كتابات
طارق بن محمد سكلوع العمودي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 26 .. ص 69
رابط العدد 26 : اضغط هنا
كنت كتبْتُ قديمًا مقالة علميَّة شرعية بعنوان: ”حول جبال الثلج الفضائية”، بيَّنْتُ فيها من خلال ما صحَّ من نصوص نبوية وآثار عن سلفنا الصالح؛ إثبات نزول الثلج والماء من الفضاء؛ بل مما هو أعلى منه؛ لأنَّ ما علمه علماء الفلك الآن من السنوات الخرافية الضوئية من مسافة الكون لا يتعدَّى قطعًا سقف السماء الدنيا.
وكنْتُ قد ختمت المقالة؛ بما أخرجه ابن أبي الدنيا في ”المطر والرعد والبرق والريح”، (ص 85 بتحقيقي)، وأبو الشيخ الأصبهاني في ”العظَمة”، (4/ 1270)، وابن أبي حاتم في تفسيره، كما في “الدر المنثور” للسيوطي، (1/ 75)، وذكره الحافظ جمال الدين المزّي في “تهذيب الكمال”، كلهم بإسناد حسن عن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان إنه كان عند عبدالملك بن مروان، فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد:
(منه من السماء، ومنه ما يستقيه الغيم من البحر؛ فَيُعْذِبَهُ الرعد والبرق. فأما ما كان من البحر فلا يكون له نبات، وأما النبات فما كان من السماء …) إلى آخر ما قاله.
ومقولة العالم المرموق خالد بن يزيد؛ الموصوف بأنه رائد الكيمياء؛ لعلها أصدق شاهد على ما يدور في الأوساط العلمية الغربية الحالية في هذا الصدد.
ولمن رام التفصيل؛ فعليه بمقالي؛ فهو موجود على شبكة الإنترنت؛ ولله الحمد.
ولعل ما أُريد إضافته هنا؛ وأراه يستحق التنويه إليه؛ ما وقفت عليه من تبنِّي العالم الفلكي الرياضي الخيميائي الإنجليزي المرموق إسحاق نيوتن (توفي سنة 1727م) من تبنِّيه ذلك الأمر. وهو من رجال القرنين السابع عشر/ الثامن عشر الميلادي.
ففي الكتاب الرائع المثير: ”نيوتن أو انتصار الخيمياء”، للباحث الفرنسي جان بول أوفري؛ ترجمة الدكتور عز الدين الخطابي؛ ( ص 318).
إذ ذكر تحت ”المُذَنَّبَات”؛ أنها كانت في زمن نيوتن ينظر إليها علماء الفلك إلى أنها تتميز عن الكواكب بأنها تسير بين السموات بخط مستقيم؛ فهي في نظرهم مستثناة عن النظام الكوني؛ حيث الكواكب لها مدارات أهليجية.
ثم خاض نيوتن في هذا الموضوع بطريقة العبقري الرسام الهندسي؛ وخلص إلى أن المُذَنَّبات مثل الكواكب لها مدار أهليجي؛ وأنها ليست مستثناة من النظام الكوني.
وزاد نيوتن من اهتمامه بالمذنَّبات بنوع خاص؛ إذ قال جان بول أوفري:
(لم يكتف نيوتن بإدهاشنا كعالم هندسي، بل إن عبقريته كخيميائي ستكون أكثر إدهاشًا. إذ لم يعد اهتمامه منصبا على شكل المدار فقط؛ بل أصبح دور المذنبات في نشاط الكون يهمه أكثر.
ففي نظره؛ لم يعد هناك شك في الأمر.
فمثلما أن المحيطات ضرورية لتشكل الأرض؛ كذلك فإن البخار المنبعث من ذيل المُذَنَّبَات يتشكل كسحاب ويسقط كمطر على الأرض؛ من أجل ”سقي وإطعام” النباتات التي تنمو).
ثم نقل عن نيوتن قوله:
(فهذه الروح التي تعتبر أصغر وأدق وأفضل جزء بهوائنا، والمؤهلة للحفاظ على حياة كل الأشياء على الأرض، تنبثق أساساً من المذنَّبَات).
قلت: ما توصل إليه نيوتن؛ هو نفس ما توصل إليه خالد بن يزيد؛ غير أن مقولة خالد بن يزيد تميزت عنه بأمرين:
أولهما: أسبقية الكشف؛ فمقولة خالد بن يزيد تسبق مقولة نيوتن بقرون خلتْ؛ إذْ توفي خالد بن يزيد بن معاوية بن سفيان (90هـ / 708م).
والثاني: أنَّ مقولة خالد بن يزيد كانت أوسع وأشمل من مقولة نيوتن المحدّدة؛ إذْ عزا خالد بن يزيد أنَّ نزول المطر من السماء؛ فيدخل فيها المذنبات؛ وغيرها؛ مما ورد في النصوص والآثار.
وأما نيوتن فخصَّ حصول المطر بالمذنَّبات فقط.
واتفقا على أن نمو الأرض وخاصة النباتات إنما من المطر، الذي مصدره الفضاء الكوني؛ وليس الأرضي.
وأخيرًا أُحب أنْ أسجِّل هنا: أنه من الغريب بمكان – حسب علمي القاصر – عدم اهتمام علماء الفلك والجيوفيزيائيين الغربيين بنظرية العالم إسحاق نيوتن، وإحاطتها بالاهتمام اللازم ولو في أدنى مستوى.
ولكن الذي يبدو حاليًّا بين الأوساط الجيوفيزيائية والفلكية الكونية من تبني هذه النظرية من خلال دليل علمي محسوس.
انظر مثلًا المقال العلمي القيم، وعنوانه المثير: “أمطار النيازك البدائية حملت المياه إلى الأرض”، بقلم محمد منصور، والذي كتبه في ( ١٧/ ٩/ ٢٠٢٠م).
جاء في وصفه: دراسة تتحدَّى النتائج السابقة؛ وترصد مكوّنات داخل نيزك نادر؛ تدعم نظرية وجود المياه على الأرض منذ بداية التكوين.
هذه الدراسة عبارة عن ورقة بحثية لجمعٍ من الباحثين، تبحث في مكوِّنات الماء الأولية في أجسام أتتْ من داخل المجموعة الشمسية، وقد نشرت في مجلة “ساينس”.
اختلفت نتيجة هذه الدراسة عما توصل إليه نيوتن، ومن قبله بما ورد عن علماء المسلمين وتراثهم من أن مصدر تكوين المياه على الأرض هو نوع معيَّن من النيازك من داخل المجموعة الشمسية، تسمى: (انستاتيت كوندريت)، أي: ليست المذنَّبات التي تأتي من خارج المجموعة الشمسية، أو مما هو أعلى من السماء الدنيا.
كما إن الدراسة محددة في أصل تكوين مياه المحيطات الهائلة على الأرض.
في حين أنَّ الوارد عندنا كمسلمين أنه مستمر ودائم، ولا يختص بمذنبات أو نيازك من داخل أو خارج المجموعة الشمسية، بل بما هو أعلى من فوق السماء الدنيا.
عمومًا اتفقت الدراسة مع ما ألمحنا إليه من أن تكوين مياه الأرض جاء من فوق وليس من الأرض ذاتها؛ وفوق كل ذي علم عليم.