قصة قصيرة
مسعود علي الغتنيني
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 20 .. ص 108
رابط العدد 20 : اضغط هنا
هاهي.. ليلة أخرى تنقضي، ولم أرها فيها، ليلة طويلة، طول حنين القلب المكلوم، كان المؤمل أن نلتقي هنا، كما نلتقي كل ليلة على هذا الشاطئ الجميل، الساحر.
لم تأت الليلة.. لم تأت البارحة، كما لم تأت الليالي التي سبقتها، بواقع عشر ليال متتالية، مضت وكأنها عشر سنوات، بطيئة كئيبة، أعد دقائقها وثوانيها عدًّا، هل جربْتَ عدَّ الثواني؟! إنَّ عدَّها مؤلم، مجهد، كأنك تحصي أنفاسك المضطربة، أتساءل في توجس، ما الذي حدث؟ ما الذي أعاقها؟ فلا أسمع غير صدى صوت.. يأتي من أعماق سحيقة:
– هي لم تذهب، هي هنا، ولكنك أنت لا تراها، لقد تغيرتَ كثيرا! أصبح قلبك مشغولًا بغيرها.
– قلبي أنا؟!
– نعم قلبك! قلبُ مَنْ غيرك إذًا؟! فتِّشْ في قلبك وستجد الإجابة!.
– لقد فتشتُ مسبقًا، في كل زواياه، وكل حناياه، وفي أقصى أعماق أعماقه، وأقسم بكل ما هو عظيم! إني لم أَجِد سواها هي.. وهي فقط.
– هههه على هامان يا فرعون؟!
– أي هامان؟ وأي فرعون؟ إني لا أجيد المراوغة ولا اللف ولا الدوران.. إني صادق في كل ما أقول، ولم أكن صادقًا يومًا، بقدر ما إنني صادق الآن.
– هل تحاول أن تقنعني، أنك لم تكذب عليها أبدًا، لم تتلاعب بمشاعرها قط، لم تدلّس عليها البتة، لتوهمها بصدق حبك لها؟ لم تخنها يوما؟!
– حتمًا نعم! ثم.. أخبرني من أنت؟ حتى تقتحم علي خلوتي، وتنتهك خصوصيتي، أخبرني.. من جعلك وصيًّا على قلبي؟ لتحاسبني على مشاعري!
– هل تتهرب من الإجابة؟ أفق..أفق! لقد بتَ مكشوفًا، وأيمانك الكاذبة، لم يعد لها مكانٌ مطلقًا، لقد أصبحتَ سفرًا مفتوحًا، أمام الجميع، وأمامها هي، هي على وجه الخصوص! أَعْلَمُ أن كلامي هذا قاسٍ، ولكنها الحقيقة، والحقيقة.. مؤلمة دائمًا، لن أزعجك أكثر، وداعًا! آه.. نسيتُ أن أخبرك: لا تعد لعد الثواني.. فقط غادر بهدوء.. فهي لن تأتي!
– من أنت؟ أجب! ما الذي تريده مني؟
رمى بكلماته الأخيرة بكل قسوة قبل أن يتلاشى.
أصبح المكان مُوحِشًا، ليس به سوى نسائم باردة تلفح جسدي المرتعش.. وخواء قاس، ينخر نفسي المجهدة، وأفكار كئيبة تخنق أنفاسي المترددة، تحثني أن أغادر.