م. محمد سالم مصيباح
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 28 .. ص 90
رابط العدد 28 : اضغط هنا
الملخص:
تتلخص مهمة الأبحاث العلمية في تقديم معلومات حقيقية او اقرب إلى الحقيقية بالبحث والاستقصاء ومحاولة التشخيص الدقيق للوصول إلى النتائج، وهي اهم لحظات ومنعطفات يمكن أن تدّون لتاريخ أي معلومة، وأن أي إنحراف او زيف او عاطفة تضاف في هذه المرحلة تصبح حقيقية يصعب سحبها أو إقناع الأجيال القادمة بعدم صحتها وتصبح هذه المعلومة مثل كرة الثلج تكبر وتكبر في مضمار التناقل البحثي مع تقادم الزمن وتصبح حقيقية لا يمكن الشك فيها، حتى وإن تبّين خطئها، وتأتي مهمة المراكز البحثية لتقوم بدور المصحح للأخطاء التي قد تقع فيها بعض الأبحاث قبل نشرها خصوصاً في الحقائق العلمية مثل، إحداثيات وخرائط المدن وابعاد واطوال وكميات ومقايس واوزان، ولا تخلو معظم المراجع المحلية من الأخطأ التي يعاد تكرراها وتناقلها بحجة أنها معتمدة على مصادر سابقة، والواقع أن هذه المراجع صدرت قديماً في وقتها ولم تراجع بوسائل عصرية فيأتي الباحثين المتأخرين مقلدين ينقلون خطأ من مرجع ما متخذين قداسة قدم المرجع السابق مصدراً للمعلومة، وقد اعتمد اغلب الكتّاب على اجتهادات قديمة معظمها لم يتم التحقق من صحتها، و جأت اليوم وسائل حديثة أظهرت عدم دقته بعضها.
يرمي هذا البحث إلى توضيح تجاهل تصحيح التناقضات البحثية المتناقلة على الأبحاث التي يمكن قياسها أو تلك المنقولة بالتواتر من الأحداث أو الروايات التاريخية المتداولة والتي تبين خطأ بعضها، كما يرمي هذا البحث إلى الإشارة إلى موانع رفض التصحيح المرفوضة من بعض الباحثين بعدم الاعتراف بوجود خطأً فيها معليين أن الأقدمين يكونون أقرب إلى الحقيقة ! وأن الخوض في بعض القضايا وخصوصاً الأقرب إلى الجوانب الدينية تسبب حرجاً. وتوصل الباحث في ختام بحثه إلى نتيجتين الأولى عامة تمثلت في أن معظم مراجعنا بحاجة إلى تدقيق فهي تحوي بعضها على معلومات غير صحيحة وغير دقيقه يجب أن تُصحح ومن الممكن وضع بعضها في محل النقد، والنتيجة الثانية تمثلت في أن المشكل الأساسي لعدم قبول التصحيح أو النقد هي مشكلة في التركيبة الفكرية الثقافية وقصورٍ معرفي من الممكن أن يزول بعد النضوج الفكري.
المقدمة:
العمل في مجال الأبحاث يعد أمانة بدرجة أولى قبل أن يصبح إنتاج الباحث فيه قارباً لنقل المعلومات عبره ، ويختلف مستوى جودة الأبحاث بحسب ما تحويه من دقة وحرص ، ويمكن إعتبار هذه المرحلة خطوة مهمة إلى توجيه مسار المعلومة وبالتالي فحص التوجه الفكري للمجتمعات في محصلتها النهائية وهي عملية مضنية تتطلب المزيد من الجهد لتحقق منها.
يحاول هذا البحث توضيح أهمية فحص المراجع والأبحاث الناقلة والمتناقلة وتدارك ما فيها من محتوى والتحقق منها قبل أن يتسبب بقائها إلى مزيد من التعقيد أو الرفض، وقد اتبع الباحث في بحثه هذا توضيح ما يجب أن يكون وتعد هذه مساهمة و خطورة محسوبة على الباحث لكونه يركب قارب المغامرة في هذا المسار مع علمه من أن بحثه هذا محفوف بالمخاطر لأنه سيبدأ رحلة المغامرة بوضع شيءٍ من الجانب النقدي على بعض المراجع ويدعو إلى التحقق من بعض المعلومات التي وردت في هذه المراجع وإبراز مستوى الخطأ او تلك التي لم تعد صالحة لزمانها وبخاصة في القضايا المقاسة والتي تتصل بالوقائع الظرفية الزمانية أو المكانية أو الحقائق العلمية، لإيمانه بأنه اصبح ممكنناً التحقق منها وتصحيحها ومعظمها صار متاحاً للتأكد منها بفضل التقدم التقني، متخذاً من الأدوات العصرية وأجهزة القياس ومنهجي النقد والمقارنة أدوات لتوضيح ما يرمي إليه، فهو يرى من خلال هذا البحث أنه من الممكن مواجهة بعض من مستوى الحالة الغسقية التي تواجه الباحثين إزاء عدم الإعتراف بوجود القصور في معلومات المراجع أو محاولة تظليل الحقيقة والتي بقيت معظمها سلوك يتم التعامل به لدى كثير من الباحثين وحتى المتعلمين منهم، و يتحرك الباحث في مناخ أكثر دقة في أهمية التحقق من التناقل البحثي وسيصطدم قليلاً ببعض القضايا شديدة التعقيد والحساسية، ملقياً تجربة إسهامات الفضاء الإلكتروني الذي أظهر للباحثين الكثير من الحقائق الغير دقيقة، ويصل الباحث إلى أن الباحثين يكونون ساذجين أحياناً لدرجة نقل معلومات نقلاً كسولاً لنصوص الآخرين دون التحقق منها، فهذه السذاجة لم تعد تُغتفرُ اليوم، بعد أن يعلم الجميع أن العلم صار قادراً على كشفها شيئنا أم أبينا، ويكشف من قريب أننا بدون تفحص لهذه المراجع نكون متورطين فيها، ولذا كان من الواجب الدعوة إلى تصحيح هذه المفاهيم وما بداخل المراجع من معلومات بوضوح، وأن نؤسس فينا الشجاعة للإعتراف بخطئها الذي تم نتيجة للقصور الأدوات التي أستخدمها الجيل الماضي ومحاولة تصحيح الخطأ أن وجد وهو ليس عيباً في إصلاح ما تبيّن، لكن العيب يكمن في بناء أسوار عالية تمنع من الوصول إلى هذه المعلومات ومحاولة نقدها.
لقد كانت هذه العبارات إشارات نصية وقناعة يستطيع أي باحث التوصل إليها اليوم بفضل الوسائل الحديثة في مجال الأبحاث العلمية فقد أمكن اليوم جمع المعلومات من اكثر من مصدر وإجراء عملية المقارنة السريعة عليها والوصول إلى كمٍ من التناقضات الواضحة التي تجعل من الباحث في حيرةٍ من أمره إما أن يُسلم بما جاء في هذه المراجع ويكون ضالعاً في استمرار الخطأ، او يضعها في قالب النقد والشك فيها ليجانب الصواب أو يتحقق من صحتها بنفسه، إذا قلنا أنها لا توجد لدى حضرموت مراكز بحثية يمكن الأرتكان إليها وكون معظم الأبحاث إلى تُدفع إلى المكتبات هي أبحاث غير محققة او بمعنى ادق (غير ملفترة) أو منتقاه من شوائب الزيف والعاطفة الإنسانية ولم تخضع لمركز بحثي واحد على الأقل يسمح لها ويمنحها تأشيرة العبور، فهناك كمٌ هائل من المتناقضات في بعض المراجع نفسها تصطدم لا محلة بعقول الباحثين، ومع ذلك لا نجد هناك دهشة يمكن أن تُسمع من خلال قرائنا بسبب التبعية والاستسلام الفكري الثقافي أو الخوف من إنتهاك حرمة المراجع التقليدية أو تجاوزها، نضيف إلى ذلك أيضاً أن طبيعة الفكر المحلي في معظمة غير عميق ويحيط نفسه بهالة من القداسة حينما يؤرشف نصاً المعلومة لمرجع سابق، هذه الطريقة كانت المصدر الأساسي المتبع حتى في الأبحاث الأجنبية التي ننقل عنها والتي تكتب عن حضرموت ولا نشعر بها لكونه لا يتوفر لنا معرفة باللغات الأجنبية ونذكر على سيبل المثال لتقريب الفهم ما جاء بالنص في كتاب (The Graves of Tarrim)[[1]] فنجد أن الباحث يذكر[أن مساجد تريم 360 مسجدا وهذا الكتاب صدر عام 1959م وكان المؤلف ناقل المعلومة من مرجع محلي معروف وهي معلومة غير دقيقة، أنتشرت بصورة سريعة وسبحت في مراجع كثيرة والتصقت للأسف حتى في وسائل إعلامنا، ولا يحق أن نجرم المؤلف هنا فنحن الذين وفرّنا له هذه المعلومة ولم نعلن عن خطئها، وفي مثال آخر نجد تناقضات المراجع في تحديد إحداثيات مدن وادي حضرموت كتريم وشبام وغيرها أو طول وادي حضرموت أو معلومات عن المحافظة مثل مساحتها وغير ذلك، وقد يجيب البعض أنها صدرت مؤخراً معلومات عن المركز الوطني للمعلومات[[2]] هي الأدق، وحتى هذه إذا اُدخلت مختبرات الفحص يظهر بها بعض من المتناقضات وعدم الصحة ويتم الاعتماد عليها وهي غير مراجعة في حقيقية أمرها، كما لا يخلو تاريخ حضرموت من الكثير من المتناقضات والمرويات والعجب التي أضيفت إلى الأحداث التاريخية لتكسبها معنى عاطفي وبعضها غير صحيحيه ومن المؤسف أنها تتكرر بخطئها وكان ذكرها في اكثر من مرجع هو قالب الحماية لها واقدام رسخت من صدقيتها مع خلال التناقل.
المناقشة:
التغذية الإرجاعية تمنع قبول فكرة التصحيح هذا وبخاصة في المراجع الاقرب إلى القضايا الدينية لكن ليس هذا كل ما في الأمر، فالباحث المحلي عندما يبحث قضية ما تخص واقعه المحلي فأنه يتجه في مساره إلى دهن فكره بعدم نقد ادنى معلومة تصل إليه وذلك بسبب أن هناك دوافع تجعله يخلق اسواراً على الكثير من القضايا وقد يُوصى من قبل استاذته بعدم النقاش فيها، في الوقت الذي توصي فيه المدرسة النقدية بطريقة العناد بمناقشة المادة المبحوثه او التي وصلت جاهزة ومناقشتها مناقشة صريحة، والتوقف عند كل المحطات التي زودت هذه المعلومة والتحقق منها، وهذه العملية لا تتم في السابق وذلك لسبب واحد فقط هو أن عملية تواصل الباحثين كان أبعد وصارت أقرب اليوم عن ذي قبل، فكان كاتب التاريخ أو من يكتب معلومة لا يتم التحقق منها إلا بعد سنوات أو اكثر هذا إذا أنتشر كتابه وحالفه حظ الطباعة، لذلك فالمسافة الزمانية اصبحت اقصر، والبعد المكاني صار اقرب، ولذلك فالتواصل التكنولوجي جعل من الممكن فحص المراجع كلمة كلمة كما صار من الممكن التحقق من نسبة الأنتحال الأدبي الذي قد يتم في الأبحاث، وهذا ما يتطلب من الباحث التحقق من الأبحاث بدقة اكبر، واكون بهذا المنطق مقتنعاً بأن اكثر الباحثين ليس لديه الوقت الكافي لتحقق من التناقضات البحثية الموجودة في الأبحاث وحتى التاريخية سوى كانت الزمانية أو المكانية أو حتى تلك التي بها كميات يمكن قياسها ويتم للأسف تناقلها كما هي، وحتى في الأبحاث العلمية أحياناً يتم غض النظر عنها ويُترك الباحث يكافح ويجتهد في سبيل إيجاد العدد الكبير من المعلومات و التأويلات والمتناقضات في الآراء لكنه لا يؤمن بكلها كلياً وقد يبدي بعض التحفظ عنها، وهو ما لا يريد توضحيه صراحة لخوفه من عقدة التربية التبعية التي تربى عليها في المدارس والتي أوجدت جيل يتبع مقولة (حمّلها المصدر السابق) ويرجح إلى أكثر ما أتفقت عليه المراجع دون التفحص الدقيق لها كونه يعتبرها مسلمّات يجب أن تكتب هكذا وهذا التناقل في معظمة حشد للآراء السطحية.
أن المهمة لدينا ليست نقد المراجع المتوفرة التي تلقى بظلها كاملاً على الابحاث المبكرة لمواجهة التجديد ولكن المهمة هو أن لا يعيش الباحث في بيئة مرتهنه قطعياً بمعلومات تبين أنها بها من الخطأ ما يتوجب تصحيحه، فالذين مضوا كانوا لا يمتلكون الأدوات اللازمة فكان وقوع الخطأ امراً طبيعياً، وغير مستنكر ويسهل تقبله في معظم المجالات لكنه يصبح مستحيلاً ومستغرباً في القضايا الدينية التي تراها الأجيال الحالية غير ممكنه لأن هذا يدعو إلى الاقتراب من مراجع الصناديق المغلقة التي وُضعت فيها وبخاصة تلك التي تتعلق بقضايا التنقلات في المرويات التاريخية الدينية المنقولة عن التراث الإسلامي والتي لا يجب التفكير في الاقتراب منها أو فتحها، ويجد هذا الجيل نفسة في موقع متقدم للأصغاء فقط عن ما جاء في هذه الصناديق يستقبل الرسائل المشفرة عنها وينقلها، دون أن يكون لهم دوراٌ في معرفة كيف وصلت ولماذا قيلت بهذا الشكل ولماذا اغلقت هذه المراجع في صناديق اصلاً، وقد تسبب هذه النظرة في مشكل فكري لدى الكثير من الباحثين يؤدي إلى خفض المصداقية ويقلل من درجة الوثوقية، التي تدعو إلى نقد المراجع وهي رؤية يجب أن تكون والتي يتخوف منها الكثيرين .
ولكي يوجز الباحث ما قصده فيما ذكره أنفاً يوضح عدداً من الأمثلة من واقعنا تدلل على ذلك وكان حرص وجود هذه الامثلة أن تكون من بيئة الدراسة، وستضرب امثلة على الظرفية المكانية والظرفية الزمانية فعلى سبيل المثال على الظرفية المكانية نجده في عدم تحديد اتجاه قبلة المساجد بصورة دقيقة حيث كانت هناك مساجد موجه في اتجاه منحرف قليلاً بعض الشيء عن الاتجاه الدقيق، وبقيت هذه المعلومات غير معروفه عنها إلى أن امكن اليوم التحقق من التحديد بصورة أدق بواسطة اجهزة حديثة[[3]]، وعن الظرفية الزمانية يمكننا ملاحظة أختلاف مواقيت الصلوات[[4]]، التي كانت تنقل كما هي وبها بعض الخطأ دون المساس بها، وعن الامثلة في القضايا التاريخية فهي كثيرة نذكر ابرزها في محطات مختلفة ونجد التنقلات الغير دقيقة تتكرر في رحلة المغربي إلى حضرموت في القرن السابع الهجري وكيف شعر هذا المغربي بوجود الفقيه المقدم في تريم حضرموت!! واين توفى عباد بن بشر الأنصار، الذي اصبح له موقعاً مزعوماً اكتشف بواسطة الكشف الرباني[[5]] دون التحقق منه ، ولماذا تم اكتشاف قبر هود في القرن السابع الهجري!!؟ ولماذا لم يتم الفصل في تحديد موقع حصن النجير[[6]]؟ اهم معلم في التاريخ الاسلامي لحضرموت، هذه نماذج من الامثلة التي يتم تكررها في المراجع دون نقدها أو التحقق من صحتها ومع ذلك يتم تناقلها وإذا تبين خطأ او شيء من التشكيك فيها يقال أن هناك محاولة لزعزعة ما كان عليه الجيل السابق، وهذا يفسر بأنه اقتراب من القضايا المغلقة التي قد تؤدي اية اشارة فيها إلى تأجيج الفتن وعندها يتم غلق البحث بالقول (يجب تجنب هذا لأنه يخلق فتنه) هذا الفهم القصير هو بذاته نكوصٌ بحثي يمضي دون أن يلقى قبولاً او تفهم لرأي الباحث المتفحص لكون الغطاء الخارجي للتربية الذهنية قد حصن هذا الجيل والقى في ذهنه بعدم المساس بهذه الصناديق لكونها لها درجات من القداسة، و انطلاقاً من النظرة الراجعة يدخل هذا الكلام في تضاد بين نقد النقل وبين تقبل المنقول كما هو وتظل مشكلات حياتنا نفسها تكرار نفس المفاهيم دون أن تلامس الواقع المعاصر بمعنى أننا إذا اخذنا بعض الاحداث التاريخية الاخرى التي تتبع بعض الباحثين الذين يحاولون البحث الحيادي نجد ابحاثا بها من التكرار لما قيل سابقا فضلاً عن أنها بها من الخطأ المحمول عليها والذي تنفيه بعض الابحاث الاخرى، اقول هذا الكلام ولا اريد أن أنفي قطعاً جدلية التاريخ بأن كل شيء يحتمل الرأي الآخر ولكني اريد أن ابصر الباحث المحلي أنه ليس الوحيد في العالم الذي يبحث عن تاريخ حضرموت مثلاً وليس تاريخ حضرموت منقى من الزيف والمغالطات والإضافات المقصودة وغير المقصودة، وليس هذا التاريخ الوحيد الذي يضع رأياً أوحد يستطيع أن يلتف حوله الجميع، في ذات الوقت يستقيم المعني لو قلنا ايضاً ان تاريخ التراث الاسلامي المنقول الينا بعضه يحتاج الى مراجعة .
ومع ذلك فأن الملفت والمشاهد أن معظم الباحثين وحتى من حملة الشهادات العليا، للأسف لا اقول قاصري فهم، ولكنهم جبلوا على خاصية النقل الحرفي وبخاصة من المراجع التي تقع تحت اقدامهم باللغة الام لا يتجاوزن لغة اخرى إلا القليل منهم وهي عادة الباحث المحلي وحتى في الجامعات مراكز التبصير العليا في المجتمع وهذا خطأ كبير نؤسس عليه جيلنا الجديد ونمنعه من الاطلاع على ما كُتب عن ما نبحث عنه وحتى في المراجع الاجنبية، التي يكون حظ الباحثين فيها قليل جداً، أن لم نقل أنه معدوم وهو الخطأ الذي نتغافل عنه تماماً ونتغافل عن حضوره خصوصاً في الأبحاث التاريخية والتي قد لا يميل إليها معظم الباحثين لسوء العاطفة الدينية النافرة التي تربي عليها الباحث من الخوف مما جاء به علم الاستشراق مثلاً، التي قد نجد فيها من المتناقضات ما تختلف عن ما هو لدينا من مراجع بين ايدينا وبهذا نصل إلى ابحاث يشوبها عدم الشمولية الكاملة، او مصبوغة بصبغة كاتبها ولا يكون الباحث حيادياً في معظم آرائه وإنما نراه عاطفي لقومتيه او معتقده.
وهذا الامر يدعو إلى أن نفسر ذلك بالانجذاب العاطفي للباحث الذي يستخدم كلمات اعتياديه نقلية يتفنن في وضعها في الحواشي بحرص وبشيء من القداسة للأمانة العلمية، التي يتفحصها بعمق مشرف الدراسات العليا ويضعها في اولياته حين يناقش اطروحة الباحث، خوفاً من الخروج عن مفاهيم المراسيم الجامعية والتمسك بالقيم الاكاديمية، وهذه بذاتها اشكاليات ووسائل لا تفيد طالما وأن المادة ذاتها غير مختبرة اصلاً، وتظل هذه الابحاث تعبيراً نصياً عن ما في هذه المراجع لا تكون سوى اوعية ناقلة لا تضمن أيه محتوى اضافه الباحث سوى المعنى المنقول الذي يعبر عن ما قيل من سابق عن هذه المراجع. وبالتالي فالباحث لا يقدم اية معلومة مثمرة وإنما يقدم الباحث معلومة مكّرره او منقولة او يقوم بمعنى اصح بجرد المؤلفات التي تتحدث عن الموضوع المعني وإحصائها والتعبير عنها بعبارات ومعلومات وبأسلوب آخر والمعنى هو ذاته فقط ابدلت عليها تواريخ الصنع وكأنها بضاعة قديمة خرجت في ثوب آخر والجديد فيها هو تاريخ الطباعة الجديد فقط، دون النظر إلى أن هناك منتقضات محمولة على هذا البحث ينقلها الباحث الحالي للباحث القادم والذي حتما سيأتي جيل من بعده يكتشف أنها بها الأخطاء تم تناقلها.
و بطبيعة الحال فأن بحثنا هنا ليس ضد ما جاء في هذه الابحاث وإنما يريد من الباحث أن يتحقق اكثر من مستوى النقل الذي يحشره في بحثه ومدى تعمق الباحث في أن يخترق ما بداخل هذه المراجع من معلومات على الرغم من أنه يمكن التعبير عن ذلك بطريقة الفتح لهذه المراجع والنقد لها للتأكد منها لكن الممارسة الفكرية المحلية تمنع من مجرد الإقتراب من هذه المراجع بل وتضعها في صناديق مغلقة ومن يحاول الاقتراب منها يعّرض نفسه للخطر وقد يسحب كتابه ويعنف في الأوساط الفكرية مثل ما حدث لكتاب الفكر والمجتمع الذي عرض بعض من المسلمات في حضرموت للمفكر كرامة مبارك بامؤمن حينما اصدر كتابه في مطلع 1998م في طبعة واحده اختفت من الاسواق.
أن ممارسة النقد الحر على التناقلات في المراجع في حضرموت محاولة خطرة قد تعرض صاحبها للخطر في واقعنا هذا إذا كان صاحبها صاحب فكراً حراً فما بالك إذا كان طالب دراسات عليا اراد أن يبدي راياً او يتقرب من هذه المراجع التي في الصناديق ويحاول التفكير فيها فهذا يُعنف ويفقد الدرجة ويطالب بتغيير موضوع البحث، إذا ما تم التجهم في وجهة او طرده .
الهوامش :
[1] (قبور تريم وعلم الأنساب والتنقل عبر المحيط الهندي) كتاب باللغة الانجليزية .
[2] المركز الوطني للمعلومات جهاز حكومي في اليمن يتبع رئاسة الجمهورية انشئ 1995م بقرار رقم (155).
[3] اسم برنامج لتحديد اتجاه القبلة للصلوات ( Qibla Direction & Prayers ).
[4] جدول مواقيت الصلاة للجعيدي وآخرين.
[5] كتاب بامؤمن , الفكر والمجتمع ص 286,253, ط1.
[6] حصن النجير كتاب ادوار التاريخ الحضرمي ص93,ط2.
م. محمد سالم مصيباح. ماجستير عمارة وتخطيط جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا