حديث البداية
د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 23 .. ص 4
رابط العدد 23 : اضغط هنا
انتشرت في السنين الأخيرة مؤلفات وأبحاث أكثر فيها كاتبوها من توزيع صفة العلّامة على كثير من الناس وفق تصنيف شخصي من لدن الكاتب يسقطه على من يريد متوجًا ذلك بإطار زاهٍ من مدح نفسي، أو صداقي، أو روحي، أو شخصي، أو عاطفي، أو إعجابي، أو نفعي، فيرسخ في أذهان الناس أنهم أمام علّامة، بل أمام عدد من هؤلاء.
وربما كان إطلاق تلك الصفة انطلاقا من وجهة نظر تقويمية سليمة فيما كتبه الشخص الموصوف، ولكن يتم استمراؤه وفق مناخ معين وتضخيمه حتى يغدو ذريعة تتصل بالترويج لموقف جماعة معينة، وربما لأجل تعزيز اتجاهات معينة بحيث يدخل (العلمي) في إطار الاجتماعي أو الحزبي ويغيب فيه كأنه جزء منه.
وينمو ذلك الوهم، وتتناوله مؤسسات اجتماعية وعلمية حتى تسمع تلك الكلمة في عنوانات عدد من الندوات والمؤتمرات، وفي كثير من الكتابات، والنتيجة خلق مشهد آخر يطغى على المشهد العلمي الحقيقي على تواضعه في بلادنا. والأدهى أن من يصدر اللقب لا يمتلك المؤهلات العلمية لإصداره، والأدهى بعد ذلك أنه لا يسمح الاقتراب من صاحب هذا اللقب، ونقده، وإبداء الرأي في ما يقول، وإلّا فالتصنيف جاهز، والأدهى أن ترى أولئك الذين أطلقت عليهم تلك الصفة أيهم يسبق الآخر في الانتفاع بهذا اللقب لاسيما حينما يتكرر الاسم مقرونًا بصفة (علّامة) بوصفها لازمة، حتى يصير له أثر كبير على عامة الناس، فيؤدي صاحب تلك الصفة (مجرد الصفة) وظيفة ناشطة في المجتمع الله أعلم بنتائجها.
إن مما يؤدي إلى تفاقم تلك الظاهرة عدم التعرض لها بالنقد وهي طريقة غريبة لم يجر عليها السلف في ما أظن الذين كانوا حريصين على إطلاق هذه الصفة إلّا في مواضعها الدقيقة، فليس في العلم صفات توهب للزينة والصداقات والمجاملات، فهذه مشكلة حقيقية من مشاكل الثقافة لدينا في حضرموت لاسيما في هذه العقود المتأخرة التي توزعت فيها الألقاب العلمية وغير العلمية بسخاء، مما يقتضي إعادة النظر في هذه الطريقة وإعادة توصيف الصفات والألقاب العلمية ووضعها في مواقعها بأمانة، لمعرفة واقعنا العلمي المعاصر، واستشراف آفاقه القادمة.