أ.د. محمد بن هاوي باوزير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 28 .. ص 84
رابط العدد 28 : اضغط هنا
قبل الحديث عن الطوابع البريدية، وعن أول ظهور لها وتطورها في العالم، ومن ثم البلدان العربية، وعلى وجه الخصوص حضرموت، لابد من إعطاء لمحة سريعة عن مصطلح طابع البريد، وكلمة البريد في اللغة، ونشأة خدمة البريد وتطوره في العالم.
الطابع : مصطلح يطلق على وريقة مصمغة، ذات قيمة محدَّدة، تحمل صورة أو رسمًا أو زخارف رمزية، ورقمًا يدل على ثمنها، تلصق على المراسلات البريدية.
البريد: اختلف اللغويون في أصل كلمة بريد، فقيل: إنها عربية وأنها تعني الرسول المستعجل، وقيل في معجم المعاني الجامع: بَريد جمع بُرُد، نظام يختص بنقل الرسائل والطرود، وما يتلقاه شخص أو جهة ما، وقيل أيضًا: أصل الكلمة العباءة؛ لأن رسل البريد كانوا يلبسون عباءة حمراء. كما قيل: البريد لغة هي كلمة فارسية، يراد بها في الأصل البغل، وأصلها (بريد دم)، أي: محذوف الذنب؛ لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها، ثم سمي الرسول الذي يركبه بريدًا، والمسافة بين السكنين بريدًا، وبريد وحدة طول..
أمَّا عن نشأة خدمة البريد فقد نشأت بغرض نقل الخطاب، ولكن امتدَّت فيما بعد حتى شملت نقل الرسائل، والطرود، والمطبوعات، والعينات، عدا القيام بعمليات تحويل النقود وبعض الأعمال المصرفية. وقد عُرف نظام البريد لدى الفرس والعرب والرومان، وفي القرون الوسطى كان البريد أساسًا لخدمة الحكومة. ثم نشأت مؤسسات فردية تؤدي خدمات بريدية، ولكنها ألغيت فيما بعد. ويبدو أن الإنجليز هم أصحاب السبق في ذلك، ويرجع النظام البريدي الإنجليزي إلى عام 1657م.
أما وسائل النقل البريدية فقد كانت عبر الأفراد، ثم أصبح نقلها على ظهور حيوانات النقل، كالخيول وغيرها، ثم العربات المغلقة التي تسير على الطُرق العامة وتحمل الرُّكَّاب، أو تسير في قوافل تحت الحراسة المسلحة. استخدمت أيضًا السكك الحديدية وخطوط الملاحة البحرية التجارية المنتظمة للنقل البريدي، وهكذا تطوَّرت عملية النقل البريدي بإدخال البريد الجوي (1918م) بعد الحرب العالمية الثانية، وزاد استخدامه بانتشار الطيران المدني المنتظم. وفي عام 1874م عقدت اتفاقية دولية لتنظيم الخدمات البريدية بين الدول، فأُسِّس اتحاد البريد الدولي، وأخيرًا البريد الدبلوماسي، أي: نشوء نظام الحقائب الدبلوماسية.
كانت إنجلترا هي السباقة إلى ذلك، وفيها أصدر أول طابع بريدي في السادس من مايو1840م، وهو يحمل صورة الملكة فيكتوريا، وقد اقترح الصورة (السير رولاند هيل)، وقد اقترح ذلك بناءً على مقالة له بعنوان: “إصلاح مكتب البريد – أهميته وعمليته”. وانطلاقًا من إنجلترا أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية طابعها في نيويورك عام 1842م (الثانية عالميًّا)، ويحمل طابعها صورة الرئيس جورج واشنطن، والدولة الثالثة عالميًا في إصدار الطوابع هي مصر الخديوية، في عهد الخديوي إسماعيل عام 1866م، كما تُعَدُّ مصر الدولة الأولى عربيًّا في إصدار الطوابع. ومنذ عام 1866م انتشرت الطوابع في العالم المتحضر، كما تزامن معها تطور وسائل نقل البريد.
أنشِئت الخدمة البريدية في حضرموت في بداية ثلاثينيات القرن العشرين، وقد افتُتِح أول مكتب بريد في المكلا عاصمة السلطنة القعيطية في عام 1938م، ونظرًا لازدياد الخدمات البريدية توالى افتتاح المكاتب البريدية في الأربعينيات في مدن السلطنات القعيطية والكثيرية، وفي هذه الأخيرة أنشأ أول مكتب بريد في سيئون عام1943م، وتريم في عام 1945م، وحوطة أحمد بن زين عام 1948، وهكذا تواصل افتتاح المكاتب البريدية في مناطق ساحل ووادي حضرموت.
وبالنسبة للطوابع البريدية التي ترمز لهوية حضرموت فقد بدأت تظهر، وكانت أول مجموعة خاصة بالسلطنة القعيطية منذ ثلاثينيات القرن العشرين، بدءًا من عام 1938م في المكلا، ومن ثم في سيئون عاصمة الكثيري.. وهكذا توالت ظهور المجموعات البريدية في سائر المدن الحضرمية التابعة للدولتين القعيطية والكثيرية.
أما بالنسبة للخدمات البريدية فقد كانت المكاتب والوكالات البريدية محدودة العدد، إذ لا تتعدى (44) مكتبًا ووكالة، غالبها في حضرموت، وتليها عدن ، وبعد الاستقلال الوطني (1967م) أنشأت عددٌ من المكاتب والوكالات البريدية في رقعة واسعة من جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وعلى وجه الخصوص العاصمة عدن، ومعها بعض المحافظات المهمة، كمحافظة حضرموت، حتى بلغ عددها في العام 1985م (110) مكاتب بريد ووكالات بريدية، ونظرًا لأهمية حضرموت وجغرافيتها الواسعة حظيت بـ 26 مكتبًا واثني عشر وكالة (الإجمالي 38)، وتأتي بعدها العاصمة عدن (16) مكتبًا، وثلاث وكالات (الإجمالي 19).
تكمن أهمية الطوابع البريدية في موضوعاتها المتنوعة، كالتعرف على قصص البلدان وتاريخها والثقافات والأشخاص والأحداث، والتعرف على بلدان العالم ورؤسائها وملوكها وأعلامها وعملاتها، كما نتعرف من خلالها على الكثير من المناسبات والأعياد الوطنية والدينية وأعياد الميلاد وعيد الأم وغيرها ذلك. بالإضافة إلى الطوابع التي تتناول أنواع الزهور والحيوانات والأسماك، والطبيعة والفضاء، وأنواع الفنون والهندسة المعمارية، والرياضة والموروث الشعبي من صناعات حرفية وعادات وتقاليد، وغيرها من الرمزية والمعاني والدلائل التي تحملها طوابع العالم.. لذلك ظهرت هواية جميع الطوابع.
من خلال الاطلاع على عددٍ من طوابع بريد حضرموت منذ العام 1938-1990م نكتشف ما تحمله تلك الطوابع من تذكار لأشخاص أو أحداث أو مناسبات أو معانٍ ودلات أخرى، وبعد الاطلاع عليها تبين أن الطوابع الحضرمية تحمل جوانب مهمة من تاريخ الإنسان الحضرمي وهُوِيَّـتِهِ، من صور للسلاطين، ومعالم معمارية حضرمية، ومساجد ومآذن، ومن الموروث الحرفي المتنوع في حضرموت وغيره، وسنرى ذلك من خلال بعض الطوابع البريدية المتاحة فهي ترمز لجوانب من تاريخ شعب حضرموت وهويته، وهي:
طوابع تحمل صورة لأحد سلاطين الدولة القعيطية الحضرمية منذ أربعينيات القرن العشرين (سلطان الشحر والمكلا)، وتتضمن أيضًا معالم معمارية حضرمية، مثل سدة العيدروس بالشحر، وحصن الغويزي بالمكلا، وشبام مدينة ناطحات السحاب، أو كما سماها البعض بـ(منهاتن الصحراء)، وغيرها من الموضوعات التي احتوتها الطوابع البريدية.
طوابع تحمل صورة السلطان القعيطي، ونماذج من الأعمال الحرفية الحضرمية، وكذا صناعة السفن وغيرها من الموروث الحضرمي الفريد.
طوابع السلطنة الكثيرية، تحمل صُورًا لسلاطين آل كثير (جعفر بن منصور بن غالب و حسين بن علي بن منصور)، وهم يعتمرون العقال الحضرمي على رؤوسهم، كالطابع الصادر في شهر أكتوبر عام 1942 وعام 1946، وعام 1951، وعام 1954 وعام 1964م، وهذا يؤكد أن العقال وإلى جانبه العمامة أو الغترة والكوفية كانا جزءًا مهمًّا من لباس الحضارم آنذاك، وظل العقال سائدًا في حضرموت حتى مطلع الستينيات، أي مع مرور الزمن بدأ يتقلص لبسه حتى اختفى بالكامل، في حين كان (العقال) في دول الجوار زيّهم الرسمي حتى اليوم.
بالإضافة إلى ذلك احتوت طوابع السلطنة الكثيرية صورًا لأعلام، ومعالم تاريخية، ومدنًا، وغير ذلك، كمدينة سيئون، وتريم، والقصور، والحصون، والمآذن التريمية، وطابع يحمل اسم غيل عمر (يسمى بالغيل الأسفل) نسبةً للشيخ عمر بن محمد باوزير، وهو وادي عدم، وابنه الشيخ عبدالرحيم بن عمر باوزير، مؤسس مدينة غيل باوزير، وضريح الشيخ عمر ما زال قائمًا وبجواره غيل الماء الغزير الشهير في داخل حضرموت، وبجواره غابة من أشجار النخيل، وهي الموثقة في أحد طوابع السلطنة الكثيرية، وتاريخ إصدار هذا الطابع البريدي في غرة يوليو 1964م.
طوابع ما بعد الاستقلال منذ عام 1968م وما بعده، والتي تحمل موضوعات متنوعة عن محافظات جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وقد تضمنت بعض الطوابع موضوعات من حضرموت، ومنها: آثار من شبوة عاصمة مملكة حضرموت القديمة، ومدن، ومعالم معمارية، كمدينة شبام، وتريم ومنارتها الشهيرة (منارة المحضار)، بالإضافة إلى أنماط من الموروث الشعبي الحضرمي، كالحرف اليدوية الشعبية، وصناعة السفن، وأيضًا شملت الطوابع فن الغناء، والرقص الشعبي، وأدواته الموسيقية (كالقمبوس والسمسية والمزمار)، والطبول (كالهاجر المرواس). بالإضافة إلى أنواع من أسماك بحر العرب.
وختامًا : تُعد الطوابع البريدية مفخرة لكل شعوب العالم المتحضرة، بل هي رمزٌ لهُـوِيَّتها، والذي يعبر عن ذاكرتها التاريخية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا لا شك فيه أنَّـه ينطبق على طوابع حضرموت التي توثِّق لجزء عزيز من تاريخها وتراثها، والتي تعرضت للإهمال والطمس بعد عام 1990م .. لذلك ومن خلال هذه المقالة المتواضعة نوصي أجيالنا الحاضرة والمستقبلية بالحفاظ على التراث الحضرمي بكل أنواعه، وحمايته من الاندثار، وتوثيقه؛ لأن طمسه يعني طمسًا لهُـوِيَّة المواطن الحضرمي وتاريخه، وعلى سبيل المثال الطوابع البريدية الحضرمية، وما تحمله من دلالات منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى العام 1990م، فهي تحمل مواضيع كثيرة ومتنوعة، تبرز عادة تراث الأمة الحضرمية، وتاريخها، وتقاليدها، وبعض منجزاتها، كما تحيي ذكرى حكامها، ومعالم البلاد المدنية والعسكرية والدينية وغير ذلك، وبالتالي يمثل كل ذلك تراث شعب .. وصفوة القول إن طوابع حضرموت البريدية تمثل هُـوِيَّة شعبٍ ووطن، يجب الحفاظ عليها، وتوثيقها؛ لتظل حاضرةً في ذاكرة الأجيال الحضرمية الحاضرة والمستقبلية.
المراجع :
بحث مقدم للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – ألكسو ضمن مشروع اصدار كتاب عن أغطية الرأس في الوطن العربي 0
أ. د. محمد عبدالله بن هاوي باوزير
لوحة رقم (1) الصور حسب الترتيب من اليسار :
1- السلطان وسدة العيدروس بالشحر، المكلا وتظهر فيها مناره الروضة، والمشهد، حريضة، وحصن الغويزي، وشبام، وعينات، ودوعن
الطوابع إصدار يوليو 1942م
2- شبام والمكلا
الطوابع إصدار أكتوبر 1946م
يتبع لوحة رقم (1):
3- تحمل الصور السابقة نفسها
الإصدار في أكتوبر 1951م
لوحة رقم (2): السلطان عوض بن صالح القعيطي
1- الأعمال الحرفية اليدوية الحضرمية بما فيها صناعة السفن
إصدار أكتوبر 1963م – وأبريل 1966م
لوحة رقم (3):
1- تحمل صورة السلطان الكثيري جعفر بن منصور بن غالب وعلى رأسه العقال الحضرمي والغترة أو العمامة، وصورًا أخرى: سيئون وتريم وأهم معالمها التاريخية وبواباتها كسدَة تريم، ومآذنها أو مناراتها الشهيرة .
إصدار أكتوبر 1942م
2- سيئون
إصدار يونيو – وأكتوبر 1946م
يتبع لوحة رقم (3): معالم تاريخية من سيئون وتريم
إصدار أكتوبر 1951م
لوحة رقم (4): السلطان حسين بن علي بن منصور بن غالب
1- معالم تاريخية من سيئون وتريم وغيرها من مناطق سلطة آل كثير
إصدار يناير 1954م
2- سيئون ومعالم تاريخية أخرى كغيل عمر
إصدار يوليو 1964م
يتبع لوحة رقم (4):
3- السلطان حسين ومعالم تاريخية متنوعة
إصدار أبريل 1966م
لوحة رقم (5):
1- أهم المدن التاريخية الحضرمية، شبام ضمن التراث العالمي – اليونسكو
2- معالم تاريخية، شبام ومسجد المحضار ومناراتها الشهيرة
2- من المدن التاريخية شبوة عاصمة حضرموت القديمة
3– صناعات حرفية يدوية
1- حرف شعبية منزلية
2- الحلي والمجوهرات الفضية الحضرمية
3– طبول وآلات موسيقية
4– أسماك بحر العرب