طاهر ناصر المشطي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 28 .. ص 96
رابط العدد 28 : اضغط هنا
أهمية وخصائص السوارح:
نموذج معاصر للتحكيم بسوارح الأحموم:
الزمان: صباح يوم السبت 18 سبتمبر 2021م؛ الساعة ٠٩:٣٠
المكان: عيص خرد بمديرية الشحر بمحافظة حضرموت.
القضية: جنائية في مقتل الشيخ أحمد سالمين بن سالم بن صياد السيفي، بين قبيلتي السيفيين والدحيميين.
القاضي الحكم: الشيخ سالمين بن فرج بن مجنح العليي.
إجراءات المحاكمة: الاطلاع على حيثيات القضية وتفاصيلها والاستماع، وقراءة دعوة الطرف المدعي وجواب المدعى عليه وما تبعه من نقد وتعقيب من كلا الطرفين، وكذا تسلُّم العدايل والوثور[50] والضمانات الكافية لتنفيذ الحكم من الطرفين. وفق الأعراف.
منطوق الحكم:
إجراءات التنفيذ: قدم السيفيون، كشفًا بأسماء المتهمين والمشتبه بهم من الدحيميين، في القضية، على أن يستقبل اليمين عشرة أفراد من السيفيين، منهم أولياء دم المقتول.
تصليب الحكم وتنفيذه: قَبِلَ أطراف القضية الحكم، وجرى التوقيع عليه من كلا الطرفين، على أن يلتزموا بتنفيذه حسب ما حدَّده وفصله، ويعد هذا الحكم آخر المراحل لإنهاء ملف هذه القضية وإغلاقها.
تصنيف السوارح:
يحكم علاقات قبائل الأحموم عرف عام، يبحث في تنظيم إدارة القبيلة واختيار أعضاء مجلس القبيلة ومهامِّه وصلاحياته، كما يبحث في القضاء والعقوبات للأحوال الشخصية والمدنية وفي الخلافات بين فصائل التجمع القبلي، وتنظيم حالات الزواج والطلاق، ورعاية الأبناء غير الشرعيين، وغيرها من الحالات[51]. تسمى (سوارح)؛ وهي كثيرة جدًا ولا يمكن حصرها جميعًا في هذه الورقة البحثية، لكنَّنا يمكن أن نصنِّفها إلى أربع مجموعات كبيرة، ونذكر بعضًا منها، في النحو الآتي:
أولًا: سوارح نظام الحكم:
هذه السوارح خاصة بنظام الحكم، وكيفيته في بيت السيادة من القبيلة، واختيار أعضاء مجلس القبيلة ومهامه وصلاحيته.. وينظم الكيفية التي يتم بها ترشيح المرشح الجديد للرئاسة.. ودعوة أفراد القبيلة للتزكية وحقهم بالرفض وعلاقتهم بالزعيم الجديد[52]. ويعد بيت علي الزعيمة لآل عمرو[53]، ويجري اختيار مقدم قبيلة الأحموم (الشيخ) من قبيلة بيت علي.
أما اختيار مقادمة قبائل الزي فيكون ذلك حسب القواعد الخاصة بكل قبيلة وتركيبها، على أن يكون تنصيب المقدم من جميع ديار القبيلة حسب الأعراف الخاصة بكل قبيلة[54]. فبعض القبائل يتم اختيار المقدم من دار التقدمة، وبعضها دار التقدمة يُعيَّن واحدٌ منهم ليكون مقدَّمًا للقبيلة، وتتم الموافقة عليه من بقية الديار، ومثل هذه الحالة عند بيت غراب، وبعض القبائل يتوافق عُقَّالها من جميع ديار القبيلة على تنصيب فلان، ولا يكون خيارًا لبيت التقدمة، وهذا الحال في بيت شنين وبيت علي، أما قبيلة العجيلي فليس بها دار خاص للتقدمة فيتم اختيار المقدم من أي دار من ديار القبيلة شريطة أن تتوفر فيه الشروط المناسبة[55].
تانيًا: سوارح القضايا الجنائية: منها:
تختلف السوارح في القتل باختلاف الحالات إلى سوارح عدَّة، منها:
وهو قتل الجار الذي يقفز إلى دار جاره ليزني بحليلة جارة، إذا ضُبِط متلبِّسًا بجريمة الزنا، وقام الزوج بقتله، فيعدُّ دم هذا الزاني مهدورًا، ويُسمَّى عند البادية بــ (دم حنش)، ولا قصاص على القاتل، إلا إذا ثبت البحث بخلاف ذلك[56].
من قتل في صلح أو حلف يعدُّ معيبًا، وهذا العيب يقتضي عقوبة مغلظة[57]. ويسمى هذا القتل (سواد وجه)، وتبييض الوجه يُقتل أحد أفراد رجال الدار القاتل قبل الصلح بينهم، ويسمى هذا القتل (نقاء)، والمقتول لا زال دمه باقيًا[58]، ولا يُمَد الصلح إلا بالنقاء، فكُلُّ مَنْ قتل يُعطَى له كفلٌ من 8–16 يومًا، إما أن يتم النقاء خلال هذه المدة، ويُمد الصلح، وفي حالة عدم النقاء لا يُمد الصلح ويستمر القتل. وهنا تظهر الحكمة من سارحة النقاء في صون دماء القبيلتين اللتين بينهما الثأر، وهو تحقيق للقاعدة الفقهية ارتكاب أهون الضررين.
تسمى الفترة بين صلح وصلح بــ (العشر السوالف)، وهي عشرة أيام، فإذا كان بين قبيلتين ثأر ثم عقد صلح بينهما، ثم انتهت مدة الصلح، فإذا أخذت القبيلة التي عليها الثأر حقها وقتلت القاتل أو شخصًا من قبيلته خلال العشر الأيام بعد انتهاء الصلح وقبل إبرام صلح جديد، يعدُّ القاتل غير معيب، وقد أخذ بحقه[59].
يعد قاتل السعيف معيبًا، ويسقط اعتباره عند أفراد المجتمع القبلي، وعقوبته مغلَّظة، أكثر من قتيل، ومتبوع بالقصاص بالقتل، وما يصدر ضده من أحكام.
مثلًا إذا كان بين قبيلتين ثأر، وأرادت القبيلة التي لها الثأر أن تأخذ بثأرها، لكنها أخطأت فقتلتْ شخصًا من قبيلة أخرى، فلا يتم الصلح بين هاتين القبيلتين حتى يتم النقاء من قبل قبيلة القاتل، وذلك بقتل القاتل أو أحد أفراد قبيلتهم بأنفسهم، فيتفق مقادمة القبيلة على شخص ليتم قتله تكفيرًا لذلك الخطأ، شريطة ألَّا يكون ابن زنا إلا إذا كان هو القاتل، ثم بعد تنفيذ ذلك يتم تبليغ القبائل أنه قد تم النقاء، بعد ذلك يتم الصلح بين القبيلتين[60]. وقَتلُ النقاء وُضِعَ صونًا للفخيذة والقبيلة من التناحر والتمزق.
قتل المرأة بغير سبب عقابه قتل سبعة رجال من أبناء قبيلة القاتل بمن فيهم القاتل نفسه[61].
تحرِّم الأعراف قتل الصبي في أي ظرف كان، فقاتل الطفل يهدر دمه، وينظر إليه بنظرات السخط والازدراء[62].
وهناك سواح حتى في قتل الحيوان، منها:
ثالثًا: سوارح الأحوال المدنية وعلاقات المجتمع القبلي:
وتشمل السوارح في الضيافة والزواج والختان والطلاق ورعاية الأبناء وغير ذلك:
عندما يحل المقدَّم وجماعته ضيفًا، له ذبيحة على أن يكون طلي عناق، سِنُّه من حول فما فوق. وعندما تكون الذبيحة للعشاء فعلى المقدَّم وجماعته أن يغادروا صباحًا، ولا ينتظروا قهوة أو فطورًا؛ وإن كانت للغداء فلا يجلسون للعشاء.
قانون الذبيحة:
تعطى الذبيحة للمقدم وجماعته، فيقومون بذبحها وقسمة اللحم ويردُّون الثلث لأهل الدار، ويسمى (المردود)، وإذا كان هناك خطأ في قسمة اللحم هناك سارحة تلزم المقدم وجماعته بالتعويض عن الذبيحة.
من السوارح في البادية الذبح للضيف، لكن عند بيت عمرو والأحموم إذا قدَّموا ضيوفًا على شخص، وليس عنده ذبيحة يقدِّمها لهم، وقدَّم لهم تمرًا مع سليط سمسم، يعد هذا التمر والسليط غذاء وضيافة ولا يرد. فأصبحت هذه سارحة من سوارح الأحموم[68]. وهذا يدل على مرونة هذه السوارح وتكيُّفها حسب الأحوال.
من عادات القبائل بشكل عام، والأحموم بشكل خاص الختان لذكورها في سن الشباب، غالبًا من سن الخامسة عشرة فما فوق، ويتم لهذه السوارح مهرجان يسمى بــ (حراوة الختان)، يتم الإعداد له جيدًا من خلال تحديد موعد ومكان حراوة الختان، والشباب الذين سيتم ختانهم، وإعدادهم لهذا المهرجان من خلال تلقينهم أبياتًا من الشعر قبل المراسيم لإلقائها في الحراوة، ومن لا يستطيع حفظ الشعر عليه أن يسلسل نسبه إلى أعلى جد.
ويتم تنصيب منصة الختان، وتسمى (مقعدة)، وهناك من يقوم بتقييم الشباب الذين سيتم ختانهم، من خلال مراقبة حركاتهم من خوف أو تلعثم أو ارتباك، وكذا تقييم قصائدهم الشعرية إن كانت غير مرتبة وغير ذلك.
وعند بداية (حراوة الختان) يتقدم الشاب المراد ختانه نحو المنصة وهو يحمل جنبيتين بيديه، وهما مرفوعتان بكل يد جنبية، وهو يسرد أبياتًا من الشعر أو يسلسل نسبه، وهو يتقدم نحو درجات منصة الختان (المقعدة)، فيصعدها حتى يصل أعلى درجاتها، عند ذلك يتوقف عن قول الشعر الذي لُـقِّـنَهُ قبل ذلك أو سرد النسب، ويجلس للختان، وتُغَطَّى عورته عن المشاهدين، فلا يرون منه إلا صدره وما فوق، ويكون الخاتن في الأسفل.
ويتم تقييم الختان من قبل النقَّاد، فمجرد أن تُرى من هذا الشاب أي حركة وإن كانت يسيرة يُعَابُ بها، كغض الطرف، أو العض على الشفة تألُّمًا[70]، ثم يسرح بعدالتهم أو بعدمها شعرًا، لذا لابد أن يكون الناقد من الشعراء المتمكِّنين. ومن الأبيات الشعرية التي قيلت في مثل هذا المهرجان:
إن حيكيتوا في الوليد دف عينه ما احتكم
عند الخاتن ما صبر يوم ذلح عليه الدم
ومن أشهر من يسرِّح في الختان سعيد بن مبارك الشنيني، قبل حوالي 110 سنة[71].
من عادات البدو أنهم لا يزوِّجون الحضري ببنت القبائل، بل يتم الزواج فيما بينهم.
يتقدم العريس أو أبوه ويخطب البنت من أبيها، فيتفقوا على المهر، ويقيموا الحراوة بدون علم البنت.
وتختلف عادات الزواج في البوادي عن القرى، حيث يصل عدد أيام الزواج في القرى أيامًا عدَّةً، أقصاها ثمانية أيام، ثم قلَّتْ إلى سبعة، ثم إلى خمسة، ثم إلى ثلاثة، وأخيرًا يوم واحد، وكلها على الحراوة والربوط ليلة، وقصباة ليلة والليلة الأخيرة الزف، وهو قريب من زواج المدينة[72]. أما في البادية فإن سوارح الزواج تكون على النحو الآتي:
عادةً ما يكون الربوط الصبح قبل أن تسرح البنت للمرعي، ويتجمع (الربَّاطة)[73] من الليل، ويقام لهم عشاء فيه ذبح وقدح، وفي الصباح يسرحون بالعراوس إلى مكان الحراوة.
يتم الزواج في البادية غالبًا بصورة جماعية، حيث يتم تجميع العراوس من مناطق مختلفة إلى مكان فيه ماء، كل عروس تصبح بزامل، وبعض المقادمة يصبحون بزوامل، والقبائل بالزوامل، ويعملون صفًا، وكل صف يرحب بالصف الآخر، وعندما تأتي مجموعة من الصفوف تعمل دائرة، وتسمى هذه الدائرة (محرس)، حيث يتم فيه الرقص بطريقة معينة بالجنبية، ويطلقون النار من فوق الرأس، وتتم بعض الشروحات.
وعندما تأتي الصفوف والقبائل إلى مكان الحراوة يكون مع كل صف شاعر، ويأتي حسب الطلب، أو يكون هذا الشاعر منسوبًا للقبيلة، فيأتي بقصائد مدح، ويطلب من أهل الحراوة (ترحوبة)، وأهل الحراوة يرحبون به.
وبعد الترحوبة يجلسون ويعطى لكل قبيلة أو صف عِدَّة القهوة، والتي تشمل: المنحاز، الصفرية (الوعاء)، المحماس، وفناجين، وبُن وزنجبيل، من قبل أصحاب الحراوة، حيث يتم توفير هذه العدد، كما يطبخون لهم غداء أرزًا ولحمًا، وتمر وقهوة للبسط والعشاء، أو تمر وسليط معصر، وذلك حسب الظروف والإمكانيات[74].
أما البدو في الجبال فيضعون العرسان في الجهة الجنوبية من المحرس، أما في القرى القريبة كحلفون ويضغط والمعيملة فيضعون العرسان وسط المحرس لابسين زي العرسان وبجنبية من نوع العابدي، ودسمال، وعمامة على الرأس ولمشة (سيف) على الكتف.
ولا يكون ثمَّةَ اختلاط بين الرجال والنساء، حيث تجلس النساء تحت شجرة ويبتعدن عن الرجال، ويغطين العراوس بقماش شبه شفاف (شيَّل)، ولهن صوت شرحي يتغنَّيْنَ به. أما لباس العروس فيتكون من ثوب مصبون بالنيل، وعادة البدو الذين كان عندهم عبيد، مثل بيت علي، وبيت البصيلي، وغيرهم، يعطى ثوب البنت (العروس) للجارية.
بعد الحراوة يذهب الجميع كُلٌّ إلى أرضه، أما العراوس فيخرجْنَ من خدورهن وبعضهنَّ يشترحن، ويسمى هذا الشرح بــ(شرح العراوس)، وبعد الحراوة يذهبْنَ مع أهلهن.
وفي اليوم الثالث تسرح كل عروس بغنمها إلى المرعى، وهي عارفة من هو زوجها، لأنه عند ربطها يقول لها ولي أمرها أنتِ مربوطة على فلان بن فلان. وفي اليوم الثالث والرابع يتبعها زوجها إلى المرعى، ويطلب منها الموافقة على الزواج، إذا رغبتْ فيه تطلب منه (فنون)، والفنون عبارة عن طلبات وهدايا تطلبها العروس من عريسها لإهدائها إلى أهلها، مثل فوطة أو صبيغة لعمها وبعض أهلها؛ إذ تُحدَّد بعض الأشياء الخفيفة.
وإذا قبل العريس تلبية هذه الطلبات ذهب إلى أبيها، ويذهبون إلى المأذون لإتمام العقد، ثم يرجع إلى بيت أهلها، فأهلها يفندون لها نصيبًا من الغنم، وتعطى لها مكيل[75] صغيرة ويتبعونها إلى بيت زوجها، وفي بيت أبي الكلان (الزوج)، يفندون للعريس دارًا جديدة أو جزءًا من الدار، ويفندون له نصيبه من الغنم، حيث يتم فصلهم عن الأسرة، ويعتبر العريس مسؤولًا مسؤولية كاملة عن زوجته.
رابعًا: سوارح العائدات:
وهي السوارح الخاصة بعائدات قبائل الأحموم بما تفرضه من جبايات متوارثة مقابل تسيير القوافل والأفراد المتنقلين في أراضيها، وخفارة السفن في موانئها، وما تفرضه من كيلة لحراسة المزارع والثمار.
وهذه الجبايات موروثة على مناطق نفوذهم الممتدة من الشحر إلى مشارف مصب وادي المسيلة بالقرب من سيحوت شرقًا بطول الشريط الساحلي غربًا، ومن شاطئ البحر جنوبًا إلى غيل بن يمين ومشارف وادي حضرموت شمالًا، وهذه المصادر الموروثة تتمثل في الجبايات التي تفرضها القبيلة على المزارع والبحر ونشاطات اجتماعية في القرى المختلفة[80].
وتتمثل هذه العوائد في:
الخفر: هو حراسة السواحل والسفن وقوارب الصيد والمعدات، وهذه العادة على قوارب الصيد وعلى السفن التي ترسو في مقرة والقرن، والطريقة هي:
هذه الخفارة تؤخذ على السفن الأجنبية والتي هي تابعة لبلدان أخرى عندما ترسو بميناء القرن أو مقرة، وتريد أن تحمِّل (فرم) أو أحجار براق.
. . وهذه العادة بقيت مستمرة حتى عام 1360هـ (1941م) تقريبًا[81].
ويقوم بهذه المهمة بيت علي، وإذا تغيبوا يحل محلهم الغرابي له أو عليه، وعندما رأى العليي أن المطالب عليه كثيرة والسواحل طويلة، طلب اشراك السباعي في الخفر مع البحسني، هذه القبائل الثلاث لها في القرن ومقرة مجدوح وخفر، وتقسم هذه العادة بينهم أثلاثًا، إذا حضر بعض أفراد القبائل الثلاث، ومَنْ تأخَّر منهم فليس له شيء مما تسلَّمه الحاضر منهم[82]. وكان آل السباعي معفيين من الرسوم الجمركية مقابل نقل بضائعهم من القرن إلى الديس كعادة أو سارحة، وهذا امتياز خاص للقبيلة[83].
هي حراسة الزرع والثمار كالنخيل أو الحبوب، ومقابل الشراحة تعطى للشُرَّاح الكيلة، وهي مكاييل محددة من تلك الزروع والثمار، وخاصة التمور في نهاية الموسم.
غالب القبائل الموجودة هي التي تقوم بشرح الزرع، وغالب الشراحات تتوزَّع على مواقع القبائل، مثلًا: في الحامي: العليي والبحسني، وفي حمم وحلفون: العليي والغرابي، وفي عسد: العجيلي والجمحي، وهكذا. ومن نماذج الشراحات:
أما في الصيق فشرحاته مقسمة، ومن ضمنها شرحاة بَحْسَن، وشرحاة بن النقش الغرابي، ويقوم الشُرَّاح بحماية الخريف من اعتداءات بعض البدو الذين يقومون بقطع الخريف وسرقته؛ إذ يقوم الشُرَّاح بمنع الناس من النزول إلى الصيق من بعد المغرب باستثناء من يقومون بري الأرض، ويتجول الشرحُ بأسلحتهم لمنع أي اعتداءات أو سرقات للخريف، وفي الصباح الباكر يسمح للناس بالدخول إلى الصيق، حيث ترى الأطفال الصغار مستعدين للدخول لالتقاط الثمار المتساقطة تحت أشجار النخيل والزيتون والرمان… إلخ.
لبحسن شراحة في معيان الصيق بالديس وقت الخريف، لهم من التمر ما يقارب البهار[84]، وعليهم أن يضعوا أفرادًا منهم لحراسة النخل، وقد استمرت هذه العادة إلى قرب عام 1946م تقريبًا، فحصلت بينهم وبين أرباب المال منازعات، وبعدها توقف بحسن من تلقاء أنفسهم عن تسلُّم هذه العادة حتى يومنا هذا. وأظن أن توقفهم كان بسبب الرعايا الذين كانوا يطالبونهم بالجلوس مدة الخريف لحراسة المعيان، والعادة تقضي بأن كل شيء يحدث في الخريف من سرقة أو إهمال يكونون مسؤولين به، ويظهر أن بحسن خافوا من المسؤولية وداخلهم الشك في الرعايا من أنهم سيقومون بقطع الخريف خفية ويطالبون بحسن بالتعويض[85].
وهذه الشرحاة في جرب الديني في الغريفة، وقد منعها عبد الله سعد مشرقي عام 1970م[86].
وغيضة حلفون هي أوقاف الشيخ عبد الله محمد بن أبي عبَّاد المشهور بالقديم (616 ــ 687 هـ / 1219 ــ 1289م)، وهي 16 فردة، منها 13 فردة للشيخ باعباد، وثلاث فرد مقابل الشرحاة[87]. وكانت كيلة الشرحاة سائدة إلى عام 1967م[88].
غيضة حمم هي من أملاك بيت العليي والغرابي مناصفة بينهم، بالنسبة للشُرَّاح في الغيضة عددهم تسعة شَرَح، خمسة من بيت غراب وأربعة من بيت علي يتداولونها كل سنة أشخاص معينون كلٌّ حسب بيته وحسب ملكه في الغيضة.
وطبيعة الشرحاة عندما يبدأ نضوج الخريف يحضر الشرح فيمنعون الناس من دخول الغيضة قبل شروق الشمس، ويمنعون الجلوس في الغيضة بعد الغروب حيث يصيح الشراح: (واغابت محجورة) فيخرج الناس، وفي الصباح يسمحوا للناس بالدخول. والشرح في الغيضة مسؤوليتهم عن الغيضة بالكامل وعن كل ما هو موجود فيها ولو سكِّين، ولكل شارح عشاء يتكون من (مغديل)[89] تمر يحضره الحراث، حيث إن كل حراث يسلم الشارح الذي عنده مغديل تمر، حيث يوجد ثمانية حرث، اثنان من الحرث يتحملون ثلاثة من الشرح، ويسمى الربع (العكي) مقسوم ثلاثة أقسام وهو لبيت الفري. ومن سوارح الشرحاة في حمم:
في موسم العَيد (الساردين)، وغالبًا ما يوافق ذلك وقت الخريف، فبعد أن يقوم الصيادون بتبريح العيد لتجفيفها وتحويلها إلى (وزيف)، فيصبح مقادمة بيت علي وبيت غراب على الجريف فيقومون بخط بالعود في العيد، ويقتطع له جزءٌ منها ويقول هذه حقنا، ولا يقدر صاحب المال الرفض فهي إتاوة إجبارية[93]. ومن سوارح الجريف إنه خلال الأيام الأربعة الأولى من تبروح العيد أنَّ أي حمومي يريد أن يشتري العيد بعد بيعها يكون الأحمومي شريكًا للمشتري الأول في الشراء ويدفع القيمة، ولكن إذا تجاوزت الأربعة الأيام الأولى من التجفيف تكون للمشتري الأول[94].
وهي الضريبة على صنابيق الصيد بدفع كمية محددة من السمك، وعلى الأسماك المجففة، مقابل حماية الشواطئ. كان الأحموم يؤمِّنون الشريط الساحلي للمشقاص ولهم جدوح على طول الشريط الساحلي، في مواسم معينة[95]، فمثلًا على كل قاربٍ يعمل في القرن ومقرة عليه عطف عيد أو حوت صيد – إذا هو شاحن – أما إذا لم يشحن فلهم خصار فقط، أي خصار قوتهم[96].
نقل لي الأخ عبد الله صالح النقش الغرابي عن عوض سالم بن غبيش الغرابي بأن الجدوح والكيل للقبائل وخاصة العليي والغرابي، ليست هبة عادية وإنما هي مقابل حماية الشواطئ، فهناك 40 نفرًا من قبيلتي العليي والغرابي يقومون بحراسة الشواطئ والسواحل وما يخص الصيادين من قوارب وشباك وغير ذلك، فمثلًا بيت عميران سلبَ منهم المهرة قاربَهم وأخرجوهم في معاوز إلى البر، و جاءُوا إلى مقدم بيت غراب يشكون له ما حصل لهم، فأرسل معهم خمسة من بيت غراب من بيت الفرج ثمَّ ذهبوا إلى المهرة وبحثوا عن هؤلاء اللصوص إلى أن وجدوا القاربَ، وتمَّ ردُّه لأصحابه. ومقابل هذه المهمة على كل قارب يخرج من البحر يعطي هؤلاء حوت صيد، إذ تعد هذه الشواطئ تحت حماية الأحموم وسيطرتهم[97].
وفي (1356 ه – 1937م) = بعد تعيين المستر هارولد وليام إنجرامس – مستر قرامص – مستشارًا سياسيًا للحكومة البريطانية في المكلا زار مدينة الديس، وألغى في هذه الزيارة الأتاوات العرفية التي كانت تفرضها القبائل، وهو ما يعرف بحق الجدح على الصيادين والشراحة على ملَّاك النخيل، بالمقابل فتح الباب لاستيعاب أعداد من أبناء هذه القبائل ضمن جيش البادية والوظيفة الحكومية تمهيدًا لنقلهم إلى طور المجتمع المدني ودمجهم فيه.[98]
[46i] البكري، عبد الخالق محمد صالح (القبيلة في ساحل حضرموت)، ص 2.
[47] راجع سوارح نظام الحكم في موضوع تصنيف السوارح من بحثنا هذا.
[48] الشديدة: مندوبي ديار القبيلة
[49] مقابلة مع المقدم سالم سالمين الشنيني الجمعة 15 / 10 / 2021م.
[50] العدايل والوثور: هي عرابين مجزية لضمان تنفيذ الحكم.
[51] الملاحي، عبد الرحمن بن عبد الكريم (تاريخ الصراع الحمومي القعيطي …) مصدر سابق، ص 213.
[52] المرجع السابق، ص 213.
[53] تقدمة بيت علي في دار بني قحطان، وهو أول مقدم تواتر ذكر اسمه كمقدم لبيت علي، ثم تولى بعده ابنه عجلان، ثمّ سالمين بن حسن، وهكذا …. وممن تولى التقدمة في بيت علي المقدم حبريش ولما قتل تولى بعده ابنه علي ولما توفى علي بن حبريش تولى بعده فرج بن كرامه أبو سالمين بن فرج وبعده احمد بن حبريش وبعده علي بن احمد بن حبريش بعده سالمين بن فرج مؤقتاً بعده سعد بن أحمد بن حبريش بعده عمرو بن علي بن حبريش. (المصدر: سليم سعد الشنيني تواصل 30 /11/ 2021م).
[54] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.
[55] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.
[56] المصدر السابق.
[57] المصدر السابق.
[58] المصدر السابق.
[59] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.
[60] المصدر السابق.
[61] الملاحي، عبد الرحمن عبد الكريم (الدلالات الاجتماعية …) مصدر سابق، ص 51.
[62] المصد السابق ص 52.
[63] المقدم عوض القصير سعد الغرابي 22/ 11/ 2021م .
[64] المرجع السابق.
[65] مقابلة مع المقدم سالم سالمين الشنيني الجمعة 15 / 10 / 2021م.
[66] المصدر السابق.
[67] الطبين : جمعها طبانة ، والمقصود بهم هنا ملاك الأرض.
[68] لقاء مع المقدم عوض القصير سعد الغرابي بتاريخ 29 / 11 / 2021م.
[69] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.
[70] المطري، بورح سبيتي بن دري (قصيدة الختان في التراث المشقاصي)، مجلة حضرموت الثقافية العدد (13)، ص 65.
[71] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.
[72] لقاء مع المقدم عبد الله صالح النقش الغرابي 15 / 12 / 2012م.
[73] الربَّاطة: الذين يضربون بالبنادق على الربوط.
[74] لقاء مع المقدم عبد الله صالح النقش الغرابي 15 / 12 / 2012م.
[75] المكيل: هي الحصير من الخوص.
[76] مقابلة مع المقدم سالم سالمين الشنيني الجمعة 15 / 10 / 2021م.
[77] المرجع السابق.
[78] المرجع السابق.
[79] من أشهر هذه الزيارات: زيارة حلفون للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن باغشوة، وزيارة بنشوع للشيخ محمد بن عبد الرحمن الملقب (بن شوع) في هبورك، وزيارة معبر.
[80] الملاحي، عبد الرحمن بن عبد الكريم (تاريخ الصراع الحمومي القعيطي …) مصدر سابق، ص 253.
[81] وثيقة (عوائد البادية بالحامي والديس بإمضاء بدر أحمد الكسادي) من وثائق السلطنة القعيطية تحت عنوان 13 / سري / 9، نشرت ضمن وثائق الندوة العلمية التاريخية حول المقاومة الشعبية في حضرموت بحث (الطابع الاقتصادي العفوي والانتفاضات القبلية..) للأستاذ سالم الخضر، ص 119
[82] وثيقة (عوائد البادية بالحامي والديس بإمضاء بدر أحمد الكسادي) مرجع سابق، ص 119
[83] آل شماخ السباعي (عادل بحر، صالح علي، صالح سعيد) وعوض علي الشقري بتاريخ 24 / 9 / 2010م
[84] البهار يساوي 300 رطل.
[85] وثيقة ( عوائد البادية بالحامي و الديس بإمضاء بدر أحمد الكسادي ) مرجع سابق، ص 119
[86] لقاء مع المقدم عبد الله صالح النقش الغرابي 15 / 12 / 2012م.
[87] لقاء مع الشيخ عبد الله كرامة باعبَّاد بتاريخ 12 / 6 / 2020م في بيته بحلفون .
[88] لقاء مع الشيخ البرك سالم النموري.
[89] المغديل: عبارة عن شاية أي وعاء مصنوع من الخوص المسفوف بطريقة معينة
[90] التخبير: هو وضع شوال على الخيل من البسر
[91] لقاء مع المقدم عبد الله صالح النقش الغرابي 15 / 12 / 2012م.
[92] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.
[93] لقاء مع الشيخ البرك سالم النموري.
[94] لقاء مع المقدم سالم النمر أحمد الشنيني بتاريخ 20 / 10 / 2021م.
[95] المصدر السابق.
[96] وثيقة (عوائد البادية بالحامي والديس بإمضاء بدر أحمد الكسادي) مرجع سابق، ص 119
[97] لقاء مع المقدم عبد الله صالح النقش الغرابي 15 / 12 / 2012م.
[98] أبو بدر محمد عوض الخامر تواصل اجتماعي.