كتابات
مسعود علي الغتنيني
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 23 .. ص 90
رابط العدد 23 : اضغط هنا
انتظرتُ ساعاتٍ عدَّةً وصول رواية، وَعَدَ كاتبُها العزيز بإرسالها لي عبر الواتس آب، بعد فشلي في تحميلها أكثر من مرة، بوساطة رابط التحميل الذي رفعه على صفحته على الفيس بك، لم تكن علاقتي بالروايات جيدة قبل الولوج إلى عالم النت، فقد اقتصر الأمر على روايات عدَّةٍ لا تتعدى أصابع اليد، فقد قرأت رواية واإسلاماه لـ(علي أحمد باكثير) كمقرَّر دراسي للمطالعة في الصف التاسع (الثالث إعدادي) في مدرسة مصعب بن عُمير للتعليم الأساسي بمدينة الريدة الشرقية، بعد انتقالنا إليها لإكمال هذه المرحلة، كون الدراسة في منطقتنا – سرار – إلى الصف الثامن فقط، وكانت دفعتنا أول دفعة تدرس ثامنة في المنطقة؛ إذ كانت الدراسة سابقًا تتوقف عند الصف السابع، وعلى الطلبة الانتقال إلى منطقة الحافة المجاورة لإكمال دراستهم، أما الطالبات فعليهن البقاء في البيوت فلا يسمح لهن الانتقال إلى منطقة أخرى في تلك الفترة – لكن الأمر الآن اختلف -، كان مدرس اللغة العربية في مدرسة مصعب بن عُمير أستاذًا سودانيًّا – عام 95/ 96م – وكان من أفضل المدرِّسين الذين مرُّوا علينا خلال دراستنا، رفقة سودانيَين آخرين أحدهما لمادة الرياضيات، والآخر للتربية الإسلامية، وقد استفدنا منهما أيَّما استفادة، من الروايات التي قرأتها مبكرًا (الحفّار) لـ (صالح مرسي) – استعرْتُها من أحد الأصدقاء في المنطقة – وهي قصة من قصص الاستخبارات المصرية، تحكي نجاح المخابرات المصرية في تفجير حفّار في عرض البحر، استقدمته دولة الكيان الصهيوني للتنقيب عن النفط في سيناء، كما قرأت أيضًا روايتي (رد قلبي)، و(نادية) لـ(يوسف السباعي)، وعددًا قليلًا آخر من الروايات عن طريق الاستعارة من الأصدقاء، كانت أولى الروايات التي اشتريتها هي رواية بوليسية لـ(اجاثيا كريستي) (جريمة في القصر) أثناء دراستي في عدن، وقد استعارها منِّي لاحقًا أحد الإخوة ولم يُعِدْها إلى الآن، اقتنيت أيضًا رواية البؤساء لفكتور هوجو، أثناء حضورنا دورة النيابة العامة في صنعاء عام ٢٠٠٩م، كانت صلتي وثيقة بمجلة العربي، وقد حصلت على أول عدد منها في مسابقة عامة أقيمت في المنطقة، والطريف في الأمر أن المسابقة في مجلة حائطية في أحد مساجد المنطقة، وكانت الجوائز مجلة العربي بالإضافة إلى عدد من الكتب الدينية، كان ذلك في المرحلة الإعدادية، استمرت علاقتي بالعربي بعدها سنوات عدَّة، ولم تنته هذه العلاقة إلا مع دخول تنظيم القاعدة إلى مدينة المكلا، وسيطرته عليها، وعلى مدن ساحل حضرموت عام ٢٠١٥م، ومع أنه تم دحر هذا التنظيم عن المدينة عام ٢٠١٦م، غير أن هذه المجلة لم تعد تصلنا، بسبب الحرب الدائرة، التي ما زالت آثارها تلقي بظلالها على الوطن.
كانت علاقتي قبل ذلك بمجلتي ماجد، و باسم، اللتين كان الوالد -رحمه الله – يحرص على إحضارهما لي، كلما ذهب إلى مدينتي الشحر أو المكلا لعمل خاص، كانت صلتي وثيقة بكتب الأدب والشعر، مثل كتاب الكامل للمبرد، والأمالي للقالي، وجواهر الأدب للهاشمي، وروضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن قيم الجوزية، وطوق الحمامة لابن حزم، والبخلاء للجاحظ، وكليلة ودمنة لابن المقفع، والمستطرف في كل فن مستظرف للأبشيهي، الذي كان رفيقنا خلال سنوات دراسة الحقوق بمدينة الشعب، نهرع إليه لنروّح عن أنفسنا كلما أثقلت نفوسنا مقررات القانون الجامدة، وقد استعاره أحد الإخوة أيضًا ولمْ يُعِدْهُ إلى الآن.
بعد الولوج إلى عالم النت، في السنوات القليلة الماضية، توثقت علاقتنا بالروايات والتي أتاحتها لنا المواقع الإلكترونية بصيغة pdf ، فقد قرأنا عددًا منها، كالحب في زمن الكوليرا، ومائة عام من العزلة لغابرييل غارسيا ماركيز، والشيخ والبحر لإرسنت همنغواي، والجريمة والعقاب، والليالي البيضاء لدوستويفيسكي، والمحامي الوغد لجون غريشمان، وهي رواية طريفة لِمُحَامٍ بارعٍ يقع في عددٍ من المتاعب بسبب قضاياه الشائكة التي يتولى الترافع فيها، وترنيمة عيد الميلاد لتشارلز دكنيز، وعدّاء الطائرة الورقية لخالد حسيني، وغيرها من الروايات الأجنبية المترجمة، ومن الروايات العربية، رواية موت صغير لمحمد حسن علوان، وأول ما لفت نظري إليها حديث شيق جمعنا في مدينة المكلا مع العم المهندس محمد سعد باغشوة أبو إبراهيم، والأديب سالم العبد الحمومي، والدكتور العبد ربيع باموسى؛ إذْ أشاد العم محمد باغشوة بتلك الرواية وكاتبها وأكَّدَ كلامه الأستاذ سالم العبد، الرواية تحكي قصة محيي الدين بن عربي العالم الصوفي الذي عرف بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، ورحلته بين الأمصار الإسلامية من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، كتبت الرواية بأسلوب أدبي رفيع. من هذه الروايات أيضا ساق البامبو لسعود السنعوسي، ترمي بشرر لعبده خال، دفاتر الورّاق لجلال برجس، أرض زيوكولا لعمرو عبدالحميد، وحبيبي داعشي لهاجر عبدالصمد، أحببتك أكثر مما ينبغي لأثير النشمي، مخطوطة ابن اسحاق مدينة الموتى لحسن الجندي، وغيرها من الروايات.
الرواية التي وصلتني عبر الواتس آب هي رواية (النوافذ الصفراء) للأديب الرائع سالم بن سليم، وهي رواية جميلة سلسة، تقع أحداثها في مدينة شبام الصفراء، تروى القصة على لسان بطلتها فاطمة وهي فتاة أربعينية تجلس في (نافذتها الخشبية، الجميلة، العتيقة، المنحوتة يدويًّا في هذه المدينة على الطريقة الحضرمية الشبامية) تنظر إلى المارِّين تحتها، تسترجع ذكرياتها، وقصة حبها مع ربيع، ذلك الحب العذري العفيف الذي حكمت عليه التقاليد بعدم اللقاء، تدور أحداث الرواية بين زمانين، ما قبل ١٩٨٥م، وما بعد ٢٠١٤م، تنقّل الكاتب بين هذين الزمنين بطريقة سلسلة، رصد خلالهما عددًا من الأحداث التي مرت بمدينة شبام وحضرموت عامة، ونقل لنا عددًا من العادات والتقاليد الأصيلة في المجتمع الشبامي والحضرمي، ووظف الموروث الشعبي بطريقة رائعة لخدمة الرواية، قرأت القصة بكل شغف، ولم تفارق يدي إلا بعد أن أنهيتها، فقد أدهشتْني حقًّا، واستمتعْتُ بقراءتها، قلت في نفسي – عندما علمت من الأستاذ سالم أنه أرسلها بالغلط إلى رقم آخر، لمّا سألته عن سبب تأخر إرسال الرواية – ليتها تقع بين يدي قارئ، فلاشك في أنها ستدهشه كما أدهشتني!.