طارق بن محمد سكلوع العمودي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 28 .. ص 110
رابط العدد 28 : اضغط هنا
عندما أمر الله تعالى أن يتفتق عن شمسنا أول نور مشع منها على فجر الفضاء البهيم حولها؛ كان الكوكب الضخم المشتري قد تشكل، فاتخذ مداره حول الشمس، وهو الكوكب الوحيد الذي استقبل ضوأها؛ إذ كانت كواكب المجموعة الشمسية كلها بما فيها الأرض سحاباتٍ وغبارًا فضائيًا في طور التشكل لم تتضح ملامحها بعد.
وضخامة المشتري نتج عنه جاذبية ضخمة كانت ومازالت مصدر تهديد لمن حوله.
ويقول علماء الفلك: إن المشتري قد اتخذ فجأة اتجاهه إلى داخل النظام الشمسي باتجاه الشمس.
وعند اختراقه حزام الكويكبات الشهير، الذي يقع بين المشتري والمريخ تبعثر بسبب جاذبيته الضخمة تلك الجلاميد الصخرية والكويكبات بشكل كارثي، فمنها اتجه بقوة وسرعة رهيبة إلى داخل الشمس فذابت واختفت، وأخرى قذف بها إلى مجاهيل الفضاء الخارجي عن المجموعة الشمسية.
وفي الوقت نفسه تسبب تدخله العنيف في إعاقة نمو الكواكب واكتمالها، فكان من ضحاياه الكوكب القزم (سيريس)، الذي كان يحوي محيطات ضخمة من المياه المالحة قابعة تحت قشرة ثلجية؛ مما جعله مهيأً؛ لأن يرتقي إلى كوكب حي إيجابي، فتحول إلى مجرد صخرة جرداء، وتم إعاقة نموه بسبب اختراق المشتري؛ إذ أبعد عنه المواد اللازمة لاكتمال نموه.
وكذلك بسبب اختراقه أوقف نمو كوكب (المريخ) على ما نشاهده اليوم.
وكاد المشتري أن يواصل دخوله، فيعيق نمو الكواكب الداخلية للنظام الشمسي (عطارد، الزهرة، الأرض)، ويسبب لها كوارث ضخمة؛ بحيث ما كان لتكون الأرض على ماهي عليه اليوم.
لولا تشكل الكوكب الغازي الضخم الآخر (زحل)، فتدخل هو الآخر بالاتجاه إلى الداخل، فتكون التناغم التجاذبي المداري التراقصي بين الكوكبين الضخمين، فانعكس اتجاهما إلى الخارج؛ حتى استقرا في مدارهما المعلوم اليوم، فكان ذلك طوق نجاة لتلك الكواكب الداخلية.
ويرى العلماء عند الاتجاه العكسي للمشتري إلى الخارج، ومروره للمرة الثانية بحزام الكويكبات قد قذف بمجموعة منها إلى الداخل، وكثير منها محمل بالمياه الضخمة، فاصطدم عدد منها بالأرض، ومنها تكونت ونشأت هذه المحيطات الهائلة من المياه على الأرض بما يغطي ثلثي مساحتها، وهذا من آثار المشتري في الأرض.
ويرى العلماء أن للمشتري دورًا بارزًا في إنهاء عصر الديناصورات على الأرض، من خلال تأثير جاذبيته الضخمة على حزام الكويكبات قبل ملايين السنين؛ إذ قذف بأحدها باتجاه الأرض، فكانت كارثة انتهاء عصر الديناصورات في الأرض.
كما كان دومًا لا تؤمن غائلة جاذبيته على كواكب المجموعة الشمسية، بل وحتى على المذنَّبات، فكم حاول التأثير في جاذبية كوكب (عطارد) لحثه بقذفه إلى الشمس، ولكن لم يكتب لتلك المحاولة النجاح.
بل وأسر المذنَّب الشهير (شوميكر ليفي ٩)، فأوقف طريق اتجاهه إلى داخل المجموعة الشمسية، فجذبه إليه، حتى اصطدم به وتبعثر على سطحه شذر مذر عام ١٩٩٤م، وبقيت أجزاؤه تدور حول المشتري عامين قبل تحطمها على سطحه.
وهكذا كان المشتري ومازال له تأثيره القوي في تحديد ملامح تاريخ نظامنا الشمسي بكل اقتدار.
وكان مسباري (كاسيني) و(جاليليو) قد كشفتا النقاب عن غموض هذا الكوكب الضخم المخيف؛ بما لا يتسع المجال لبسطه في مقالنا هذا.
بل في كثير من تخطيطات (ناسا) عند توجيه مركباتها لأطراف النظام الشمسي أو خارجه، يكون قذفها وتحديد مسارها من طريق جاذبية المشتري؛ لقذفها من خلال مسارات مقدرة محسوبة، فلولا جاذبية المشتري القوية المؤثرة التي يصعب تجاهلها ما كان ليكتب لها النجاح.
أما تأثيراته الضخمة على أقماره المتعددة والتابعة له، وعلى رأسها القمر (ايوا) فتحتاج إلى مقالة أخرى.
كان هذا خلاصة ما قرأته ورأيته وسمعته من آخر النظريات المثيرة الحديثة عن الكوكب الأكبر في مجموعتنا الشمسية (المشتري)، والتي بثثت ما هضمته فهمًا في مقالنا هذا.
لقد كانت لرقصة المشتري عند توغله القوي وغزوه العنيف إلى داخل النظام الشمسي ما بينا آثاره بحلوه ومره، وكل ذلك بتقدير الله العلي العظيم، وفوق كل ذي علم عليم.