حديث البداية
د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 27 .. ص 3
رابط العدد 27 : اضغط هنا
يكشف الواقع المعاصر عن عذابات الإنسان الحضرمي على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والتعليمية مما صار يستصعب معه رسم أو صياغة واقع لروحه وذاته، فلا يختزن الإنسان الحضرمي في ذاته هذه الأيام الماضي الذي لا يستطيع أن يجسده، ولا يختزن الحاضر، ومن باب أولى لا يختزن المستقبل، فالحاضر مؤلم ويشوبه مستقبل مضطرب، ولم نجد إلى الآن من يتعمق في وصف هذه الظاهرة الحضرمية بجدية علمية من أي ناحية كانت، وإن كان ثمة كتابات هنا وهناك.
ومع أنه يقال إن الحضرمي كثير الانتباه وكثير التبصر إلا أنه ما عاد يرى، فبناء ذاته أصابته ضربات قاصمة وبقوة خلال عدد من المراحل التاريخية ومن ضمنها هذه المرحلة الممتدة منذ النصف الأخير من القرن الماضي إلى الآن، وعندما ترحل عنك ذاتك يمكنك أن تتمسك بأي شيء، وما يقوم به الحضرمي في الواقع على أنه حركاته وأفعاله لا يعدو كونه نوعاً من الإحساس الشكلي بالذات يحتاج إلى مزيد من دراسة لنعرف أين موقعه في إدارة هذه الحركات والأفعال. فلا يقف الحضرمي اليوم أمام الماضي ولا أمام الحاضر، بل يقف في لحظة ليس فيها ماض وليس فيها حاضر، ومن ثم تتعين صورة غريبة ومضطربة له تأخذه إلى مزيد من الاضطراب.
ما هي الحضرمة الآن؟ هل هي ثقافة؟ هل هي مجتمع تقليدي؟ هل هي تاريخ؟ هل هي واقع؟ هل هي اقتصاد؟ هل هي حركة مستقبلية؟ هل هي مزيج من كل هذه الأشياء أو من بعضها؟ لا يمكن الجزم بإجابة محددة، ومن ثم ما هو الدور البارز الذي يؤديه الحضرمي الآن سواء على المستوى السياسي أو الثقافي أو الفكري أو الاقتصادي؟ يؤدي وظيفة الغياب عن كل هذه الأبعاد التي لا يمكن له أن ينهض بها متماسكة مادام مفككا بعضها عن بعضها الآخر مما يعني وظيفة الغياب عن ذاته الجمعية، وإن كان مازال ينتج قصائد الحب التي تدل على أنه مازال له قلبا يخفق وعاطفة جياشة، ولعل هذه العاطفة هي التي تضر به كثيرا.
لا أستطيع أن أخبرك الآن من هو الحضرمي؟ ولكن ربما يأتي غدا من يخبرك من هو الحضرمي؟ وربما لا يخبرك أحد، لا اليوم ولا غدا، مادامت تجاربنا فردية خاصة، ينكفئ كل منا فيها على ذاته وقرصه.