بهذا الجانب ، ودعم حفظ الموروث الشعبي ، وتشجيع الناس على حفظ تراث بلادهم .
قبل ختام الزيارة
قبل أن نودِّع الأخ أحمد العماري في ختام زيارته بمنزله مع بعض الأصدقاء ، قال : إن له من الأبناء أربعة ( عمار ومحمد وعبدالرحمن وعبدالملك ) ، وعبدالملك مهتم بالآثار ولديه ميول لهذا الجانب ، وقال أبو عمار إن قلبه مفتوح قبل بيته لاستقبال الزوار والمهتمين بهذا المجال ؛ لأن طموحه يضطلع إلى حفظ آثار حضرموت وإظهارها بالشكل اللائق والمناسب وإعطائها حقها من تسليط أضواء الإعلام . وطالب العمَّاري بتوفير مبنى خاصًّا لحفظ الآثار والموروث الشعبي أو إنشاء مركز لحفظها .. وختامًا نطالب بتكريم هذه الشخصية التي قلَّما نجد مثلها في هذا الزمان وتشجيعه ؛ لأنه لم يجد التشجيع حتى من أقرب الناس إليه ؛ فقد ضحى بالكثير لأجل هذا المشروع التاريخي الحضاري .