أحمد جدير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 26 .. ص 48
رابط العدد 26 : اضغط هنا
في هذه الآونة الحالية كاد العالم ان يستقبل شهر ميلاد خير البشرية جمعاء، وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. من أجل ذلك يحتفل المسلمون في أنحاء المعمورة جميعها في هذا الشهر. وفي معنى يجب على المسلمين كافة إظهار الفرح والسرور بمناسبة طلوعه إلى العالم وفاقًا لقوله سبحانه: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) [يونس: ٥٨]، فسر شيخُ المفسرين ابن عباس كلمة الرحمة بمحمد صلى الله عليه وسلم. زيادة على ذلك فإنَّ ذلك واضح في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: ١٠].
وبموجب هذا يحتفل المسلمون في ربوع الهند بالمولد النبوي الشريف بأشكال متعدِّدة منذ أزمنة مديدة؛ لأن العلاقة بين الهند والإسلام عريقة جدًا. وصل الإسلام إلى الهند مبكِّرًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عبر صلات تجارية للعرب مع الهند. بالإضافة إلى ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الحملات إلى بقاع الهند للدعوة الإسلامية وفقًا لما سجله المؤرخون الرسمية في كتبهم، كراغب السرجاني في كتابه المشهور المسمى (قصة الإسلام في الهند). وبذلك انتشرت أشعة الإسلام في أراضي الهند، وانتشر في جميع ربوعه على مر العصور.
فبفضل هذه الإنعكاسات المذكورة أَوْلَى المسلمون الأمور الدينية اهتمامًا خاصة، لا سيما في شهر مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام. ويستقبلون طرائق مختلفة للاحتفال. رغم أن الهند ليستْ دولة إسلامية محضة، فإنَّ الدستور الهندي يوفر للمسلمين ولجميع الأقليات كل الحقوق الدينية والثقافية. يقيم في الهند الآن وفاقًا لتعداد جديد 172 مليونًا من المسلمين. ولكل منهم وللأقليات الأخرى في الهند كما للغالبية الحق التام في إقامة الشعائر الدينية، ونشر الدعوة لعقائدهم وتعاليمهم.
ويوم عيد الميلاد يقوم المسلمون في الهند بعدد من الفعاليات؛ إظهارًا لفرحهم ونعمتهم، في كل شكل ولون. تنظم مجالس ذكر المدائح النبوية، وقراءة مولده عليه الصلاة والسلام في كلٍ من المساجد قبل صلاة الفجر يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول. والبعض يحيي ليلة مولده بأنواع القربات: من تلاوة القرآن، والأذكار، وإنشاد الأشعار ومدائح النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وبعد مجلس المولد وقت الفجر يوزع موسرو المسلمين الطعام لجميع المشاركين والحاضرين. ثم بعد صلاة الفجر وتناول الطعام يحتشدون في المراكز الدينية، كالمعاهد الإسلامية، فتبدأ من هناك المسيرة الكبرى، مع مشاركة ضخمة من الناس، بما فيهم من الأطفال والشبان والشيوخ. فهم يسيرون ناشدين المدائح النبوية “كطلع البدر علينا”. وفي الوقت نفسه ينتظر كثير من الناس في قوارع الشوارع لاستقبالهم بانواع من الحلويات ومختلف انواع الطعام. ومما يعجب الجميع بشكل كبير أن غير المسلمين أيضًا يوزعون الحلويات للمشاركين في يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أجل ذلك تؤدي هذه المسيرة بمناسبة عيد ميلاد النبي صلى الله عليه وسلَّم دورًا بارزًا في نشر رسائل السلام في مجتمع الهند. وفي هذه المسيرة يرتدي بعض الطلبة زيًّا خاصًّا ويلعبون الدف قي أثناء المسيرة في وجوه بعض الديار، مظهرين الشكر على استقبالهم المسيرة بالحلويات والأطعمة.
وهكذا في المساء تستعد المنصات في جميع المنطقات تحت إشراف كل من المعاهد الدينية المسمى “بالمدرسة”. يقوم جميع طلاب المدرسة بالخُطَبِ والغناء والدف وغيرها من مظاهر المحبة النبوية المضمرة في ضمائرهم. ثم توزع التكريمات والهدايا لجميع الطلاب لقيامهم بتلك الفنون. هذه الفعاليات تجري في كل ناحية من أنحاء دولة الهند في يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم. زيادة على ذلك تقام مجالس قراءة المولد النبوي في المساجد من بداية شهر ربيع الأول إلى نهايته بعد صلاة المغرب ويوزع الطعام بعدها.
أحمد جدير – باحث في جامعة معدن الثقافة الإسلامية،هند