كتابات
عمار باطويل
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 27 .. ص 110
رابط العدد 27 : اضغط هنا
يسألني البعض لماذا عدت من غربتك؟ سؤال مضحك مبكٍ معًا، وكأن من يسألني نسي تاريخي وجذوري بهذه الأرض وشعب هذه الأرض ومقاومة هذه الأرض وتاريخها. أيها السائل لقد عدتُ إلى وطني لأن بروحي آلاف الأرواح التي تسكنني، وهذه الأرواح يا سادة هي التي تناديني بأن أعود إلى أرضي. ففي الغربة لا أرض لي ولا هوية لي، فكل شيء يتلاشى فيها، ولا يعرف وجهي العابر في شوارع بلاد الناس، أما في هذا الوطن أسمع النخيل ينادي باسمي، وأسمع الجبال تردد الصدى، وهدير السيول تعيد النغمة نفسها باسمي، ولذلك عدتُ إلى حضرموت؛ لأنها وجهي، وهي جذوري، والجذور لا ترتوي إلا عندما يعود الإنسان المهاجر إلى أرضه، ولذلك عدتُ. فقد كانت أول رحلة لي نحو الغربة في شهر أكتوبر من عام 1997م، وشاء الله لي أن أعود من غربتي في الشهر نفسه عام 2022م، ربع قرن فيه تبلورت شخصيتي وتكونت عقليتي، ولم أكن أنا ذلك الإنسان الذي عرف منذ ربع قرن من الزمان.
ففي ربع قرن مسيرة أوطان، ففيها تسقط دول وتنهض دول، وبها تبدأ رسالات الأنبياء وتصقل حياتهم بالتجارب والسعي إلى نور الله. فربع قرن من الزمان فيها حكاية أوطان وإنسان. رحلة طويلة بالخطوات والكلمات، فقد جبت بها الأوطان بوطني الذي عدت إليه، فهو معي في كل تجوُّلاتي، ولذلك عدت بكل إرادتي بعد إرادة الله، وعندها أصبحت مواطنًا عندما كنت مقيمًا في بلاد الناس، وعادت الناس لا تنظر إلى المقيم إلا بنصف نظرة؛ لأنه غريب، وعادة الغريب يبحث عن الوجود كما بحث عنها امرؤ القيس في غربته والقائل:
أجارتنا إنَّا غريبان هاهنا *** وكل غريب للغريب نسيب
فلا أحد يسألني في هذا الوطن من أنت؟ لأنني أصبحت من حكاية هذا الوطن، ومن حكاية هذا الشعب الجسور، الذي خاض الحياة بتجارب الكفاح، والصبر، والكرامة. فأنا الغريب العائد من ركام الغربة إلى حياة الوطن.