حديث البداية
د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 28 .. ص 3
رابط العدد 28 : اضغط هنا
لعل أهم مكون نعاشره ثقافيًا هو الأمثال التي تعطي اتجاهات مختلفة نفسية واجتماعية وذهنية، فهل يمكننا أن ننتج واقعًا جديدًا قدر الإمكان بعيدًا عن تأثير بعض الأمثال؟ لو حدث هذا للحضرمي سيحدث حدث تاريخي عظيم هو حدث الانتقال والفهم، فسيميائيات الثقافة مهمة جدًا، ومن ضمنها الأمثال التي تعد مرجعية ثقافية كبيرة نفكر من خلالها، ونسقًا من القواعد والنظم يحكمنا ويوجهنا، فضلاً عن أنها تسيطر على مشاعرنا وأحاسيسنا وعواطفنا، وتقوم بعملية استدراج لنا دون أن نشعر، وقد نشأنا على تردادها، وما زلنا نكررها، وسنظل.
والأمثال من المكونات اللسانية النشطة التي لا تتغير صيغتها على مدى قرون، بخلاف الخطاب الشعري الذي قد يتغير، فلا يمكن إحداث تطوير للأمثال أو تغيير فيها، فهي إشكالية تعمل على تشكيلنا، والأدهى أنها تتناص معها كثير من الأشعار والأغاني, فضلاً عن تمثيلاتها العملية المختلفة التي نرددها كل يوم في مواقف مختلفة، فتلعب دورًا حيويًا في رفد حديثنا اليومي ونصوصنا، وتغذيتها بإيديولوجية اجتماعية ذات سمات معينة. فهي مسارات نصية عميقة التأثير والوجد لاسيما أنها ترتبط مباشرة بالموقف العملي الذي تقال فيه مما يجعل وقعها وتأثيرها أشد.
إن الأمثال واقع داخلي يعيش فينا، وبما أنها ذات صيغة مختصرة مكثفة، فإننا لا نستطيع أن ننسى جزءًا منها، ولا أن نختصرها، ولا أن نحذف منها، وبما أن كلا منها في الغالب جملة واحدة مختصرة ومركزة فإنها تجعل التصورات تصب جميعها في اتجاه واحد، فليس ثمة كيفيات تلق متعددة ومتنوعة لها كما في الشعر، وإنما كيفية تلق واحدة عند الجميع، ويعود الأمر هنا إلى كفاءة وجماعية المرسل وهو الشعب كله، ومن ثم المتلقي وهو الشعب كله، وتتم عملية التواصل بين الشعب وذاته على وجه دقيق ومؤثر وقوي تنتج نماذج ذهنية وتصورية قارّة تتحول إلى أسس اجتماعية.
فالمثل هو نقطة البداية في تحليل شخصية الإنسان الحضرمي، ونحن من خلال بعض هذه الأمثال أمام غربة عن واقعنا المعاصر، فلا نستطيع أن نفهمه مادام الزمن تطور والأحوال تغيرت، فكيف للحضرمي أن يجد صورته اليوم بعيدًا عن الصورة التي جسدتها له بعض الأمثال؟.