أ. صالح حسين الفردي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 27 .. ص 22
رابط العدد 27 : اضغط هنا
في شهر فبراير من عام 1973م استشهد اللواء صالح يسلم بن سميدع، وبعد مرور خمسين عاما على هذه الحادثة، وفي إطار اهتمام مجلة (حضرموت الثقافية) بالتاريخ الحضرمي بما فيه التاريخ المعاصر، ارتأت المجلة إجراء هذا الحوار مع نجله (فائز) الذي عمل سائقاً لسيارة أبيه مدة من الزمن، واطلع على مجريات بعض اللقاءات التي كانت تتم بين والده وبين بعض الشخصيات السياسية والعسكرية لاسيما تلك اللقاءات التي كانت تتم في بيت الأسرة، وما تلا ذلك من أحداث حتى استشهاده.
حاوره/ صالح حسين الفردي
– في البداية أشكركم جزيل الشكر لما تبذلونه من جهود لإبراز الدور الريادي لحضرموت ثقافياً وتاريخياً وسياسياً، فحضرموت التي أهمل تاريخها عن قصد.
وأنا متابع لمجلتكم منذ صدور العدد الأول وأحتفظ بأغلب الأعداد لما فيها من فائدة قيمة، كما اشكركم لمتابعتكم تاريخ والدي الشهيد اللواء الركن صالح يسلم بن سميدع الذي هو جزء من تاريخ حضرموت الحديث وأفتخر أن يكون أول حديث عنه لمجلتكم الغراء لما لها من مكانه في قلبي وسبق لعدة صحف وقنوات طلبوا التواصل معي لكن كنت أعتذر، واليوم وهي مناسبة غالية عندنا أن نحتفل بها كل عام بذكرى استشهاد هذا القائد الفذ.
– الوالد من مواليد عام 1911م قرية الشمرية صوط آل على وينتمي إلى قبيلة نعمان الشهيرة تربى في ظروف بدوية شاقة كان وحيد والده عاش حياة البداوة الجلفة في ظروف صعبة وكانت المنطقة تمزقها الحروب والثأرات، رعى الأغنام وعاش مع الجمال والزراعة، أخذه والده وهو في سن الثامنة تقريباً إلى المكلا لغرض السفر إلى الخارج عندما وصل المكلا لم يجد عبرة (مواصلات) للسعودية إنما للسودان، حيث يوجد العديد من أقاربنا خاصة أهل سهوة وادي رخية وقد درس الابتدائية في السودان ووالده يعمل ولكن الوالد توفي بعد فترة وقرر أقاربه إرساله للسعودية حيث المجالات أكثر وهناك العديد من أقاربه فيها، سكن سنوات بالسعودية يعمل في البيوت ويواصل دراسته كان مجتهداً ومحباً للتعليم وبعد فترة عزم بعض جماعته على السفر إلى جاوه (إندونيسيا) وكان منهم وعمل في جاوه في بيع الملابس في الأرياف لكنه لم يقتنع بذلك فقد كان طموحه أكثر وعندما سمع بالهند سافر إلى هناك وعمل في قوات جيش حيدر أباد وكان ذكياً ومجتهداً مما أهله لأخذ دورات عسكرية، وعندما سمع به السلطان صالح رحمه الله طلب منه الخروج لحضرموت وضمه للجيش النظامي هناك، كان السلطان صالح بعيد النظر ويريد تحديث الدولة والجيش ووجد في بن سميدع ضالته، ولبى بن سميدع نداء وطنه وحزم أمره للخروج حاملاً توصية السلطان صالح لابنه عوض بالمكلا، وقد وصل بن سميدع إليها في أجواء عام 1935م، ولم يكن يعرف أحداً وليس له سابق معرفة بالمكلا ولكن ذكاؤه ونباهته جعلته رقماً صعباً في نهاية المطاف.
انضم للجيش النظامي برتبة ملازم كان رياضيا وذكيا مما لفت إليه الأنظار وكان جيش النظام يديره ضباط هنود وأردنيون أما الحضارم إما كانوا كباراً في السن أو ليس لديهم الإلمام التام بالضبط والربط العسكري مما جعله يتقدم في الرتب ويتأهل لعدة دورات عسكرية في عدن وغيرها وأثبت جدارته وتفوقه الكبير.
في المكلا تزوج عند الشيخ عبدالله بامقبل العكبري وهو شخصية بارزة في المكلا وكان من بُعد نظره من هذا الزواج يريد تثبيتاً لأقدامه وإقامة أسرة، لكن الزواج لم يدم طويلاً عندما توفيت زوجته وهي في حالة ولادة واختارها الله، كان بن سميدع قد أقام علاقات جيدة بالمكلا وأصبح معروفاً وكان ينجح في مهام توكل إليه وقد أصيب في معارك الحموم منطقة بلس وعاد للمكلا وكان عمه العكبري الطبيب المعالج له كانت إصابته بالغة لكن الله سلمه. ثم انتقل للشحر لإنشاء قوة خاصة سميت حرس الخط والسبيل لتأمين الطريق الشرقية والمشقاص نجح في المهمة، ثم أسهم في إنشاء الفرقة الموسيقية السلطانية وأشرف عليها كما ذكر ذلك الضابط التوي الذي كان من أوائل منتسبي الفرقة.
ووصل إلى رتبة قائد للجيش النظامي بعد أن شارك في استقبال ملكة بريطانيا في عدن على رأس فرقة من الجيش النظامي وأنهى دورة عسكرية في عدن وخاض العديد من المعارك لتوطيد الأمن والاستقرار بحضرموت.
تزوج عند الشيخ عبود عوض الكثيري خلال تلك الفترة وهي الزوجة التي أنجبت له من الأطفال 3 أولاد وبنتين وعاشت معه الحلو والمر حتى النهاية.
– تعرف يا عزيزي أنه ثاني من يصل لرتبة لواء في المنطقة العربية بعد اللواء محمد نجيب قائد الثورة المصرية وهذا يكفي فخراً له ولنا ولحضرموت فقد تنقل في الرتب العسكرية من جندي إلى ضابط وقائد وكولونيل وسكرتير حربي ثم إلى لواء لم يصل لهذه الرتبة عشوائياً بل تدرج بالرتب ونال العديد من الدورات العسكرية حتى في لندن عندما وجدوا أمامهم شخصية بهذه الرتبة العالية والتأهيل العالي.
– كان الوالد لديه علاقات واسعة بالعديد من قبائل حضرموت ومقادمتها بحكم عمله الأمني وكان كثير الوصول لمناطقهم النائية عبر الدوريات التي كان يقوم بها باستمرار وكان يهتم بقضاياهم ومشاريعهم من مياه ومدارس وخدمات وبذل جهوداً كبيرة لإقناعهم بإدخال أولادهم المدارس والمؤسسات العسكرية فقد أسهم في تأسيس مدارس أبناء وبنات البادية وتولى قيادتها لفترة ونجح في إقناع البادية بدخول المدارس وأصبحت تلك المدرسة مصنعاً للرجال ورافداً للدولة بالكوادر المؤهلة بنين وبنات كما ارتبط اسمه بمدارس البادية وتخرجت أجيال منها وكذلك له تأثير في تسوية المشاكل بين القبائل وبحكم كوني كنت مرافقاً له في أغلب زياراته للداخل شاهدت مدى التقدير والاحترام له من كافة شرائح المجتمع، كما لعب أدواراً كبيرة مع الأندية الرياضية وأسهم في تأسيس الجمعية الرياضية الحضرمية وتولى رئاستها وعضويتها لمدة من الزمن.
كما أسهم في توطين المنكوبين العائدين من شرق أفريقيا والصومال والهند وكان أول المستقبلين لهم واستخرج من الدولة مخطط جول الشفاء لبناء مساكن لهم، وهو أول من أقام الزواج الجماعي بحضرموت بمساعدة المقدم حمد سعيد الجوهي والمقدم مانع باذياب العوبثاني وأصبح ذلك تقليداً وأيضا أسهم في بناء العديد في المساجد والمدارس في كافة مناطق حضرموت ومشاريع المياه في المناطق البدوية وله دور في شق عقبة شتنه التي تربط دوعن بالمكلا وذلك بدعم المعلم بن لادن.
وقد ارتبط بعلاقات حميمة مع المقدم بن حبريش والمقدم بانهيم وهم من أبرز القيادات القبلية آنذاك بعد أن خاض معارك ضارية معهم بل أصيب في معركة حرو بلس مع الحموم وأصبحوا أصدقاء بعد ذلك.
وأيضاً له علاقات جيدة مع الحكم بن عجاج وبن عيشان زعماء نهد.
– في البداية أود أن أتوجه بالشكر والتقدم للسلطان غالب بن عوض القعيطي لما ذكره في مقابلته معكم في مجلة حضرموت الثقافية عن والدنا رحمه الله وإن دل هذا على شيء فهو يدل على عمق العلاقة الوطيدة بينهما فهو من جيلنا ولعبنا كرة القدم مع بعض وكنا أصدقاء مع أخي محفوظ رحمه الله ونكن له كل التقدير والاحترام ولأخيه عمر وكان والدنا إذا ذكر السلطان صالح بن غالب رحمهم الله يعتبره مثله الأعلى فالوالد أول من لبى نداء السلطان صالح في الهند عندما دعا الحضارم للعودة والمشاركة في بناء الوطن كما سبق أن ذكرت لك، وقد لقى من الأسرة القعيطية كل الوفاء والمحبة وظل محافظاً عليها حتى يوم استشهاده كان دائماً يقول إن هذه أمانة في أعناقنا للدولة القعيطية وقد سمعته يقول مع بدر الكسادي أيام تسليم السلطنة إنها أمنا ولن نخون أو نتهاون وبالفعل صمدوا صمود الجبال لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفنهم وكانت المؤامرة أكبر من الجميع.
أما عن وصف السلطان للوالد بالذكي والحاذق والمغامر فقد لخص السلطان شخصية الوالد بهذه الكلمات الثلاث التي لا تأتي إلا من رجل واعٍ يعرف بواطن الأمور فله كل التحية وتمنياتنا له بطول العمر والعافية وكان الوالد يأمل في عهد السلطان غالب الجديد كل الخير لحضرموت لما اتصف به هذا السلطان من نباهة وذكاء وما تحصل عليه من تعليم وكانت بداياته موفقة من خلال جولاته الميدانية في الدوائر والأولوية والأقاليم التي كان الوالد مرافقه فيها وكان السلطان يحب استشاراته فيها.
– منذ توليه قيادة جيش النظام ثم القيادة العامة للقوات المسلحة وهو يسعى لتطوير قدرات المؤسسة العسكرية ابتداءً من بناء الجندي الشجاع الوطني النزيه من خلال نشر التعليم ومحو أمية الجنود وقيام الدورات العسكرية والمناورات الحربية ونشر القيم الدينية السمحاء وتوفير السكن المناسب من خلال بناء مساكن الجنود والضباط وتأمين احتياجاتهم العائلية لخلق الاستقرار الاجتماعي، ثم السعي للبحث عن مصادر للأسلحة وتطويرها وجاءت زيارته إلى بريطانيا للاطلاع على كل جديد في عالم التسليح ورفد القوات المسلحة بها وتطوير قدراتها الدفاعية، حتى أصبحت من أقوى جيوش المنطقة تسليحاً وتدريباً حتى إن السلطان غالب بعد توليه الحكم طلب منه إعداد خطة دفاعية عن حضرموت من الجهة الغربية وتقديم الأفكار والخطط وقد أعد جزءاً منها لكن الأحداث عصفت بالبلاد، وهذا يدل على حنكة السلطان غالب حفظه الله كما بذل الوالد جهوداً كبيرة في سبيل ضم العديد من الضباط الحضارمة خريجي المعاهد العسكرية في مصر مثلا الكلالي وباعباد وباوزير وكعيتي والكسادي وكان له ما أراد لأنه شعر بأنهم دماء جديدة للجيش ويستحقون. وفي عهده كانت القوات المسلحة قمة في الانضباط ويتحلى منتسبوها بالرجولة والأخلاق.
– كان رحمه الله عسكريا من الطراز الأول لا يتخاذل في أداء عمله ومهامه وهمه الأول الأخير حفظ الأمن والاستقرار والحفاظ على المواطن وأملاكه لكونه المسؤول الأول عن الأمن في البلاد وكانت التقطعات في الطرق همه الأول ولا يرضى أي إعاقة للمواطن وللحركة وكان يقف إلى صف البدو ومطالبهم العادلة كونه واحدا منهم لكنه لا يرضى بأي إخلال بالأمن وقد كان يتحرك شخصيا لحل أي إشكالات هنا وهناك وخاض العديد من المعارك مع الحموم وسيبان والخامعة لكنه ارتبط بعلاقات وطيدة مع مقادمتهم وعقالهم خاصة بن حبريش وبانهيم وكانت الثقة متبادلة كونهم لا يعرفون من الدولة سوى بن سميدع الذي يوجد دائما بينهم ولم أرى الحزن يكتسي ملامحه إلى يوم معركة المدحر وما حدث للجيش من خسائر لسوء تقديرات القادة مما اضطره للخروج ثاني يوم لميدان المعركة حتى انتهائها. ثم سعى عند السلطان في العفو عن المحكومين من البدو بعد محاكمتهم.
أما حادثة القصر رغم ما احتواها من ملابسات وتحوير فقد حدثني شخصيا عنها في عام 1964م وبعد خروجه من السجن عام 1971م قال لي وصلته إشارة أن يوم غد ستكون مظاهرة وعليك وضع الجيش في حالة استعداد في معسكراتهم وتم ذلك وكان أول الواصلين للقصر قبل التظاهر بنفسه وعند وصول المظاهرة صدر له الأمر بإحضار الجيش فخرج وسط الناس إلى الرزميت وأحضر فئة (30 جندياً) ووجد سدة المكلا مغلقة فتسلق بجنوده سوق المستشارية ووضع الجنود هناك ودخل القصر مع 14 جندياً فقط وشق طريقه بصعوبة وسط الحشود لكن ضاع الجند وسط الناس وبدأوا في مهاجمة القصر فعاد للمستشارية وأحضر البقية وكانت الحشود تملأ الساحة فشق طريقه بصعوبة بالغة وعند اقترابه من القصر هاجمه مواطن يدعي سعيد صانه بسكين حاول أن يتفاداه بمساعدة المقدم بوعسكر وكان الجنود وراه صفا واحدا وسط الناس وكان الجندي محمد بارباح الديني وراه مباشرة عند رأى مهاجمة قائده حط على ركبه وضبط البندق حقه لكن القائد راح يصيح لا لا تضرب (هذه القصة رواها لي شخصيا الجندي بارباح عام 1973م في الضليعة) لكن الناس أطبقوا على الجنود وأخذوا بنادقهم وانفلت الموقف وبدأ إطلاق النار وناس تصيح لا تخافوا الضرب في الهواء عسكر بن سميدع ما يسوون ربية ثم اختلط الحابل بالنابل يقول الوالد ما قدرت أعمل شيء ما تعرف الجندي من المواطن وإطلاق النار من أماكن مختلفة. فتفرق الناس ولم يبق إلا القتلى والجرحى. وقد قدمت إلى لجنة تحقيق بعد الحادثة مباشرة ولم يثبت شيء علي كان يقول لنا دائم ثقوا أن يدي لم تلوث بدم أو بمال حرام.
أنا شخصياً التقيت مع سعيد صانة كان يركب معي في سيارتي التاكسي يقول لي يا بوصالح كان غشم وطيش وربي سلم كنت بقتل أبوك مانا عارف كيف لولا المقدم بوعسكر المهم ربك سلمنا وتعرف أن أبوك بعد ذلك بسنين وجدنا محجوز في شرطة المكلا على مضرابه وخرجنا وقال لي خليك عاقل أنا أحب أبوك مثل والدي.
– يا عزيزي النصف الأخير من عام 1967م تسارعت فيه الأحداث مما يوحى أن هناك قوى بدأت تنسج الخطوات القادمة لحضرموت بداية من إرغام السلاطين على الذهاب إلى جنيف لإجراء مشاورات مع بريطانيا وهذا بداية (الفيلم) البريطاني فبعد أن أوكل السلطان غالب إدارة البلاد إلى لجنة الطوارئ وغادر إلى جنيف وصل مساعد المستشار البريطاني الميجر جونستون إلى منزلنا والتقى بالوالد على عجل ليخبره أن البريطانيين مغادرين الليلة إلى الريان للتجمع والمغادرة لعدن قائلاً: “جنرال سميدع نحن مغادرون حضرموت حسب الأوامر وانته صديقي حبيت أخبرك” فاستشاط الوالد غضباً قائلاً له: “لن نسمح لكم بالمغادرة المفاجئة هذه مهما كانت الأسباب وأقول لك إن الغدر طبعكم” فضحك جونستون قائلاً: لا لا نحن أصدقاء لكن هذه أوامر قيادتنا قال له الوالد لدينا أمور كثيرة يجب تسويتها والسلطان غائب عن البلد وجيش البادية كيف وضعه وحقوقه.؟ قال له جيش البادية جزء من قواتكم وأموره المالية تم تسويتها مع قيادة الجيش وسوف أبعث لك قائد الجيش الجوهي ليوضح لك ذلك.. ثم ضحك مرة أخرى قائلا يا جنرال سميدع السياسة هكذا لن تغادر حتى تتفاهم مع الجوهي قال له الوالد أوكي. جراء كل ذلك الحديث وأنا واقف جنب الوالد. بالفعل وصل الجوهي بعد ساعة والمنهالي وأكد للوالد أن أمور جيش البادية تمت تسويتها وأنهم من اليوم جزء من القوات الحضرمية وغادر جونستون والوالد يردد الانجليز خباث مالهم أمان. كانت العلاقة الشخصية بين الوالد وجونستون جيدة جداً. بعد ذلك بأيام وصلت الوالد معلومات أن أعضاء من الجبهة القومية يجرون حوارات مع بعض القيادات العسكرية لغرض تسليم السلطة. ومن جانبه أجرى الوالد لقاءات مع عدد من الضباط المقربين منه ومن بدر الكسادي لمواجهة الموقف وانتظار ما تأتي به الأيام. وقد وصل القادة مع الجهة القومية إلى طريق مسدود عندما أصر القادة للرجوع إلى السكرتير الحربي القائد العام بن سميدع وأنهم لن يقدموا على أي خطوة دون الرجوع إليه. وقد وافق أعضاء الجبهة القومية على مضض. رجعوا إلى بن سميدع وعقدت لقاءات في بيتنا مع القادة وبعض أعضاء الجبهة القومية منهم خالد عبد العزيز وسعيد العكبري وسالم على الكندي والوالد وبدر الكسادي. كانوا يسحبون الوقت وأعضاء الجبهة يستعجلون الأمور ثم انفجر الوضع في حجر وتمت محاصرة نائب اللواء بن حطبين ووصلت منه برقيات استغاثة واجتمع القادة العسكريون برئاسة الوالد وأقروا إرسال قوة عسكرية لإنقاذ الموقف في حجر. ولأن طريق بروم كان مغلقاً فقد تم الترتيب لإرسال القوة العسكرية عبر ريدة الدين، وكانت القوة مكونة من جيش النظام والشرطة المسلحة وجيش البادية ومعززة بمصفحتين وهنا بدأ الخلل جيش البادية اعتذر بحجة أن فرقة المصفحات رفضوا الأوامر وإذا بتتحرك القوة تكون من قوات القعيطي.. هنا أحس الوالد بأن السوس بدأ ينخر في العظم وأن الأمور باتفلت لهذا اقترح عقد اجتماع على القادة والضباط في منزله لاتخاذ قرار موحد. وكل ما يتم عليه العمل حاول وفد الجبهة القومية التملص وأحس أن هناك أموراً تدبر بليل. لكن الاجتماع عقد وانقسم الجميع نصف مع التسليم والآخر اقترح التأجيل حتى يتبلور اجتماع القاهرة بين الفصائل بعدها لكل حادث حديث. وتم الاتفاق على ذلك وكان ما يتمناه الوالد ورفاقه هو التسويف على أمل تأتي انفراجة من الخارج. ثم أعدت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا رسمياً بذلك. بعد هذا الاجتماع حدث شرخ في الجيش هدد بصدام داخلي. واستمرت المشاورات في بيتنا الذي وصله العديد من القادة والضباط والعقلاء والمشايخ وعدد من أعضاء القيادة القومية المقربين للوالد وبينه وبينهم احترام متبادل خاصة الكندي والعكبري وقد يكون للانتماء البدوي دور في ذلك.
في بداية سبتمبر 1967م كانت الأجواء متوترة والمكلا تبيت على خبر وتصبح على آخر كان الاتفاق الأخير أن يتم تسليم السلطة أواخر سبتمبر ويتم التقاسم بين الجيش والجبهة القومية. وتم توقيع اتفاق بين القادة العسكريين يوم 15/ 9/ 67م وصدر بيان الجيش 16/ 9/ 67م وجمدت الأمور حتى جاءت برقية السلطان يوم 16/ 9/ 67م بوصوله بالباخرة غداً 17/ 9/ 67م لتعيد الأمور إلى نقطة البداية. وفي عصر يوم 16/ 9/ كنت في البيت عندما جاء سائق السكرتير الإداري بلعلا وسلمني رسالة للوالد سلمتها لوالدي وقرأها وعندها تبسم ابتسامة ماكرة سألته قال لي السلطان بكرة بايجي استعدوا لأي شيء.. لم أفهم ماذا يقصد في وقتها لكن عند الساعة الثالثة عصرا وصل مسلم بلعلا وبدر الكسادي استقبلهم الوالد وأنا معه أمام البيت كان بلعلا يحمل البرقية في يده سلمها مباشرة للوالد واتجهوا لداخل البيت سأل الوالد بلعلا حد شافها قال بلعلا نعم رويتها محمد عبدالقادر بافقيه التفت الوالد نحوه قائلاً خربتها يامسلم وبينما بدر الكسادي يضحك ودخلوا الغرفة وكان الوالد في قمة الغضب بعد نصف ساعة خرجوا وكان مسلم يقول أيش العمل الآن قال له الوالد جلس في بيتك وغادروا كان مسلم بلعلا إدارياً أكثر مما هو سياسي هكذا عُرف، غادر مسلم بيتنا وبقي الكسادي فيه بعدها أرسل الوالد في طلب عدد من الضباط والشخصيات العامة إلى البيت توافدوا وعقد اجتماع معهم شرح لهم التفاصيل وكان البعض يميل للمواجهة قبل وصول السلطان مهما كانت الخسائر لكن الوالد قال لهم علينا الحفاظ على البلاد والعباد لا نريد سفك الدم. وفي أثناء المداولات وصل البيت الرئيس يوسف طالب الكثيري والرئيس أحمد نوح بارشيد اجتمعوا مع الوالد ساعة وخرجوا بعدها كانت الساعة 5 عصراً طلع الوالد عند الوالدة قال لها جهزوا عفشكم باتسرون الصوط بعد المغرب سألته أنا ليش قال لي من الصباح انته جنبي وتسألنا ليش. المهم أرسل الوالد للعم يسلم صالح بن سميدع سائقه الخاص لإحضار 2 سيارات أجرة لنقلنا للبلاد الساعة 9 مساء سريعاً جهزنا عفشنا وفجأة وصل سعيد العكبري وسالم علي الكندي عضوا القيادة القومية واجتمعوا حوالي نصف ساعة وغادروا المغرب كان يريدون منه الحضور للاجتماع النهائي لقيادتي الجيش والجبهة القومية في المباني الواقعة فوق حافة باسويد لكن الوالد اعتذر. وكان الطرف الآخر قد دعا قادة الجيش للاجتماع لبحث الأوضاع المستجدة وتسريع نقل السلطة وكان الاجتماع الساعة 9 مساء وتم فيه توزيع المهام لتسليم السلطة وعودة السلطان – قد يكون أطلت وأسهبت في الرد لكن كان لابد من بعض التفاصيل كوني شاهد عيان لذلك الحدث-. عند الساعة 9 مساء وصلت سيارتا أجرة تابعة الأولى وأحمد عوض باضروس وعلي البطين وتم شحن عفشنا سريعاً كنا أسرة كبيرة تم توزيعنا ورافقنا العم يسلم بن سميدع و2 جنود عيظة بن حيد وصالح باجحاو قبل تحركنا أمسكت يد الوالد قلت له ببقى معاك أو انت قم روح معنا قال يا ولدي أنا عسكري بالميدان ما أعرف أيش بكرة أنتم بتروحون عند ربعنا في الأمان ما أنا فاضي لكم كان التأثر بادى على الجميع اقترب خالي محمد عبود الكثيري من الوالدة عندما ركبت السيارة وقال إيش عزمتوا ردت عليه الوالدة إيش نعمل صالح مصر علينا. أحست أنه هناك شيء كبير غداً المهم تحركنا، قال عمي يسلم صالح الله يهديه ما ندري إيش في رأسه ردت الوالدة كل ما نكلمه يقول ما يصيبك إلا ما قدر الله البلاد والناس أمانة في اعناقنا مابا نسيبهم.. في طريقنا للبلاد مرينا بمركز مولى مطر كان المسؤول سهل الشعملي أعطاه عمي يسلم رسالة له وأخرى للمقدم بانهيم يسلمها له سريعا ثم واصلنا سيرنا وصلنا الفجر ريدة الدين وعندها سلم عمي يسلم رسالة للمقدم بن قروان ثم وصلنا قريتنا الشمرية الساعة 7:30 صباحاً 17/ 9/ 1967م هناك وأدخلنا بيتنا.
وفي المكلا كان اجتماع القادة مع الجبهة القومية قرروا فيه إعادة السلطان أو ضرب الباخرة وإغراقها وتسليم السلطة للجبهة القومية بينما الوالد والجماعة قرروا التروي والحفاظ على وحدة البلد وعدم انزلاقها للدم.
– كان الوالد ورفيق دربه الكسادي من أبرز رجال السلطنة القعيطية وأقواهم شكيمة وكانوا يدينون بالولاء الشديد للسلطنة والسلطان وهمهم الحفاظ على الدولة ونظامها ومكتسباتها واستقرارها لا يخافون في الحق لومة لائم.
كانوا من أشد المعارضين لانتقال السلطة خوفاً من الانزلاق لحرب أهلية كان همهم الحفاظ على وحدة حضرموت وعدم حدوث شرخ. كانوا يملكون كاريزما خاصة وخبرة وتمرساً ولم يشاركوا في سلطة ما بعد 17 سبتمبر التزموا بيوتهم حتى اعتقالهم أول مرة وثاني مرة. حكام الجبهة القومية في البداية احتاروا في تحديد مصيرهم بين القتل او الاختطاف. ثم قرروا لهم الحل الأخير وهو إعدامهم. وفي مقابلة مع خالد باراس – وهو من قادة الجبهة القومية- مع صحيفة صوت العمال 1988م سُئل من كانت العناصر التي كان التنظيم يحسب لهم حساب؟ قال كان اخطرهم اللواء بن سميدع والنائب الكسادي.
أنا شخصياً قابلت سالم جبران سكرتير المحافظ في نهاية 72م في مكتبه وقدمت له عريضة أن والدي معتقل من فترة وقد اعتقل عدة مرات وأفرج عنه والآن أعيد اعتقاله رد علي وقال والدك من ركائز الحكم الانجلو سلاطيني وله ارتباط بالرجعية العربية سوف يحاكم أمام محكمة الشعب. قال لي في مكتبه وأعاد لي العريضة وخرجت من مكتبه أنا الشاب العشريني في حالة ذهول ورجعت البيت قالت لي الوالدة إيش قال قلت لها ما قاله قالت الله يشتت شملهم وينكبهم يا رب وبالفعل نكبهم ربك وأعادهم إلى أحضان الرجعية والامبريالية يأكلون من فتات موائدها.. كان الوالد له علاقات جيدة مع كافة القبائل والمشايخ في حضرموت ويحظى بتقديرهم وهذا أيضاً كان من عوامل حقد القيادة الجديدة عليه بعد الإفراج عنه من السجن كان البيت يكتظ بالزوار وكان عندما ينزل للشارع يلتف حوله الكثير من معارفه ويسببون له حرجاً كبيراً وذلك حسب قوله سيثير عليه النظام وكان المخبرون يلتفون حول البيت على مدار 24 ساعة ولم يجدوا أي ملاحظة عليه ولم يتمكنوا من اختطافه.
– كان رحمه الله واثقاً من نفسه ومن أعماله وكان يقول لنا من ثوبه طاهر صلى وكان مؤمناً بالله ولم يكن خائفاً من شيء، فسجله ناصع البياض وهو زاهد في السلطة ليس لديه أي طموح في العودة إليها كان يقول لنا إن وجوده بيننا نعمة من الله افتقدها فخلال سنوات عمله لا يجد الفرصة الكافية للجلوس مع عائلته وكان يمنى نفسه بالبقاء وسط أسرته فقط والدليل أنه بعد الاستيلاء على السلطة قدم استقالته وطلب إعفاءه من كافة مناصبه وسبق أن تقدم للسلطان غالب بطلب إعفائه عن العمل لكبر سنه ومعاناته من عدة أمراض. لم يتوقع بعد الإفراج عنه الأخير أن يعاد اعتقاله فعندما ذهب إلى عدن وكنت برفقته التقينا بالأخ محمد علي هيثم رئيس الوزراء بوساطة القائد محمد سعيد الشنظوري اليافعي الذي سبق أن كان محافظا لحضرموت وهو من قادة الجيش الليوي وصديق للوالد وقال هيثم للوالد سنرتب لك عمل بالداخلية مستشاراً لكن الوالد رفض وبعدها نصحه هيثم بمغادرة البلد وسيصرف له الجواز لكن قال له أريد البقاء مع عائلتي ما تبقى لي من العمر.
عندما سألته أنا ليش ما تسافر قال ما نضمن أعيش يعملون بكم الجماعة مابا خليكم وحدكم.
– وصلنا خبر من الوالد من السجن بأنه اليوم تمت محاكمته في القصر وأنه صدر عليه حكم الإعدام وأوضح لنا بأنه لم يتمكن من الدفاع عن نفسه قال لهم أعرف أن الحكم كان جاهزاً لديكم وأكد أنه غير مذنب وأنه لا يجدي أي كلام أمام محكمة مرتجلة.
عندما عرفنا ذلك قررنا التحرك إلى عدن رغم معارضته لذلك قائلاً لنا ما يقطع الرأس إلا من ركبه.. لكننا توجهنا إلى هناك وبعد محاولات التقينا بالرئيس سالمين أنا وأخي محفوظ بعد مساعدة كريمة من الأخت عائدة يافعي عضو القيادة العامة التي أدخلتنا خلسة إلى مكتبها بعد أن وجدتنا جالسين عند باب اللجنة المركزية لم يسمح لنا لكنها بعاطفتها بعد سؤالها عن قصدنا أخذتنا إلى مكتبها وقالت لنا هذه سيارة سالمين في الحوش عند نزوله روحوا له. وبالفعل بعد نهاية الاجتماع خرج سالمين واندفعنا نحوه وكان يرافقه علي سالم البيض محافظ حضرموت آنذاك منعنا الحراس لكن كنا نصرخ سالمين سالمين التفت نحونا وأشار للحراسة كان ماسكاً باب السيارة بيده والأخرى استلم الرسالة منا وهم بركوب السيارة لكننا قلنا له هذه حياة إنسان تراجع وأصغى لنا بينما البيض في الجانب الآخر أخبرنا نعود بكرة للقصر الرئاسي ووجه الحراس بالسماح لنا.. وصلنا الصباح عند بوابة الرئاسة لكن لم يسمح لنا لأنه ليس لديهم أوامر فانتظرنا وصول مسؤول الحراسة فعرفنا وركبنا معه حتى القصر المدور وأدخلنا عند مدير مكتب الرئيس مطلق عبدالله حسن الذي رحب بنا وقال إن الرئيس أخبره بموضوعنا وأنه منتهي لكننا أصرينا على مقابلته وفجأة دخل الرئيس قلنا له وراك حتى تعفى عن أبونا قال والدكم رجل أعرفه منذ سنوات المدرسة الحربية بالمكلا وسوف نصدر التوجيه بإلغاء الحكم وبالفعل رجعنا اليوم الثاني وأخبرنا مطلق أن التوجيه صدر وأرسلت برقية للمكلا بتوقيف الحكم وعرض علينا صورتها وتوجهنا للمكلا ثاني يوم على حساب الرئاسة بطائرة اليمدا لكن الجماعة حقنا استبقونا بتوجيه كبيرهم وتم تنفيذ الحكم.
كان يوم وصولنا للمكلا أسوأ يوم شفناه. فقد كنا في حالة فرح بالنتيجة ولكن ما أن وصلنا البيت حتى فوجئنا بالنساء يتوشحن بالسواد وارتفع العويل كنت أساعد والدتي في طلوع درج البيت ونحن في حالة ذهول عرفت أن الوالد استشهد وعرفت أن جماعة المكلا نفذوا قرارهم. وعندما وصلنا مطار الريان كان الناس يرمقون لنا بنظرات الألم والحزن ولم نتوقع هذا الأمر الفظيع.
وعزاؤنا ان والدنا ذهب شهيداً وصائماً في يوم عاشوراء وكان يقول لنا تبات مظلوم ولا تبات ظالم له الرحمة والمغفرة.
– كان رحمه الله أباً حنوناً وزوجاً مخلصاً عاش مع والدتنا سنوات حتى نهاية حياته محباً ومخلصاً لها وهي كانت امرأة قوية الشخصية حنونة استطاعت تربيتنا على أحسن وجه، واجهت المصاعب والمتاعب وعانت السنوات الأخيرة لكنها صمدت صمود الجبال فقد غرس فينا رحمه الله مزايا عدة منها الكرم والشجاعة والإيمان بالله والصبر على المكاره فقد عانينا بعد اعتقاله الكثير كان يتعامل معنا معاملة الأخ الأكبر في النصح والتوجيه كان محباً للأطفال وغرس فينا صلة الرحم ومحبة الأقارب والناس جمعاً كنا عندما نزوره في السجن يقول لنا لقد أديت ما علي اليوم أنتم رجال كونوا يداً واحدة واهتموا بوالدتكم وعند زيارتي الأخيرة أمسك بيدي بقوة قائلاً أنتم رجال والدكم رجل أدى ما عليه ويده نظيفة لم تلوث بدم أو مال حرام، حافظوا على اسمي وأؤكد لك سيذكرني الناس حتى بعد خمسين عاما سيذكرونني بالخير والسماحة والإيمان.. حتى يوم إعدامه كان جلداً صائماً وصلى ركعتين لله.. يالها من إرادة صلبة وفي يوم مبارك يوم عاشوراء.
عشنا بعد اعتقاله وإيقاف راتبه فترة صعبة فكانت الأسرة كبيرة والحمل ثقيل لهذا اتجهت أنا وأخي الأكبر محفوظ إلى سوق العمل في العقد الثاني من عمرنا تركنا الدراسة وعملت بسيارة أجرة تاكسي لسد رمق أسرتنا وكنا مثار إعجاب الكثير ولا أنسي موقفاً نبيلاً لصديق والدنا سعيد أحمد بامطرف وكيل الحسيني لسيارات الزيزو عندما اشترى لنا سيارة نسدد قيمتها شهريا بالتقسيط المريح وهو موقف لم ننساه لكل من آ الحسيني وبامطرف ولهم منا كل التقدير.
– كان رحمه الله متديناً ورعاً كان يبدأ صباحه بقراءة سورة (يس) قبل صلاة الفجر يقرؤها وهو يتجول داخل البيت ثم يؤدي صلاة الفجر ويقرأ القرآن وكانت الوالدة تقوم بتلميع جزماته وأزراره النحاسية التابعة للبدلة العسكرية وترتبيها ثم يقوم بحلاقة ذقنه كل يوم والاستماع لراديو صوت العرب الساعة (6) ثم نشرة بي بي سي كل ذلك في أثناء تناول القهوة والتمر. الساعة (7:10) يخرج من المنزل للعمل.
كان يحب الخمير والقهوة والتمر صباحاً ويراقب كمية الأكل في البيت بحيث تكفي الجميع لكنه لا يحب الإسراف. كان يمر دائماً في أثناء خروجه صباحاً على مدرسة أبناء الوحدات العسكرية للاطمئنان على الطلاب وسير الدراسة وكان يواظب على نوم الظهر (القيلولة) حتى نصف ساعة.
كان همه الأكبر التعليم وكان له دور في إنشاء مدرسة أبناء البادية وبنات البادية وإنشاء مدرسة أبناء الوحدات العسكرية بالرزميت وكان يقوم بزيارات لعدة مدارس بالمكلا ويدعمها
كان يقرأ كثيراً خاصة ما يتعلق بالعلوم العسكرية والسياسية كان يصطحبني وأخي محفوظ دائماً إلى مكتبة أحمد سعيد حداد ومكتبة الصافي لشراء الصحف المصرية واللبنانية وجديد الكتب ويشجعنا على القراءة ابتداء من مجلتي سمير وميكي للأطفال ومجلة المصور وآخر ساعة وصحف لبنانية وكويتية وكان يناقشنا فيما قرأنا.
كان يذهب معنا للسينما ويترجم لنا الأفلام الهندية لكونه يتكلم اللغة الهندية بطلاقة كما كان يرافقنا للمستشارية لمتابعة الأفلام وتابعنا كأس العالم 66 وكان الوالد عضوا في الجمعية الرياضية الحضرمية وبذل جهوداً كبيرة لتطوير الرياضة وكان يواظب على حضور المباريات في المكلا والشحر باستمرار.
فبعد خمسين عاماً من استشهادك ما يزال الناس يذكرونك بالخير ويدعون لك بالرحمة لقد قدمت لحضرموت روحك الطاهرة هذا الوطن الذي تعتز به دوماً ودافعت عنه وعن أهله، وبذلت كل ما تقدر لخدمته.
– منذ خمسين عاماً على استشهاد والدنا لم نجد ما يشفي قلوبنا ويمسح دموعنا وينسينا آلام الفراق والحرمان من الجهات الحكومية أو مسؤولينا خاصة وللأسف من أبناء جلدتنا الذين عندما نلتقي بهم يذكرون الوالد بكل خير واعتزاز، تصدق أنه لا نستلم أي مرتب تقاعدي له وحقوقه أيضاً مهدورة كما لم يتم تعويضنا عما أخذ مننا من مال وسلاح وأشياء ثمينة وهي مسجلة بخط يده عندما فُتِّشَ بيتنا وأخذها صالح عواس وعبدالله الأشطل وعندما سألهم الوالد فيما بعد قالوا إنهم سلموها لعلي البيض وهذا مسجل بخط يد الوالد عام 1967، الإنصاف الكبير الذي نعتز به هو ما يقول الناس لنا طوال الخمسين عاماً يذكرونه بالخير، ولم نجد من يقول نهب حقنا أو هتك عرضنا أو قتل أحد منا.
قد يكون هناك عدد من الكتاب والصحفيين الذين كتبوا عن والدنا وأنصفوه رغم أن البعض منهم لا يعرفه فلهم منا التحية والتقدير.
أخيراً جاء الإنصاف من قائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء الركن فايز منصور التميمي كما ذكرت في السؤال السابق.
– في الأخير لا أجد ما أقوله سوى الشكر والتقدير لكم لإبراز هذه الشخصية العسكرية الفذة الذي قدم كل ما عنده لهذا الوطن لم يكن ينتظر منه جزاء أو شكوراً فقد عمل بجد ونكران للذات وكون في فترة وجيزة قوة عسكرية يشار إليها بالبنان ومثل مع زملائه القادة والضباط نموذجاً للوطنيين المخلصين وكانت مجموعة متجانسة صنعت أمناً واستقراراً في حدود حضرموت المترامية الأطراف حيث كان المواطن ينتقل من المكلا إلى أقصى البلاد في أمن واطمئنان كان التاجر في المدن يأمن على ماله وعياله بفضل هؤلاء الرجال المخلصين الساهرين عليه.
ولقد تعرضنا خلال تلك الفترة للكثير من المضايقات والتهميش ومداهمة البيت عدة مرات لكنه للإنصاف نذكر أن الكثير من المسؤولين في زمن الاشتراكي تعاملوا معنا بصدق وشرف وحضينا منهم بالكثير من التقدير والاحترام والمعاملة الحسنة، وعلى رأسهم صالح الصيعري عضو القيادة العامة وسالم الكندي وفيصل العطاس والحاج باقيس وصالح منصر وغيرهم وألتمس العذر إذا لم أذكر البقية، وقد يكون هناك ممن سواهم لا يتعدون أصابع اليد من لازال الحقد والحسد يعشعش في رؤوسهم منهم من مات ومنهم من ينتظر أقول لهم حسبنا الله والدنيا دوارة.