شوقي عبدالله عبّاد
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 26 .. ص 100
رابط العدد 26 : اضغط هنا
اللافت أن هناك ازديادًا في مؤسسات التعليم العالي في اليمن عمومًا، وفي حضرموت خصوصًا، مقارنة بالعقود الماضية؛ إذ أصبح دخول الجامعة خيارًا رئيسًا لأكثر خريجي الثانوية العامة. وهذه النسبة المتزايدة تتواكب مع ما يحدث في البلدان الأخرى، سواء العربية منها أو الأجنبية، ولكن الفارق بينهم وبين جامعات حضرموت ينحصر في مهام الجامعة ورسالتها، وهي المهام الثلاث المعروفة: التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع. الخلل في أداء هذه المهام يؤدي إلى عدم ظهور أي جامعة من جامعات حضرموت في التصنيفات العالمية المعتبرة رغم شراكات تم عقدها مع جامعات خليجية و آسيوية.
ولعلي ألخص ما لدي في نقاط ست، لعلها تجد آذانًا صاغية لدى أصحاب القرار؛ حتى لا تكون الجامعات عبئًا دون كبير مردود.
أولًا: الجودة ثم الجودة
ما يميز مؤسسة تعليمية عن أخرى ويضعها في المقدمة هو تطبيق معايير الجودة في التعليم العالي، وخاصة في موضوع (التدريس)، كل ما يتعلق بالتدريس سواء في الأستاذ أو الطالب أو القاعة الدراسية أو الأدوات المستعملة أو المنهج الدراسي أو المعامل والمختبرات ونحوها. ولا يوجد حاليًا معيار يقيس مدى التزام المؤسسة بالجودة إلا الشهادات العالمية، التي أصبحت مقياسًا عالميًا يمنح لجامعة دون أخرى، وهو يمثل الحد الأدنى المطلوب، مثل الـ (Abet[1]) وهو ما يعتمد المنهج الأمريكي، وتعتمده الجامعات التي تتبع هذا المنهج، كجامعات الخليج مقارنة بالجامعات التي تتبع المنهج الأوروبي، كجامعات المغرب العربي، والمهم هو الحصول على مثل هذه الشهادة؛ لأن المعايير المنضوية تحت هذه الشهادة وأمثالها معايير تم وضعها باحترافية من قبل مختصين في المجال.
ولذلك، فعلى القائمين على الجامعات وبالأخص وكالات الجامعات للشؤون الأكاديمية الاهتمام بهذا الجانب، وأن يُعطَى أوليَّة قبل أي شيء آخر. لا يعني هذا الكلام حصول الجامعة بكل أقسامها على شهادات الجودة من أول مرة، قد تكون البداية الحصول على شهادة الجودة على مستوى بعض الكليات، أو بعض البرامج الأكاديمية داخل الكلية الواحدة، ومن هنا يأتي التميز بين قسم وآخر، وبين كلية وأخرى. ولعل القائمين على هذا الشأن أن يحددوا برامج أكاديمية معينة ويسعون لحصولها على الاعتماد الأكاديمي كبداية، ثم تتبعها بقية البرامج الأكاديمية الأخرى.
ثانيًا: البحث العلمي:
اهتمامنا بالكم دون الكيف مشكلة عامة، تعاني منها مجتمعاتنا العربية عمومًا واليمنية خصوصًا، حتى انسحبت هذه المشكلة على البحث العلمي داخل الجامعات، رغم أن الدين والعقل يوصيان بألَّا يكون الكم على حساب الكيف في أي من شؤوننا. و أسرد بعض الأمثلة التي تدل على تأخر جامعات حضرموت في ما يتعلق بالبحث العلمي:
ثالثًا: خدمة المجتمع:
علاقة الجامعة بالمجتمع علاقة وثيقة، فإحدى مهام المؤسسة التعليمية التي تتبع للتعليم العالي هو خدمة المجتمع، وخدمة المجتمع تختلف من تخصص في الجامعة إلى آخر، فهناك المجال التوعوي للمجتمع، وهناك ورش العمل لبعض قيادات المجتمع، وهناك عقد الشراكات مع مؤسسات المجتمع المدني، وغير ذلك. والحاصل أن تبقى الجامعة مرتبطة بمجتمعها، وتسعى نحو تطويره وتنميته؛ فإن هذا أحد أهداف وجود جامعة في منطقة ما، فالهدف من وجود جامعة في المنطقة (س) وليس (ص) هو أن المجتمع في (س) يحتاج تنمية وتطويرًا مقارنة بالمجتمع في (ص).
رابعًا: استقلالية الجامعة
والمقصود عدم السماح لأي مكون من المكونات السياسية – وما أكثرها في اليمن – من التأثير في سياسة الجامعة، والتي من المفترض أن يكون تركيزها على المهام الثلاث المشار إليها سلفًا، و أي اهتمام بغير هذه المهام فهو خروج عن رسالة المؤسسة التعليمية، يراعى في ذلك ما ضمنه الدستور فيما يخص تشكيل النقابات وما شابهها.
أما أن تفتح الجامعة المجال لـ”السياسي” بأن يكون له دور فيما يتعلق برسالتها وأوليَّاتها فهذا خطأ، أيا كان هذا الـ “السياسي”، وأيًّا كان موقعه! والكلام نفسُه ينسحب على غير السياسي، كأصحاب رؤوس الأموال، أو زعماء التيارات الفكرية. علمًا أن هؤلاء كلَّهم قد تربطهم بالجامعة اتفاقيات شراكة أو نحوها من العلاقات المتبادلة، فهذا شيء جيد طالما أن مثل هذه الشراكات تخدم مهام الجامعة الثلاث، ولكن المقصود ألَّا يكون هناك تدخل من أي طرف خارجي في شأن الجامعة الداخلي، وأن تعي الإدارة العليا في الجامعة مثل هذا الأمر، فإن عدم استقلالية الجامعة يضعفها على المستوى المحلي، ويفقدها ثقة منسوبيها تدريجيًا، سواء كانوا طلابًا أو أساتذة أو حتى إداريين.
خامسًا: الاستفادة المثلى من المبتعثين والمغتربين
أكثر جامعات حضرموت إن لم يكن كلها لديها برنامج ابتعاث لكوادرها الأكاديمية لتأهيلهم لاستكمال الدراسات العليا، مثلها مثل سائر الجامعات الأخرى، ولنا ثلاث وقفات مع هذا الأمر:
الأولى: ينبغي أن يكون الإبتعاث في التخصصات التي يحتاجها المجتمع، والتخصصات التي ستكون رائجة في المستقبل، وما سوى ذلك فهو لا يعدو أن يكون هدرًا لمقدرات الجامعة، بل الوزارة كلها. وأتحاشى أن أضرب امثلة لهذه التخصصات التي سيكون الابتعاث فيها أو فتح برامج دراسات عليها فيها هدرًا للموارد، احترامًا لأصحاب هذه التخصصات، ولكن كل جامعة أدرى بالتخصصات التي تحتاجها حضرموت.
الثانية: متابعة المبتعثين متابعة حثيثة حتى يتم الانتهاء من البعثة في الوقت المحدد، ثم الاستفادة من المبتعث بعد عودته، والملاحظ أن الجامعات في اليمن عمومًا وفي حضرموت خصوصًا لا تهتم بهذا الأمر كثيرًا، وقد شاهدناه أثناء دراستنا في الخارج؛ إذ ينتهي المبتعث من الدراسة في فترة زمنية طويلة جدًا، تكاد تكون ضعف الفترة المخطط لها! أو إن المبتعث لا يعود للجامعة بعد الانتهاء من دراسته! وقد عالجتْ هذا الأمر – على سبيل المثال – وزارة التعليم في السعودية وذلك بقطع الدعم المالي عن المبتعث بعد منحه التمديدات النظامية، الأمر الذي يجعل المبتعث إما أن يكمل دراسته على حسابه الخاص أو يعود ويكمل دراسته بأسلوب المراسلة، كل هذا من أجل أن يأخذ المبتعث الأمر بجدية، رغم الميزانيات الكبيرة لدى هذه الجامعات، فما بالك بجامعات اليمن ذات الميزانيات المتواضعة جدًا، فهم أولى بالحزم والصرامة في مثل هذه الأمور؛ لأن الأمر متعلق بالخطة الاسترتيجية للجامعة.
والنقطة الأخرى وهي كانت مشاهدة ولا تزال: ما يتعلق بتساهل الجامعات في عدم عودة المبتعث إلى وظيفته في الجامعة بعد دراسته، فإن العُرف السائد في مثل هذا الوضع هو على النقيض من ذلك، أي عدم الاهتمام بعودة المبتعث لجامعته، فالجامعات الحكومية في الأردن – مثلًا – تلزم المبتعث بالعمل فيها ضعف الفترة التي قضاها في الابتعاث، وبهذا يشجعون المبتعثين على الانتهاء من دراساتهم دون تأخير، و في الوقت نفسه تستفيد الجامعة من المبتعث أيما فائدة، وهو ما وصفناه بـ (الاستفادة المثلى)، أما ثالثة الأثافي في جامعات اليمن فهي عمل المبتعث بعد البعثة في خارج اليمن، و في الوقت نفسه المحافظة على وظيفته كما هي في داخل اليمن! ولم أقف على هذا الأمر بنفسي ولكن علمت بهذا، وهذا إن صح فهو خلل كبير لا أقول على مستوى الجامعة بل على مستوى الوزارة إن لم يكن على مستوى أعلى من الوزارة! وحتى لا نظلم المبتعثين ومن باب الإنصاف، فإن مثل هذه الأمور ينبغي على إدارات الابتعاث داخل الجامعات أو وكالات الجامعات للدراسات العليا أن تبحث عن الأسباب وراء هذه الإشكاليات، التي يقع فيها المبتعثون، وأن تعالجها معالجة حقيقية، تكون في مصلحة الجامعة، آخذة بعين الاعتبار الوضع الحالي للبلد ووضع التعليم في الجامعة التي ابتعث إليها المبتعث، فالمبتعثون قد اطلعوا على تجارب جامعات مرموقة – في الغالب – فينبغي أن تتاح لهم الفرصة بأن يقودوا العملية التعليمية في جامعاتهم بعد عودتهم، لا أن يتم ركنهم بحجة أنهم لا يفهمون الوضع، ومن الصعوبة بمكان أن يتقبل المبتعث رؤية رئيس القسم الذي ينتمي إليه، وعميد الكلية التي ينتمي إليها، ووكلاء الجامعة بل ورئيسهم أننفسهم منذ أن غادر البلد إلى أن عاد، هذا امر قد لا يكون مقبولًا؛ إذ لابد من التغيير في مثل هذه المناصب بين فترة و أخرى.
الثالثة: لا يخفى وجود عدد كبير من ألأكاديميين والباحثين اليمنيين يعملون في الخارج، في الشرق والغرب وفي تخصصات مختلفة، الملاحظ أن الجامعات لا تقيم أي علاقات حقيقية معه، علاقات تخدم رسالة الجامعة ومهامها الثلاث المشار إليها سابقًا، وإن وجدت ثمة علاقات فهي ضعيفة جدًا، وبعضها انقطع ولم يستمر. هذا الكم الهائل من الكوادر البشرية يمكنه أن يساعد في نهضة الجامعات وفي تطويرها، خصوصًا في التخصصات المهمة، التي تحتاجها حضرموت، بل واليمن عامة تحتاج إليها في حاجة ضرورية، مثل الطب وفروعه من تمريض ومختبرات وتغذية وجراحة وغيرها. ويمكن للجمعيات الخيرية أو أصحاب رؤوس الأموال من أهل حضرموت أن يكون لهم دور في هذا الجانب؛ نظرًا لعلاقة الكثير منهم بمؤسسات التعليم، لا أقول في الدول العربية بل في العالم.
سادسًا: الحرب والمال:
كثيرًا ما يتداول المهتمون بالشأن أن الأمر متعلق بالدعم المالي أو بالحرب القائمة في البلد. ولاشك أن الحرب القائمة في اليمن أثرت سلبيًا، وستبقى تؤثر سلبيًا على التعليم عمومًا سواء التعليم الأساسي أو الجامعي، مثلما أثرت على قطاعات أخرى كالصحة و النقل، و لذا ما يطمح إليه كل يمني سواء في حضرموت أو خارجها هو وقف هذه الحرب، التي لم يستفد من إطالة أمدها إلا تجار الحروب. يضاف إلى ذلك، أن الدعم المالي الكبير لأي مؤسسة تعليمية يساعدها على تحقيق ما تصبو إليه من أهداف وغايات.
ولكن كل ما سبق ليس عذرًا في تأخر الجامعة عن مواكبة الجامعات الأخريات؛ لأن هناك مساحات يمكن للجامعة أن تعمل فيها، هذه المساحات ليس لها كبير علاقة بالحرب، ولا بالتمويل المالي، خذ مثلًا موضوع الجودة الذي أشرنا إليه في (أولًا)، هذا يتطلب أكثر ما يتطلب وجود أناس يملكون فهمًا وإدراكًا للموضوع، ولا بأس بأن يتم تدريبهم في البداية على هذا الأمر، ثم يتطلب عملًا دؤوبًا في إعادة هيكلة البرامج الاكاديمية حسب معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي المطلوب، الدعم المالي ليس له دور كبير، قد يكون له دور فيما يتعلق بعقد ورش عمل في هذا الخصوص، أو استضافة المختصين من خارج الجامعة، لكن الجزء الأكبر يعتمد على نوعية الطافم التعليمي لدى المؤسسة، ومدى تأهلهم لأداء هذه المهمة أو لا.
إنَّ الدعم المالي مطلوب للأبحاث العلمية التطبيقية، أمَّا الأبحاث الإنسانية فحاجتها للمال أقل بكثير، والحضارم عبر تاريخهم معروفون بترشيد الإنفاق، فالواجب حينئذ عدم صرف أي مبلغ في أمر ليس له علاقة كبيرة بمهمة الجامعة وخطتها الاستراتيجية، ولا داعي لضرب أمثلة على الصرف فيما لا يخدم رسالة الجامعة وأهدافها، و(أهل مكة أدرى بشعابها). ومما يرشد عملية الإنفاق في الجامعة، ويحقق معايير الجودة ما يأتي:
ما سبق، محض آراء إن أصبت فيها فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وهذه الملاحظات تصب في المصلحة العامة وهي لا تقلل من الجهود التي تبذلها إدارات الجامعات في التطوير والتحسين، سواء على مستوى الشأن الاكاديمي أو الإداري أو البحثي، جهود تبذلها إدارات الجامعات مع شح في الموارد ونقص في الإمكانيات وصعوبات على صُعُد مختلفة، والمسؤولية مشتركة بين إدارات الجامعات والوزارة، كما أنها مشتركة بين إدارات الجامعات والطالب، و بين إدارات الجامعات والمجتمع، فإن الطالب كما إن له حقوقًا فعليه واجبات ينبغي أن يقوم بها و كذلك المجتمع، والذي وضعت الجامعة من أجل خدمته و خدمة أبنائه، عليه هو الآخر مسؤوليات تجاه الجامعة، وبقدر تعاون الجميع بصدق ومسؤولية تحقق الجامعة رسالتها ومهامها التي جاءت من أجلها، وبقدر تخلي البعض عن القيام بمسؤولياتهم تتاخر الجامعة عن الركب، وتصبح عبئًا على البلد، ولعلنا نفرد مقالًا آخر عن واجبات المجتمع وواجبات الطالب المؤسسات التعليمية عمومًا، و تجاه الجامعات خصوصًا، أو يتولى ذلك أحد زملائنا في إحدى الجامعات.
[2] https://www.scopus.com/home.uri
[3] https://clarivate.com/webofsciencegroup/solutions/web-of-science/
[4] يهتم هذا التخصص بجعل الآلة تحاكي الانسان في تصرفاته وتفكيره، ويندرج في هذا المجال الانسان الآلي (الروبوت) والألعاب والنظم الخبيرة في مختاف التخصصات، فهناك نظام خبير في الطب يحاكي عمل الطبيب وآخر في الهندسة يحاكي عمل الميكانيكي في إصلاح الأعطال وهكذا.