كمال محمود علي اليماني
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 23 .. ص 25
رابط العدد 23 : اضغط هنا
(( اللغز المحيّر.. عمر محمد محيرز))، كان هذا هو العنوان الرئيس البارز على وجه غلاف الكتاب/البحث الذي كتبه الأستاذ د. محمد أبوبكر حميد، والذي وصلني للقراءة عبر الباحث العزيز هاني باسل، وقد ألحق العنوان الرئيس بما يشبه العنوان الفرعي التفصيلي إذ جاء فيه ((صفحات مجهولة من تاريخ الحياة الثقافية في عدن من خلال رسائله إلى علي أحمد باكثير)) وذكر اسم الشاعر والمسرحي والروائي والأديب الكبير علي أحمد باكثير هكذا دون أية القاب تعريفية ، على الرغم من أن د. محمد أبوبكر متخصص في شؤون الرجل ويحمل له حبًا خاصًا، وأرى أنه تعمَّد فعل ذلك لأنه يرى – ككل مثقف عربي – أن علي أحمد باكثير لا يحتاج إلى تقديم، شأنه شأن الأدباء الكبار في عالمنا العربي من أمثال طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وغيرهم، فهو لا يقل شأنًا عن أي واحد منهم في عطاءاته وفي تأثيره في كثير من أدباء عالمنا العربي، لاسيما الإسلاميين منهم.
ويطالعنا وجه الأديب الراحل عمر محمد محيرز متوسطًا صدر الغلاف، وعلى يمينه ساعة التواهي الشهيرة ترميزًا لوجه عدن الثقافي.
الكتاب يقع في نحو 180 صفحة من المقاس الكبير، وخلفيته حملت اقتطافًا من تقديم للكتاب من لدن د.إيهاب عبدالسلام.
وقد ضم الكتاب بين دفَّتَيْه خمسة أقسام، شمل القسم الأول الحديث عن شخصية عمر محمد محيرز ومراحل حياته المجهولة، وانتقل الكاتب في القسم الثاني ليقدمه كشاعر من خلال قصائد ست أرسلها محيرز إلى علي أحمد باكثير، وعرَّج في القسم الثالث على رسائله المرسلة إلى باكثير والتي اتضح فيها الجانب النقدي لمحيرز، أما القسم الرابع فقد ضم النصوص الكاملة لرسائل محيرز إلى باكثير، في حين أن القسم الخامس والأخير قد تزين بتلك النصوص بخط يد عمر محيرز ذاته .
والحق أنه لولا هذه الجهود التي بذلها د. محمد أبو بكر حميد، والتي استطاع من خلالها أن يميط اللثام عن واحد من أدباء منتصف القرن المنصرم، ويزيل تراب النسيان المتراكم على ذكراه؛ لما استطعنا التعرف على هذا الشاعر والناقد الحضرمي العدني، ولسقط اسمه من قوائم الأدباء المعروفين.
لاشك والحال هذه في أن المؤلف قد بذل جهودًا مضنية كي يصل إلى كل هذه الرسائل والقصائد والمقالات النقدية التي وثّقت أدبية الرجل المدروس، واستطاعت أن تبيِّن للقاصي والداني ما يتمتع به من شاعرية، ومن حس نقدي رفيع، وكيف لا يكون كذلك وكتاباته تنبئ عن كل ذلك، ولعل تعامله مع قامة أدبية رفيعة في اليمن وفي العالم العربي كالأستاذ الأديب علي أحمد باكثير لهو أكبر شهادة له عوضًا عن كتاباته.
والجلي أن عمر محيرز كان يشكل لغزًا محيِّرًا للمؤلف وللكل، فهو الأديب الذي لا يعلم عن تاريخه الأدبي والثقافي حتى أقرب المقربين إليه من أسرته، كما أن أثره في الصحافة والمجلات الثقافية والأدبية لم يكن ظاهرًا، مما يشير إلى اختفائه عن الساحتين الأدبية والثقافية لسبب ما لا أحد يعلمه.
ومن هنا نستطيع أن نقدّر كم الجهد الذي بذله الباحث في سبيل حل هذا اللغز المحير حقًّا، وإعادة الحياة ثانية لذكرى هذا الأديب والشاعر الراحل.
ولا يخفي د. محمد أبوبكر باحميد أنه استفاد في معرض بحثه هذا، لا من الوثائق والمخطوطات فحسب، بل ومن التاريخ الشفاهي الذي ارتبط بمحيرز من خلال حفيدته المستشار القانوني ضياء خالد محيرز، ومن الشاعر في الإمارات د. شهاب محمد عبده غانم، ومن الباحث هاني باسل الذي استطاع أن يمده بالكثير من المعلومات المفيدة في بحثه هذا. ومعلوم من خلال ما يورده د. أبوبكر في دواخل كتابه أن غالب الرسائل والوثائق قد حصل عليها د. أبوبكر من محفوظات الراحل علي أحمد باكثير مما يعني أن لباكثير فضلًا كبيرًا في الكشف عن ما استتر واختبأ من قصائد محيرز ومنثوراته التي جادت بها قريحته فترة حياته.
ونكتشف من خلال قراءتنا لهذا الكتاب/البحث أن الشاعر والناقد عمر محيرز كانت له أنشطته الثقافية، وربما السياسية، ففي الجانب الثقافي نجد أن أهم مساهماته الثقافية كانت في مشاركته مع زملائه الشباب في تأسيس فرع (نادي الإصلاح العربي) في الشيخ عثمان، ثم شارك مع أخيه الأكبر عبدالقادر في تأسيس (نادي الإصلاح العربي الإسلامي) فرع كريتر، وهما ناديان ثقافيان في الأساس.
أما الجانب السياسي فعلى الرغم من أن عمر محيرز كان يتجنب الدخول في المعترك السياسي بشكل مباشر فإنه كانت تربطه علاقات بقادة بعض من الأحزاب السياسية آنذاك، فلقد ارتبط بعلاقة ود وحب وطني بالقائدين الوطنيين قحطان الشعبي، وفيصل عبداللطيف الشعبي، وكان يلتقي بهما سرًّا، كما ارتبط بعلاقة ربما أقوى – كما يذكر الباحث – بوطني آخر هو عبد القوي مكاوي. كما أنَّ له مساهماته الوطنية الفاعلة من خلال الوظائف التي شغلها فترة الاستعمار البريطاني في عدد من المناطق، وفي كثير من المواقف والمشاكل والخصومات بين القبائل.
الكتاب/البحث استطاع أن يجلي لنا كثيرًا من جوانب حياة الشاعر والناقد عمر محيرز، وأن يضعها أمام نواظرنا كالبدر في ليلة التمام، وبذا فإن اللغز الذي كان محيِّرًا أضحى كتابًا مفتوحًا بكثير من كد وجهد تكبدهما د. محمد أبوبكر حميد، فكأنه جنى الشهد وأذاقنا إياه.
ولعله من المحتم عليَّ وأنا أحدثكم عن هذا الكتاب، وعن هذا الأديب والشاعر أن أنقل لكم مقتطفات من أشعاره المدلِلة على موهبته الشعرية الفذة.
يقول في قصيدة بعنوان (تُرى ما العمل):
تفضّـــل ْ ومنَّ بعصمــاء مِن فرائدك الباتــــراتِ مثّـــلْ.
فنثـــــــرك درٌّ إذا ما نظمـــــ تهُ ازدان عقداً بها قد كملْ.
يضيءُعلى جيد ِهذا الزمان فيبدي لنا من سناك الأجل.
ويقول في قصيدة أخرى:
كــــــلٌّ شعرٍ- قد أتوهُ – جيداً كان بالحُسنِ لما قلتُ مدينْ
شعرنا الأصلي ومنهُ غيرُنا مستمدٌ قولَهُ فـــي كلِّ حين
أنا في الشعرِ وإن جئتُ أخيرًا،لا ولافخـــــرَ إمـــامُ الشاعرِين
أما رسائله النثرية التي يتبدى فيها ناثرًا مبدعًا وناقدًا مبهرًا فهي كثيرة، وأحسب أن الابتسار يشوِّهها، ويفقدها كثيرًا من جمالياتها.
شكرًا للدكتور محمد أبوبكر حميد أن أثرى المكتبة اليمنية والعربية بكتابه هذا.
شكرا له ولكل من ساعده لإظهار شخصية أدبية حضرمية عدنية عاشت في القرن المنصرم، وأهال عليها الزمان تراب النسيان، فكان أن قيض الله لها هذا الكاتب النابش في محفوظات الباكثير، والباحث عن المزيد هنا وهناك، وقيض له من سانده في مهمته هذه، فكان هذا العطاء الأدبي الرفيع.