مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتراث والنشر

السوارح عند الأحموم والقبائل المجاورة .. سارحة عمرو بن ذي جدن أنموذجًا (1 – 2)

طاهر ناصر المشطي


المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 27 .. ص 70

رابط العدد 27 : اضغط هنا


المقدمة:

     الحمد لله القائل: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ ) ([1]، والصلاة والسلام على رسول الله e، القائل: (كُلُّ سَارِحَةٍ، وَرَائِحَةٍ عَلَى قَوْمٍ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِمْ)[2].

أما بعد:

     تعتبر القبيلة ظاهرة اجتماعية وسياسية ضاربة في أعماق التاريخ العربي، وكان يعبِّر عن القبيلة في بعض المراجع بلفظ شعب في العربيات الجنوبية[3]؛ فالقبيلة والشعب إذًا كانا قديمًا لفظين مترادفين لمعنى واحد، ولكن علماء العربية يفرِّقون بين اللفظين، فيجعلون الشعب أكبر من القبيلة، والواقع إن هذا التفريق قد وقع في الجاهلية القريبة من الإسلام[4]، في الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات كما قد سبق.

     وإن الاتحاد القبلي (حضرموت) كان يتكون من ثلاث فرق كبرى، هي: آل الحارث، والأشباء، وسيبان[5]. وكان ينتمي إلى بني الحارث فروعٌ عدَّة، منها الفرعان: (ذو جدن وذو أحماد)[6]، وذكر الهمداني أنَّ من أولاد ذي جدن آل عمرو، قال: وهم بمسفلة حضرموت[7]، وإلى هذا الفرع تنسب قبائل الأحموم الموجودة في منطقة المشقاص والهضبة الجنوبية من حضرموت.

لقد برزت قبيلة آل عمرو الأحموم في حياة المجتمع اليمني كوحدة اجتماعية مستقلة متقوقعة داخل حدود مواطنها الجغرافية، ترى السيادة فيها لها وحدها، ورثت مكانتها وعزَّزت ترابطها بما سنَّتْه من أعراف، تشكِّل أخلاقيات الأفراد وسلوكهم، وبما فرضتْه من جبايات كمصدر دخل يعود على زعامة القبيلة، التي توزعه على بطونها، فشكَّلتْ بهذه الخصائص وحدة سياسية قبليَّة، تقوم مقام الدولة في النظام السياسي الحديث[8]. وإن هذه السوارح بمثابة الدستور الذي ينظم مجالات الحياة كافَّةً لأفراد المجتمع.

قبيلة آل عمرو الأحموم (الأم):

     تنسب هذه القبيلة إلى الجد عمرو بن ذي جدن بن الحارث بن حضرموت[9]، والتي تتكون من أربعة بطون، هي: بيت علي (العليي)، بيت سعيد (السعيدي)، بيت عبيد (العبيدي)، بيت بحسن (البحسني)، وعزوتهم بــــــ(بو عمرو)، وهم النواة الأولى للتحالف القبلي الحمومي. وهم أيضًا البقية الباقية من قبيلة حضرمـــــوت، كما ذكر ذلك المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف[10]، والدكتور محمد عبد القادر بافقيه[11]؛ ويرى بامطرف أن مواطن قبيلة الأحموم الحالية هي مواطن قبيلة حضرموت، إضافة إلى أن شبوة هي من مواطنها[12].

     اكتسبت قبيلة آل عمرو الأحموم وورثت كل مظاهر الحكم والسلطان القبلي العرفي لمملكة حضرموت القديمة. فمثَّلتْ نمطًا من أنماط الحكم القبلي القديم، بما مارسته من سلطة عسكرية ومدنية تسلسل إلى القرن العشرين[13]. بل لا يزال يُرجَع إليها إلى يومنا هذا.

التجمع القبلي الحمومي (زي الأحموم):

     تعني كلمة “زِيْ”: التجمع أو الحلف القبلي المتحالف والقاطن رقعة جغرافية مترابطة من الأرض، تعود ملكيتها تاريخيًّا إلى قبيلة رئيسة، هي الأم، ومحور التحالف لهذا التجمع يضفي عليه اسمها وصفتها، وتبسط زعامتها وسيادتها، فتخضع كيانات التجمع وفصائله لأعرافها وتقاليدها، التي تصبح قانونًا عامًّا، يدين له الجميع بالولاء[14].

وفي فترة من تاريخ قبيلة بيت عَلِي مرَّتْ بحالات من الضعف والتفكك والتنافس فيما بينها، فعمدتْ إلى استقطاب عدد من القبائل وتحالفت معها، مكوِّنةً منهم ومن أشقائها الحلف الحمومي المعروف بـــ (زي الأحموم)[15]. ويتكون زي الأحموم من فصائل قبيلة آل عمرو بن ذي جدن، ومن قبائل أخرى نزحت من مواطنها اليمنية الغربية، ومن مواطن في وسط الجزيرة العربية، تحالفت وارتبطت ببيت علي إحدى فصائل آل عمرو، واستوطنت مواطنها، فاستظلت بلوائها وانتسبتْ إليها ولاءً وحِلفًا، والتزمت بتعهداتها ومواثيقها مع الدويلات والإمارات التي جاورتها في صلحها وخصامها، وهي قبائل: بنو غراب، وبنو عجيل، و بنو شنين، والجامحة، وبيت القرزات، فصار هذا التجمع لحقبة طويلة من التاريخ يعرف بزي الأحموم أو التجمع العشائري الحمومي.[16] و هناك قبائل أخرى تداخلت في هذا التحالف: كقبيلتي: (الصرقحي)، و(الحريزي): وهي قبائل غير حمومية، وتسكن مساكن الأحموم، وكانت تتعامل مع ثلاث قبائل وتنظم معها، هي (البحسني، العليي، الغرابي)، ولكن الآن انضموا جميعهم إلى العليي؛ وكذلك قبيلة (الشرخة) فهي قبيلة معروفة انضمت إلى بيت علي؛ وقبيلة (الشعملي) أيضًا فهي متحالفة مع بحسن معورب التامبول[17].  

     يحكم نظام ترابط قبيلة آل عمرو وبقية التحالف الحمومي (الزي) نظام حياة أفرادها وسلوكهم وعلاقاتهم بالآخرين، أفرادًا وقبائل عُرْفٌ عام موروث يسمى السوارح.

تعريف السوارح:  

معنى كلمة سارحة في قواميس اللغة العربية:

     أصل الكلمة من الاسم (سَارِحٌ) في صورة مفرد مذكر، وجذرها (سرح)، وجذعها (سارح)، ولها معانٍ عدَّة، منها: السَّرْحُ: هو المالُ السائم[18]. والسرح أيضًا هي الماشيةُ،[19]التي تَسْرَحُ بالغداة إِلى مراعيها[20]، السَّرْحُ والسارحُ والسارحة سواء، قال خالد بن جَنْبَةَ: السارحة الإِبل والغنم، قال: والسارحة الدابة الواحدة. قال: وهي أَيضًا الجَمَاعَة[21]. يقال: سَرَّحْتُ الماشيةَ أَي أَخرجْتُها بالغَداةِ إلى المرعى؛ وسرّحَ الشيءَ: أرْسَلَهُ ـــ وهو المعنى المقصود هنا ـــ، يُقَال: سرّح الرَّسُولَ أرْسلهُ فِي حَاجَة، وسرَّحَ الشّعْر رَجَّلَه، وسرّح الْمَرْأَة طَلَّقهَا، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز: ((فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيْلًا)([22]. ويقال: تَسَرَّحَ فلانٌ من هذا المكان إِذا ذهب وخرج. وسَرَحْتُ ما في صدري سَرْحًا، أَي: أَخرجته. وسُمِّيَ السَّرْحُ سَرْحًا لأَنه يُسْرحُ فيخرُجُ؛ والاسم السِّراحُ، مثل التبليغ والبلاغ[23].

السوارح في العرف القبلي:

     كان للبيئة الطبيعية البدوية دور كبير في اختيار لفظ (السارحة) كمدلول للأعراف والأحكام التي انتشرت بين قبائل الأحموم، فمعنى السارحة في العرف هي عبارة عن دستور عام بالقوانين والأحكام والأعراف والعادات المعروفة عند مجتمع البادية، والتي قد حكم بها أو سنَّها مقدَّمٌ معروف، وسار على نهجه بقية المقادمة. وذلك لتنظيم العلاقات والحياة العامة للمجتمع القبلي.

سارحة عمرو:

     تنسب هذه السوارح إلى الجد الأعلى للأحموم، وهو عمرو بن ذي جدن حكم بها أو سنَّها بنفسه، أو أمرَ بها مقدم معروف من بيت عمرو، وسرَّحوه بمعنى أنهم مشَوا على هذه الأحكام.

     ويلتزم بهذه الأحكام (السوارح) جميع بيت عمرو وبقية الأحموم قيادة وقاعدة التزامًا أدبيًا وأخلاقيًا، فلا رقيب على السلوك الشخصي إلا إيمان الفرد بقدسية العرف – السارحة -. فيربى النشء على احترامه وتقديسه والولاء له، ففيه ضمان لسلامة حياة الفرد داخل القبيلة ككيان[24]؛ أما القبائل الأخرى فهي مخيَّرة بين الالتزام به أو بغيرها من السوارح الأخرى. غير أن فصائل التجمع العشائري الثعيني تتعامل بها مع الاختلاف في الفروع[25].

     ويطلق على قضائهم حكم فرع – وحكم سارحة – للتفريق بينه وبين حكم الشرع الإسلامي.. ويحكم فيها رؤساء البطون والقبائل – عقال الديار – وقضاة متخصصون أيضًا[26]، ومن أشهر المحكِّمين في السوارح المقادمة، نذكر منهم:

  1. عَلي بن سالم (حبريش) بن مجنح العليي.
  2. أحمد بن سالم (حبريش) بن مجنح العليي.
  3. علي بن أحمد بن سالم (حبريش) بن مجنح العليي.
  4. سالمين بن فرج بن كرامة بن مجنح العليي.
  • أحمد سالمين بن نعوم العبيدي.
  • عمرو بن حيمد الغرابي.
  • سالم بن حيمد الغرابي.
  • ساد بن عمرو الغرابي.
  • عمرو بن ساد بن عمرو الغرابي.
  • سعد بن عوض الشنيني.
  • سعيد الحول الشنيني.
  • عبد الله بن عيضة الشنيني.
  • أحمد بن محمد الشنيني …  وغيرهم. 

     كما يحتكم الأحموم في الأحوال الشخصية إلى عائلة بيت حسين من آل باعباد في قرية معبر، ومن أشهرهم الحَكَمُ العرفي الشيخ عمر عبد الله باعباد[27]، ولقضايا النساء وحقوقهن قضاة متخصصون أيضًا، والحُكْمُ بالإعدام قصاصًا لا يحكم فيه إلا رؤساء القبائل أو الرئيس الأعلى للتجمع إذا اقتضى الأمر ذلك[28]، بحسب السوارح.

     وأما الحكم في الخلافات الناشئة بين فصائل التجمع فتحكم فيها أُسَرٌ معروفة أيضًا ومتخصصة في قضايا النزاع بين القبائل، وهؤلاء هم (الحكمان[29])، وإذا لم يقتنع أحد الطرفين بالحكم الصادر له أو عليه يتدخل الزعيم الأعلى كما يطلقون عليه لحل النزاع، ويكون حكمه نهائيًا لا استئناف فيه.[30]

     أحكام هذه السوارح يلتزم بها دائمًا الأحموم، أما القبائل الأخرى لها الخيار فيها. وإذا اختلفت القبائل في تفنيد، أي: تفسير الحكم يتم الرجوع لسارحة عمرو، وإذا اختلفوا يتم الرجوع إلى مقدم دار بن عجاج النهدي من مقادمة نهد في منطقة قعوضة … والكل يقتنع بحكمه.

زوف الحكم (الاستئناف):

     بعد النطق بالحكم من قبل المقدَّم المحكِّم يكون للمحكوم عليه حالتان: إما القبول بالحكم، ويسمى (تصليب الحكم)، أو رفض الحكم وعدم القبول به، ويسمى (الزوف)[31].

     وتتحول القضية هنا بين المقدم القاضي الأول والمحكوم عليه، والذي يطلب استئناف الحكم عند مقدم آخر؛ إذ يتقدم الرافض بطلب (زيف الحكم)، ويقدم عرابين مجزية كبيرة في (الزوف) بيد المقدَّم الثاني الذي سيحكم في القضية، ويتفقون على هذا المقدم الذي يزوفوا (يستأنفوا) عنده، إذا تم الاتفاق من سيحكم، يتم العصب عليه من قبل الحاضرين، وإذا لم يتفقوا انتقلوا إلى مقدَّم ثالث. ومن السوارح في حالة الاختلاف يتم اختيار المقدم الأقرب إلى العدول. ويناقد المقدم الأول (أمام المقدم الآخر الذي يتحاكمون عنده) إما أن يثبِّت الحكم السابق أو يفسخه، فإذا ثبَّت الحكم لصالح المقدَّم يتم رد اعتبار للمقدَّم بما يقرُّه المحكِّم ويعد العربون ضمانًا، أما إذا الحكم لصالح المزوف، ينطلق عربونه، ويسقط اعتبار المقدم، ويطالب المزوف بمخاسيره[32]؛ وإذا لم يقتنع أحد الأطراف من حكم المقدم الثاني في زوف الحكم انتقلوا إلى المقدم بن عجاج لتفنيد الحكم المختص بسارحة عمرو[33].

السارحة والشرع:

     السارحة ما هي إلا أحكام عرفية من اجتهادات البشر، بعضها سوارح قديمة جدًا منذ زمن الجاهلية، وعلى الرغم ذلك فإنَّ هناك كثيرًا من هذه السوارح تكون موافقة للشرع، وبعضها الآخر مخالفة له، وهنا نورد شهادة علَّامة حضرموت ومفتيها السيد: عبد الرحمن ابن عبيد الله السقاف رحمه الله إذ يقول: ولقد شهدتُ اجتماعَ الأحموم بالشحر في سنة (1333هـ) متنازعين في كثيرٍ من القضايا المهمَّة، التي حارَ فيها السيّد حسين بن حامد، فقال له حَبريشُ: رُدَّها إليَّ، وأَنا أحكمُ فيها على شرطين:

أحدُهما: أن تجعلَ لي ألفَ ريالٍ.

والثاني: أن أضعَ أنا ألفَ ريالٍ، فإنْ نَقَضَ حكمي شَرعٌ أو عُرفٌ.. كنْتَ في حِلٍّ من ألفي.

     فامتدَّ عُنقي لذلكَ البدويِّ الذي لَمْ أعرفْهُ مِنْ قَبْلُ، وأكبرتُ تحدِّيَهُ للشَّرعِ، وقُلتُ لهُ: هَبْكَ أمِنْتَ النَّقضَ مِنْ جهةِ العُرفِ والعادةِ، لإتقانك لهما، فمَن لكَ بالأَمانِ مِنْ جهةِ الشَّرعِ، أفتعرفُهُ؟

     فقال: لا، ولكنِّي سأحكُمُ بالعدلِ، والعدلُ لا يتغيَّرُ، ولا يُمكنُ نَقْضُهُ بحالٍ.

     فأَكْبَرْتُ ما في طَيِّ تلك الأسمال البالية[34] وتحتَ تلك اللِّحيةِ الشَّعثةِ مِن الحكمةِ التي ابتعدت عن مجالس القضاةِ اليوم، وزادني ذلك تصديقًا لقول الإمام علي – كرم الله وجههُ -: (العِلْمُ نقطةٌ، وإنما وسَّعَتْهُ آراء الجهَّال) أو ما هذا معناهُ[35].

وهذه شهادة عظيمة من علَّامة حضرموت ومفتيها في ذلك الوقت على أهمية هذه السوارح، واجتهاد مَنْ يحكمون بها إذا حكموا بالعدل والإنصاف.

ومن أمثلة السوارح الموافقة للشرع:

  1. قاتل السعيف؛ حكمه القصاص بالقتل[36].
  2. أمر المرأة عند وليها الأقرب في الولاية، ولا يجوز لأحد أن يتخطى ذلك[37].
  3. إكرام الضيف.
  4. بعض سوارح اللوم والشوم: وخاصة تلك الخاصة بحماية ونصرة المظلومين والضعفاء الذين يلوذون إلى القبيلة؛ إذ تمثلت سلطة قبيلة آل عمرو الأحموم في هيمنتها وسيطرتها الكاملة عل مناطقها ومواطنها المرسومة بالدفاع عنها من سطوة المعتدين الغازين وحماية حلفائها واللائذين بها والقاطنين على أرضها من فئات شعبية مدنية تذود عنهم وتدافع عن حقوقهم، فهم كما يصطلح عليه العرف القبلي (شايم) و(لايم)، أي: المشمولون بحمايتهم وجب الدفاع عنهم مهما كلفها ذلك من تضحيات؛ فإذا استصرخها اللائذ بها أجابته ونصرته دون تردد، فالتخاذل في نصرة اللائذ يعد ضعفًا وخيانة، توصم بها القبيلة[38]. ومن هذه السوارح في نصرة المظلوم إذا لجأ شخص أو مجموعة أشخاص من المستضعفين إلى قبيلة الأحموم، وتعرض للنهب من قبيلة أخرى فالقبيلة ملتزمة برد ما نُهِب عليه مقابل رسوم يسيرة متعارف عليها[39] .

وهناك بعض السوارح القديمة غير موافقة للشرع وهي قليلة، بالمقارنة مع السوارح الموافقة للشرع؛ إذ الكثير منها سُرِحَ بها قبل الإسلام، فهي ذات طبيعة جاهلية، وقد نُسِخَ غالبُها بسوارح أخرى حتى تتوافق مع الشرع.

مثال للسوارح التي تخالف الشرع:

  1.  الشنواة:

 وهي إن البنت التي زوَّجها أبوها من شخص لا ترغب فيه، و لها علاقة بشخص آخر تعشقه (مشنِّية)، واكتشف الزوج ذلك فعثر عليها مع عشيقها فله حالتان: إما أن يقبل عليها دفع من قبل (المشني) العشيق، فيقول له: (أنتَ مربوط بالدفع)، فإذا دفع العشيق المهر للزوج فيطلقها الزوج، وتتزوج المرأة من عشيقها (المشني)، وإذا رفض العشيق الدفع وقال: أنا جالس معها جلوس عادي فالخيار للزوج[40]، إما أن يرجعها إليه ويأمنها من الضرب، وعليه ثمانية أيام ليس عليه طاعة لها، وبعدها تلزمه الطاعة (وهذه الأيام الثمانية كالعدة)[41]، وإما يرفضها ويطالب مخاسير الزواج. وبعضهم يشني بها وتأخذ عنده يومًا أو يومين، ويقول: هذه بنتكم (ربعوها)، أي: اقبولها في الوجه، وإذا الزوج راغب فيها وقبلها انتهى الأمر، وإذا رفضها الزوج يلزمونها بعشيقها بالغصب، ويدفع ما عليه وعلى الزوج أن يطلق[42].

  • فكاك القرابة:

     حسب السارحة أن ابن العم أو القريب من البنت المتزوجة حديثاً هو الأحقُّ بها من الغريب، ويحق له أن يطالب بها، ويلغي زواجها من الزوج الغريب، ويعطي الزوج الغريب حقه من المخاسير. فأحيانًا وبعد أن يتم الزواج (الخطوبة والحراوة) يأتي ابن عم العروس أو أحد أقربائها، ويقول أنا سأفك بنت عمي لا أريدها للغريب! ويتحاكمون، فيحكمون بينهم إذا البنت تريد قريبها وجاب موافقتها، فإنه يرد مهر الكلان وكل مخاسيره، ويأخذ بنت عمه … وفي القديم كان يحدث ذلك حتى بعد عقد النكاح، وهو مخالف للشرع[43].

  • سارحة الرفقة:

وهي إن للفتاة حرية إقامة العلاقة الحمية مع الذكور، وفق ضوابط تحدِّدها الأعراف. ولها حرية اختيار شريك حياتها.. فلا يلزمها الولي بالارتباط بمن يختاره، حتى ولو كان ابن عمها أو قريب النسب لها[44].

إن هذه السوارح المخالفة للشرع تكاد تكون قد تلاشتْ، بل إن المسرّحين (المشرعين) من مقادمة الأحموم قد سرَّحوا سوارح جديدة موافقة للشرع تجنُّبًا للوقوع فيما هو محظور شرعًا، من هذه السوارح ما اتفق عليه المقادمة المحكّمون عمرو بن ساد الغرابي وعلي بن أحمد بن حبريش العليي، وتمَّ سنُّهُ كسارحة من سوارح الأحموم: وهي عند ربوط الفتاة للزواج يتم حضور شهود وأحد من أهلها، فيتم طلب موافقتها على الزواج وتخييرها بين مَنْ تقدَّم لها للزواج عند وليّها، ومن تصاحب[45]، فتختار الفتاة من ترغب فيه ليكون زوجًا لها، وبهذه السارحة الجديدة تم القضاء على بعض السوارح المخالفة للشرع كسارحة الشِنْواة، فكاك القرابة، الرفقة. 


[1] الآية 13 من سورة الحجرات.

[2] الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي؛ (المعجم الكبير)، ج8، ص 176.

[3] جواد علي (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) ج5، دار العلم للملايين بيروت لبنان 1970م، ص 181.

[4] البكري، عبد الخالق محمد صالح (القبيلة في ساحل حضرموت)، ص 11.

[5] فرانتسوزوف، سرجيس ( تاريخ حضرموت الاجتماعي و السياسي قبيل الإسلام و بعدة ) ص 167/ الهمداني، الحسن بن أحمد بن يعقوب (الإكليل ج2)، ص 276.

[6] لمعرفة هذه الفروع و أقسام بطون (ذي جدن) المصدر السابق لـ (فرانتسوزوف ) من ص 167- 169.

[7]  الهمداني، الحسن بن أحمد بن يعقوب (الإكليل ج2) ص 279.

[8]   الملاحي، عبد الرحمن بن عبد الكريم (تاريخ الصراع الحمومي القعيطي ودوافعه 1867 – 1967م ؛ بحث مقدم إلى الندوة العلمية التاريخية التي عُقدت بكلية التربية بالمكلا في فبراير 1988م، جامعة عدن ، ص 213.

[9] الحامد، صالح، (تاريخ حضرموت) ج1، ص 16، 65، نقلاً عن نشوان بن سعيد الحميري، والذي سلسل نسبهم على النحو التالي: بنو حضرموت بن سبأ الأصغر بن كعب بن سهل ابن زيد بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج، وهو حمير الأصغر بن سبأ الأكبر بن يشجب.

[10] انظر بامطرف ملاحظات على ما ذكره الهمداني، ص 24.

[11]  بافقيه، محمد عبد القادر (توحيد اليمن القديم) صنعاء 2007م. ص 176 و177.

[12] ملاحظات على ما ذكره الهمداني، ص 24.

[13] الملاحي، عبد الرحمن بن عبد الكريم (تاريخ الصراع الحمومي القعيطي …) مصدر سابق، ص 212.

[14]   المرجع السابق، ص 209.

[15] الملاحي، عبد الرحمن عبد الكريم (الدلالات الاجتماعية واللغوية والثقافية لمهرجانات ختان صبيان قبائل المشقاص، ثعين والحموم) ص 48.

[16]   مرجع سابق، الملاحي، (تاريخ الصراع الحمومي القعيطي …)، ص 210.

[17] لقاء مع المقدم عبد الله صالح الغرابي بتاريخ 15 / 12 / 2012م.

[18] الرازي، محمد بن أبي بكر (مختار الصحاح) مكتبة لبنان 1986م، ص 124/ الفيروز أبادي (القاموس المحيط) الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان الطبعة: الثامنة، 1426 هـ – 2005 م، ص223/ الزَّبيدي، محمد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني (تاج العروس من جواهر القاموس) الناشر: دار الهداية، ج6، ص 468.

[19] مجموعة من المؤلفين مجمع اللغة العربية بالقاهرة (المعجم الوسيط) الناشر: دار الدعوة / الرازي (مختار الصحاح) مرجع سابق، ص 145.

[20] ابن منظور، محمد بن مكرم (لسان العرب) الناشر: دار صادر بيروت الطبعة الثالثة 1414 هـ، ص478.

[21] الزَّبيدي، محمد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني (تاج العروس من جواهر القاموس) الناشر: دار الهداية، ج6، ص 468.

[22] (المعجم الوسيط) مصدر سابق، ص ٤٢٥ / الرازي (مختار الصحاح) مصدر سابق، ص 124، 145/ الفيروز أبادي (القاموس المحيط) مصدر سابق، ص223.

[23] ابن منظور، (لسان العرب) مصدر سابق ص479 / منتخب من صحاح الجوهري   ص 313.

[24] المصدر السابق ص 213.

[25] الملاحي (الدلالات الاجتماعية …) مصدر سابق ص 51.

[26]   الملاحي (تاريخ الصراع الحمومي القعيطي…) مصدر سابق، ص 213.

[27]   المصدر سابق، ص 259.

[28]   المصدر السابق ص 213.

[29] عُرِفت فخيدتان بهذا النوع من التحكيم في حضرموت: الأولى أل عجاج بن نهد في قعوضة، والثانية آل عبد الودود من آل كثير بالريدة الشرقية.

[30] الملاحي، عبد الرحمن بن عبد الكريم (تاريخ الصراع الحمومي القعيطي …) مصدر سابق، ص 213.

[31] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.

[32] المصدر السابق.

[33] لقاء مع المقدم عبد الله صالح النقش الغرابي 15 / 12 / 2012م.

[34] الأسمال: الثَّياب البالية.

[35] السقاف، السيد عبد الرحمن بن عبيد الله (إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت) الطبعة الأولى دار المنهاج 2005م، ص 468، 469.

[36] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.

[37] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.

[38] الملاحي، عبد الرحمن بن عبد الكريم (تاريخ الصراع الحمومي القعيطي …) مصدر سابق، ص 212.

[39] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.

[40] لقاء مع الشيخ البرك سالم النموري.

[41] مقابلة مع المقدم سالم سالمين الشنيني الجمعة 15 / 10 / 2021م.

[42] لقاء مع الشيخ البرك سالم النموري.

[43] لقاء مع المقدم عبد الله صالح النقش الغرابي 15 / 12 / 2012م.

[44] الملاحي، عبد الرحمن عبد الكريم (الدلالات الاجتماعية …) مصدر سابق، ص 51.

[45] لقاء مع المقدم عوض القصيّر سعد الغرابي بتاريخ 29 / 11 / 2021م.