أ. هاني عبود الغتنيني
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 26 .. ص 85
رابط العدد 26 : اضغط هنا
أنجبت المشقاص – كغيرها من المناطق – عددًا من الأعيان والشخصيات الكبيرة، التي أخذتْ على عاتقها مسؤولية القيام بالإصلاح المجتمعي، وأدَّتْ أدوارًا فاعلة في مجالات الحياة كافَّةً سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وتشكلت منها وجاهات ومراجع عُرفية، كان لها الأثر الحسن في قيادة المجتمع، وإصلاح العلاقة بين مكوناته المختلفة، والسير به وفق أعرافه وتقاليده التي تعمل على استقرار حركة الحياة وانسيابيتها فيه.
ومن تلك الشخصيات المشقاصية والوجاهات المجتمعية التي تبوأت مكانة عليا في مجتمعها السيد علوي بن سعيد باعلوي.
نشأته وشخصيته:
ولد السيد علوي بن سعيد بن عبدالله باعلوي عام ١٨٩٨م تقريبًا، في منطقة كَرَوْشِم الخضراء، المعروفة بخصوبة أرضها، وجودة مزارعها، وهي من المناطق التاريخية القديمة، وكان بها مستقرُّ المؤرِّخ الفقيه عبدالرحمن بن حسان ووفاته، صاحب أول كتاب تاريخي حضرمي. ثم انتقل السيد علوي من كروشم – بعد أن قضى بها غالبَ سنيِّ حياته – ليسكن في منطقة خاشيم وذلك سنة ١٩٦٠م.
نشأ السيد علوي بن سعيد في كنف أسرة كريمة ميسورة، تحظى باحترام وتقدير بين قبائل المشقاص ومكوِّناته، ولها مكانتها ومقامها الرفيع فيها، وكان أخواله من سكان كروشم من آل باوزير أو بيت الوزيري – كما يطلق عليهم أحيانًا -، وهناك تلقَّى تعليمه، وكان من معلِّميه المعلم الفقيه عبيد عوض بكران عوضة باحشوان (عبيد الصَّيْغ) الذي نزل من وادي حضرموت إلى ريدة المشقاص وضواحيها معلِّمًا وداعيًا، وتخرَّج به جمع من أعيان المشقاص.
عاش السيد علوي حياة البادية مختلطًا بقبائلها، عالمًا بأعرافها، موفور القدر، مسموع الكلمة، يلقى الحفاوة والتبجيل أينما حل في قرى المشقاص وبواديها، يؤهله لذلك حسن سيرته، ومحبته للخير والإصلاح، وما وهب من فطنة وذكاء وعقل راجح، وسعة أفق، هذا إلى جانب مقامه الموروث عن آبائه، كل هذه الصفات التي توافرت في شخصية السيد علوي جعلت منه مقصدًا لحل النزاعات والخصومات، ومُسْهِمًا في صنع السلم والاستقرار بواسطة عقود الصلح والأحلاف بين القبائل بعضها مع بعض، وبينهم والدولة القعيطية.
كانت شخصية علوي بن سعيد شخصية كفاح مثمر، وعمل منتج، يبذل جهده ويكد في سبيل حياة كريمة، فمما يسمع في الحديث عنه أنه ذهب إلى المهرة ليشتري إبلًا …دخل الشحر ليبيع جلبًا ونحو ذلك، وكان منشغلًا بعدد من الأعما؛ل إذ كان يمتلك عددًا من المزارع (الآبار): مزرعة في كروشم، ومزرعتان في منطقة المحجر، ومزرعتان في منطقة الحافة، يشاركه فيها وفي صفات الكرم والجود والسخاء أخوه السيد عبدالله بن سعيد باعلوي، ولهما كذلك أموال ونخيل في وادي شخاوي، وفي ظلال هذا الوادي الأصيل توثقت علاقة السيد علوي منذ الصغر بقبيلة العمقي الثعينية العريقة، وسيأتي شيء من الحديث عن ذلك لاحقًا. كما كانوا يملكون (جريفًا) للعمل في موسم (الصرب) موسم الساردين (العَيْد)، وهو من أهم مواسم العمل في المشقاص إضافة إلى خريف النخل والزراعة، فكان السيد علوي وأخوه السيد عبدالله مشاركَين في هذه الأعمال، يقومان عليها ويشرفان إشرافًا مباشرًا، وهذه ميزة مهمة وجانب مضيء في شخصية السيد علوي المكافحة في سبل العيش، وفي إصلاح المجتمع.
وهذه الأملاك التي يعملان فيها ويقومان عليها تعد ثروة كبيرة في ذلك الوقت، فكان السيدان الكريمان ينفقان منها على ذوي الحاجات، ويبذلان في وجوه المعروف والبر والإكرام بذلًا سخيًّا نابعًا من نفوس كريمة مجبولة على الكرم لم يعرف الشحُّ والبخلُ طريقًا إليها، وما زالت بعض أحاديث ذلك الكرم تتردد في المجالس فيعبق أريج شذاها إلى يومنا هذا، حتى ذكروا أنه إذا رأى أحدهما من يأخذ من طعام مزرعته (السبول) يلتفت جانبًا كأنه لم يره، فيسر الآخذ بهذه الالتفاتة الكريمة والتجاهل المعطاء الذي يهب له قوته وكرامته. وقد جاء في وثائق القائم عبدالله عوض مخارش التي تضمنها كتاب الأستاذ الدكتور عبدالله الجعيدي والدكتور عبدالله باصميدي من رسالة إلى السلطان صالح بن غالب القعيطي مؤرَّخة بعام ١٩٤٠م تتحدَّث عن قضية بين المناهيل والعسكر ما نصه: (وسلمنا لبو المقتول خمس عشر ريال ١٥ حق العرضة حكم بها السيد عبدالله بن سعيد بن علوي)(١) ، فهذا المبلغ المسلَّم لوالد القتيل لم يكن ملزمًا في عرضة الصلح وهو صلح مؤقت، وإنما حكم به السيد عبدالله بن سعيد، وتُفصِح الرواية عما لمْ تتضمَّنْه الوثيقة، وهو أن السيد عبدالله هو الذي دفع ذلك المبلغ كرمًا وحُبًّا في الخير كما هي عادتهم.
إنَّ حديثنا عن السيد علوي بن سعيد يجرُّنا إلى تتبُّع جوانب عدَّةٍ في شخصيته، ويطرق بنا نواحي متعدِّدة من محطات سيرته المليئة بالأحداث؛ إذْ كانت هذه المحطات مسرحًا لنشاطه، وموئلًا لاهتماماته وتحرُّكاته، فنحن نتحدث عن شخصية كبيرة، تعدَّدتْ صفاتها، وتنوعَّتْ آثارها ومآثرها فهو الشاعر المتمكِّن، والمصلح الاجتماعي، والحكم العرفي، والمرجع في الوفاق بين الفرقاء القبليين، وبينهم وبين الدولة، وصاحب الفكر الحر، المهتم بشؤون أمته المشارك بطريقة أو بأخرى في بعض مناشطها السياسية، وسنستعرض هذه الجوانب من حياته بشيء من التفصيل اعتمادًا على بعض وثائقه الخاصة، التي أتاحها لنا مشكورًا حفيدُه السيد سعيد بن محمد بن علوي باعلوي، في خطوة رائدة واعية بأهمية هذه الوثائق، وعرضها للبحث، وكذلك ما ورد عنه في وثائق القائم عبد الله مخارش قائم ريدة المشقاص، التي يحويها كتاب (القائم عبدالله بن عوض مخارش وأضواء على وثائق من الأرشيف الإداري للسلطنة القعيطية) للدكتور عبدالله الجعيدي والدكتور عبدالله باصميدي، وبعض المرويات.
السيد علوي بن سعيد شاعرًا:
للسيد علوي بن سعيد أشعار كثيرة متناثرة على ألسنة الرُّوَاة تدل على ملكة شعرية، ومقدرة فائقة على صياغة الشعر الجزل، ومع ذلك لم يكن السيد علوي يعطي الشعر مساحة على قدر تمكُّنه منه ومهارته فيه، وإنما يستحضره ليعبِّر به عما في نفسه في بعض المواقف، وغالبُ شعره يصبُّ في الموضوعات الاجتماعية وأحوال الأمة، مما يؤشر إلى استحواذ هذا الجانب على اهتماماته، فمن غُرَرِ أشعاره هذه القصيدة الشهيرة التي قالها ارتجالًا للشاعر المعروف عبود بن عمرو الغتنيني، عندما التقى به في الطريق بين قصيعر وسرار، عند حَسِي في موضع يسمى (خُمَيْقَة)، وكان السيد علوي آتيًا من قصيعر بعدما أطلق سراحه من الاحتجاز، فصادف الشاعر عبود بن عمرو، ولمَّا عرفه نظم هذه القصيدة :
وسلام يا بن عمرو منّي والرضا
وبعد باتنشَّدْك من أربع خصال
خَرْبت بها الأحوال ما شي جاء سوا
ضاعت بها الأمة وقدهم في نكال
وأردف مسلِّمًا: (السلام عليكم)، فأجابه على الفور:
الأوّلة الكبْرة والثانية الربا
كبْرتْ قلوب الناس والكبرة زوال
والثالثة المَانات ما قاموا بها
والرابعة حُكْم الشريعة ما قَبَال
وأتبعها برد السلام: (وعليكم السلام)، وربما رويت ببعض الاختلاف، فهذا السؤال الذي أطلقته قريحته الشعرية نابع من نفسٍ أهمَّها حالُ الأمَّة، الذي أضفى على نبرة القصيدة ظلالًا من الحزن والأسى بسبب ما وصلت إليه من خراب وضياع، وهو هنا يسأل عن الأسباب التي أدَّتْ إلى هذه الحالة التي لا يرتضيها، وهي أسئلة تتلمَّس طريقًا للخلاص والتغيير نحو الأحسن، وتوجيهه هذا السؤال للشاعر عبود بن عمرو يوحي إلى أنهما مشتركان في الهمِّ نفسه.
وسمع مرَّةً قصيدة للشاعر صالح بن عبدالله العمقي على زواج في منطقة خاشيم، تتحدث القصيدة عن القبيلة وتمجيدها، وكان في الحضور الرئيس السابق علي سالم البيض ووفد من الحكومة، فأوقف السيد علوي الصف وقال لهم: مثل هذا الكلام يغضب الحكومة، وأعطاهم قصيدة أخرى، قال:
سالم ربيّع ذاع صيته في القرى
خلّوا الغنم والذيب في القلعة سدود
ولعاد سمعنا صُلْح أو قالوا بَرَا
حتى النَّمارة طايعة هي والأُسُود
ومن مساجلاته الشعرية هذه القصائد التي جرت بينه وبين الشاعر عبد ربه بن سهيل العمقي في وادي شخاوي، يقول العمقي:
يا أرضنا يا للي حيودش نايفة
فيش المعلم والمداوي والطبين
كم من منيحة قد رَبَت في أرضنا
كَلَت مصالحها ولا ربّت جنين
قال السيد علوي بن سعيد:
إن شي تَوَافي للكَلَم لا جِبْتها
با ريّض الخاطر وبا ديّر في صين
وإن هي لَفَايف با تعتّب أهلها
ما حد يرد الجِيْد في منزل هَوِين
ويقول علوي بن سعيد أيضًا:
ليلة غديرة ما تبيّن ضوّها
إن غاب زاهر عاد غيره با يبِيْن
من زَيْد عاد العود قابض بالسَّعَفْ
ما با يَقَصّر حال ربّ العالمين
وله مراسلات شعرية مع عدد من الشعراء.
دوره في الإصلاح بين القبائل:
نشأ السيد علوي في مجتمع قبلي، لا تنفك الصراعات والمنازعات أن تنشب فيه بين الحين والآخر، وتترك خلفها إرثًا من المشكلات والمطالب والتعقيدات، التي تتطلب حَلًّا مُرضِيًا من المصلحين والوجهاء، الذين يسارعون في تحمل مسؤولياتهم المجتمعية، ويتحملون المشاق والصعاب في سبيل إيجاد الحلول والحفاظ على أمن البلد واستقراره، وكان السيد علوي بن سعيد أحد هذه الوجاهات التي يُعوَّل عليها في خلق الوئام والوفاق، وحل المشكلات العويصة التي تحدث بين الأطراف القبلية المختلفة، فكان يسعى دائبًا في الصلح بين المتنازعين، و يبذل جهدًا كبيرًا لإقناع القبائل بضرورة الجنوح للسلم؛ حفاظًا على مصالحهم، واتّباعًا لصوت الحكمة والعقل المنادي بالأمن والسكينة، ويتأتى له الوصول إلى هدفه السامي بما يمتلكه من مقدرة على الإقناع وإيجاد الحلول المناسبة، وبكلمته المسموعة لدى جميع الأطراف، ومن عقود الصلح التي قام بها (عُرْضة صلح) مؤرَّخة في ١٣٤٣هـ بين الزي وثعين (والزي يطلق في العرف المحلي على قبائل الحموم، وإلا فإن معناه التجمُّع القبلي)، وهذه العرضة لمدة خمسة أشهر، تبدأ من شهر ذي القعدة وتنتهي في شهر ربيع الآخر كما ورد في نص الوثيقة، وهي مبنية على عرضة سابقة في العام الماضي، وفيها عشرة أيام سوالف (والعشر السوالف المقدّمات في أول رضيح على من ما علم)، ورَضِيْح هو ذو القعدة نفسه (انظر الوثيقة رقم1، أ،ب)، ففي قوانينهم العرفية يجعلون عشرة أيام من أول مدة الصلح فسحة لمن لم يعلم بالصلح إن حصل منه أي اعتداء لئلَّا يكون مخلًّا بالصلح ولا يكون فاعله عائبًا، ويسمون هذه العشرة الأيام سوالف، وعرضة الصلح هي بمثابة الهدنة، تُجدَّد كل عام بموافقة الأطراف، ويلحظ أن وثيقة الصلح هذه لم تشمل كل قبائل الحموم وثعين، فربما هناك اتفاقيات أخرى خاصة، أو أنها لم تدخل في هذا الصلح لسبب ما، أو لأن وجود بعضها يكفي عن الآخرين، وهذه الوثيقة شاهد عدل على الدور الإصلاحي الذي يقوم به السيد علوي، ودليل حرصه على أن يحل السلام في ربوع المنطقة وبين مكوِّناتها المختلفة، كما تُعَدُّ إشارة واضحة إلى مكانته ومنصبه، فمثل هذه العقود لا يفي بمتطلبات قيامها وضمان الوفاء بها إلا وجاهات كبيرة، تحظى بتقدير عظيم، وتكون بمقام الحكم العرفي الواعي بمقاصد هذه العقود ومقتضياتها.
إنَّ الجهود المقدرة والمشهودة التي يبذلها السيد علوي بن سعيد باعلوي لإرساء قواعد الوفاق بين قبائل المشقاص، والسعي في الصلح بينها، جعلت القبائل تلجأ إليه وتنوط به هذه المهمة ليكون الوسيط المقبول عند كل الفرقاء لإبرام الصلح، ومن شواهد هذا الدور الوثيقة المؤرَّخة في ٢٤ من ذي القعدة ١٣٦٨هـ، وهي رسالة إلى السيد علوي بن سعيد، والشيخ عبود سالم باوزير، مرسلة إليهما من قبيلة الشنيني الحمومية بشأن الصلح بينهم وبين قبيلة العمقي، وهو صلح (حسب التركوب)، أي حسب الأعراف المتبعة فيه، وشروطه المعهودة، ويؤكدون: (الناس متباعدة وأنتم واسطة الكلام)، أي أنتم من سيقرب وجهات النظر المتباعدة، ويلحظ في الرسالة ثقتهم الكبيرة في قدرة السيد علوي وصاحبه في إتمام هذا الصلح رغم بعد الشقة، (انظر الوثيقة رقم ٢) .
وهناك رسالة أخرى من بيت شنين موجهة إلى السيد علوي مؤرَّخة بعام ١٣٧٧هـ، بخصوص عرضة صلح مع بيت العمق، يذكرون فيها أن الموعد المرسل إليهم لم يتسنَّ لهم معرفته على وجه الدقة؛ كونه مكتوبًا، ويريدون منه تحديد موعد جديد في العاشر من جمادى الأولى في الحافة عند المقدم بن السبيتي الجريري، ومما جاء فيها: (قام بيننا وعد من عندك نحن وبيت العَمْق، والوعد مرسول مكاتبة حسب علمك، وتغلّطينا معاد أفهمنا الأيام وبالحقيق مفهوم أنه في نجم الثريّة) (انظر الوثيقة رقم ٣). فمن خلال هذه الوثائق يتضح جليًّا الدور الذي ينهض به السيد علوي بن سعيد في الإصلاح بين القبائل، وسعيه الحثيث لنزع فتيل النزاع والخلاف؛ ليتمكنوا من ممارسة حياة طبيعية، تتيح لهم الالتقاء والانتقال من مكان إلى آخر في أمان واطمئنان لا سيما في مواسم معينة، كموسمي الصرب والخريف.
ومما يجعل السيد علوي واسطة العقد بين وجاهات المشقاص – في وقته – علاقته المتميزة والمتوازنة مع جميع قبائل المنطقة، خاصة ثعين والحموم، فتربطه بقبائل ثعين علاقة وثيقة لا سيما قبيلة العمقي، فهو يعد منصبًا لهم، ومختلطًا بهم كثيرًا؛ إذ يقيم أحيانًا عندهم في وادي شخاوي الذي له فيه أموال ونخيل، وكان السيد علوي بن سعيد وفيًّا لهذه الروابط والوشائج، ولتلك الأيام التي ربطته بوادي شخاوي وبيت العمق منذ زمن آبائه، فنراه الواسطة بينهم وبين القبائل، وبينهم وبين الدولة، ففي وثائق القائم عبدالله عوض مخارش ذكرٌ كثيرٌ للسيد علوي مع بيت العَمْق، فتارة بالإشارة إلى أنه (في شخاوي)(٢)، وأخرى يجعله شاهدًا على أحدهم: (والشهود جماعته، والمنصب سيد علوي بن سعيد)(٣)، بل كان يرافقهم ويقوم معهم، ومن ذلك مسيرهم إلى الشحر في قضية بينهم وبين الدولة، فقد ورد في وثائق مخارش بتاريخ ١٩٤١م: (ودخلوا بيت العمق إلى دفيقة هم والسيد علوي، وطرحوا عشرين هطف للدولة في كل ما صاب عليهم…)(٤)، ولا ندري أفي هذه المرة أو مرة أخرى أصيب بيت العمق بتسمم أو وباء معين بالقرب من الشحر مات منه بعضهم، ومرض آخرون، وحمل السيد علوي مريضًا إلى المشقاص.
وأما الحموم فتربطه بهم كذلك علاقات وثيقة، فلهؤلاء السادة آل باعلوي منزلة عالية عندهم، فقد كتب لهم المقدم أحمد بن حبريش، والمقدم فرج بن كرامة بن سالمين بيت المجنح العليي صيغة وَجْهٍ ووجاهة بتاريخ ٢٣ جمادى الآخرة ١٣٦١هـ، بيَّنوا فيها أنهم أعطوا هذا التقرير والوجه إكرامًا لهم ولجَدِّهم (انظر الوثيقة رقم ٤)، وكان ذلك عقب إطلاق السيد علوي سجينًا لهم في الشحر، بعد أن أخفقت كل محاولاتهم المتكررة لإطلاقه.
دوره في الإصلاح بين الدولة والقبائل:
عندما مدَّت الدولة القعيطية نفوذها إلى المشقاص واستولت على قصيعر سنة ١٢٨٩هـ لاقت معارضة شديدة؛ إذ اصطدم نفوذها بموقف القبائل الناظرة بحذر إلى هذا التمدُّد القعيطي، فلم يتمكَّن القعيطيون من الوصول إلى ريدة المشقاص إلا بعد تسعة وثلاثين عامًا من سيطرتهم على قصيعر، في حين دخلوا قصيعر بعد خمس سنوات فقط من سيطرتهم على الشحر مع طول المسافة بينهما، يقول الأستاذ المؤرخ عبدالرحمن الملاحي: (وتفسر لنا طول الفترة الزمنية (٣٩ عامًا) للتغلغل القعيطي، ومد نفوذه إلى الريدة شرقًا قوة المعارضة الثعينية له)(٥).
وكانت الوسيلة التي اتبعها القعيطيون لمدِّ نفوذهم هي عقد الأحلاف مع قبائل المنطقة، بما يبقي على أعراف القبائل ومصالحهم المعتادة في أرضهم، وتعترف القبائل بموجبها بأنهم (عيال الدولة، وأنه أبوهم)، والأبوة من المصطلحات القبليّة التي تفرض الاحترام والطاعة لمن يتصف بها، وتعطيه المنزلة الأعلى، فهي تؤطر لعلاقة بين حاكم ورعيَّته رغم أنها – أي الأحلاف – من جهة أخرى تعقد بين الطرفين بوصفهما ندَّيْن متساويين في غالب صيغة الحلف، ولتحقق الدولة القعيطية هدفها من عقود الأحلاف هذه استعانت بعدد من الوجاهات والشخصيات الاجتماعية المؤثرة في مجتمعها(٦)، وعلى رأس هؤلاء السيد علوي بن سعيد باعلوي، الذي يدفعه الحرص على استقرار المنطقة واستتباب الأمن والسكينة في ربوعها وبين مكوناتها؛ وصولًا إلى نظام الدولة العادلة وحكمها، ولاشك أن السيد علوي كان يلحظ هذه النتيجة بنظرته الثاقبة، ويسعى في هذا الاتجاه، فكانت له جهود وأدوار كثيرة في إصلاح العلاقة بين القبائل المشقاصية والدولة الوليدة، والدفع بها ونقلها من حالة العداء والخصام إلى التعايش والسلام وفق شروط يرتضيها الجميع، ومن شواهد هذا الدور الذي قام به السيد علوي هذا الحلف الذي عقد بين القعيطي وقبيلة الهزيلي الثعينية، والذي تضمن العفو والمسامحة عما حصل بينهم من قتل وفيد وغيرها، وأن (الثعين المذكورين من بعد هذا التاريخ عيال الدولة وأرضهم أرض الدولة وما حصل بأرض الثعين من معدن ذهب وفضة وفحم وكبريت ورصاص وجميع أصناف المعادن فهي إلى الدولة) (انظر الوثيقة رقم ٥).
ومن جهود السيد علوي بن سعيد في الوفاق بين القبائل والدولة تلك الجهود المضنية التي بذلها مع قبيلة العجيلي القضاعية الحمومية(7) والتي استغرقت وقتًا طويلًا، وتطلبت مهارة وحنكة في التفاوض وتقريب وجهات النظر، ومما يدل على مكانة السيد علوي و منزلته لدى السلطة ورجالاتها أن السلطان صالح بن غالب القعيطي هو الذي اختاره لهذه المهمة، أي التفاوض مع قبيلة العجيلي، فقد جاء في رسالة للقائم عبدالله مخارش إلى مقدم بني عجيل المقدم سعيد بن سالم بن العويضب العجيلي بتاريخ 19/5/1941م (وصل لنا خط من السلطان صالح وألزم نحن نرسل طرفكم السيد علوي بن سعيد بن علوي والشيخ عبود بن حسن بن الركن (باعباد) من جهة أنتم والدولة)(٨)، هذا التفاوض ومحاولات الصلح التي أجراها باقتدار السيد علوي ورفيقه أسفرت بادئ ذي بدء عن تحييد قبيلة العجيلي وجرِّها إلى الوفاق مع الدولة بحكمة ودهاء، فقد كُتِبَ (وَثْر) بينهم وبين الدولة بتاريخ 22/9/1941م، أي بعد أربعة أشهر من المفاوضات، وينص على أن العجيلي يقابل الدولة (أي السلطان)، وأنه (حاله حال نفسه ليس هو داخل في صلح الزي (الحموم) ولا شورهم)(٩).
لقد عرف السيد علوي بن سعيد باعلوي في عاصمة السلطنة القعيطية كأحد أهم الوجاهات الاجتماعية في المشقاص، كما كان عضوًا في المجلس القروي في العهد القعيطي، إلى جانب عدد من الأعيان، وهو مجلس يُعنَى بمصالح المنطقة وخدماتها. وقد نال السيد علوي ثقة السلطنة وكبار رجالها، وكانت تربطه علاقة وطيدة بوزير الدولة حسين بن حامد المحضار، وقد تقدم موقعه لدى السلطان صالح واختياره له وسيطًا في الوفاق مع بني عجيل – أحد ركائز التجمع الحمومي كما يعبر عنها الأستاذ الملاحي (١٠) -، وحتى في النزاعات الشخصية المتعلقة بالحقوق، والتي تحدث بين الأفراد، كان السيد علوي مقصدًا للسلطة ومرجعًا لمعرفة الحقيقة والاستنارة برأيه والإفادة من حكمته، لا سيما في القضايا المعقَّدة مما يدل على ثقتهم فيه وفي نزاهته وصدقه، وهذا ما تحدِّثنا به الرسالة الموجهة من سكرتير الدولة إلى قاضي قصيعر بخصوص البئر المتنازع عليها في منطقة الحافة، بين المقدم عمرو سعد الخليسي الغتنيني وآل عبد الودود مؤرَّخة في21/4/1941م، (انظر الوثيقة رقم ٦)، وهي البئر (المزرعة) المعروفة باسم (بئر الحوامر)، ونظرًا لتعقيدات هذه القضية وصداها الذي أحدثته في المجتمع توجهت السلطة إلى قاضي قصيعر والسيد علوي للمساعدة في حلها والإفادة من خبرتهما، وفي أثناء ذلك النزاع الطويل على هذه البئر قال شاعر الحموم – حلفاء آل كثير – الشاعر كعموم العليي:
قل للغتنيني يَفْتَكَر يشاور صحابه والبَدَد
وإن هو مطامع في البيار قل له يتقنّع من عَسد
فرد عليه الشاعر عبود بن عمرو الغتنيني بقصيدة مطولة، وفيها:
ذا الحين يا الهاجس نَشَد ويقول بو عمرو الفتى ع الهافية ما با سجد
وعسد معي مَسْراح جد مسراح من زام الكَفَر وبدر عاده ما وجد
ما با تقنّع من عسد نَخْزِي عليها بالخموس والكَيْل من روس العَدَد
ويقصد ببدر السلطان الكثيري، والكَفَر الفُرْس.
ورغم مكانة السيد علوي وخدماته الجليلة التي قدمها للسلطنة القعيطية فإن كل ذلك لم يشفع له حينما تعارضتْ بعض مواقفه مع سياستهم ومصالحهم؛ فأودع في الاحتجاز في قصيعر وذلك سنة ١٩٥٦م، ثم أخلي سبيله بعد أيام ليست بالقليلة (انظر الوثيقة رقم ٧)، ومما تدل عليه هذه الحادثة أن السيد علوي رجل حر الفكر والرأي، صلب في مواقفه التي يتخذها بناء على توجهاته ونظرته الخاصة، وما استجابته لرغبة الدولة في المصالحة مع القبائل إلا تلبية لما يمليه عليه ضميره، ورغبة منه في استتباب الأمن، وليس طمعًا فيما عند الدولة؛ فهو كما عرفنا من سيرته غنيٌّ عن ذلك بماله ومنصبه ومقامه داخل مجتمعه وخارجه، ولا يستبعد أن يكون احتجازه ناتجًا عن مواقفه وميوله الشديدة لمجتمع البادية المحلية، أو بسبب مواقفه العروبية الإسلامية، التي تتعدَّى النطاق الضيق لحدود الدولة القعيطية، فقد عرف بفكره الواسع ونظرته إلى آفاق بعيدة، وما جمعه التبرعات لثورتي الجزائر ومصر عام ١٩٥٦م إلا مستند يؤكد هذا الانتماء العربي والإسلامي، الذي امتد بامتداد آفاق ذلك الوطن الفسيحة ومساحاته الواسعة (انظر الوثيقة رقم ٨).
الجانب السياسي في شخصية السيد علوي:
لم تكن الملامح السياسية واضحة بشكل جلي في شخصية السيد علوي بن سعيد، وأهم أسباب هذا الخفاء هو بُعْدُه عن المدن الرئيسة، التي يُخاض فيها غمار السياسة بشكل فاعل؛ إذ كان يعيش في البادية المشقاصية النائية التي يغيب عن ساحتها العمل السياسي المنظم وتفاعلاته المختلفة منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا إلا ما ندر، غير أننا نستشف ميوله ومواقفه السياسية ومناشطه في هذا المجال من خلال بعض وثائقه الخاصة، مثل وثيقة احتجازه وسجنه في عهد الدولة القعيطية سنة ١٩٥٦م، وجمعه التبرعات لثورتي مصر والجزائر في العام نفسه، فهذه الوثائق ونحوها تدل على علاقاته ببعض الناشطين في هذا المجال ومشاركته إيَّاهم اتجاهًا وفعلًا، فشخصية مثل السيد علوي بن سعيد في سعة أفقه وبعد همه وتطلعاته التي تجاوز الوطن الصغير لا بد أن يكون لها مواقفها ورؤاها الخاصة فيما يدور حوله، سواء في عهد الدولة القعيطية أو بعد الاستقلال وخروج المحتل البريطاني من الجنوب العربي، ويقال إنه في مرحلة ما بعد الاستقلال كان يميل إلى جبهة التحرير، وتطالعنا وثائقه برسالة موجهة إليه من السيد محمد بن شيخ بن إسماعيل السقاف، أحد علماء مدينة الديس الشرقية وأعيانها، وله جهود كبيرة في خدمة المجتمع (١١) مؤرَّخة في 23/6/1976م، يتحدث فيها السقاف عن أمور سريَّة بطريقة (مشفّرة)؛ بقصد الإبهام على القارئ، مثل: (الموضوع الذي يحمله الجماعة)، ويذكر فيها أن هناك أوضاعًا مستجدة يجب التفكير فيها قبل الجواب، واللافت فيها أيضًا مخاطبته للسيد علوي بقوله: (حضرة المكرم سيدي الوالد علوي بن سعيد…) وهي لغة تبجيل تظهر مكانة السيد علوي ومنزلته الرفيعة، (انظر الوثيقة رقم ٩). الجدير بالذكر أن ذلك العام الذي كتبت فيه الرسالة ١٩٧٦م كان الصراع فيه مستمرًا بين الأطراف الحاكمة في مرحلة ما بعد الاستقلال، فلعل موضوع الرسالة عن تلك الأحداث، لاسيما أن السيد محمد بن شيخ السقاف تعرض لعملية اختطاف ومحاولة تصفية من قبل الجبهة القومية كما تذكر بعض المصادر.
و مهما يكن من شيء فإن الدور الإصلاحي في المجتمع كان هو الأكثر بروًزا وارتباطًا بشخصية السيد علوي، فظل مقامه ودوره الإصلاحي الذي كان يمارسه في عهد الدولة القعيطية كما هو في مرحلة ما بعد الاستقلال، وبقي هو الثابت في ظل تناوب الدول والتغيرات والتقلبات التي تطرأ عليها، وهو يستمد هذا الثبات من جذوره الراسخة في مجتمعه، وانتمائه القوي لبيئته، فكانت السلطات الحاكمة تفيد من مساعيه الخيّرة، وخبرته، وحكمته في حل المشكلات والإصلاح بين الناس، ومن شواهد ذلك هذه الرسالة الموجَّهة إليه وإلى الشيخ عبود بن حسن بن الركن باعباد وعيظة بن صباحان المنهالي من مساعد المأمور بمديرية الريدة وقصيعر حسب أمرٍ من قاضي محكمة الديس والحامي بخصوص مشكلة بين رجل وزوجته طال النزاع فيها، والرسالة بتاريخ 5/5/1973م (انظر الوثيقة رقم ١٠).
ونختم مقالنا بنموذجين يدلَّان على حكمته ودهائه في حل المشكلات، أحدهما حدث في سلطنة ابن عفرار، والآخر في سلطنة القعيطي في منطقة حدودية بين السلطنتين، فيذكر أن السيد علوي بن سعيد ذهب إلى المهرة ليشتري إبلًا من هناك، ومَّر بمنطقة العيص (عيص المسيلة)، فوجد أناسًا متنازعين على (جَرْب) أرض زراعية طينية في إثر غيث وسيول، ولم يقم أحد من الأطراف بزراعة تلك الأرض، وكادوا يقتتلون عليها، فجمعهم وحكم بينهم حكمًا مؤقَّتًا إلى أن يأتي السلطان ابن عفرار وكان حينها في عدن، حكم السيد علوي أن تقسم الأرض نصفين، ويقوم كل طرف بزراعة نصفها، وعند الحصاد يجمع المحصول من الطعام، وتتم المحاكمة والمقاضاة عند وصول السلطان، فمن أصبحت الأرض ملكه يأخذ المحصول، ويعطي الطرف الآخر أجرًا مُجزِيًا مقابلَ خدمته، فعمرت الأرض الزراعية بعد أن كاد يفوتهم هذا الموسم المهم، ولما جاء السلطان أقر حكم السيد علوي، وأرسل له جواز سفر مهري تقديرًا لهذا الحكم والصلح الذي قام به.
والنموذج الآخر حدث في منطقة حدودية بين السلطنتين المتنافستين على تلك المنطقة، وخاصة ميناء المصينعة، فأعطى ابن عفرار قبيلة النحتي الثعينية وثيقة تشهد بأحقية السكنى لهم ولمن يريدون، وأن للدولة ما في باطن الأرض، وأراد القائم عبدالله عوض مخارش حاكم الريدة أن يمد نفوذ الدولة القعيطية إلى تلك المناطق ففكر في إنشاء طريق وتعبيده (بالحصى والنُّورة) كمشروع خيري يخفي هدفًا توسُّعيًا، وأرسل عمَّالًا لذلك، فاعترضهم النحتيون وطردوهم من هناك، فقام عسكر الدولة بسجن بعض من دخل الريدة من النحتيين، فجاء مقادمتهم إلى السيد علوي بن سعيد يطلبون حلًّا لمشكلتهم مع الدولة، لاسيما وأن لديهم ورقة في الأرض من ابن عفرار، فاقترح السيد على مخارش أن يعطيهم وثيقة، كتلك التي أعطاهم حاكم المهرة، وأقنعهم السيد علوي أن هذه أرض متنازع عليها بين دولتين، وإذا أصبحت لأي منهما فأنتم لديكم وثيقة منه، فسمحوا عند ذلك لمخارش أن يمهد طريقه.
هذه بعض الأضواء على صفحات مشرقة من سيرة السيد علوي بن سعيد، ومسيرته الإصلاحية، وحياته الحافلة بالعطاء والأحداث، والتي اطلعنا من خلالها وعن طريق بعض وثائقه الخاصة على جوانب من الحياة في عصره، ووقفنا على أهم أدوار هذه الشخصية العظيمة، التي جمعت المجد من أطرافه، فهو الشاعر البليغ، والمصلح الاجتماعي الحكيم، والمرجع في الأحكام والأحلاف، والوجاهة الاجتماعية، التي ربطتها علاقات مميزة بالقوى الفاعلة في المجتمع ورجال السلطة.
وبعد حياة مديدة قضاها في الخير والعطاء وخدمة المجتمع توفي السيد علوي بن سعيد بن عبدالله باعلوي في منطقة خاشيم سنة ١٩٨٥م، رحمه الله رحمة واسعة، ورفع درجته، وجزاه خير الجزاء على ما قدم وبذل.
الهامش:
(١) كتاب (القائم عبدالله بن عوض مخارش وأضواء على وثائق من الإرشيف الإداري للسلطنة القعيطية) للدكتور عبدالله الجعيدي والدكتور عبدالله باصميدي. وثيقة رقم ٦٧، ص ١٧٦.
(٢) المصدر السابق، الوثيقة ٦٧، ص ١٧٥.
(٣) المصدر السابق، الوثيقة ١، ص ١٣٣.
(٤) المصدر السابق، الوثيقة ٧١، ص ١٧٩.
(٥) مقدمة الأستاذ عبد الرحمن الملاحي على كتاب (القائم عبدالله بن عوض مخارش وأضواء على وثائق من الإرشيف الإداري للسلطنة القعيطية) للدكتور عبدالله الجعيدي والدكتور عبدالله باصميدي، التي عنونها بـ (المشقاص مخلاف أهمله التاريخ) ص ٢٨.
(٦) المصدر السابق، ص ٣٢.
(٧) كتاب الدلالات الاجتماعية واللغوية والثقافية لمهرجانات ختان صبيان قبائل المشقاص ثعين والحموم، للأستاذ المؤرخ عبد الرحمن الملاحي، ص ٤٩.
(٨) كتاب (القائم عبدالله عوض مخارش … ) د. الجعيدي، ود. باصميدي، الوثيقة ٦٩، ص ١٧٧.
(٩) المصدر السابق، الوثيقة ٦٨ ص ١٩١.
(١٠) الدلالات الاجتماعية واللغوية … للملاحي، ص ١٢٠.
(١١) العقد الفاخر النفيس في تاريخ وتراث الديس، مخطوط، للأستاذ الباحث طاهر ناصر المشطي.