عمر عوض خريص
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 24 – 25 .. ص 23
رابط العدد 24 – 25 : اضغط هنا
ظهرت في أربعينيات (1) القرن المنصرم في مصر جماعة أبولو كهيئة أدبية جديدة، تعنى بالشعر العربي عناية فائقة، وتحاول التجديد فيه لمواكبة الآداب العالمية، ففي سبتمبر 1932م أعلن عنها الشاعر المصري الدكتور أحمد زكي أبو شادي (1892ـ1955م)، واختاروا لها اسم (أبولو)، وتضم الجماعة عددًا من الأدباء والشعراء والنقَّاد بين الشيوخ والشباب، وفي الرابع عشر من أكتوبر (1932م) عقدت جلستها الأولى في دار أمير الشعراء أحمد شوقي، وانتخب شوقي رئيسًا لها، وخليل مطران وأحمد محرم نائبين للرئيس، وأحمد زكي أبو شادي أمينًا عامًا، ولكن الموت لم يمهل أمير الشعراء، وغادر هذه الدنيا الفانية في أكتوبر 1932م، بعد أيام من توليه رئاسة المجموعة، فخلفه الشاعر الأديب خليل مطران، وأثرت هذه الجماعة في مسار الشعر العربي؛ إذ استجاب جل شعراء العربية في مصر وخارجها لدعوتها وتحقيق أهدافها، وعرفت في تاريخ الأدب العربي بمدرسة أبولو، انتسب إليها الكثير من الشعراء، منهم من همَّ مباشرة بحمل عضويتها، ومنهم من هم بعيدًا عنها في أصقاع الأرض فانتسبوا إليها، وقد عنيت الجماعة عناية خاصة بالشعر العربي، وسعتْ إلى تطور مضامينه، وتحريره من بعض القيود القديمة في البنية الشعرية، وقد جعلت لنشر أهدافها وتحقيقها وسائل النشر، منها نشر دواوين الشعراء، وإصدار مجلة (أبولو) تحمل رؤاهم وإنتاجهم الشعري والنقدي، وهي كما قيل عنها في سياق البحث (ودعوة أبولو لا تبعد عن الدعوة الرومانسية هذه فقد دعا أدباؤها ونقادها إلى :ـ
1ـ الثورة على التقليد، والدعوة إلى الأصالة والفطرة الشعرية والعاطفية الصادقة، وإطلاق النفس على سجيتها، وإلى الطلاقة الفنية، والبعد عن الافتعال، وإلى التناول الفني السليم للفكرة والمعاني والموضوع.
2ـ البساطة في التعبير والتفكير، وفي اللفظ والمعنى والأخيلة، ويتبع ذلك التحرر من القوالب والصيغ المحفوظة وأساليب القدماء.
3ـ تركيز الأسلوب والرجوع إلى النفس والذات وإلى العاطفة الإنسانية الصادقة، والاتجاه إلى الشعر الغنائي العاطفي، وإلى التأمل الصوفي.
4ـ الغناء بالطبيعة الجميلة، وبالريف الساحر.
5ـ الغناء بالوحدة والألم والسأم، والقلق النفسي والعذاب الروحي.
6ـ العناية بالوحدة العضوية للقصيدة، وبالانسجام الموسيقي.
وهذا الاتجاه العام لمدرسة أبولو هو نفس الاتجاه الرومانسي في الآداب الأوربية)(2).
وصل أثر هذه المدرسة إلى الشعراء الحضارم، فتأثر بها شاعران كبيران من شعراء حضرموت هما، الشاعر صالح بن علي الحامد، والشاعر علي أحمد باكثير؛ إذْ كانت لهما مساهمات ومشاركات في مجلة أبولو، حملت كل سمات مدرسة أبولو، كما كان طريق التجديد في أشعارهما على نهجها فيما بعد.
المجلة :
تعدُّ مجلة (أبولو) منبرًا شعريًا لأعضاء هذه المدرسة، وهي لسان حالها، ونالت من الشهرة ما نالت في أوساط الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، بل وامتدت إلى أقاصي الشرق والغرب، لذا نرى مشاركات الكثير من الشعراء بقصائدهم من مهجرهم، والمجلة حين صدورها كانت حدثًا قوميًا قيل عنه (عن أبولو يقول الشاعر حسن كامل الصيرفي: كان تكوين جماعة أبولو، حدثًا تاريخيًا في عالم الأدب، كما كانت مجلة أبولو حدثًا تاريخيًا في عالم الصحافة؛ حيث تنفرد صحيفة بالشعر فتناصره على شتى ألوانه ومذاهبه، وتحتفي بالشعراء من كل قطر على تفاوت أعمارهم ومواهبهم، وتفتح في رحابه ذراعيها لتحتضن كل المواهب، ماعرف منها ومالم يعرف، وما كان قد كشف الغطاء ومالم يكشف، وحسبي أن أذكر هنا أنه بين دفتي ثمانية وعشرين عددًا صدرت هذه المجلة منذ سبتمبر سنة 1932حتى ديسمبر1934ضمت ثلاثة آلاف وثلاثمائة صحيفة، احتوت على أكثر من سبعمائة قصيدة وأربعمائة وخمسين دراسة ونقد، بأقلام ثلاثمائة وعشرة من الشعراء والكتاب)(3).
وكان نصيب شاعرينا الحامد وباكثير في نشر قصائدهم هي خمسة عشر قصيدة ومقطوعة، وهن ـ للحامد، بعد وداع الأصيل ـ في الفستان الأصفر ـ هل تذكرين ـ دمعة على ولد ـ سمراء ـ صباح الشاعرـ ملك ـ تحت صورتي ـ نسمات الربيع ـ دوحة الوادي، أما لباكثير فهي ـ واقفة بالباب ـ الرفيق المضاع ـ وحي سمراء ـ في الأزبكية ـ وحي الشاطي ـ أمس واليوم.
وسوف نأتي على تفصيل هذه القصائد وبيان أثر مدرسة أبولو في شعريهما، وإيراد نماذج منها، حتى تتضح الرؤية.
قصائد الشاعر الحامد:
نشر الشاعر الكبير صالح بن علي الحامد (1903ـ1967) تسع قصائد ومقطوعة في أعداد مجلة أبولو، ابتداء من أكتوبر 1933م إلى ديسمبر1934م، وهي :
1ـ قصيدة: بعد وداع الأصيل:
وهي القصيدة الأولى التي نشرها الشاعر صالح الحامد في مجلة أبولو في عدد أكتوبر 1933م، وتحمل الصفحة رقم (110) المجلد الأول المجموعة الكاملة لمجلة أبولو، وهي القصيدة التي تحمل الصفحة رقم (9) في ديوانه (نسمات الربيع)(4)، وقد أبدل الشاعر كلمة (بعد) من عنوان القصيدة فأصبحت في الديوان (عند وداع الأصيل)، والديوان طبع في (1936م)، كما أبدل في متن القصيدة كلمة و أحدة في البيت السادس عشر من القصيدة؛ إذ جاء في أبولو هكذا:
والزهر يهدي مع أنفاسها رسائلا من عرفه العاطر
فأصلحه في ديوانه هكذا:
والزهر يهدي طي أنفاسها رسائلا من عرفه العاطر
وهذا مما يتعهد الشاعر شعره بالتنقيح والتصليح، وسوف يمر بنا كل تنقيحاته في أبياته، فهناك أكثر من قصيدة تم تنقيحها، وهي خصلة تحمد له، وقصيدة (عند وداع الأصيل) من أجود شعره مبنى ومعنى، يقول فيها:
نظرت والأفق بديع خصيب والكون بادٍ في جلالٍ مهيب
البحر في هدأته خاشع والشمس عجلى قد دنت للمغيب
ألقت على الكون سنًى باهراً كالذهب الذائب أو كاللهيب
هاجمها جيش الدجى فانزوت صفراء في لون الهزيم الكئيب
والروض موشى النواحي بدا من صبغة الشمس بلونٍ عجيب
ياحسنه ! حين يرى زاهراً يهتز في برد الأصيل القشيب
وتستمر القصيدة في ثلاثين بيتًا، في ثلاثة مقاطع مختلفة القافية، كل مقطع عشرة أبيات، وفيها نرى أثر مدرسة أبولو وتأثيرها في صياغة شعره، ففي هذه القصيدة كأنها لوحة رسام، مصداقًا لقولهم: (وتنتقل القصيدة عند مدرسة (أبولو) من التعبير بالألفاظ والجمل إلى تعبير بالصور الشعرية، وهذا أهم ما تطورت إليه القصيدة الجديدة، ويشير إلى ذلك إبراهيم ناجي في مقال له نشره في مجلة (أبولو)عدد ديسمبر سنة 1932م، فيقول (الشعر موسيقى وخيال وإقناع وصور) )(5)، وكل هذا نجده في قصائد الحامد، يعمل بها كمجدد للشعر العربي ورائد من رواده في حضرموت خاصة والوطن العربي عامة، ومن هذه القصيدة في المقطع الثالث:
حين توافينا على نجوة تضل عنها حائماتُ الظنون
ورُمتُ أن أشكوه بعض الهوى فسابقتني مُرسلاتُ الشئون
تعطلت كل اللغى بيننا واستبدلت عنها لغات العيونْ.
وأخذ د.مبارك حسن الخليفة على الحامد استعماله لمفردات سائدة في الشعر القديم حين قال: (استعمل الحامد بعض المفردات قليلة الورود عند قلة من الشعراء، فهو يستعمل (لغى) جمعًا لكلمة (لغة) التي تجمع عادة لغات)(6)، ثم أورد البيت الأخير مما أوردناه، ونحن نرى أن مرد حكم د.مبارك تصنيفه للحامد بأنه من مدرسة الديوان، إلا أن مدرسة أبولو أتت بعدها، وأخذت محاسنها، وزادت عليها من جراءة التجديد في المضمون والشكل والتأثر بالآداب الأوروبية، وأما كلمة (لغى) فليست نكرة، ولكنها مجددة في اللهجة العربية، تفهمها العامة قبل الخاصة، وذلك مما تسمعه كل يوم جمعة حينما يعتلي الخطيب المنبر، يأتي المؤذن بحديث (من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت أو صه فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له)، واللغى هنا الحديث الجانبي.
2ـ قصيدة :في الفستان الأصفر:ـ
وفي عدد فبراير 1934م من أبولو نشرت قصيدته (في الفستان الأصفر)، ولم تحمل اسمه الصريح، بل رمز لها هكذا (ص. ح. العلوي)، وهي القصيدة نفسها التي تحمل الصفحة رقم (62) من ديوانه (نسمات الربيع) بزيادة علامة التعجب على العنوان، وهي في خمسة عشر بيتًا، قال في مطلعها:
برزت في مئزرها الأصفرْ كشهاب الصبح وقد أسفرْ
كالدرة، بل منها أسنى كالزهرة، بل منها أنضرْ
سنحت في الشارع مارحة في الخز كما سنح الجؤذرْ
صلى ذو اللهو لها عجباً والناسك سبح أو كبرْ
والعاشق طالع في دهشٍ لجلال الموقف والمنظر
إلى قوله :ـ
حيت بتحية ذى غنجٍ نفحت نفح الوردِ الأعطرْ
بفمٍ ـ ياحسن لآلئه ـ يفتر الكونُ إذا يفترْ
يتمنى العاشقُ لو يفنى سُكراً من باردهِ السكرْ
فيبل بلثم منضدِه قلباً يلتهب كالمجمرْ.
وفي تنقيحه لديوانه استبدل كلمة (مارحة) بكلمة (مائسة)، و(ذو اللهو) بـ (المفتون)، و(عجبًا) بـ (عظما)، و(والعاشق) بـ (والشاعر)، و(حيت) بـ (منت)، و(العاشق) بـ (الوالهُ)، وقد وفق في تغيير هذه المفردات مما أضافت للنص الشعري إشراقًا، وفي الصورة رونقًا.
3ـ قصيدة: دمعة على ولد:
نشرت في عدد مارس 1934م في الصفحة (613)، في باب الرثاء، وهي في (26) بيتًا، وعليها نشرت صورته لأول مرة، وتأتي في ديوانه (نسمات الربيع) في الصفحة (67)، بتغيير في العنوان وهو (دمعة والد)، في (25) بيتًا، حذف منها البيت التاسع عشر في الديوان وهو:
خلقت مليئًا بالحبور فلم تكن ترى قط إلا باسمًا ضاحك السن.
وقدم في الديوان للقصيدة بقوله: (كان الناظم غائبًا عن وطنه حضرموت، فجاءه نعي ابنه الوحيد وهو بمهجره بسنقافورة سنة 1350هجرية) ـ وقال فيها:
قفوا فانظروا قلبي فقد ذاب من حزني فأرسلته دمعًا حكى هاطل المزنٍ
وهاهو في المنديل والردن نابض تعالوا فجسوا نبض قلبي على ردني
دعوني فما أبكي على فقد ذاهب ولكنما أبكي على فلذةٍ مني.
وقد غيَّر كلمة (ذاهب) في الديوان بكلمة (منفسٍ)، وغيَّر في هذه الأبيات:
لعمري لقد وافى الكتاب بنعيه فدارت بي الغبراء مما رأت عيني
وغامت في عيني الدموع غزيرة وطحت سليب العقل مرتبك الذهن.
فغيرها كالآتي:
فيا شؤم يوم جاءني فيه نعيه ظللت به بين الورى شارد الذهن
وعى لساني فانبرى الدمع للملا يترجم ماقد عىِّ عن بثه لسني
وغيَّر أيضًا في هذا البيت:
ومالك قد وسدت فرشاً في الثرى وألبست بعد الخزّ ثوبا من القطن
فأبدله في الديوان:
ومالك قد بدلت فرشاً من الثرى وبعد الثياب الكثر ثوباً من القطن.
وأيضًا:
وأنت تنادي: يا أبي: وتجيئني فأعطيك مأوى من حناني ومن حضني
وأوليك ضماً للضلوع وللحشا ولثماً لنفسي كان أحلا من المنِ.
ففي الديوان استبدل بـ (وأنت تنادي) قوله: (كأنك تدعو)، وفي البيت الثاني كلمة (وللحشا) بكلمة (محببًا)، وفي البيت الحادي والعشرين في الديوان غيَّر من (بثثتك أحلامي) بالمجلة إلى (منحتك أحلامي) بالديوان.
4ـ قصيدة: هل تذكرين:
نشرت في عدد مايو 1934م صفحة (856)، باب (شعر الحب) وهي في ثمان رباعيات متعدد القافية، وهي تحمل الصفحة رقم (58) في ديوان (نسمات الربيع)، قال في مطلعها:
هل تذكرين وأنت والأتراب في القصر المنيرْ
تمرحن أملاكاً مجنحة بأفواف الحريرْ
لما انسللت لموعدي في روعة الرشأ الغريرْ
فنزا الفؤاد إليك من جذل وحاول أن يطير
ومن تغييره في هذه القصيدة البيت التالي وفيه قال:
ووعيت من فيك المعطر نور أحلام الحياة
فأبدلها في الديوان قائلًا:
وعببت من فمك المعطر نور أحلام الحياة
وأيضًا البيت التالي:
طارت مشاعرنا فكل من جميع الكون ساه
فأبدل (من) بـ (عن)، وأظنها تصحيح لخطأ مطبعي ورد في المجلة.
وأبدل أيضًا كلمة في البيت الآتي:
وشممت من أنفاسك الظمياء أنفاس الزهور
فابدل بـ (شممت) كلمة (ونشقت).
5ـ قصيدة: سمراء:
نشرت في عدد مايو 1934م صفحة (858)، باب (شعر الحب)، وهي في الديوان تحمل الصفحة رقم (38) في اثني عشر بيتًا قال فيها:
سمراء نحوك هام قلبي راجياً لوعاش كالعصفور بين يديكِ
راضٍ بذل الأسرِ حولك عمره عن عيشه بين الربى والأيك
ولئن نأيت فكم بعثت على النوى روحي على ظهر الخيال إليكِ
ترعاك من خلف النجوم وتارةً تهوى إذا يهوى الصباح عليكِ
وأبدل في الديوان كلمة (نحوك) بكلمة (كم لك) في البيت الأول وأبدل كلمة (راضٍ) بكلمة(جذلًا)، كما جاء تغيير في كلمات الأبيات الآتية:
ومنحته قبلي إليك فهل أتى ليزف قبلاتي إلى شفتيكِ
ماكنت أدري الحب إلا أنه حُمةُ سرت للقلب من عينيكِ
وعجزت أفقه سر حسنك أو أرى من أين نبع السحر من جفنيكِ.
ففي الديوان تم استبدال هذه المفردات (ومنحته) بـ (أودعته)، و(أفقه سر) بـ (أدرك كٌنْهَ).
6ـ قصيدة: صباح الشاعر:
نشرت في عدد مايو 1934م، صفحة (865)، باب (وحي الطبيعة)، في (21 بيتًا)، وهي بالصفحة (7) بالديوان، قال في مطلعها:
أيها الشاعر أستفق ذهب الليل فقم ـ ويك ـ حي نُور صباحِكْ
وأستمد الأحلام من نوره الضاحي ورفرف حياله بجنحكْ
إلى قوله :ـ
أيها الروض أنني جئت أستوحي معاني الجلال من أدواحكْ
استمد الجمال من حسنك الغض وسحر الألحان من صداحكْ
ولم يغير في القصيدة إلا مفردة واحدة في البيت الرابع عشر، وهي (استمد) أبدلها بـ (أتملى).
7ـ قصيدة: ملك:
نشرت في عدد أكتوبر 1934م، صفحة (232)، باب (شعر الحب)، في (18 بيتًا)، وفي ديوان (نسمات الربيع) صفحة (36)، من أبياتها الأولى:
ياملك الرحمة في الأرض من علمك القسوة،من علمكْ؟
نبع حنانٍ كنت بين الورى من ذا الذي بالظلم غذى دمكْ؟
اصميتني ظلماً بسهم الهوى عُدني حناناً وأحبني بلسمكْ
عهدت بالعطف،ولو للعدى فكيف تعدو قاتلاً مغرمك؟
أخوك هاروتُ مضى،والذي ألهمه سحرّ الورى ألهمكْ
طلم هاروت دراه الورى وأنت لمَّا يكشفوا طلسمكْ؟.
وفي المطلع هذا أبدل بعض الكلمات وهي البيت الثالث كلمة (ظلمًا) فصارت بالديوان (عمدًا) وكلمة (حنانًا) في الشطر الثاني بكلمة (بعطف)، وفي البيت الرابع (عهدت بالعطف) فصارت بالديوان (جلبت ذا عطف)، وفي البيت الرابع أبدل (وأنت) بـ (لم أنت)، وبقية القصيدة لم يمسها التغيير والتنقيح.
8ـ مقطوعة: تحت صورتي:
نشرت في عدد أكتوبر 1934م، صفحة (237)، باب (الشعر الفلسفي)، وهي في (5 أبيات)، رفقها مع صورته المنشورة بالمجلة، واضافها الحامد الى ديوانه (نسمات الربيع) في الصفحة (64) بعنوان (صورتي)، قال فيها:
هذه صورتي إليك فلا تعجب إذاً من بشاشتي وابتسامي
حاربتني أيام دهري فضحكي حذر من شماتةِ الأيامِ
هذه صورتي لديك ستبقى غضة في شبابها كل عامِ
سوف تبقى ذكرى الشباب أذا شبتُ، وذكرى الحياة بعد حمامي
وإذا ماسموتُ في عالم الروح ستحيا في عالم الأجسامِ.
ولم يُبدِل فيها غير(إذا) في البيت الرابع، فأبدلها بـ (متى).
9ـ قصيدة: نسمات الربيع:
نشرت في عدد ديسمبر 1934م، صفحة (680)، باب (وحي الطبيعة) في (34بيتًا)، وهي في الصفحة (18) من ديوان (نسمات الربيع)، الذي يحمل سم القصيدة نفسه، ومطلعها:
أفعمتِ صدرى من شذاكِ الوديع فعاودي يانسمات الربيعْ
في بردك العذب وهذا الشذى داعي التآمٍ للفؤاد الصديعْ
فاشفي فؤادًا بالجوى ذائبًا كلف حبًا فوق مايستطيعْ
إلى قوله :
هبي فهذا الكون في منظرٍ ضاحٍ وهذا الروض حالٍ مريعْ
مرتفع، منخفض، معجب وطيه مبدٍ جلال الرفيعْ
فيه جمال وحيه فوق ما تخيل الشعرُ وفوق البديعْ
صب الأصيلُ النور في وشيهِ ناراً تلظى أو نضاراً يميعْ.
وفي الديوان أصلح البيت الثامن، فعاد:
حوى جمالًا وصفه فوق ما تخيل الشعر وفوق البديعْ.
وقدمه على البيت السابع فاصبح في الديوان رقم (7)، وأبدل أيضًا في البيت رقم (23) إذ كان:
هبي صبا لستِ سوى نفحة مشبعةٍ من سحر هذا (الربيع)
فأبدل في الديوان:
هبي فما أنت سوى نفحة مشبعةٍ من سحر هذا (الربيع)
وفي البيت (27) أبدل كلمة (ريعانة) بـ (سحرية)، وفي البيت (30) في الشطر الأول كلمة (التقى) بـ (الهوى)، وفي الشطر الثاني كلمة (والحب) بكلمة (والطهر).
10ـ قصيدة: دوحة الوادي:
نشرت في عدد ديسمبر1934م، صفحة (592)، باب (الشعر الوجداني)، في (27بيتًا)، وفي (نسمات الربيع) صفحة (56)، جاء في مطلعها:
أيا دوحة الوادي سلامًا معطرًا ينوبُ به عني النسيم متى هبا
يضمك في لطف الحنون مخاصرًا ويلثم إجلالًا لرهبتك التُربا
سلوتُ عهودًا بعد عهدك عذبة وما كنت يومًا ساليًا عهدك العذبا
تلوحين دوني للخيال كمسرح به تعرض الأيام ريعانة قشبا.
وقد أبدل في الديوان في البيت الثاني (يضمك) بـ (وضمك)، وكلمة (ويلثم) بـ (وقبل)، كما أبدل في البيت الرابع (كمسرح) بـ (كشاشةٍ)، وكلمة (ريعانة)بـ (مزدانة)، أما في البيت (24) وهو قوله:
قراتُ عليها أنها بي صبةٌ كما أنا لم أبرح بها هائما صبا.
فأبدل فيه بالديوان إلى (تدل بصمت أنها بي صبة)، وبقصائد عدد ديسمبر يكون الحامد آخر ما نشر في أبولو، وقد توقفت المجلة بعده عن الصدور.
قصائد الشاعر باكثير
ونشر الشاعر والأديب الحضرمي والعربي الكبير علي أحمد باكثير (1910ـ1968م) في مجلة أبولو ست قصائد، ابتدأ من عدد مايو1934ـ ديسمبر1934م، ولعل هذه القصائد ممن احتواه ديوانه المخطوط (المصريات)، وهو الديوان الذي وعد د.محمد أبوبكر حميد بإصداره قريبًا، وهي بشرى نزفها للأدباء وقُرَّاء الأدب.
1ـ قصيدة: واقفة بالباب:
نشرت في عدد مايو1934م، صفحة (862)، باب (شعر الحب)، في(25 بيتًا)، يقول في مطلعها:
قولي بعذب لماك ـ وهوأليتي ـ ماذا وقوفك في الصباح أمامي؟
هلا تركت فتى يعالج درسه يبغي الصعود إلى المقام السامي؟
مازال مجتمع الخواطر ماضيا في حل كل عويصة بسلامِ
حتى وقفتي له ببابك والتقى نظراكما فهوى بغير حسامِ
إلى قوله آخرها:
النور والروض المنور والضحى لك يا مليحةُ من ذوي الأرحام
أبدى لعين الفن (الفن) حسنك كله تتقدمي (بالفن) ألفي عامِ
فالفن من عشاق حسنك يقتفي باللثم منكِ مواطن الأقدامِ
لو شف منك رداء جسمك مرة لشفيته من غلةٍ وأوامِ
وهذه القصيدة هي الأولى التي نشرها باكثير في أبولو، وزينت الصفحة بصورته، وكتب تحتها (الشاعر الحضرمي علي أحمد باكثير)، واستشهد بالبيت الأخير منها د.أحمد عبد الله السومحي في كتابه (علي أحمد باكثير: حياته ـ شعره الوطني والإسلامي)؛ إذ قال ( كما تحدث عن نواح حسيَّة في المرأة وذلك مثل قوله:
لو شف منك رداء جسمك مرة لشفيته من غلةٍ وأوامِ.
ـ إلى قوله: غير أن هذه المآخذ في نظري لم تكن ذات خطر كبير؛ ذلك أن شاعرنا قد قال هذه الفلتات وهو في بواكير عمره، ومن الطبيعي أن يتغزل شاب في ربيع العمر، وأن تصدر منه هذه الألفاظ، والتصورات، على أن شعر باكثير الغزلي في فترة النضوج قد خلا من مثل هذه الأمور)(7)، وأرى أن هذه هي من أثر مدرسة أبولو في شعره حينما قدم القاهرة، وربطته علاقات ودية مع شعراء أبولو مثلما سيأتي في سياق شعره المنشور في مجلة أبولو.
2ـ قصيدة: الرفيق المضاع:
نشرت في عدد يونيو 1934م، صفحة (976)، باب (الوجدانيات) في (24بيتًا)، قدمها بقوله: (إلى صديقي الأديبين المبدعين الشاعر صالح جودت (8)، والشاعرة جميلة العلايلي (9) إشارة إلى واقعة حال)، قال في مطلعها:
عج بالأديبة والأديب أو بالحبيبة والحبيب
واسألهما ـ في رقةٍ ـ ماشان خلكما الغريب؟
خلـفتمــاه وحـــــده أمر لعمركما عجيب
سأل الشوارع عنكما وسؤاله فيها مريب
حيران يمشي والدموع لها بخديه صبيب
لم يدر : حق مارآهُ قبلُ أم حلم غريب!
وقد استشهد د.السومحي بأبيات منها في كتابه المذكور آنفًا (10)؛ إذ كتب منها (14بيتًا)، وأشار الى مصدره في أبولو.
3ـ قصيدة: وحي سمراء:
نشرت في عدد يونيو 1934م، صفحة (991)، باب (شعر الحب)، في(20بيتًا)، قال في مطلعها:
على عينيك ياسمراء مصداق النبوآت
أقاما لوجود الله آياتٍ وآياتِ
ترقرق فيهما نور كخمر في زجاجاتِ
هما نفذا إلى قلبي فذابت فيهما ذاتي.
كصوفيين في المحراب لجّا في المناجاةِ.
وفي ختامها:
وفي نهديك ياسمراء ما يقضي بإسكاتي
فلا أسطيع قولًا غير أناتٍ وآهاتِ.
ولعل قصيدته هذه (وحي سمراء) هي من وحي قصيدة الحامد (سمراء) المنشورة في عدد (مايو1934م) من مجلة أبولو.
4ـ قصيدة: في الأزبكية (النظرة المفسرة):
نشرت في عدد يونيو 1934م، صفحة (1022)، باب (شعر الوطنية والاجتماع) في (33بيتًا)، فيها يقول:
في (الأزبكية) والنسيم عليل والجوُ وضاحُ الجبينِ صقيلُ
ينساب حُلمُ العيد في أثنائه وكأن خفق نسيمه تهليلُ
وكأنه خدٌ أسيلٌ، ريقٌ نضرٌ، ورجع نسيمه تقبيلُ
وكأن حاليةُ العذارى أملت ورنت إليه، فزانه النأميلُ!
من حسنها ودلالها وأريجها صورٌ ترف خِلاله وشكولُ.
وفي ختامها:
أواه للفنان عف إزاره! كم ذا يذوب فؤاده المتبولُ!
ظمآن، والماء المثلج دونه ملءُ الكؤس، وما إليه سبيلُ!
تتبع التقوى خطى أقدامه وكأنما هو وحده المسئولُ
وتراقب الأخلاقُ لحظَ جفونه وحسابها عند (الضمير) طويل!.
5ـ قصيدة: وحي الشاطئ:
نشرت في عدد سبتمبر 1934، صفحة (79)، باب (الشعر الوصفي)، في (14 بيتًا)، ولجمالها نوردها هنا كاملة:
بالله حدثنا حديثك ياجمال بلاتقيهْ
ماذا رأيت على (ستالي باي) بالإسكندريهْ؟
**
أشهدت أنصاف الكواسي ينتثرن على الشواطي
مثل الكواكب في السماء أو اللآليء في البساط؟
**
أأرحت جِسمك مِن متاعبه، ولقلبك من أساه؟
وكرعت من ماء الحياة فعدت ممتلئا حياه!
**
أم عدت موقوذًا بسهمٍ صوبته إليك عَين ؟
فعرفت أن على جفون الغيدِ حيناً أي حين
**
ماذا لقيت من النهود؟ وويلتاه على النهود!
متنزيات في الترائبِ كالولائدِ في المهود!
**
نزق يمورُ بها على رغم الصلابةِ والجمود!
برمت بدغدغةِ الوجود فآهٍ من عبث الوجود!
**
مترهبات في حِلى بيضٍ قلانسهن سود!
يُرحَمن مِن طولِ القيام وليس يَعرفن السجود.
الأبيات الستة الأخيرة من القصيدة أوردها د.السومحي في كتابه(11)، وأشار لمصدره في أبولو.
6ـ قصيدة: أمس ـ واليوم:
نشرت في عدد ديسمبر 1934، صفحة (746)، باب (الشعر الوجداني)، في (16 بيتًا)، عنون الأبيات الأولى منها (12بيتًا) بعنوان (أمس)، والأربعة الأبيات الأخيرة بعنوان (واليوم)، جاء في مطلع أمس:
يا حبيبي بردُ العقدُ ولم يبرد على الرشف ـ صداى
وانقضى أو أوشكَ الليلُ ولما أقض مِن فِيكَ مُناى!
**
آه ما أحلاكَ في قلبي وعيني وذراعي ولساني!
ليتني أفنى بعينيك فأحيا في نعيمٍ غير فانِ.
أما رباعية (واليوم):
وانطوى العهدُ، وافردتُ لأشقى عائشاً في نصف روحِ
ليته نصفٌ سليمٌ غير ممنىٍّ بأشتاتِ الجــــروحِ
فلأمت بعدكَ كي ألقاكَ ، أو فــلأ حيي بالذكرى لحين
وعزائي في يقيــن أننـــــي ألقاكَ في دار اليقين
هذه القصيدة أوردها كاملة د. السومحي في كتابه (12)، وأشار الى المرجع (مجلة أبولو).
الخلاصة:
من النماذج الواردة المنشورة في مجلة أبولو في أعدادها المذكورة نستطيع معرفة تأثر الشاعرين الحامد وباكثير بمدرسة أبولو وارتباطهما بها، ففيهما يبين للقارئ قبل الدارس هذا الأثر والتوجه، وهي بلا شك مرحلة من مراحل حياتهما الشعرية قبل أن يتأثرا بقناعات أخرى، وإسهامهما في إثراء مجلة أبولو بقصائدهما هو حضورٌ في ديوان الشعر العربي الحديث عبر هذه المدرسة الرائدة، ولمدرسة أبولو أعلام من الشعراء ارتبط شاعرانا بهم وجدانيًا وفنيًا، حتى ما بين فئة الشباب، فنشدان باكثير عن رفيقيه الشاعرين (صالح جودت، وجميلة العلايلي) وبثهما شكواه يدل على حميمية العلاقة وصدق المشاعر، وإذا نظرنا في دواوين الشاعر الحامد نرى أثر مدرسة أبولو واضحًا وجليًا في مسار حياته الشعرية، رغم نسب النقاد له للرومانسية المجردة، في حين ظلت رومانسية الحامد تنظمها مفاهيم مدرسة أبولو، وقد خالطت شعر باكثير في المرحلة المصرية بعد أبولو تأثيرات أخرى، حتى ابتكر قصيدة الشعر المرسل أو الحر مثلما عرف، وربما أبعدته المسرحية بعد ذلك عن الشعر فهجره ولم يعود إليه إلا نادرًا، لهذا نرى أن لحضرموت وشاعريها العملاقين ريادة وإسهامًا في تجديد الشعر العربي الحديث وتثبيت دعائمه، فرحم الله شاعرينا الحامد وباكثير وجزاهما عنا كل خير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :